لطفي حاتم
الحوار المتمدن-العدد: 1107 - 2005 / 2 / 12 - 11:47
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عكست نتائج الانتخابات العراقية رغم مقاطعة كتل اجتماعية وتيارات سياسية الأوزان الحقيقية لمكونات التشكيلة العراقية في اللحظة التاريخية الملموسة , وبهذا يمكن القول أن تلك النتائج ورغم أنها عبرت عن تلك المواقع إلا أنها وبذات اللحظة أشرت الى أن تصويت العراقيين لم يكن تصويتاً للهوية الوطنية بل جاء تصويتاً لهويات متعددة منها ما هو طائفي ومنها ما هو اثني. بكلام آخر أن التصويت لم يخضع لبرامج انتخابية تعبر عن رؤية عراقية حول هذه القضية أو تلك بل إن التصويت أشر الى وحدة عراقية افتراضية يتخطى ولاء مكوناتها الهوية الوطنية لهويات طائفية / اثنية.
ان الموضوعة المشار إليها تدفعنا الى طرح التساؤلات التالية : هل أن نتائج التصويت ستفرز صراعاً حول مستقبل البلاد السياسي؟. أم ان مكونات التشكيلة العراقية تشترط الأخذ بمبدأ التوافق الذي يعني التخلي عن مطالب الحد الأعلى والقبول بمعطيات الحد الأدنى ؟
الاحاطة بتلك الأسئلة تقودنا الى تحليل طبيعة المشاريع العراقية / الأمريكية ( 1 ) الفاعلة في واقع العراق الراهن . ولكن قبل البدء بهذا التحليل دعونا نحدد بعض الموضوعات التي أراها ضرورية كمدخل لرصد المواقع الفعلية للمشاريع العراقية / الأمريكية.
أولاً: ـ ليس هناك مبالغة في القول حينما نؤشر الى تراجع المشروع الوطني/ الديمقراطي وضعف قاعدته الاجتماعية في الانتخابات العراقية هذا إذا فترضنا أن الحوامل السياسية لهذا المشروع تتمثل في التيارين اليساري / الديمقراطي والديمقراطي الليبرالي ويعود انحسار مشروع الوطنية الديمقراطية الى عوامل عدة نستطيع إيجازها بالمؤشرات التالية ( 2 ): ـ
أولاً: ـ لم تستطع قوى اليسار والديمقراطية الليبرالية إقامة تحالفاً سياسياً على أساس رؤية وطنية / ديمقراطية شاملة تضع المصالح الوطنية والبناء الديمقراطي للدولة العراقية في شعارات سياسية / اجتماعية ملموسة تتلخص في وضوح الموقف من الاحتلال , السيادة الوطنية, سبل إعادة الوحدة العراقية , استقلالية الاقتصاد الوطني وصيانة الثروات الوطنية , الدفاع عن المصالح الفعلية للقوى الشعبية.. الخ من المهام ذات المضامين الآنية / المستقبلية.
ثانياً: ـ ترافق غياب البرنامج الوطني / الديمقراطي مع عوامل عدة أثرت سلباً على القوة التصويتيه للتيارين اليساري / الديمقراطي أهمها:
أ : ـ أفضى توزع قوى اليسار والديمقراطية على قوائم مختلفةـ اتحاد الشعب , قائمة وطني , والقائمة الوطنية الديمقراطية الكردستانية التي صوت لصالحها الحزب الشيوعي الكردستاني الى تخلخل القاعدة الأممية لليسار الديمقراطي والتي شكلت عاملاً من عوامل قوته التاريخية.
ب : ـ عزوف بعض الكتل والمنظمات اليسارية عن المساهمة في الانتخابات بسبب رؤيتها الفكرية / السياسية للانتخابات وعدم شرعيتها في ظل الاحتلال .
ج : ـ حداثة التيار الديمقراطي الليبرالي وضعف قاعدته الاجتماعية ناهيك عن انعدام تأثيراته السياسية .
ثالثاً : ـ أقضى تفتيت التشكيلة العراقية وضعف فعالية القوى اليسارية والديمقراطية وغياب برنامجها الوطني / الديمقراطي الموحد الى تنامي قوة المشاعر الطائفية / القومية التي تمترست بشعارات إعادة الشرعية لحكم الأغلبية ( الشيعية ) من جهة والدعوة الى تطوير المكاسب القومية وصولاً الى حد الانفصال من جهة أخرى. ( 3 )
ـ رغم تباين مواقف التيار القومي العربي من العملية الانتخابية وتوزعه على مؤسسات عشائرية / دينية إلا أن أغلبية هذا التيار صوتت الى جانب القائمة العراقية.( 4 )
على أساس تلك التقديرات التي تتحكم في رؤيتنا السياسية نحاول رصد محاور الاختلاف في الجمعية الوطنية المنتخبة .
بداً نشير الى أن الانتخابات لا تعني بأية حال سيادة الديمقراطية كبنية سياسية ناظمة لآلية عمل مؤسسات الدولة لكنها ـ الانتخابات ـ تبقى مؤشراً على التوجه نحو تبني موضوعة الشرعية الانتخابية.بمعنى أخر أن جسامة المشاكل التي تواجه التشكيلة العراقية لا يمكن حلها بروح طائفية أو مشاعر قومية بل بعقلية ديمقراطية تستند الى وحدة المصالح الوطنية التي تتعدى الأطر الفئوية الضيقة.
بهذا المسار فإن الإشكالات الكبرى التي تواجه البلاد ستتمحور حول القضايا السياسية التالية:ـ
1 : ـ إعادة بناء وحدة التشكيلة العراقية على أساس توازن مصالح مكوناتها الاجتماعية انطلاقاً من قاعدة الحوار الديمقراطي المرتكز على نبذ العنف والتفاعل مع العملية السياسية والشرعية الديمقراطية وهنا لابد من الإشارة الى ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كل أطياف التشكيلة السياسية العراقية بهدف مواجهة الانزلاق نحو خنادق طائفية / قومية.
2 :ـ تشترط صياغة الدستور الدائم تذليل ثلاث قضايا رئيسة تتمثل في: ـ
أ: ـ بناء شكل الدولة العراقية على أسس فدرالية متجاوبة ووحدة الدولة العراقية.
ب:ـ بناء شكل النظام السياسي وركائزه الأساسية الديمقراطية والتداول السلمي لسلطة البلاد السياسية وفي هذا الإطار لابد من حسم الصيغة الدستورية لشكل الحكم رئاسي أو برلماني بمعنى تحديد المؤسسة الدستورية صاحبة القرار النهائي البرلمان أو مجلس رئاسة الدولة.
ج : ـ تحديد صلاحيات المؤسسات الدستورية الأساسية في البلاد , الجمعية الوطنية , مجلس رئاسة الدولة , مجلس الوزراء .
إن حل الإشكالات السياسية الكبرى تتطلب درجة عالية من المرونة السياسية والتنازلات المتبادلة مترابطة مع رؤية سياسية تنطلق من روح التوازن بين مكونات التشكيلة العراقية ( نستثني هنا الحديث عن توازن المصالح الطبقية ).
3 :ـ يطرح حصول قائمة الائتلاف الوطني الموحد على نسبة كبيرة من مقاعد الجمعية الوطنية موضوعة علاقة الدين بالدولة حيث تصبح هذه الموضوعة من القضايا الخلافية لذا فان التوصل الى قوا سم مشتركة تتعدى الرؤية الأحادية الدينية وتتمسك بوحدة المواطنة وحقوقها الأساسية كأساس لبناء الدولة العراقية أمراً حيوياً لمنع التفجر ات الطائفية. ( 5 )
4: ـ يتمحور موقف القوى السياسية الممثلة في الجمعية الوطنية من قوات الاحتلال واستعادة السيادة الوطنية حول عدة خيارات منها:ـ
أ : ـ وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية.
ب : ـ بناء قواعد عسكرية ثابتة .
ج : ـ اتفاقات عسكرية / أمنية مع الحكومة الوطنية المنتخبة .
ان تباين توجهات الكتل المهيمنة على الجمعية الوطنية وعدم وحدتها إزاء القضايا الشائكة تحلينا الى تحليل موقع المشروع الأمريكي في المرحلة الحالية.
من نافلة القول أن احتلال العراق وتدمير دولته المركزية يدخل ضمن المصالح الأمريكية الاستراتيجية وبالوقت الذي لا حاجة بنا لتكرار طبيعة تلك المصالح إلا انه يبقى مفيداً التركيز على المعطيات التالية:
ـ أفرز الاحتلال واقعاً جديداً يتمثل في تنازع المشروعين الأمريكي والوطني ( رغم عدم انسجام توجهاته ) على تقرير مستقبل البلاد السياسي/ الاقتصادي ( 6 ) ويتمثل هذا التنازع في مفاصل كثيرة نتوقف عند بعضها:
*: ـ كيفية اعادة بناء المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وحدود تعاونها مع الأجهزة السرية الأمريكية.
** : ـ اتجاهات تطور الاقتصاد العراقي ودور الشركات الأمريكية في إدارة المفاصل الأساسية للثروة الوطنية, والمعونات المالية الأمريكية وأوجه صرفها .
*** : ـ أصبح موقع العراق في بناء الأمن الإقليمي هدفاً استراتيجياً لذا فإن المشروع الأمريكي الهادف الى صياغة الشرق الأوسط ينطلق من: ـ
1: ـ بناء أنظمة حكم تستند الى ديمقراطية سياسية يسود فيها تحالف النخب الحاكمة مع شركائهم الوافدين .
2: ـ تحجيم مراكز القوى الإقليمية خاصة تلك المراكز التي تنادي ببناء علاقات اقليمية مستندة الى احترام المصالح الوطنية / الدولية.
3: ـ بناء أمن إقليمي يرتكز على وحدانية القوة العسكرية الأمريكية / الإسرائيلية ( أشار توماس فريدمان في احد مقالاته في الشرق الأوسط الى ضرورة ضم إسرائيل ومصر الى التحالف الأطلسي ) التي يقود بدوره الى بناء تكتل اقتصادي شرق أوسطي تتساقط فيه مقومات الاستقلال والسيادة الوطنيتين.
إزاء تشابك المصالح الوطنية / الأمريكية لابد من التساؤل عن إمكانية ارتفاع قوى التشكيلة العراقية الدينية /القومية /العشائرية والسياسية الى مستوى المسؤولية الوطنية المستندة الى شرعيتها الانتخابية لبناء الوطن العراقي على أساس الديمقراطية وصيانة المصالح الوطنية ؟ .
تساؤل تجيب عليه طبيعة العقلية السياسية الماسكة بزمام المسؤولية الوطنية.
ملاحظات عامة
1: ـ نقول مشاريع عراقية بسبب غياب المشروع الوطني / الديمقراطي الموحد لقوى التشكيلة العراقية وتعدد مشاريع القوى السياسية العراقية.
2 : ـ سنهمل قضايا التزوير والتلاعب والضغوطات لان مقاساتنا في هذه الحالة هي الوعي السياسي الديمقراطي .
3 : ـ صوت الأكراد بنعم للانفصال حيث قدرت اللجنة العليا لحركة الاستفتاء الكردستانية نسبة المصوتين بنعم 76, 98 % .
4 : ـ لم نضع تيار الدكتور علاوي ضمن التيار الديمقراطي بسبب ترابطاته مع التيار القومي وتداخل أجندته السياسية مع المشروع الأمريكي .
5 : ـ تتناثر تصريحات لبعض رموز تيار الإسلام السياسي الى ضرورة اعتماد الإسلام مصدراً وحيداً للدستور.
6 : ـ ان غياب المشروع الوطني الديمقراطي يشرع الأبواب أمام المساومات الكبرى بين أجهزة المنطقة الخضراء ( السفارة الأمريكية , مؤسسة الرئاسة , والحكومة العراقية ) .
#لطفي_حاتم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟