|
مستجدات الحراك النقابي والسياسي في المغرب
عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 3789 - 2012 / 7 / 15 - 11:37
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
حوار صحفي أجراه السيد معاد الكاملي مع عبد السلام أديب يوم الأحد 15 يوليو 2012 حول مستجدات الحركة النقابية والسياسية بالمغرب
1 – مرت الآن أكثر من خمسة أشهر على قرارات اللجنة الادارية للاتحاد المغربي للشغل الصادرة في 5 مارس 2012 والتي كان من بينها قرار طردك من الاتحاد، فما هو موقفك الآن بعد مرور كل هذه المدة؟ وما هي التطورات التي عرفها وضعك النقابي؟
11 - أني أتواجد منذ التحاقي بالاتحاد المغربي للشغل سنة 1996 في صف التوجه النقابي الديموقراطي، ومنذ ذلك الحين تطورت لدي رؤية معيارية حول العمل النقابي بصفة عامة وحول العمل النقابي داخل الاتحاد المغربي للشغل بشكل خاص وهو ما سأحدثك عنه قليلا. إن ما حدث منذ المؤتمر العاشر للاتحاد المغربي للشغل من هجوم "تحت الطلب" من طرف التوجه النقابي البيروقراطي الفاسد المتنفذ داخل الاتحاد على التوجه النقابي الديموقراطي سعيا لاستئصاله وابعاده عن تمثيل جزء من الطبقة العاملة المنخرطة في الاتحاد، حتى لا تصيبها عدوى الديموقراطية العمالية فيكون أولى ضحايا ذلك التوجه النقابي البيروقراطي نفسه والذي يحتل أجهزة الاتحاد منذ عشرات السنين بالتعيين فوقيا وظل يحرص على الغاء التجمعات العامة والانتخابات الديموقراطية والافلات من أي محاسبة سواء كانت مالية أو ادارية.
إن الفضائح المالية والادارية للتوجه النقابي البيروقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل والتي أشارت اليها بأصابع الاتهام تقارير التفتيشية العامة للمالية والمجلس الأعلى للحسابات وتقرير لجمعية فرنسية ترأسها دانيال ميتران والتي تناولتها الجرائد الوطنية منذ سنوات، شكلت أحد الأسباب الأساسية التي "اضطرت" معه هذه البيروقراطية بإيعاز من أطراف سياسية خفية في اجهزة الدولة، للقيام بجريمتها الموصوفة والمتمثلة في ذبح الديموقراطية أمام مرأى ومسمع الجميع بدون حسيب أو رقيب. فيكفي هذه البيروقراطية أن تبقى محافظة على عطف النظام القائم لكي تفلت من العقاب، لأن النظام هو من يلوي عنقها ويستطيع محاسبتها وبالتالي الزج بها في السجون نتيجة ما قد تخفيه من انحرافات مالية وادارية. إذن فالبيروقراطية النقابية تبقى هنا مجرد أداة لذبح الديموقراطية العمالية. ونفس الشيء ينطبق على مختلف المركزيات النقابية الأخرى وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة وبوقائع واحداث مختلفة.
لقد سبق لي أن أكدت في حوار سابق على أن العمل النقابي ليس في المغرب فقط وانما في مختلف دول العالم يعرف انحطاطا كبيرا بسبب ارتباطه بانحطاط رأسمالية الدولة منذ بداية القرن العشرين. فالعالم لا زال يعيش على نوستالجيا القرن التاسع عشر حينما كانت الرأسمالية تحقق توسعا اقتصاديا متزايدا بسبب الاستعمار والكشوفات الجغرافية واستغلال خيرات الشعوب، ففي القرن التاسع عشر استطاعت البروليتارية تأسيس النقابات الجماهيرية ودعمتها في ذلك الأحزاب السياسية اليسارية وتمكنت من خلال نضالات مريرة من انتزاع اصلاحات مهمة كتقليص ساعات العمل من 17 ساعة الى 10 ساعات والحصول على يوم عطلة اسبوعية وعدم تشغيل الاطفال والنساء ليلا بالإضافة الى تحسين الأجر. فهذه الاصلاحات أملت على الطبقة العاملة آنذاك أن تتوفر على برنامج حد أدنى وبرنامج أقصى، يتمثل الأول في الضغط الاقتصادي والسياسي للحصول على اصلاحات مهمة بينما يتمثل برنامج الحد الأقصى في السعي الى الثورة وتدمير الدولة البرجوازية وفرض ديكتاتورية البروليتارية. لكن، بالنظر الى أن البرجوازية كانت تحقق آنذاك أرباحا مهمة ولا تعاني من ازمات سياسية كبرى فقد استطاعت التنازل عن جزء من فائض القيمة لتحقيق تلك الاصلاحات والتي شهدت على الخصوص توسعا في انشاء المرافق العمومية كالتعليم والصحة نظرا لارتباطهما بزيادة مردودية الطبقة العاملة، ومنذ ذلك الحين انقسمت الاحزاب السياسية الى اصلاحية نظر لها برنشتاين وكاوتسكي وأخرى ثورية نظر لها كل من لينين وروزا لكسمبورغ.
مع انتشار الامبريالية على المستوى العالمي واقتسامها للمستعمرات في كافة القارات أصبحت الرأسمالية تصطدم بمحدودية السوق وعدم القدرة على تصريف منتجاتها مما أثر على معدل الربح الذي بدأ يتضاءل لدى جميع الشركات الامبريالية. لقد حكمت هذه الظاهرة على نمط الانتاج الرأسمالي الذي لا يمكنه الاستمرار الا باستغلال الآخرين والتوسع بالإشراف على الاحتضار الطويل الأمد مما يهدد النظام الرأسمالي بكامله بالموت. وقد شكلت الحرب العالمية الأولى بداية هذا الاحتضار طويل الأمد، فالحرب كانت وسيلة لتدمير وسائل الانتاج من اجل أولا أن تعالج الامبرياليات أزماتها، بعضها على حساب بعضها الآخر، ثم ثانيا أن تتخلص من الاحتقان الذي تحدثه الازمة وسط الطبقة العاملة بجر هذه الأخيرة نحو مجازر دموية ثم ثالثا بالدخول في مرحلة اعادة بناء ما دمرته الحرب مما يفتح المجال أمام رأس المال لجني أرباح تمدد من عمره. إذن فمنذ بداية القرن العشرين ظل النظام الرأسمالي الامبريالي العالمي يدور في دوامة الأزمة ثم الحرب ثم اعادة البناء، وحيث خيضت خلال القرن العشرين 125 حربا ذهب ضحيتها حوالي 120 نسمة أغلبيتها الساحقة من الطبقة العاملة وأسرها. مرحلة اعادة البناء ما بعد الحرب العالمية الثانية عرفت نوع من الاستقرار الاقتصادي النسبي والتي استمرت الى غاية عقد السبعينات. لكن منذ هذا العقد الأخير ما فتئت الأزمة تتعمق وتحدث آثار وخيمة على الطبقة العاملة وأفرغ بشكل كامل العمل النقابي من محتواه. ان مرحلة احتضار الرأسمالية منذ سنة 1914غيرت من معالم كل ما عرفه الانسان قبل هذا التاريخ وخاصة طبيعة عمل الدولة ومؤسساتها وطبيعة عمل الديموقراطية البرجوازية والاحزاب السياسية والمركزيات النقابية. فلكي تحافظ الرأسمالية على استمراريتها استندت أساسا على جهاز الدولة ووظفت المالية العامة لخدمة البرجوازية المهيمنة كما وظفت قطاعا عموميا واسعا منذ الازمة الاقتصادية لسنة 1929 لكي تمتص بواسطته آثار الأزمة وتواجه به الحرب الامبريالية وتجند الطبقة العاملة بشكل واسع وتمارس القمع ضد تنظيمات المعارضة، كما استطاعت من خلال جهاز الدولة ان ان تهيمن على المركزيات النقابية وعلى الأحزاب السياسية عبر ما تقدمه لها من اعانات مالية وايضا عبر شراء النخب النافذة داخل هذه النقابات والاحزاب.
ان هيمنة رأسمالية الدولة الاحتكارية على مختلف جوانب الحياة وإفراغها لمبادئ الديموقراطية البرجوازية من كل محتواها السابق، شجع البرجوازية منذ عقد السبعينات على الخصوص وبسبب تعمق الأزمة وتراجع معدلات الأرباح على التراجع التدريجي عن كل المكتسبات التاريخية التي حققتها الطبقة العاملة بفضل نضالاتها السابقة. وقد جاء على رأس هذه التراجعات خوصصة المرافق العمومية خاصة قطاعي التعليم والصحة كما أطلقت العنان للتسريحات الجماعية والفردية وأيضا في تشديد استغلال الطبقة العاملة مع تجميد اجورها. وبينما كانت النقابات في القرن التاسع عشر وسيلة للحصول على اصلاحات وعلى تحسين للأجر، أصبحت مهمة النقابات الأساسية هي تخدير الطبقة العاملة وجعلها تتجرع الاصلاحات التي تنتقص أساسا من مكتسبات الطبقة العاملة وتزيد من أرباح البرجوازية. لقد تحولت الدولة البرجوازية بالكامل خلال القرن العشرين الى دولة تمارس الديكتاتورية بواسطة نفس مؤسساتها السابقة لكن بعد افراغها من محتواها السابق.
إن الطبقة العاملة التي أدركت هذه الحقائق جعلتها لا تنتظر الكثير من المركزيات النقابية لذلك نشهد أن حوالي ثلاثين مركزية نقابية في المغرب لا تستوعب الا بصعوبة خمسة في المائة فقط من الطبقة العاملة النشيطة التي تصل الى حوالي ثمانية ملايين نسمة. كما تلاحظ الطبقة العاملة في المغرب أن أي مد نضالي متزايد يحدث داخل النقابات وذلك منذ عقد الستينات الا ويستتبعه ممارسة قمعية سواء من طرف اجهزة القمع أو من طرف البيروقراطية النقابية مدفوعة الأجرولدينا أمثلة صارخة خلال عقد الستينات من ابرزها مثال الشهيد عمر بنجلون. فالدولة البرجوازية تعمل على الحفاظ على استمرار مفعول الوهم لدى الطبقة العاملة والذي تحاول صناعته بواسطة لعبة الانتخابات والبرلمانية والنقابوية وتفريخ الاحزاب اليسارية والترويج لاطروحات ايديولوجية رجعية.
إن فهم الطبقة العاملة لقواعد الصراع السياسي الجديدة سيجعلها تنتفض وتنسحب من النقابات ومن الاحزاب التي أصبحت عدوة لها وليست مدافعا عنها وتعمل بالتالي على تشكيل أداتها السياسية الثورية المستقلة، من أجل استعادة تملك مستقبلها.
2 – أفهم من اتهامك للنقابوية بأنها أصبحت عديمة الجدوى بالنسبة للطبقة العاملة، فكيف ستتصرف هذه الأخيرة للدفاع عن مصالحها في مواجهة الباطرونا الجشعة؟
22 – نعم بالفعل أن النقابوية أصبحت أداة برجوازية بامتياز تخدم بطرق ملتوية مصالح الرأسمال على حساب العمال الذين يتم دفعهم نحو دوامة الحوارات المغشوشة والوعود التي لا تتحقق وفي المقابل تتآمر مع الباطرونا والحكومات خلف جدران المكاتب الموصدة على أنجع الطرق لدفع الكادحين الى تحمل تكلفة الازمة الاقتصادية الرأسمالية. فأوضاع العمال لن تتزايد سوى تفاقما وستبقى دائما تطالب بفتات الاجور للحاق بالأسعار المرتفعة دائما بشكل صارخ، أما أوضاع البطالة فستبقى في ارتفاع مستمر. بينما ستبقى الاحزاب السياسية تتنافس فيما بينها حول من سيتمكن من خداع الطبقة العاملة أحسن حتى يضمن صبرها وسكوتها على الظلم الاجتماعي وهو ما تسميه بالسلم الاجتماعي والذي لا يعني سوى استقرار الظلم الاجتماعي.
هناك عدة أساليب يمكن أن تناضل بها الطبقة العاملة اليوم للدفاع عن مصالحها في مواجهة الباطرونا الجشعة، فيكفيها الرجوع الى تاريخ الحركة العمالية لكي تستمد منها انجح التجارب، وفي اعتقادي أن تجربة المجالس العمالية التي عرفتها الطبقة العاملة الأوروبية منذ سنة 1905 لا زالت تعتبر احد الأشكال التنظيمية المتقدمة والتي تستطيع بواسطتها مواجهة الباطرونا والدولة البرجوازية وبالتالي أن تفرض عليها تفاوضا حقيقيا على قاعدة مصالحها، وبطبيعة الحال أنه من خلال هذه الصيرورة يمكن تأسيس الأداة السياسية للطبقة العاملة التي تضم طليعة الطبقة العاملة المتنورة وتشكل أفضل معبر عن الوعي الطبقي للعمال وموجه لنضالاتهم.
3 – يبدوا ان اتهاماتك لا تعني المركزيات النقابية فقط بل أنها تطال أيضا الأحزاب السياسية ومن بينها أحزاب اليسار، لكن اللعبة الديموقراطية تقوم على هذه الأطراف وحدها بالاضافة الى ممثلي الباطرونا لتمثيل الشعب في مؤسسات الدولة وفي مقدمتها البرلمان والحكومة، فما هي حجتك على أن هذه الأطراف لم تعد صالحة؟ وهل من بديل آخر غير ذلك؟
33 - رغم اختلاف اسماء الأحزاب المغربية والتي قد توحي للمتتبع الساذج أن لدينا أحزاب يمين وأخرى أحزاب اليسار وثالثة أحزابا اسلامية دينية. الا أن الواقع يؤكد أن مختلف هذه الأحزاب تخضع لهيمنة برجوازيات صغرى تمتهن لعبة السياسات البرجوازية ولغة الكلام امام الحشود، بينما تتشابه برامجها في كل شيء. وقد تقدم الأطنان من الوعود للناخبين خلال فترة الحملة الانتخابية لكنها حالما تضفر بالأغلبية وبالدخول الى الحكومة حتى تتناسى كافة وعودها وتبدأ في تطبيق وعودها للباطرونا بمصطلحات من قبيل دعم الاستثمار بينما تعمل على اعدام المكتسبات الاجتماعية بمصطلحات من قبيل عقلنة النفقات الاجتماعية. إن هذا ما شهدناه منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي ولا زلنا نشاهده اليوم بقوة مع حكومة عبد الإله بنكيران مرورا عبر حكومة جطو وعباس الفاسي.
ان البديل لهذا الوضع لا يمكن أن يؤسس سوى على أساس بديل شعبي ديموقراطي حقيقي، توضع فيه السلطات كاملة بيد الشعب وتتسم بفصل حقيقي بين السلطات والتي تخضع بالكامل لسلطة القانون الذي يضعه الشعب.
4 – ماذا يمنع الطبقة العاملة من أن تتوفر هي الأخرى على أداتها السياسية للمشاركة في البرلمان والحكومة وبالتالي الدفاع عن مصالحها عبر هذه المؤسسات الديموقراطية؟
44 - التعبيرات السياسية الموجودة كلها تعبيرات طبقية متناغمة مع طموحات الباطرونا والتحالف الطبقي الحاكم ومع اقتصاد الريع المتداخل مع الاقتصاد الرأسمالي الى درجة التماهي، لذلك لا أحد منها سيدافع عن الطبقة العاملة بل ستعمل كلها على استخدامها وليس على خدمتها. وفي المقابل ستضل مختلف الأجهزة تناهض أي امكانية لنهوض أداة سياسية للطبقة العاملة، لأن ذلك سيعني بكل صراحة مواجهة الاستغلال والاستبداد والفساد وهي المضامين الثلاثة التي تعمل الباطرونا بشكل أو بآخر على عدم المساس بها. فحتى عملية استئصال التوجه النقابي الديموقراطي من الاتحاد المغربي للشغل من طرف البيروقراطية النقابية هو ردع استباقي للمناضلين المحتمل ان يتصدوا لموجات الهجوم البرجوازية القادمة مع تعمق الأزمة واضطرارها الى المزيد من الاستغلال ونقل عبء ازمتها على كاهل الطبقة العاملة.
5 – هل يشكل الاعلام في المغرب سلطة رابعة؟ وما هي حدود حرية التعبير والصحافة في ظل الدستور الجديد؟
55 – عرف المغرب ولا زال يعرف اعلاميين كبار يمتازون بشجاعة أدبية وبمهنية، لكن رغم عطاءاتهم الاعلامية العظيمة فإنها تتقلص وتتضاءل عندما يقتربون من قضايا سياسية ساخنة، لأن التجربة علمت هؤلاء أن مثل هذا الاقتراب تكون عواقبه وخيمة. وهناك العديد من الامثلة في هذا المجال التي يندى لها الجبين لعل من بينها الحكم على الصحافي على المرابط بعدم الكتابة لمدة 10 سنوات والحكم على رشيد نيني بسنة سجنابسبب عمله الصحافي. وكما أشرت أعلاه فإن هيمنة الدولة البرجوازية خلال مرحلة احتضار الرأسمالية أصبح يطال بالخصوص مجال الاعلام حيث يمكن التحكم فيه عبر التمويل وعبر القضاء وحتى عبر تلفيق الاتهامات وفبركة الأحكام الجاهزة. لذلك نشاهد اختفاء عدد كبير من الصحافة المستقلة التي سبق لها أن طورت خطا تحريريا متميزا يقترب من الممارسة الفعلية للسلطة الرابعة، مثل الصحيفة ولوجورنال ودومان ...
6 – سبق لك أن كنت منسقا وطنيا لما كان يعرف بتنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية، ما هي في رأيك اليوم أوجه التشابه وأوجه الاختلاف مع حركة 20 فبراير؟
66 – ان تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية التي واكبت مرحلة صعودها من شتنبر 2006 الى غاية يناير 2008 كمنسق وطني ومحلي تشكل ابداعا آخر في مجال النضال حيث يمكن للطبقة العاملة أن تلجأ نوع من هذه التنسيقيات خارج المركزيات النقابية التي لم تعد تعمل سوى على تحريف الوعي الطبقي، فتوسع هذه التنسيقيات الذي بلغ تسعين تنسيقية على المستوى الوطني كان بفضل التحاق فصائل متعددة من الطبقة العاملة والتي وجدت فيها منبرا للتعبير عن سخطها ضد السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اجهزت على شروط قوتها اليومي. ورغم الطابع الاقتصادي المحض الذي ميز نضالات تنسيقيات مناهضة الغلاء الا ان الجانب السياسي كان حاضرا من خلال توجيه أصابع الاتهام للسياسات الحكومية وللصمت المتواطئ للمركزيات النقابية وللأحزاب السياسية. ان هذا الفعل النضالي غير الخاضع لهيمنة النقابات والاحزاب السياسية هو الذي دفع بعدد من الاطراف السياسية بإيعاز من وزارة الداخلية الى تقويض مسار هذه التنسيقيات بدعوى محاولة عقلنتها وطرد غير المنتظمين سياسيا من اجهزتها التي اصبحت مغلقة.
أما بالنسبة لحركة 20 فبراير فأعتقد أنها اقتبست من حركة تنسيقيات مناهضة الغلاء بعض أشكال احتجاجاتها، وشكلت نوعا من الاستمرارية لهذه التنسيقيات لكن عبر نقل الفعل الاحتجاجي من المجال الاقتصادي الى المجال السياسي. لكن ما أخشاه الآن هو أن يعيد التاريخ نفسه بحيث تدفع الحسابات السياسية الضيقة لبعض الأطراف السياسية التي تتغذى على حساب هذه الحركة وتساوم بواسطتها لوضع الكثير من الخطوط الحمراء أمام الشباب الذي يقود هذه التجربة منذ سنة ونصف والذين ساهموا عن حق في نشر ثقافة الاحتجاج ورفع مستوى الوعي الطبقي مع ان نضالات الحركة ظلت في مجموعها نضالات رمزية لا أقل ولا أكثر، ورغم مختلف الانتكاسات والاحباطات وعدد الشهداء والاعتقالات والتعذيب التي اعترضتها خلال هذه المدة.
7 – هل يمكن القول أن المغاربة قد تجاوزا بنجاح موجة الربيع العربي التي انطلقت سنة 2011 والتي لا زالت مستمرة واسقطت عدة رؤوس في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن؟ وإذا كان الأمر كذلك فماهي الآليات التي تحقق بها هذا التجاوز والنجاح؟
77 – لا يتعلق الأمر هنا بكلمة نجاح أو فشل بقدر ما يتعلق الأمر بصراع متعدد الأبعاد سياسي واقتصادي واجتماعي يسعى أحد اطرافه الى تحقيق نوع من الاصلاحات عبر الاستمرار في الاحتجاج السلمي بينما يسعى الطرف الثاني في الصراع الى بدل كافة الجهود للالتفاف على هذه المطالب والحفاظ على الوضع القائم بل والهروب الى الأمام بعد ايهام الجميع بإرادة الاصلاح من خلال الدستور الممنوح لفاتح يوليوز 2011 والانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011. فعلى هذا المستوى يمكن القول أن الدولة نجحت الى حد ما في عملية التفافها على مطالب حركة 20 فبراير، بل استطاعت أيضا ان تحقق من وراء هذا الالتفاف مكتسبات لفائدة الباطرونا، فدستور 2011 تراجع عن اهم حقوق الطبقة العاملة كالحق في الشغل والحق في الصحة والحق في التعليم وكافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما استطاعت الدولة من خلال حكومة بنكيران التراجع عن وعودها في تشغيل حملة الشهادات المعطلين ورفعت من وتيرة قمع الحركات الاحتجاجية وعاقبت مدنا مهمشة بكاملها كمدن تازة وبتي بوعياش وامزورن والحسيمة وآسفي ودوار الشليحات ... كما فرضت على المغاربة تحمل كلفة القطار فائق السرعة تيجيفي بمبلغ 33 مليار درهم بينما زادت في اسعار المحروقات في الوقت الذي يعرف فيه السوق الدولي انخفاضا في هذا السعر وهو ما أدا الى تفاقم اسعار المواد والخدمات الاساسية. بهذا المنطق الأخير يمكن القول ان المغاربة قد خسروا كثيرا في ظل ما يعرف بالربيع العربي في الوقت الذي نجحت فيه الدولة البرجوازية في المغرب في خدمة مصالح الباطرونا بشكل افضل ودون معارضة حقيقية تذكر. فقط ذلك النضال الرمزي لحركة 20 فبراير والذي قدم تلك الحصيلة الثقيلة من الاستشهادات والتي لم تعمل سوى على التنفيس عن الاحتقان والتوتر الاجتماعي الناجم عن تعمق الازمتين الاقتصادية والسياسية.
8 – هل من شأن هذه الأزمة الاقتصادية والسياسية القائمة أن تثير موجة ربيع عربي ثانية قد تزعزع الوضع السياسي في المغرب؟
88 – ان النضال الرمزي لحركة 20 فبراير بلغ مرحلة الانهاك نظرا لطول مدته واجترار نفس الشعارات التي أخذت تملها الطبقة العاملة نظرا لفراغها من أي مضمون نضالي حقيقي يغير موازين القوى القائمة، وفي المقابل فإن هذا الفشل الذي منيت به الحركة شجع الدولة على المزيد من القمع وعلى المزيد من اتخاذ القرارات اللاشعبية، من أجل نقل منهجي لانعكاسات الازمة على كاهل الطبقة العاملة التي تتحمل بعناء وصعوبة آلام هذه القرارات بالإضافة الى تحملها لانعكاسات الازمتين الاقتصادية والسياسية. إن ما يمكن انتظاره بالفعل اليوم هو امكانية حدوث انفجار اجتماعي مباغت لأن شروطه أصبحت متوفرة بالكامل أصبحنا نعيش في ظل أزمة ثورية مستمرة.
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوحوش البيروقراطية النقابية تهيمن عبر قرارات لا ديمقراطية
-
ضد ذبح الديمقراطية العمالية داخل الاتحاد المغربي للشغل
-
نقاش سياسي على هامش مؤامرة البيروقراطية النقابية بالاتحاد ال
...
-
الأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها على الطبقة العاملة ودورها
...
-
إشكالية العمل النقابي في المغرب !
-
تطور موقف التوجه النقابي الديموقراطي بالمغرب
-
لا مجال للتراجع عن محاربة المافيا النقابية والفساد والافساد
...
-
دور البيروقراطية النقابية في تدجين الطبقة العاملة وتشديد است
...
-
دردشة حول الطلب الداخلي وأزمة تمويل الاقتصاد المغربي
-
محاولة انقلاب فاشلة داخل الاتحاد المغربي للشغل
-
لا تحرر للمرأة من دون تحرر المجتمع من النظام البرجوازي الطبق
...
-
النضال العالمي من أجل الديموقراطية والحرية
-
تصريح الحكومة -الملتحية- لا يتضمن اجراءات لتجاوز أزمة صناديق
...
-
الحكومة -الملتحية- أمام تحديات اقتصادية كبيرة لا قدرة لها عل
...
-
تقرير عن حقوق الإنسان بالمغرب 2011: قمع، اعتقال، تعذيب و محا
...
-
الشعب المغربي تحت الحصار
-
لماذا سقط نظام بنعلي ولم يسقط النظام في المغرب؟
-
الإدمان على الانترنت كالإدمان على المخدرات القوية!
-
عودة نظرية المصدر الإلهي للسلطة
-
الثورات العربية والمغاربية بين اليسار التحريفي واليسار الثور
...
المزيد.....
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
-
السيد الحوثي: السجل الاجرامي الامريكي واسع جدا وليس لغيره مث
...
-
Greece: Great Strike Action all Over Greece November 20
-
25 November, International Day for the Elimination of Violen
...
-
25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
-
استلم 200000 دينار في حسابك الان.. هام للموظفين والمتقاعدين
...
-
هل تم صرف رواتب موظفي العراق؟.. وزارة المالية تُجيب
-
متى صرف رواتب المتقاعدين لشهر ديسمبر 2024 وطريقة الإستعلام ع
...
-
استعد وجهز محفظتك من دلوقتي “كم يوم باقي على صرف رواتب الموظ
...
-
-فولكسفاغن-.. العاملون يتخلون عن جزء من الراتب لتجنب الإغلاق
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|