العروبة العراقيه وشروط قيام ارستقراطيه عربيه عراقيه
يتحدث البعض اليوم عن عودة الحكم الملكي الى العراق ، وهنالك ادعياء يقولون بانهم ورثة عرش العراق ، الازمة الشاملة التي يمر بها العراق اليوم قد تبرر مثل هذا الادعاء وغيره ، ولكن العراق الحالي ليس هو عراق عام 1920 ولايمكن لقضية من هذا القبيل ان تطرح في الواقع السياسي العراقي دون ان تثير تساؤلات وتستدعي نقاشا فالتجربة الملكيه كانت قاسيه وانتهت بكارثة على العائلة التي جاء بها الانكليز حلا لمعضلة الثورة العراقيه ولاتوجد عائله "مالكه " تعرضت لماتعرضت له عائلة ابناء الشريف حسين واحفاده يوم اسقاطها في (14 تموز ـ يالممصادفة ـ مع حفظ فارق السنين ) الا العائلة المالكة الفرنسيه ومع ذلك مازال في فرنسا تيار"ملكي" موجود حتى اليوم في حين لم يعرف منذ 1958 حتى عام 1990 اي تعبير سياسي ملكي في العراق او خارجه ، ولم يظهر مثل هذا "التعبير" الا بعد عام 1990 مثله مثل تيارات اخرى هي من قبيل الحركات والقوى التي ارتبط ظهورها بظروف العدوان الحالي المستمر على العراق .
هذا بحد ذاته دليل على عدم اصالة هذه الظاهرة وانعدام جذورها ويعد النظام الملكي العراقي من النظم القليلة في التاريخ التي اجتثت من جذورها هي وكل ركائزها الاجتماعية فلم يبق لها اثر، ولعل البعض يقولون اليوم بان عنف الثورة وو(حشيتها) لم تكن مبرره وانها من المظاهر التي لابد ان تراجع ويراجع معها الموقف من الملكيه والعائلة المالكه ، وهذا صحيح من الوجهة المبدئية الا انه ليس صحيحا على الاطلاق من ناحية الدلالات التي عكسها الحدث في حينه فماحدث يوم 14 تموز1958 كان بالاحرى ظاهرة عفويه تصلح كمثال للبحث في الاسباب العميقه التي اسبغت عليه تلك الخاصيه ولابد ان يخطر على بال الباحث بان الافعال التي صدرت يومها عن الجماهير الغاضبه هي بمثابة ردة فعل على سلسلة من الافعال الوحشية ارتكبت بحقها .
ولسنا الان بوارد تعداد تلك الجرائم التي كان اولها اصلا قبول هذه العائلة لموقع يخدم كليا اغراض الاستعمار الانكليزي ويقع في سياق محاولة تحقيق الانتصار "السياسي " على ثورة 1920 بل سنحاول العودة الى المبررات التي كان ابناء الشريف حسين يستندون اليها في مطالبتهم بالعرش العراقي او قبولهم له في حينه او في الوقت الحاضر وهذه كما يبدو من الوقائع كانت مرتبطة بعدة افتراضات وادعاءات منها :
ـ النسب الهاشمي : وهذه مسالة لاتبرر ولاتعطي الحق بحد ذاتها لابناء الشريف حسين في حكم اي بلد عربي وبالاخص العراق لان الهاشميين من ابناء على بن أبي طالب وسلالته عاشوا اصلا في العراق والعرب في العراق بينهم من السلالة الهاشميه عشرات العائلات وحتى العشائرمما يجعل ابناء الشريف حسين غير متميزين اطلاقا من هذه الناحيه بينما يجعلهم ممتازين بكونهم "ابناء الشريف حسين من الهاشميين" وهذه صفة اريد لها في العصر الحديث وبالاخص بعد الثورة التي قادها الشريف في الجزيرة العربيه ان تصبح بمثابة امتياز لهم على غيرهم من الهاشميين وعلى العرب جميعا فعومل هؤلاء كارستقراطيه عليا مميزه ودعم الانكليز هذه الفرضيه .
ـ الماثرة الراهنه والحق الشرعي : يختلط في الاذهان تعبير "الهاشميين" بمن هم في الحقيقة "ابناء الشريف حسين " وسلالته ممن يستندون في طلب الملك الى ماثرة الثورة العربيه وهي حدث "قومي عروبي" لايعطي اصحابه حقا في الملك غير ان ماقد ظل يوحي به ابناء الشريف حسين والانكليزشئ آخرفهؤلاء يوحون من طرف خفي بحق "الهاشميين " بالخلافة وكانهم يريدون القول بان مافعلة الشريف حسين في الجزيرة عام 1916 يساوي او يجدد الثورة الاسلاميه ويحقق نهضة العرب ، وفي كل هذا قدر من الخلط ينبغي ان يلفت انظارنا الى فداحة التخلف السياسي والتناقضات التي كانت متداولة في عالمنا العربي في بداية القرن الماضي ومع ان تلك التلفيقات لم تكن مقبولة ولاوافق عليها الجميع ورفض الزعيم الوطني العراقي وابو الوطنية العراقية المعاصرة "جعفر ابوالتمن" اقرارها حين كان في مكه وطلب اليه ان يكون من مرافقي الملك المعين على عرش العراق اذ رد قائلا (( اعفوني من ان اكون من زفافة هذا العرس )) الا ان هذه الظاهرة قامت في حينه لتنبئ عن تعاسة الكيانات والعروش التي اقامها المستعمرون في حينه .
ولايمكن بالطبع مقارنة الثورة العربية عام 1916 بالمآثر الكبرى في التاريخ العربي وقد جاء فيصل بن الحسين بعد فشله في حكم سوريا ليقيم حكما ملكيا تحت الانتداب الانكليزي وحرابه مما يتعارض تماما مع روح الثورة العربيه او الاسلاميه ، وهذا يعني بان ايحاءات الشرعيه "الهاشمية " الاولى لاتنطبق على حالة ووضع ابناء الشريف حسين من الهاشميين المعاصرين من اي وجه كان والاهم من ذلك هو افتراض ان العراق هذا البلد العريق يحتاج اليوم الى حاكم ياتي اليه من خارجه مع ان هذا الآتي لم يفلح في حكم بلاده نفسها .
ـ الملكية بمقياس العروبة العراقيه : لاداعي للجدال حول احقية ابناء الشريف حسين في حكم العراق لان ذلك امر لااساس له ولا مبرر يسنده على الاطلاق وهو صنيعة اوهام وغطرسة ارادت ان تكرس ظاهرة لم تتمكن من العيش وتم سحقها لاحقا وبلغ الآمر حد اكل لحم من يمثلونها في الشوارع من قبل الناس العاديين ولكن الاهم من كل ماورد هومايمكن ان تثيره دعوى بعض المدعين اليوم ورغبتهم في حكم العراق ، ولابد للمرء ان يتساءل عن الفترة اللاحقة على سقوط الحكم الملكي وعن بقايا هذه السلالة ان كانت لهم بقايا تذكرلعلنا نعثر على شئ من المآثر او الاعمال الجليله او الصلة مهما كانت درجتها او نوعها بالعراق وقضاياه ، لقد كانت السنوات الماضية منذ 1958 حتى اليوم مناسبة لتجديد صلة هذه السلالة المطاح بها من قبل الشعب لان تعيد انتاج شرعيتها وان تؤسس لموقعها في الوجدان العراقي علها تكتسب بعضا من الشرعيه الوطنيه وتسعى لتدارك النقص في اصولها واساس ملابسات ملكها الذي تجاوزه العراق وتطوره الوطني تماما.
وهذا مالم يحدث على الاطلاق فلم نسمع بالملكيه والادعاء بها الا في اسوا الظروف عندما بدا العراق يواجه العدوان العسكري والحصار القاتل قبل عقد من الزمن فالتحق بعض المدعين بالحملة الأمريكيه على العراق واصبحوا من الادوات التي تعمل على تبرير العدوان وتنادي اليوم بتحرير العراق على يد الولايات المتحده وهذا مرة اخرى ليس مدخلا يحقق اعادة انتاج الشرعيه ويؤمن لدعاة عودة الملكيه حكما افضل من ذلك الذي اقيم بعد عام 1920 فالدلائل تشير الى ان حظ هؤلاء في الحكم لن يكون ممكنا الا بعد تدمير العراق والا بعد احتلاله مما سيجعلهم صنائع ودمى يحكمون على خراب وموت وذلك ثمن لايمكن للعراقيين ان ينظروا اليه الاباعتباره نوعا من الحقد عليهم وعلى طموحاتهم فالملكية التي يعاد ارساؤها اليوم في سياق كهذا هي ملكية تريد معاقبة العراقيين والثار منهم وذبحهم لانهم مارسوا حقهم واعلنوا بطريقتهم عن رفضهم لحكم غريب وملكيه طاغيه ومرتبطة بالاجنبي فثاروا ضدها وسيثورون .
ـ هل من اساس لشرعية عربية عراقيه : ليس في التاريخ العربي موطن للعروبة اكثر اصالة من العراق وثمة اليوم حاجة من ضمن اجمالي التطور الوطني الى نظرة لهذه القضية الهامه تلبية لحاجة تفرضها مسالة اختيار الحكم والنظام المطابق لخصائص العراق ، وبما اننا نعتقد بان العراق يمر اليوم باخطر ازماته الوطنيه التي تسبق تحولة الكبير وتبلور ملامحة الوطنيه واستقرارها فان موضوع اشكال الحكم ومنها الخيار الملكي لابد ان تعالج من جميع الوجوه .
ومن المنطقي تماما ان يكون اصل الحكم العراقي المقبل "عراقيا" على افتراض ان مسالة الخلافة قد اصبحت الان رهنا بالمستقبل وان تجددها لم يعد حكرا على اي موضع من المواضع العربيه ، وعلى فرض ان الامة العربيه محكومة الى اليات تاريخيه يمكن ان تجدد نهضتها فان مثل هذه النهضة ستظل منوطة كما كانت في الماضي بتطور المواضع المختلفة التي يتشكل منها العالم العربي كل وفق ظروفه وامكاناته وخصائصه ولابد ان الفكر الوطني العراقي سيجد الصيغ الانسب للعراق من ناحيه شكل الحكم الذي يناسبه اذا كان جمهوريا او ملكيا او جماعيا يخضع كما كان في فترات قديمه لسلطة مجلس عام فكل شكل من اشكال الحكم المذكورة ينبغي ان يعالج على اساس مناسبته للخصائص التاريخيه وللمكنات الواقعية والتاريخيه .
وكل هذا كما هو معلوم لم يحدث عام 1920 فلقد اقيمت الملكيه بالقوة وتحت سطوة الاحتلال الانكليزي وهي كما يامل البعض اليوم لاطريق يرشحها للعودة الا بحراب الامريكيين وهو ما سيطرح حتما تحديات على الفكر وتساؤلات ملحاحه حول حقيقة هذه الظاهرة وارتباطها بالهيمنه المباشرة ، مما يجعلها بعيدة تماما عن ايه تبريرات شرعيه علما بان السؤال حول احتمال قيام ملكية عراقيه يجب ساعتها ان يطرح ويناقش .
ويمكن في مثل هذه الحالة ان نتجاوز عقبة التعدديه ونحتكم الى راي الغالبية من العراقيين العرب ونقبل فكرة ملك عراقي عربي ، فاذا قبلنا المبدا فان المسالة التي تظل تواجهنا وقتها هي الاحقية وهل ثمة ارستقراطية عربيه عراقية تملك من المجد والاصالة مايؤهلها لاحتلال هذا الموقع : المؤكد ان ابناء الشريف حسين لن يكونوا من بين المرشحين لمثل هذا الموقع لان العروبة العراقيه لاتجد نفسها اقل مقاما من اية عروبة اخرى بما في ذلك عروبة الجزيرة العربيه اذا مااستثنينا قريش في ظل الدولة الاسلاميه وفي ماعدا ذلك فان عرب العراق يمكنهم وفقا لفكر العرب وتاريخهم ان يجادلوا قائلين :
1 ـ بان العروبة العارفة اي تلك المستعربة من ابناء اسماعيل هي عروبة عراقية الاصل وهي التي حملت فكرة التوحيد الى الجزيرة بينما العروبة الاخرى العاربه كانت بدويه صرفه وبما ان مجد العروبة الاعظم هو الاسلام واصل الاسلام هو الابراهيميه اذن فالعراق هو اصل العروبة الموحدة اجمالا .
2 ـ اذا تجاوزنا الاسلام كمقياس فان مايتبقي عندها "القومية" او العنصر كمصدر للشرعيه وفي هذا كان للعراق وعروبته اعظم حدث عربي معروف وهو "معركة ذي قار" التي عاصرت ظهور الاسلام وبلغت اخبارها النبي محمد (ص) فاستبشر بها وقال " انه يوم انتصرت فيه العرب على العجم " ولو لم يكن الاسلام قد انتشر بعد هذا الحدث مباشرة لظل هو اعظم الاحداث وارفعها في السجل العربي ولكان اولئك الذين خاضوا تلك المعركة وقادوها قد اعتبروا سلالة ارستقراطيه عربيه عليا ولجادلوا بمكانتهم باعتبارهم اشرف العرب ومعلوم ان هؤلاء هم من عرب العراق الذين مايزالون موجودين حتى الان ومعلوم ان قائد تلك المعركة هو ((هاني بن مسعود الشيباني)) وانه قد اوى هندا بنت النعمان بن المنذر ملك الحيره وان ابن النعمان عاش في رحابهم وتزوج منهم ولم يطالب بملك او زعامة كما ان هندا كانت ستتزوج ابن هاني لولا انها قررت التنسك بعد مقتل زوجها وغادرت الى البصره لتموت في عزلتها .
لقد ازيح من مقدمة التاريخ العراقي موقع العروبة العراقيه وهذا حدث بفعل الفتح الاسلامي وتدفق عرب الجزيرة وقيام الحكم العربي الاسلامي ولكن التاريخ مر والدولة الاسلاميه لم تعد موجوده ومايقوم اليوم من الدول والحكومات اما ان يستمد شرعيته من العروبة او من الوطنيه فاذا كان المطلوب قيام ملكية فان البحث عن الارستقراطيه العربيه العراقيه سيكون في محله والملكية المناسبة للعراق يجب ان تكون عراقية لانها اكثر تطابقا مع خاصيات العراق المعروفة في التاريخ وفي تطور العروبة عموما ، وفي هذا لايبدو ان هنالك من حظ لشئ من قبيل عودة الى "ملكية" طارئه ومقبوره .
يستحق هذا الجانب الهام من جوانب البحث في النظام السياسي المطابق للعراق وخصائصه وتاريخه المزيد من البحث والنقاش من قبل العراقيين خاصة اليوم بالذات وفي هذا سيكون من الانصاف ان نذكرفضل دعوات وتخرصات كثيره منها دعوى وادعاء الحق في عودة الملكية الى العراق تحت الهيمنة الأمريكيه ..