|
الدين.. والمحبة..
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3786 - 2012 / 7 / 12 - 18:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"إن كنت أتكلّمُ بألسنة الناس والملائكة، ولكن ليس لي محبّة، فقد صرتُ نحاسا يطنُّ، أو صنجاً يرنُّ. وإن كانت لي نبوّة، وأعلم جميع الأسرار وكلّ علم، وإن كان لي كلّ الايمان حتى أنقل الجبالَ، ولكن ليس لي محبّة، فلستُ شيئاً. وإن أطعمتُ كلّ أموالي، وإن سلّمت كلّ جسدي حتى أحترق، ولكن ليبس محبّة، فلا أنتفع شيئا. المحبّة تتأنّى وترفق. المحبّة لا تحسد. المحبّة لا تتفاخر ولا تنتفخ، ولا تقبّح ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحسد، ولا تظنّ السوء، ولا تفرح بالاثم، بل تفرح بالحقّ، وتحتمل كلّ شيء، وتصدّق كلّ شيء، وترجو كلّ شيء، وتصبرُ على كلّ شيء. المحبّة لا تسقط أبداً. وأما النبوات فستبطل، والأسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل... أما الآن، فيثبت الايمان والرجاء والمحبّة، ولكن أعظمهنّ المحبّة."/ (1كو 13: 1- 8، 13) المحبة في اللغة تعبير عن شعور ايجابي (جيد/ مريح) ينشأ في داخل المرء، تجاه شيء/ شخص آخر (object). ورغم أن الحبّ في أصله هو شعور معنوي –غير مادي- فأن جوهر الحبّ وانعكاسه هو (مادي) بالضرورة. فغاية الحبّ قد تكون وردة أو شجرة أو جبلا أو نهرا أو شخصا أو كلبا؛ قد تكون ثوبا أو طعاما أو عربة أو مركزا وظيفيا أو اجتماعيا. يعتقد البعض أن الحبّ غريزة، وقد يبالغ البعض بالقول أن الحبّ حاجة. ان الغريزة هي نداء الحاجة، أما الحبّ فهو صفة انسانية تطورية، أكثر رقيا في مستواها، وأكثر سموا ورفعة في معناها، من المفهوم الدوني للغريزة، أو المفهوم المبتذل (السوقي) للحاجة. ان الحياة ليست مستحيلة بغير الحبّ، ولكنها تبقى غير ذات معنى. وتمثل المحبة جانب الخير في قاموس الفضائل والقيم إلى جانب النور والرحمة والعطاء المجاني والعمل البناء. فالحبّ إذن.. - صفة انسانية.. - سمة تطورية ترتبط بالحياة المشتركة والمدينية.. وفي نقطة بين الأثنين، ظهر الدين. فهو حسب تعريفه التراكمي التاريخي المتدرج، حاول استيعاب كلّ ما يتعلق بالانسان وحاجاته وظروفه الآنية في محاولة لتقنينها وإعادة انتاجها، من مبدأ الوصاية والتوجيه والتأويل الديني. ويعتبر الانجيل أهم مرجع للحبّ الروحي المتصوف، فيما تعتبر الفيدا الهندية (كماسوترا) المرجع الأول في مجال الحبّ المادي البشري على مدى التاريخ. لكن الضرورة تستدعي التأكيد على علمانية الحبّ، ولبرالية الحبّ، ودمقراطية الحبّ، وعقلانية الحبّ، ومركزية الدور الانساني فيه، لكي لا تتم مصادرة الحبّ والمحبّة من قبل أيّما جهة، في محاولة لتفريغ الوجود البشري من أيما أهمية وامتياز وبراءة. والواقع أن الدين ليس الجهة الوحيدة المتهمة بمصادرة الحبّ وتدجينه. فهناك العلوم البحثية المجردة، وهناك السياسة والاقتصاد والمجتمع، وكلّ منها سعى ويسعى لتسخير [الحبّ] لأغراضه وبرامجه. وحين يتزايد اغتراب الكائن البشري عن نفسه وطبيعته وشروطه الأصلية، فما زالت السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا تمعن في تغريب حياة الانسان واستغراقها في مستنقعات الاستهلاك. فالجسد العاري والعاطفة الزائفة من أرخص وسائل الاعلان والتسلية واللذة. وما تزال شركات الاعلان والأدب التجاري يتماديان في ابتذال شخص المرأة، ممال يعتبر تسليعا ماديا وانتهاكا لوجودها الانساني وحقوقها القانونية. وانتشار صور عري الأنثى في اعلانات الشوارع والتلفزة وشبكة النت، يشكل تدميرا تربويا لنظرة الطفل للأنثى منذ بداية تكوينه الثقافي. الحبّ احساس/ شعور بشري يصطلح عليه بالعاطفة المنسوبة إلى القلب، قد ينخفض بصاحبه ومقصوده، وقد يرتفع بهما. والأصل فيه الارتفاع والسمو والتعفف والعطاء والتضحية والاخلاص والالتزام والثبات والنبل. والأصل فيه التفاهم والانسجام وعدم تغييب العقل والتفكير الايجابي والعمل البناء، وعدم المبالغة في الأنانية، لينعكس ثمره على البيئة الاجتماعية والمادية. فالحبّ، وإن كان مضمونه شخصيا بين فرد وآخر، بين نقطتين، فأن إطاره التطبيقي العملي أوسع من الانحسار في شخص أو شيء محدد. فليس من المنطق أن شخصا يحبّ شخصا معينا، ويكره سواه. شخص يتظاهر بالحبّ، ولكنه يقطع الزهور ويتلف الأشجار ويعتدي على الطبيعة. وفي سيرة الوجودي الكبير سرن كيركجارد، يضطر لفسخ خطوبته من شخص المرأة التي أحبها، لاعتقاده أن العلاقة (الترجمة) الجسدية لشعوره سوف تفسد حبّه أو تلحق أذى بالمحبوب. وفي تراثنا العربي يتخذ الحبّ (العذريّ) مكانة سامية ونكهة خاصة لا يبرد ضوعها. قيمة الحبّ، والتي أشاد بها كبار رجالات التاريخ وفلاسفة البشرية تكمن في كونه (الحبّ) امتياز البشر في إضفاء معنى جديد للحياة ومستوى أكثر راقيا – مدنيا/ متحضرا- في التعامل مع الجسد من جهة ومع المحيط الذي يوجد فيه. ولا بدّ.. أن كلّ شيء في حياة الانسان ومتعلقاته، بل في كل الطبيعة، يختلف في المعنى والمعاملة/ الغاية والاسلوب، بوجود الحبّ (المحبّة)، من عدمه (1 كو 13). وقد تفردت المسيحية برفع (المحبة) إلى أسمى مرتبة حين ربطتها بالذات الالهية [الله محبّة!]. 1 يو 3: 1 انظروا اية محبة اعطانا الآب حتى ندعى اولاد الله.من اجل هذا لا يعرفنا العالم لانه لا يعرفه. 1 يو 3: 16 بهذا قد عرفنا المحبة ان ذاك وضع نفسه لاجلنا فنحن ينبغي لنا ان نضع نفوسنا لاجل الاخوة. 1 يو 3: 17 واما من كان له معيشة العالم ونظر اخاه محتاجا واغلق احشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه. 1 يو 4: 7 ايها الاحباء لنحب بعضنا بعضا لان المحبة هي من الله وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله. 1 يو 4: 8 ومن لا يحب لم يعرف الله لان الله محبة. 1 يو 4: 9 بهذا أظهرت محبة الله فينا ان الله قد ارسل ابنه الوحيد الى العالم لكي نحيا به. 1 يو 4: 10 في هذه هي المحبة ليس اننا نحن احببنا الله بل انه هو احبنا وارسل ابنه كفارة لخطايانا 1 يو 4: 16 ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي للّه فينا.الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه.
لكن .. إضافة لكلّ ما سبق.. تبقى للحبّ.. ذلك الشعور الحميميّ شديد الذاتية.. خصوصيته وحراجته.. معصوميته وحصانته الدبلوماسية.. بل منطقته الحرام التي لا يسمح لأحد الاقتراب منها أو لمسها. ويتجلى ذلك في العزلة والفردية والانطوائية التي يميل إليها العاشق أو المفتون بالحبّ. يترتب عليه اضفاء السرّيّة على مشاعره، وعدم افشائها لغير الشخص المعني أو المناسب. ويمكن القول أن الأسرار والوشاية والخذلان والعهد والخيانة هي جزء من قاموس الحبّ. الحبّ بطبيعته الشعورية الحميمة، هو جزء من الشخصية وتكوين الذات. هذه الصفة الذاتية تجعل صاحبها ذي حساسية غير عادية في نظرته وعلاقته بالوجود. وارتباط الحبّ بعالم الشعور والأحاسيس يستحث طاقات وقدرات ذاتية داخل الشخص، تنعكس في مجالات ابداعية فنية أو ثقافية أو اجتماعية. وبالتدريج.. ينشئ الحبّ لنفسه عالما خاصا، تسمه لمسات وبصمات ذاتية وشخصية هي طابعه العام. * في ضوء هذه المؤشرات، يشكل أي تدخل خارجي في خصوصيات حالة الحبّ/عالم الحبّ نوعا من انتهكاك الخصوصيات، وحركة في الاتجاه المعاكس. الدين.. الذي هو إطار يمثل عادات وتقاليد اجتماعية قبلية عامة، يتصادم مع حالة ذات طابع فردي نفسي خصوصي، شديد الحميمية. علاقة الدين بالحبّ، استندت إلى تجريد مفهوم الحبّ من بعده الشعوري الفردي- كإحساس ينبع من الذات، إلى عاطفة دينية اجتماعية، أو عاطفة اجتماعية بايعاز (طابع) ديني. فالسؤال الذي يرد هنا باستغراب.. هل يحتاج المرء إلى وصية دينية أو أمر سماوي ليتعلم الحبّ أو يطبقه؟.. "أحبّ قريبك كنفسك"/ (متى 19: 19) "احبّوا أعداءكم.باركوا لاعنيكم.احسنوا الى مبغضيكم. وصلّوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم."/ (متى 5: 44) "أحبّ لغيرك كما تحبّ لنفسك."/ حديث مسلم " تعال أنا وأنت نود أن نبني نود أن نبني بهتاف خفي ، نبني الثمرة العجيبة حتى نغرس الأثمار حتى نهيئ المساعدين"/ كنزا ربا.
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين.. والاختبار
-
الدين.. والاختيار
-
الدين.. والاختلاف
-
الدين.. والتجارة..
-
الدين.. والتبعية!..
-
الدين.. والسيطرة*!
-
الدين.. والطبيعة
-
اللغة والزمن..
-
فيزياء الروح وروح الفيزياء
-
يسألونك عن الروح..
-
المفهوم المادي لسرعة الزمن..
-
الدين.. وعبادة الموتى
-
مصطفى سعيد الآن!..
-
الدين.. وتغليف فكرة اللا جدوى بالشوكولاته
-
هل الدولة شرّ؟!!
-
عمال بلا عيد
-
الدين.. والحرية
-
الدين والسياسة
-
الناس بين الإله وموظفيه!
-
علم الأديان المقارَن.. والدرس الديني
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|