مناع النبواني
الحوار المتمدن-العدد: 1107 - 2005 / 2 / 12 - 11:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
- أية ديمقراطية نريد –
اتسعت دائرة الحديث وتعددت الكتابات بعد انتشار حُمّى الديمقراطية في مشارق الأرض ومغاربها,خاصة بعد انهيار إمبراطورية الديكتاتورية – المعسكر الاشتراكي – تلك الإمبراطورية التي أنتجت حكم الحزب الواحد , والزعيم الأوحد , والفكر الذي تجسد في رفض الآخر ومعاداته حتى الثمالة .
الدول المتخلفة – ونحن منها – دائماً تخشى كل جديد , وربما تحاربه حتى ولو كان لمصلحة أوطانها ومواطنيها . وباعتبار الدول المتخلفة تختصر الوطن – كل الوطن – بشخصية الحزب أو الملك أو القائد . فهي لا تعرف الوطن ولا المواطن , وبذلك يصبح من الطبيعي جداً لديها الخوف من المستقبل أو الجديد , وربما معاداته .
وانطلاقاً من خوفها على مصالحها هي , ومكتسباتها هي , فنراها تفلسف , وتتفتق بنات أوهام أفكارها عن تصورات وتسميات للديمقراطية , ما أنزل الله بها من سلطان , فهذه ديمقراطية ليبرالية , وتلك ديمقراطية شعبية , وأخرى ديمقراطية اشتراكية .
هذه ديمقراطية , غربية , وتلك ديمقراطية شرقية , وثالثة ديمقراطية عربية ورابعة ديمقراطية أميركية وبعضهم يهتف قائلاً : (( لا شرقية ولا غربية )) .
وهنا تحضرني قصة طريفة : (( مرّ أحد الفلاحين ـأيام إنتاج الغلال على البيادر – بمظاهرة سياسية تقول : لا شرقية ولا غربية ))) . فقال لهم باللهجة العامية (( ونحنا على شو بدنا نذرّي )) ؟!
والتذرية : هي فصل التبن عن الحبوب بواسطة الرياح والمذراة – ودائماً يجب أن تكون غربية أو شرقية.
وهذه هي حال الدول المتخلفة , لا يريدون ديمقراطية غربية ولا يريدون ديمقراطية شرقية – فأية ديمقراطية يريدون يا ترى ؟.
ومن التصورات والتسميات التي يضيّع البعض وقتهم في تفاضلها أو تكاملها , دون أي فعل عملي يفيد الوطن والمواطن ما يلي :
- الشورى : تتلخص الشورى في – تساؤل القائد أو مشاورته لبطانته ورجال سلطته في الدرجات العليا من السلطة (( أهل العقد والحل )) ولا تمتد إلى بقية المواطنين الذين هم المحل الذي يقع عليه فعل الفاعل.
- الديمقراطية الشعبية : وهذا شكل أوجده الحاكم سواء أكان حزباً واحداً أو فرداً أو بضعة أحزاب شكلت فيما بينها تجمعاً لا يجمع بينها إلا الضحك على الشعوب التي سموا الديمقراطية بأسمائهم. حيث يشكل الحكم نقابات وجمعيات واتحادات يسيطر عليها ويعين قياداتها. وعندما تجري انتخابات ما، توجد إلى جوانبها القوائم التي لا يجرؤ أحد على مخالفتها، ولا يستفيد منها إلا المطبلين والمزمرين، والموالين للسلطة، والمباركين للخطأ والمصفقين له. هذه هي باختصار الديمقراطيات المختلقة والمزيفة. حيث حللت الفساد , ومارست الإفساد بكافة صوره وأشكاله, بل و تفننت و تفوقت في ذلك. الديمقراطي الغربي لا يكذب, ولا يسرق المال العام, ولا يشهد زوراً, ولا يحلف يميناً كاذبة, ولا ... ولا ... ولا ..... .
القاضي الديمقراطي الغربي لا يرتشي , ولا يخالف القانون , ولا يحابي أحدا, ولا يأتمر بأوامر الجهات الوصائية أو السلطات التنفيذية وخاصة _ الأمنية منها _ .
المسؤول في الديمقراطية الغربية _أياً كان_يحافظ على المال العام , ويُحاكَم علنياً وتنشر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أنباء محاكمته وتتابعها.
الديمقراطية الغربية ترفض الإرهاب والعنف , وحققت فضيلة تبادل السلطة سلمياً , بينما الديمقراطيات الشعبية أو العربية أو ... تؤدي إلى اغتصاب السلطة ( الحكم ) وفرض أحادية الفكر وصنمية القيادة .
السائقون في الديمقراطية الغربية لا يخالفون قوانين السير, حتى لو كان رأس الدولة هو أحد السائقين. و يراعون شاغلي الطريق حتى لو كانوا حيوانات أو طيورا .
عرضت محطة تلفزيونية: بطة مع صغارها خرجت صدفة من مكانها وسارت في عرض الشارع مخالفة إشارة المرور. واحتراماً لكرامة الحياة توقف السير جميعه حتى عبرت البطة مع صغارها الشارع ووصلت إلى الرصيف المقابل , ثم تابع السائقون مسيرهم .
الشرطة في الديمقراطية الغربية , لا يُرهبون المواطنين والناس ـ أياً كانوا ـ بل يرشدونهم سواء السبيل, لا يرتشون ولا يهملون واجباتهم ,كل ذلك لا طمعاً في ثواب ولا خوفاً من عقاب. وإنما لإيمانهم بالوطن والمواطن. أي بالديمقراطية .
الديمقراطية الغربية, تمنع وصول السياسة والتحزب إلى القضاء أولاً, و إلى الجيش ثانياً , القضاء حامي الحقوق ومحقّّّّها. والجيش حامي الوطن والديمقراطية.
هذه هي الديمقراطية, والتي صاغها عمر بن الخطاب بقوله: (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )) . فلماذا نستغربها وربما نحاربها أحياناً ؟!
نتبارى في الحديث عن الشرف والأخلاق العربية والمشرقية ونحتقر الشرف والأخلاق الغربية ونعتبرها من مفرزات الديمقراطية الغربية. فإذا كان مقياس الشرف والأخلاق عندنا محصورا في النصف الأسفل من الجسم, فأبشركم بأنه لم يبقَ شيء منه إلا القليل القليل.لأن انتشار الفقر
وإتباع أساليب الإفقار, وتشجيع البغاء والعهر, كل ذلك أدى وقاد إلى هتك حجاب الشرف والأخلاق والكرامة التي يتحدثون عنها ويحصرونها في النصف الأسفل من الجسم أما إذا كان مقياس الشرف والأخلاق والكرامة العامة والخاصة في النصف الأعلى من الجسم ـ أي في الدماغ / الفكر/ العقل ـ فنحن لا نملك منه أصلا إلا شذرات – بضع شذرات- لأننا
مازلنا محكومين بقديم الأساطير, وبجديد البساطير, لأننا مازلنا نتلوى بين مطرقة التكفير وسندان التخوين, لأننا مازلنا تتقاذفنا أقدام الطائفية, والعشائرية, والفئوية, والحزبوية, والثأرية وكل سيئات الكون ومثالبه .
أنا لست مبهورا ولا مسحورا بالديمقراطية الغربية, فلكلٍّ سلبياته, وما الكمال إلا لله . ولكن ما أرجوه : ألا نضيع في جدل سفسطائي((الدجاجة والبيضة))
فالديمقراطية هي الوجه السياسي للحرية, والديمقراطية واحدة في جميع أنحاء الأرض. أما إذا أ’سيء تطبيقها من قبل حاكم أو حزب أو فئة ما, فليس هذا مبررا لأن ننزل العيب في الديمقراطية. نحن نلوم كثيرا الدول الديمقراطية الغربية ,لأنها لا تتعامل معنا ـ نحن العرب ـ بالشكل الديمقراطي , ونتهم الديمقراطية الغربية ونهاجمها بسبب ذلك. يا ترى هل سأل أحدنا أو تساءل مع نفسه أو مع الآخرين : هل نحن ديمقراطيون مع أنفسنا ؟ . أم أننا لا نرى القذى إلاّ في أعين الآخرين ؟.
صحيح أن الليبرالية هي الوجه الاقتصادي للحرية . ولكنها تكون ليبرالية وطنية إذا قُيّضَ لها دستور ديمقراطي يحمي الوطن والمواطنين , فلماذا الخوف إذاً ؟!.
يقولون : في الديمقراطية الليبرالية(( يوجد غالب ومغلوب )) .
فالمواطنون في الوطن الواحد ليس بينهم صراع غلبة , وإنما بينهم سباق وطني في كافة المجالات وهنا تنقلب المعادلة إلى مجدّ ومقصّر , وليس إلى غالب ومغلوب . ولا أَدَلَ على ذلك من المثال التالي:
- إن أعظم معلم وديمقراطي وبكافة أشكال الديمقراطية وتسمياتها , هل يستطيع بكل ما يملك من عبقرية وديمقراطية أو غير ديمقراطية , أن يجعل تلامذة الصف الواحد بنفس المستوى من القدرات التعلمية والذكاء بحيث يحصلون جميعاً على الدرجة الأولى .
- إن الله ميّز بين عباده المخلصين فقال :(( منهم من كلم الله ويرفع بعضهم درجات )) . الآية – 253- سورة البقرة . (( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات )) الآية – 32- سورة الزخرف .(( يرفع الله الذين أمنوا منهم والذين أوتوا العلم درجات )) الآية -11- سورة المجادلة . (( ولهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم )) الآية-4- سورة الأنفال .
وختاماً :
لا وطن بلا ديمقراطية
ولا مواطن بلا ديمقراطية
ولا كرامة بلا ديمقراطية
المحامي مناع النبواني
11/2/2005
#مناع_النبواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟