منتدى اليسار للحوار
- 5 -
((هل نحن بحاجة إلى حركة لليسار في سوريا؟؟))
قبل البدء ببحث أهم العناوين الفرعية المنبثقة عن هذا العنوان العام لا بد من توضيح المقصود من كلمة (نحن) الواردة في العنوان والتي سوف تستخدم لاحقاً.
لقد استخدم أحد الرفاق في دراسة سابقة تعبير الماركسيين الثوريين، وللإيضاح أقول: إن كلمة (نحن) تعني:
- كل فرد ما زال مقتنعاً بأن الرأسمالية كطبقة – كنمط انتاج – كشكل للملكية – كطريقة لحياة الإنسان – وبالرغم من كل ما تبدى منها من مقدرة على التكيف "وما زالت" وبالرغم من كل ما قدمته للبشرية من عطاءات – وبالرغم من سقوط ما سُمي بمنظومة الدول الاشتراكية، ما زالت هذه الطبقة تمثل النقيض الطبقي والإيديولوجي له كفرد وكمجموع إنساني من منظوره.
- كل فرد ما زال مقتنعاً ان الشيوعية – الاشتراكية العلمية كنمط إنتاج وكشكل للملكية وكعلاقات اجتماعية هي البديل الأرقى في سلم التطور للمجتمعات حتى الآن.
- كل فرد ما زال يرى ان التناقض بين العمل والرأسمال هو الجذر الأساسي لاستلاب الإنسان ولجم تطوره الروحي الحر. المنفلت من عقال الضرورة، والمقتنع بأننا ما زلنا نملك مشروعاً للحرية والمساواة والديمقراطية أكثر رقياً بما لا يقاس مما قدمته الرأسمالية. بهذا المعنى أفهم عبارة الماركسيين الثوريين، وهم موجودون بالعالم والوطن الكبير وفي سوريا ضمن أحزاب شيوعية وخارجها – لا بل ادعي أنهم – موجودين ضمن أجسام بعض أحزاب اليسار غير الشيوعي كأفراد – وموجودون بكثرة ضمن البسطاء من الناس بوعيٍ عفوي أقرب لأن يكون فطرياً.
لماذا حركة يسارية شيوعية؟ أين الشيوعية الآن:
- ألا تمثل دعوتنا لحركة سياسية يسارية السباحة عكس التيار (تيار المزاج الشعبي – تيار الأنسنة للمفاهيم والمهمات النضالية وأشكالها).
- ألا تمثل دعوتنا تناقضاً مع المفاهيم والميول الحالية للبشرية جمعاء ومن ضمنها الجموع في سوريا – تناقضاً مع روح العصر.
أليس ذلك نوعاً من المكابرة في رفض القبول بحقيقة اندحار الماركسية.
- أليست محاولتنا هذه شكلاً من تكرار الذات المجربة والمختبرة ميدانياً. والتي لم تؤدي شيئاً مهماً من المرجو منها.
وهل صحيح أن الماركسية اختبرت في النضال وفي الحكم؟
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وباقي الدول الأخرى، ساد اعتقاد أو لنقل قناعة وإن كانت متولدة بمنطق رد الفعل الميكانيكي على الحدث، على امتداد العالم بان الشيوعية قد سقطت وأعلن فوكوياما من أمريكا أن التاريخ قد انتهى وأن الليبرالية قد انتصرت وأن الرأسمالية بشكلها الليبرالي أثبتت مقدرتها على التفوق لأنها تستطيع دوماً إعادة التوزيع.
انتهى التاريخ وبدأ العالم مرحلة السلام والديموقراطية وحقوق الإنسان.
بسقوط الاتحاد السوفييتي سقطت الماركسية، لم يخالف هذا الرأي في حينه إلا القلة المتمثلة بتيارين:
الأول: هو بعض علماء الاقتصاد والمجتمع الغربيين الذين أعلنوا انتصار ماركس بسقوط تلك الدول.
الثاني: بعض الأفراد والتيارات الماركسية التي كانت ترى في التجربة السوفيتية شكلاً من رأسمالية الدولة من حيث الملكية لوسائل الإنتاج وعلاقاته، وإدارة بيروقراطية للمجتمع عبر ديكتاتورية حزبية لا بل فردية، بعيداً عن اية معالم ديمقراطية شيوعية ولا حتى أحقر أشكال الديمقراطية البرجوازية، مع وجودٍ لعدالة نسبية مقبولة بالتوزيع وتصدياً خلاقاً لحل المشكلات الاجتماعية يطال كافة أبناء المجتمع – تعليم – صحة – سكن – فنون – رياضة.. الخ.
لكن لماذا لم يرى هذان التياران بهذا الحدث المروع سقوط للماركسية*؟
سأحاول باقتضاب شديد جداً التطرق لأهم المفاهيم الشيوعية الاجتماعية والسياسية وكيف طبقت.
تقول الماركسية أن الاشتراكية مرحلة انتقالية تبدأ بعد استيلاء البروليتاريا على السلطة وتحويل المجتمع بتغيير شكل الملكية والعلاقات والدولة، التي ستستخدمها البروليتاريا لممارسة عملية الانتقال إلى المرحلة الشيوعية حيث تكون الدولة قد زالت.
1- تقول الشيوعية بملكية المنتج لوسائل عمله وسيطرته عليها وإدارتها ومساهمته الحرة في تطويرها للاستفادة من عائد عمله – ولا تقول بملكية الدولة لوسائل الإنتاج بالرغم من أن الشيوعيين ناضلوا سابقاً من أجل ملكية الدولة لأكبر قدر ممكن من وسائل الإنتاج كشكلٍ أرقى من الملكية الرأسمالية الخاصة في المجتمعات البرجوازية – وكلنا يعلم ماذا نتج عن ذلك
2- تقول الشيوعية بإمكانية المحافظة على الملكيات الصغيرة وتأطيرها تعاونياً وتقديم نموذج للملكية الاجتماعية اكثر رقياً وأفضل نتائجاً كي يقتنع صاحب الملكية الصغيرة بأفضلية الشكل الثاني (قوة النموذج) فينتقل باختياره وطوعياً إليه – والذي حصل أن اجبر على ذلك إجباراً وبالقمع.
3- تقول الشيوعية بإدارة المنتجين أنفسهم بانتخاب مباشر لممثليهم وحقهم بعزلهم وعدم إعطائهم مقابلاً مادياً لمهمة الإدارة – و التي يجب أن تكون بعد إنجاز ساعات العمل – ولم تقل بفرض ممثليهم عليهم من قبل الحزب أو السلطة وحرمانهم حق عزلهم.
- تقول الشيوعية لا يمكن لمملكة الحرية أن تبدأ إلا عندما ينتهي العمل الذي تفرضه الضرورة" وكانت الانتقادات التي وجهت للديمقراطية البرجوازية والتي اعتبرتها كاذبة ومخادعة من زاوية التأكيد على البعد الاجتماعي للديمقراطية ولهذا رأت ومنذ عام 1845 أن "الديمقراطية الحقة تعني الشيوعية" – والذي قدمه السوفييت هو خياراً تافهاً بين الخبز والحرية – لا بل فرضت على الناس أن يختاروا الخبز ومارست عليهم أبشع أشكال الديكتاتورية والقمع إن التركيز على الجانب الاجتماعي للديمقراطية والابتعاد بل وانعدام الجانب المعنوي /الحريات السياسية/ أفقد كل إمكانية للمقارنة بين ما طبق/ وهو بذهن الشعب الاشتراكية/ وبين الرأسمالية التي أعطت "انتزع منها" العمال حق الاضراب وحق تشكيل النقابات المستقلة والأحزاب والجمعيات.. الخ وأخذت شيئاً فشيئاً تكتسي كلمة الاشتراكية والشيوعية بطابع القمع بالديكتاتورية والاستبداد.
واعتقد أن الجذر النظري لهذا الاستبداد يكمن في المفهوم اللينيني للحزب وديكتاتورية البروليتاريا هذا المفهوم عن الحزب الذي حقق نجاحاً باهراً في النضال وقيادة الطبقات الشعبية في نضالها ضد القيصرية والحرب والبرجوازية للوصول بها للسلطة، لم يكن مناسباً للنضال بعد استلام السلطة لبناء الاشتراكية. الحزب الذي قدم أعضاؤه التضحيات وجابهوا النفي والسجون والموت هو نفسه الذي ناب عن البروليتاريا في ممارسة ديكتاتوريتها بحجة تمثيله لهان مارس ديكتاتورية عليها، ولأن ممارسة البروليتاريا لديكتاتوريتها ضد أعدائها الطبقيين 0البرجوازية والملاكين العقاريين) مهمة ثورية بالمعنى التاريخي ومهمة انتقالية لأن الدولة التي تقيمها البروليتاريا لن تلبث أن تبدأ بالزوال من لحظة ولادتها. من خلال هذه المنظومة العجائبية أصبح الحزب لا بل أمينه العامة يحدد من هم أعداء البروليتاريا – أعداء الثورة ويأمر أداة من الثورة الـ KGB بملاحقتهم أو جيش الثورة بتصفيتهم وهم حيناً الرفاق الشيوعيون المعارضين للأمين العام بالرأي – تروتسكي.. وحيناً آخر الفلاحين المتذمرين من الأضرار الناتجة عن السياسات الزراعية الأوامرية – وحيناً الأقليات القومية المطالبة بأي شكل من الاستقلال الذاتي.
وبدلاً من أن تزول الدولة أخذت تتضخم وتمتد سرطانياً عبر أجهزتها في المجتمع متحولة على رأسمالي ديكتاتوري من جهة وإلى أداة لبث الرعب والقمع من جهة أخرى.
- تقول الشيوعية بحق تقرير المصير دون قيد أو شرط. وأي التحاق بالاتحاد يجب أن يكون اختيارياً حراً دون إكراه – يجب أن يكون بقوة النموذج – والذي طبق ضماً قسرياً وحرماناً لقوميات من أي حق على هذا الطريق.
لماذا كان ذلك، ألم يكن قادة الثورة شيوعيي ثوريين، أم أنه كان هناك مؤامرة على الشيوعيين؟ بالطبع لا إن لهذا الشكل في التطبيق التحريضي للاشتراكية أسباباً كثيرة واختصر بإيراد بعضها.
أ?- أسباباً موضوعية – الحرب – الحصار الامبريالي – تخلف قوى الإنتاج في روسيا ودول الاتحاد عشية الثورة ومن المعروف أنه كانت الاشتراكية متوقعة في ألمانيا – غياب التقاليد الديمقراطية في المجتمع – ويمكن أن يكون الواقع الجغرافي والسكاني الذي يشكل امتداداً للمناخ الذي سُمي بنمط الإنتاج الآسيوي وما رافقه من شكل استبدادي للحكم.
ب?- أسباباً ذاتية: ومنها شكل تمثل القادة السوفييت للماركسية – طريقة وعيها – المقدرة الفكرية على التطوير الخلاق لها – ومن ثم وهذا الأهم المصلحة المادية لقادة الحزب وللبيروقراطية المتنامية، المتناقضة مع التطوير الثوري والتطبيق الخلاق.
ج-أسباباً بنيوية في النظرية: فيما يخص التصورات أو الاحتمالات الممكنة للتطبيق الاشتراكي سلطة – دولة – حزب، وقد يكون من المفيد التذكير بأن الماركسية عندما درست الرأسمالية كانت تبحث في الواقع الملموس بحركته الفعلية القائمة تحت بصرها فكانت نظريتها ودروسها واستنتاجاتها دقيقة وصحيحة إلى درجة كبيرة وحتى خلاقة، أما عندما تطلب الأمر منها دراسة البديل وهو الاشتراكية فإنها لم تكن تدرس واقعاً موضوعياً بل متوقعاً من حيث شكل انبثاقه من أحشاء المجتمع الرأسمالي، شكل تجليه أو تجلياته الواقعية ومقدار تمايز قوانين حركته وخصوصياتها، ولم يمر في حياة ماركس وانجلز سوى تجربة الكومونة لبضعة أسابيع لم تكن كافية لدراسة نموذج تطبيقي للاشتراكية، والذي تورط لاحقاً في هذه المهمة كان لينين وعبر نموذج السوفيتات الذي وجد تلقائياً في ثورة 1905. وأقول تورط لأني لا أرى البادئ الأول في تطبيق أي نظرية على الأرض رجلاً محظوظاً.
لتلك الأسباب ولغيرها أرى انه لم توضع الماركسية بقوانينها العامة موضع التطبيق ولم تختبر حتى نحكم على صحتها وتفوقها – ولهذا يرى التياران المذكوران أن انهيار الاتحاد السوفيتي لا يعني سقوطاً للماركسية. بل هزيمة للتحريفية البيروقراطية ولما طبق.
إن ما سبق ليس إلا إشارات لضرورة الدراسة الإحصائية والمعمقة للتجربة التي تمت. فإذا كانت الماركسية هناك لم تطبق فكيف تمظهرت في بقية البلدان التي لم تستلم الحكم فيها؟ سيتم تناول التجربة في سوريا تحديداً وهي مشابهة إلى هذا الحد أو ذاك للتجربة في مجمل أقطار الوطن العربي.
الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان
في خضم نضالات الطبقة العاملة الأوروبية وأثناء عملية التطور السريع للصناعة وتمركزها تشكلت الأحزاب الاشتراكية وأفرزت الطبقة العاملة تعبيراتها السياسية التي صاغت نظريتها، أما في سوريا فقد أرسل وبتكليف من المركز "الأممية الثالثة" المبشرون وذهب من عندنا طلاب المعرفة الماركسية ليتلقنوها دروساً في معاهد الإعداد الحزبي ليعودوا ويساهموا في تشكيل الحزب الشيوعي وفي تقديري ان هذه الطريقة في التكوين قد ساهمت بشكل كبير في وسم الشيوعيين بالغربة عن وطنهم "مستوردين". ولأن الأفكار المحمولة كائنات نمت وترعرعت في رحم غير هذا الوطن ومن ثم نقلت لتزرع هنا دون توفير المناخ المناسب لتطويرها. فالماركسية لُقنت تلقيناً وحتى لم تدرس والذين تبنوها جدياً كدراسة وقناعة فإن هذه القناعات تشكلت حينها خارج الممارسة النضالية وعاد الماركسيون يمارسون نشاطهم مستندين على مرجعية أيديولوجية ومرجعية للنموذج كرست غربتهم وأضعفت إمكانياتهم على الانخراط والتأثير والتأثر بكافة الجموع الشعبية على اختلاف انتماءاتها.
حمل الماركسيون في سوريا نصوصاً ولم يحملوا أداة معرفية، ولوجود مرجعية كان المجمع الكنسي "حسب تعبير أحد الرفاق" في موسكو يملك كل المراجع والمجلدات التي تحتوي الحقيقة وكانت العودة إليها ليست لتطوير الخبرات النظرية بالاطلاع على تجارب الآخرين بل لتلقين النص – وأصبح النص هو الحكم والعبقرية تكمن باتساع الدماغ لأكبر كمية ممكنة من النصوص ماركس – انجلز – لينين – وعندما كان الواقع يفرز مشكلة أو ظاهرة، يتم الانكباب والتفتيش عن النص القادر على حلها فتحولت الماركسية من طريقة ومنهج للتفكير والبحث، من علم لدراسة الواقع إلى كتاب مقدس يحتوي على إجابات كافية لكل تساؤلات الماضي والحاضر والمستقبل.
ولأن هناك نموذجاً للاشتراكية مطبقاً على الأرض – طبقة تمارس ديكتاتوريتها – دولة مركزية مقادة من حزب مركزي بيد أمين عام. بني حزباً على هذه الشاكلة وتحولت فيه الديمقراطية المركزية إلى مركزية مطلقة وبدلاً من حق التكتلات داخل الحزب كانت ظاهرة الإنشقاقات والتشرزم - وتأبد الأمين العام وورث منصبه.. ذلك هو النموذج .
وكلنا يعلم كيف كانت موسكو مكاناً لفض الخلافات وفصل الأعضاء وتعيين غيرهم وتوجيه الأوامر وكانت الوصاية كفيلة بأن يتم تشخيص أمراض الوطن في موسكو بعيداً عن مناخها وأرضها – شعبياً كان يعبر عن هذا بالمقولة: إذا أمطرت في موسكو حمل الشيوعيون في سوريا المظلات؟؟
كثيرة جداً النتائج السلبية الناجمة عن تلك الوصاية وحالة التبعية التي عاشها الحزب الشيوعي في سوريا وكلنا يذكر الموقف الملتبس للحزب من الاستعمار الفرنسي في الحرب العالمية الثانية والذي أدى إلى حد اتهام الشيوعيين في سوريا باللا وطنية، وكلنا يعرف الاتهامات التي وجهت لهم بسبب اعتراف الاتحاد السوفييتي بإسرائيل وكأنهم هم المسؤولين عنه بالرغم من كل نضالاتهم الوطنية في هذا المجال.
بدل النقد للسياسة السوفيتية كان التبرير وبدل الدراسة والبحث كان الحفظ والتلقين وبدلاً من أن تتمثل الماركسية في الوعي منهجاً وأداة معرفية للبحث تمثلت نصوصاً ومقولات وافتراضات متلاطمة غير منطوية كمنظومة فكرية منسقة فتحولت إلى أداة معرفية مشوهة نتج عنها قياسات مشوهة ومواقف خاطئة فإن لم يتطابق الواقع مع النص رُفض الواقع وإن لم يتطور الواقع مع الافتراض أو المقولة "والتي هي صحيحة حتماً وعلمية لأنها تصدر عن ماركسي". إن لم يتطور الواقع حسب منطوق تلك الأداة ومعاييرها كان الخطأ في الظروف الزمانية والمكانية وأحياناً بسبب المؤامرات الإمبريالية.
دائماً نبحث خارج دائرة وعينا – خارج أداتنا المعرفية المشوهة عن أسباب الفشل لأن هذا الوعي مستمد من الثوابت النصية المنزهة والممتلكة للحقيقة ولا يمكن الشك فيها.
لذلك وحتى الآن يثبت التاريخ (صحة منظوماتنا الفكرية). ويثبت أن (ستالين كان على حق) والسلطة الديكتاتورية أحياناً والامبريالية وأعداء الثورة أحياناً أخرى كانوا السبب بالهزيمة.
وحتى عندما صادرت الأحزاب القومية البرجوازية الصغيرة موقع قيادة الحركة الجماهيرية في سوريا ملقية بالحزب الشيوعي خلف ظهرها ومنهية بذلك مرحلة امتداده الجماهيري الواسع، وبادرت حركات وتنظيمات جديدة المنشقة عن الحزب أو غيرها محاولة بناء منظومة فكرية ماركسية مطابقة للواقع ومتجاوزة الحالة السابقة لم تستطع الخروج من فلك القطب الجاذب لكافة تلك الأجسام، وبانهيار المركز انهارت الأطراف وفرغت الساحة ليعود المد الديني يجتاح الجماهير إلى هذا الحد أو ذاك أو ليبق الفراغ نسبياً يتمم بقية الساحة.
هل يعني هذا انعدام الفوارق بين الحزب الشيوعي السوري/ بشقيه المعارض وداخل/ وبين الأحزاب ومشاريع الأحزاب التي نتجت عن الحلقات الماركسية وغيرها.
بالرغم من أنني أرى أن هناك صفة مشتركة لكل قوى اليسار المذكورة وهي العجز عن تبني أداة معرفية علمية ثورية مغايرة للأداة المشوهة التي أنتجتها التحريفية السوفيتية وحسب تعبير الرفيق منيف وقوفها على نفس الأرضية التي وقفت عليها الاشتراكية الرسمية وإن كان ذلك بالمنطق النسبي ولكن ضمن نفس الإطار. بالرغم من ذلك فإن هناك فوارقاً مهمة بالطبع، فتلك الأحزاب وتلك المشاريع لم يكن لها ان توجد لولا الفشل الذريع للحزب الشيوعي السوري في صياغة رؤية برنامجية مطابقة وممارسة نضالية مناسبة لها. فقد كان مبرر وجودها هو تقديم تلك الرؤية، وكانت المحاولة جادة دون أدنى شك. ولكوني لا اعرف كم هي مشاريع الأحزاب الشيوعية التي حاولت الوجود – أحزاب التجمع – حزب العمل – اتحاد الشغيلة – فصيل شيوعي.. الخ أستطيع القول أن المشروع الوحيد الذي شكل ظاهرة حاولت إنضاج نفسها كحزب شيوعي ثوري بديل هي ظاهرة حزب العمل الشيوعي. هذه الظاهرة التي استبدلت المركزية المزيفة بعلاقة ديمقراطية مميزة داخل الحزب. وردت على التبعية العمياء لموسكو بمحاولة استقلال نسبية / أقول نسبية لأن حزب العمل لم يكن معترفاً به هناك ولا ادري كيف كانت ستكون هذه الاستقلالية لو تم ذلك/، فقد تطرق لدراسة البيروقراطية التحريفية ونقذها وإلى ظواهر متعددة غيرها. نتجت عن السياسات السوفيتية.
ورد على التحالف الغير مقدس للحزب الشيوعي مع السلطة بأخذه لموقع المعارضة الجذرية، ولكن ارى ضرورة التنويه لعدة مسائل وهي:
أ?- مثل الحزب الشيوعي السوري بالرغم من كل ما ذُكر حزباً لليسار في سوريا حتى نهاية الخمسينات بتصديه لمهام المرحلة الوطنية الديمقراطية في ظل الاستعمار وبعد الاستقلال واستلام البرجوازية السورية للسلطة. وأقول ذلك من مقياس امتداده الجماهيري تحديداً. وأثره بحركة الشارع والسياسة، ولا مكان هنا لذكر الأسباب التي مكنته من ذلك.
بالمقابل أرى أن كافة الأحزاب بما فيها الأحزاب المنشقة عنه لم تستطع حتى الآن أن تكون مركزاً لاستقطاب جماهيري بالشكل الذي يمكنها من ان تكون ممثلة لليسار في سوريا.
ب?- من أهم الظواهر التي تمظهر بها الحزب الشيوعي السوري كون امتداده اقتصر نسبياً على الأقليات القومية والدينية وهذه الظاهرة نفسها وجدت لدى حزب العمل، وأنا لا أشارك الرفيق فاتح باعتبار "المسالة ليست مُهددة على الدرجة التي يتصورها البعض" و"سيبقى جوهر الأمر طابع نشاطنا وبرنامجنا".
فإذا كانت الأسباب الموضوعية لانجذاب تلك الأقليات للأفكار الشيوعية معروفة فإن الواجب معرفته والاعتراف به أن طابع نشاط وبرامج الشيوعيين في سوريا كانت السبب الأهم ذاتياً في اقتصار امتدادهم على الأقليات. وهنا أرى أن أي رؤية برنامجية قادمة وأي نشاط يساري لا يأخذ بالاعتبار الصيغة الدينية الخاصة في المنطقة وأقصد الإسلام، ومقدار كونه ما زال يمثل حضوراً معتقدياً في أذهان الشعب وقوة حيوية فاعلة في حركته، أي نشاط لا يتعامل مع الميول الروحية والتاريخية والنفسية للجموع المحمدية، لا يستطيع من خلال البرنامج والممارسة أن ينزع عن الشيوعي صفة معاداته للدين والقومية، وصفة الإباحية، هذه الصفات التي ساعدت الأيديولوجية البرجوازية والأيديولوجيات الأخرى على إلصاقها به، بالإضافة على برامجه وممارساته السابقة وانتمائنا لموسكو أيضاً.
طبعاً وبشكل مهم جداً دون الوقوع في شرك التلفيقية.
هل نستطيع؟ نعم نستطيع ذلك، كلما ازددنا اقتراباً من طباع وروح الناس وميولهم ومصالحهم يجب أن يزداد تمايزنا ويتبلور ووعينا لشيوعيتنا وتتأكد صحة مبادئنا، وقد كان للشيوعيين الفيتنام وآخرين تجارب مهمة في هذا المجال.
ما لم نتخلص من الوعي المجتزأ لمسألة الدين والتي اختصرها بعبارة الدين أفيون الشعوب واعتباره الأيديولوجية الحاضنة للملكية الخاصة وبالتالي الداعمة للبرجوازية.. ما لم نستطع أن ندرك أية قوة يمتلكها الفكر الديني في تأثيره بأبناء طبقاتنا الشعبية تمكنه من استقطابهم وتنظيمهم وتدريبهم ليشاركوا بتحرير الأرض.. والانتفاضة.. وإن هذه القوة يمكن أن تجير في مكانٍ آخر حروب تدميرية للشعب والوطن.
هل نستطيع أن نبني جسوراً قوية من الثقة المتبادلة بيننا وبين التيارات الدينية الأكثر اعتدالاً أيديولوجياً والأكثر انفتاحاً فكرياً، والأكثر راديكالية وطنياً واجتماعياً وهي موجودة وبكثرة أفراداً وأدباء وعلماء وقادة دينيين.
بالسابق لم تستطع أي من القوى الشيوعية أن تنجز ذلك. وإنها لمسألة جوهرية مسالة مهددة في هذه المرحلة ونحن نشهد مقدار الامتداد الواسع للفكر الديني في سوريا والوطن العربي بل والعالم.
تلاوين من الجمود العقائدي واليسارية الطفولية:
لا أستطيع أن أفهم كيف يستطيع الرفاق في الحزب الشيوعي السوري الثبات على المبادئ بهذا القدر من الصلابة والرسوخ على نفس الشعار ونفس الأدوات ونفس الخطاب عدة عقود حصل خلالها كل الكم الهائل من التغييرات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في العالم وفي سوريا "بشكل ما" لا بل إنهم مُصرون على أن التاريخ هو المخطئ وستالين فقط كان على حق. هل نسو أن الرفاق السوفييت سبق لهم أن انتقدوه وحاكموه أم أنهم يتمردون على المجمع الكهنوتي "بعد فوات الأوان".
وبالمقابل لا أستطيع أن افهم من الرفيق فاتح قوله" لم يستطع أي تيار جديد أو قديم أن يأخذ موقعنا في مستوى تحليلنا الاستراتيجي واو محتوى خطابنا" أي موقع هذا؟ يسار اليسار؟ دوماً وأي يسار هذا؟؟ النخبوي – الضعيف – المشرذم المتحالف مع النظام –0 المتقوقع على ذاته سيد الفراغ. وما عظمتنا في أن نكون يساراً ليسارٍ كهذا. وأين تجلت صحة مستوى تحليلنا الاستراتيجي؟ هل ردات الفعل الكارزمية على انهيار التجربة السوفيتية هي الدالة على مستوى التحليل الاستراتيجي الذي لم يستطع أحد اخذ موقعنا فيه؟ أم أن تحليلنا لطبيعة السلطة في سوريا وسلوكها السياسي والاجتماعي هو المتميز والصحيح بالدقة العلمية المطلوبة؟ أو تقديرنا لشروط عملنا.. والذي أثبت صحته من خلال تقديرنا لسلوك النظام وبالتالي عملنا على تلافيه أو التخفيض من آثاره؟
هل في هذا تجاوزاً لبعض حالات الطفولية اليسارية؟.. وماذا يعني هذا الإصرار على استنهاض تجربة حزب العمل واعتبارها المهمة الأولى في الوقت الذي هو فيه "حزب العمل" على قدرٍ ليس بقليل من التشرذم والتشتت والرهاب يشكل أكثر بكثير من بقية الأحزاب اليسارية. في الوقت الذي ندعو فيه لاستنهاض قوى اليسار السوري والذي يمثل حزب العمل جزءاً منه. أليس ذلك شيئاً من الإرادوية وفرض الرغبة على الواقع؟.
ومن المفيد التنويه هنا على أنني استبعد أن تكون عملية الاستنهاض المرجوة على شكل اندماج لأحزاب موجودة، لأن طريقة تشكل وعيها / والتي تم ذكرها فيما سبق/ والمصالح الشخصية لقادتها، يمنعان من ذلك وبالتالي أتوقع أن تكون العملية على شكل استنهاض إفرادي لأعضاء تلك القوى.
الواقع الحالي لليسار في سوريا
اجتماعياً: خلال العقدين الأخيرين تشكلت طبقة برجوازية بيروقراطية تنامت قوتها من خلال موقعها السياسي وإدارتها للقطاع العام.و عبر عمليات استثمار المنصب النهب المنظم لمؤسسات القطاع العام. وكذلك نمت طبقة برجوازية الفئة التجارية منها والصناعية كانتا الأكثر حظاً بالنمو والقوة، الصناعية من خلال قانون الاستثمار رقم 10 وتعديلاته والتجارية كذلك، بالإضافة على رفع سقف الغوتا الذي حدث في بداية الثمانينات والتسهيلات التي قدمت لها ومشاركتها للبرجوازية البيروقراطية في نهب القطاع العام والثروات الوطنية وعبر تكريس الفساد وتعميمه وإعادة إنتاجه واستعمال النهب للثروات تردت أوضاع مجمل الطبقات الشعبية ومنها البرجوازية الصغيرة، تردت أوضاعها ولم تندثر لأن أرضيتها الاقتصادية ما زالت موجودة وهي الملكية الخاصة الصغيرة لوسائل الإنتاج أرض – منشآت حرفية – وسائط نقل.. الخ وبالتالي ازداد بؤس الطبقة العاملة ومجمل الطبقات الأخرى.
ومن الملاحظ أن مجمل الطبقات الشعبية في حالة ركود حتى الآن بالرغم من كل الأزمات المعيشية التي تعيشها.
سياسياً: اليسار بشقيه الرسمي والمعارض بعيد عن دائرة الفعل – ومشوش فكرياً – مشرزم – مشلول
في السلطة: برز خلال الفترة الأخيرة تياراً إصلاحياً في السلطة تصدى على طريقته لمحاولة إصلاح اقتصادي سياسي إداري – نتج عنها حتى الآن مجموعة قرارات منها ما يخدم الطبقات الشعبية وإن كانت ذات تأثير ضعيف حتى الآن أدت على تقوية الطبقة البرجوازية اقتصادياً مما يخلق موضوعياً تعددية اقتصادية اكثر حقيقية من السابق/ قطاع عام – قطاع خاص – مشترك/ أقول ذلك من منطلق عدم ظهور مؤشرات حتى الآن تدل على وجود نية بتصفية القطاع العام بل على العكس من ذلك. هذه التعددية الاقتصادية سوف تؤدي على الأغلب إلى شكل من التعددية السياسية لا نستطيع التكهن بحدودها من الآن بسبب إنجاز هذه الإصلاحات من فوق، ودون وجود أية مشاركة فعلية لحركة مجتمعية ديمقراطية مساهمة في هذه الإصلاحات، مما يهدد باقتصارها على قياس البرجوازية ويمنع من دفعها إلى حدودها القصوى.
ومن هنا تبرز الأهمية الموضوعية لتأسيس حركة جديدة ليسار جديد في سوريا
إن المناخ السياسي العام الذي خلقه التيار الإصلاحي في السلطة وما نتج عنه من ظاهرة الحراك متمثلة بالمنتديات المنتشرة في أغلب أرجاء القطر وبعودة مترددة لإعداد معقولة من العناصر اليسارية إلى ممارسة شكلاً من العمل السياسي الثقافي. هذا المناخ يدلل على:
أ?- إن كافة قوى اليسار الشيوعي السوري أضعف على كل الأصعدة من ممارسة الدور المطلوب حتى الآن وتتصف بالتشتت والتشظي وغياب وضوح الرؤية – وفقدان الثقة بالنظرية والعجز عن تجاوز حالة الاندهاش الأولى والتي سببتها المفاجئة.
ب?- عدم القدرة على تجديد الخطاب بشكل يتلائم مع المتغيرات العالمية والحدث السوري.
ت?- انكماشها، حزبويتها يمنعانها من الانفتاح على بعضها.
ث?- الضياع الفكري والذي يستدل عليه من:
1- الدعوى لتشكيل لجان لا سياسية لأحياء المجتمع المدني.
2- الدعوة للتماهي بالحركة الديمقراطية العامة في الوقت الذي لا زالت فيه هذه الحركة نخبوية لمجموعة من المثقفين والمتقاعدين عن العمل السياسي والبعيدة عن أن تكون مجتمعية فالطبقات الشعبية عموماً ما زالت بحالة عطالة ولهذا أرى ان مثل هذه الدعوة الآن وبدون العمل على بلورة حركة سياسية لليسار وبرنامج مرحلي واضح لن تمثل إلا دعماً لمساعي البرجوازية الناشطة "ديمقراطياً" في سوريا، ولن تمثل إلا عامل إعاقة لعملية فرز حقيقية وإن كانت فكرياً الآن، بين التيارات، كمقدمة لعملية الفرز الاجتماعي لاحقاً.
3- رفض الدعوة لحركة يسار ماركسي كون المزاج الشعبي لا يتقبل ذلك وخوفاً من رد فعل النظام.
نحن لا ندعو لإسقاط السلطة وبناء ديكتاتورية البروليتاريا وكذلك لا نتوهم بأن ما سيأتي بمشاركتنا أو بدونها سيحقق مجتمع العدالة ودولة "الحق والقانون" وأن الديمقراطية المطلوبة هي فردوسنا على الأرض وهي غاية نضالنا.
نحن ندعو للمساهمة في العمل السياسي لأننا نرى أن كل أشكال النشاط والحراك القائم الآن والذي سوف يقوم هو عملاً سياسياً، في إطار مرحلة ديمقراطية برجوازية ذات طابع شعبي وطني عام وذات توجه قومي. وهذه المساهمة هي مشاركة علنية وسلمية في هذا الحراك المتاح بالرغم من عدم شرعيته قانونياً ويجب أن نعمل على شرعنته قانونياً وثباته وتوسعه وتطويره. ولا أرى في هذا ما يتعارض مع السياسة المطروحة لجناح الإصلاح في السلطة الآن.
ولأن هذه المساهمة لا يمكن أن تكون عشوائية وارتجالية ومزاجية، عفوية وحتى تحقق الغاية منها لا يمكن أن تكون إلا من خلال أداة تنظيمية يسارية تمتلك غاياتها، ليس هناك طرفاً له المصلحة بالإصلاحات الديمقراطية ذات المضمون الاجتماعي الشعبي الذي يخدم الشرائح الأوسع من طبقات المجتمع أكثر منا. فممثلي البرجوازية عبروا عن ديمقراطيتهم شكلاً ومضموناً وهمة يريدون أن يعيدوا حقوق من صودرت أراضيهم وأممت مصانعهم.
أما فيما يتعلق بعدم تقبل المزاج الشعبي ليسار شيوعي فهذه مسؤوليتنا الشخصية.. الشخصية فقط. فهذا المزاج سيتأكد رفضه لنا لو تقدمنا له بالصورة السابقة بخطابنا السابق برؤانا الاستراتيجية السابقة، بمقولاتنا التافهة والخالدة. "تصوروا أنني ما زلت أقرأ البيان الشيوعي 1847 وحتى يومنا هذا زوغانوف 1997 المقولة التالية "لقد بلغ الطابع الرأسمالي للتقدم أقصى حدود إمكانياته". لماذا هذا الإصرار الأحمق على استخدام أقصى؟ مع العلم أن قرناً ونصف من الزمن يرينا أن إمكانياتها على التجدد على أقل كانت اكبر من توقعاتنا.
إن لم نتقدم للناس بكافة انتماءاتهم الدينية والقومية والطبقية بصورة الشيوعي العصري المؤمن بالإنسان جسداً وروحاً – وتاريخاً وخصوصية، الشيوعي المناضل ضد كل أشكال الظلم، والمدافع الأمثل عن الحرية دون ابتذال ودون تقزيم كما مارستها الحركة الشيوعية الرسمية سابقاً.
وأعود لأكرر إن لم نقتنع ونُقنع أن إسلامية الإنسان لا تمنعنا ولا تمنعه من أن يكون رفيقنا وأخونا في النضال ضد كل أشكال الاستغلال والاضطهاد وأننا نحن الأكثر صدقاً في تعاملنا مع حقه في الاعتقاد وممارسته لهذا الاعتقاد والعبادة. وأننا نحن المدافعين حتى النهاية عن حق الأقليات القومية في تقرير مصيرها دون قيد أو شرط وأننا نحن الأكثر إخلاصاً وحتى النهاية لمقولة "لإنسان هو الغاية وليس أي شيء آخر.
إن لم نستطع سيتأكد مزاج الجماهير برفضنا.. لنعمل من اجل أن نستطيع. وحتى نستطيع يجب ألا يتحدد خطابنا بحدود إرادة التغيير من فوق ولا بحدود مخاوف ومزاج الناس من تحت. فلماذا إذاً نتطلع لأن نكون طليعة الحركة الديمقراطية الحركة اليسارية القادرة على إنتاج رؤية مطابقة بصوابية نسبية عالية – دون نزق دون تسرع، وبمزيد من الدراسة والتدقيق والموضوعية، بعيداً عن إصباغ رغباتنا على الواقع وبعيداً عن المواقف الثأروية، لتبيان الممكن والضروري من المهمات في كل مرحلة. نحن نريد عنباً للوطن ولا نريد مقاتلة لا الناطور ولا غيره..
ولكي نستطيع ولكي ينجز الإصلاح الديمقراطي الذي نريد يجب ألا نترك التحرك عفوياً وهو ليس عفوياً بل مقاداً من قبل البرجوازية – تذكروا لجان المجتمع المدني التي حضنت الديمقراطي رياض سيف كيف انبثق عنها مشروع حزب السلم الاجتماعي هذا السلم المشروط بإعادة أملاك الإقطاع والبرجوازية.
ملامح من الرؤية الديمقراطية الآن في سوريا
انطلاقاً من الإقرار الأولي بان المرحلة التي نعيشها برجوازية ديمقراطية وللعمل من اجل أن تكون ذات طابع وطني وشعبي، ذات توجه قومي ولصالح الطبقات الأكثر فقراً وبعيداً عن التفريط بمصالح الأمة بصراعها مع عدوها القومي والطبقي "إسرائيل".
- يجب التعامل مع الدين من زاوية لماذا يحتاج البشر للدين؟ لماذا تترافق موجات المد الديني مع الأزمات الاقتصادية – لماذا تشكل المناطق الأكثر فقراً في الوطن العربي منابع وقود معارك التيارات الأصولية. ثم تأتي البرجوازية لاستثمارها فيما بعد.
- يجب أن نفكر، هل صحيح أن مليون مواطن بعثي هم أعداؤنا الطبقيون. وهل من الثورية والعلمية اليسارية في شيء أن ندفعهم دفعاً إلى موقع العداء الطبقي؟ إن ما يجمعنا معهم اكثر بكثير جداً مما يفرقنا – الواقع الطبقي المشترك – المسألة الوطنية وصدق انتماءهم الوطني وتاريخه. طبعاً لا يدخل ضمن هذا المفهوم البعثي السلطوي المرتبطة مصلحياً بالفساد. علينا أن نعمل لبلورة رؤية وطنية لا يرى البعثي والمسلم والسوري القومي والناصري أنها بعيدة عنهم.. لا تعبر عن مشاعرهم وآمالهم بمستقبل أفضل.. لنتذكر دوماً أن ما سنختلف عليه هو فقط وتحديداً "الملكية الخاصة" الرأسمالية وما ينتج عنها. القيمة الزائدة وشكل استخدامها. نحن نرى أنها اصل الشرور وهم لا يرون ذلك وعلينا إقناعهم بالحوار.
- علينا تجديد الخطاب الموجه إلى البعث والخطاب الموجه إلى السلطة فذلك الخطاب المترافق مع رغباتنا الطفولية اليسارية بإسقاط النظام يجب أن يرحل ويحضر مكانه خطاباً موضوعياً يقف موقف الدارس والناقد والمحفز للإصلاح وحتى المشجع. يجب أن نتخلى عن التصور بأن يساريتنا تحددها الشعارات المعادية للنظام. دون التخلي عن شيوعيتنا ومبادئنا ليس المطلوب الانضمام على جوقة الممجدين والمادحين، كما انه ليس مطلوباً العداء لأجل العداء أو لأجل التمايز "اليساري".
نحن معارضة ولكنت لن نكون معارضة لأجل المعارضة – نحن معارضة لكل رأي لكل قرار لكل إجراء نراه مضراً بمصلحة الوطن أو مصلحة الطبقات الشعبية وسنؤيد كل إجراء كل خطاب كل مرسوم ويخدم الوطن ويخدم تلك الطبقات. بعيداً عن المواقف الثأرية والعصابية.
- يجب إعادة التوجه لأدبنا لتاريخنا، أخطائنا عندما كانت قصص وكالة نوفستي هي الوحيدة المقروءة لنا ولأولادنا ورفاقنا.. وكانت الجموع المطلقة تتجمع على شاشات التلفزيون تتابع مسلسل لزنوبيا أو للزير سالم، يجب أن نزيل من رؤوسنا فكرة احتقار تاريخنا وأدبنا ورموزنا.
ألم يكن تولستوي ممثلاً للروح الوطنية للشعب الروسي ولم يكن شيوعياً؟ لنعود لرش الماء على جذورنا ولا نخف فسينبت هذا الوطن القمع والشيوعيين كما انبتت أوطان الآخرين.
- يجب أن نزيل التناقض المزعوم بين التعددية السياسية وبين ديكتاتورية البروليتاريا – هذا التناقض الناتج عن التطبيق الاشتراكي سابقاً. فإذا كان جذر ذلك التطبيق ينطلق من أن أية دولة هي أداة قمع في يد الطبقة المسيطرة. فلماذا لا تمارس البروليتاريا وهي الأغلبية الساحقة /مفترضاً/. ديكتاتوريتها كما تمارسها البرجوازية؟ لا بل أرقى من الشكل الذي تمارسه البرجوازية، رب قائل أن شكل الملكية البرجوازية يساعدها في ذلك.. هذا موضوع يحتاج الدراسة الموسعة وانا ادعي أن كثيراً جداً من العوامل المستجدة بعد ثورة أكتوبر تساعدني على الاعتقاد بإمكانية ذلك.
في نفس الوقت الذي لا نتوهم فيه أن عصر الثورات قد ولى. فأنا لا اعتقد أن البرجوازية كرأسمال مالك سيقتنع بالحوار الأخلاقي الإنساني انسجاماً مع المفاهيم "العصرية" "للديمقراطية" سيقتنع بأن يتنازل عن ملكيته فهذا إما وهماً أو نفاق لكني أقول يجب أن نكون اكثر المتمسكين بالتعددية السياسية، وبالحوار كشكل إنساني بالسياسة. وان الجموع التي تستخدمها الرأسمالية في حربها ليست برجوازية بل هي جموع الطبقات الشعبية في بلدانها وخارجها والتي مصلحتها بما نطرح. لهذه الجموع حوارنا وجهدنا بأن تختار رؤيتنا وبرنامجنا. ولإقناعها لا نحتاج للعنف.و وباقتناعها لن تكون أية حركة ثورية دموية وحرباً أهلية بل سيكون ذلك في أدنى أشكاله وحين يفرض ذلك علينا فرضاً، ضد مستغليها.
وأخيراً: فإذا كان المطلوب من الشيوعيين الذين اجتمعوا في لندن عام 1847 أن يعرضوا على العالم مفهوماتهم وأهدافهم وميولهم فإن المطلوب من الشيوعيين الآن أن يصححوا للعالم المفهومات والميول التي عرفوها عنهم. لا أن يتبرأوا من شيوعيتهم.
أن يقدموا مفاهيمهم العصرية العلمية والثورية والتي ما زالت تمتلك قوة التغيير للعالم باتجاه الأفضل.
هل تمتلك هذه المفاهيم تلك القوة؟و اتجرا على القول نعم. عن استطعنا إنجاز المراجعة النقدية لمنظومة الأفكار والمفاهيم والمقولات وحتى للقوانين العامة للماركسية ودراسة مجمل التجارب الشيوعية بمنهجية شيوعية ثورية بغية التصويب والتطوير.
"لم يترك مبدعا هذه النظرية – ماركس وانجلز – مؤلفاً وشرحا فيه بالكامل منظومة أفكارهما في الطبقة والمجتمع والتفكير، وليس هناك غرابة في ذلك، فلم يحدث قط أن نظرا على النظرية التي وضعاها على أنها مكتملة، فالماركسية ليست نموذجاً نظرياً للكون، وليست رسماً تخطيطاً ملزماً لجميع، ليست مجملاً للاستنتاجات التي لا تحتمل الخطأ، وإنما هي طريقة وأسلوب لإدراك كل ما هو موجود في حركته وتغييره هي برنامج إعادة الترتيب الفوري للعلاقات الاجتماعية وأدوات النضال من اجل تحقيق إعادة الترتيب هذه". إذاً هناك استنتاجات ومقولات لم تثبت صحتها ومقولات أثبت خطأها، وهي غير مكتملة، الماركسية علم ابتدأ فلسفياً قبل ماركس بقرون واستمر بعد ماركس وسيستمر باستمرار البشرية. وكذلك اجتماعياً واقتصادياً. "على الماركسية أن تجدد نفسها في كل اكتشاف علمي" أو لم يحدث مئات الاكتشافات العلمية خلال القرن السابق. لا بل مئات الاكتشافات العلمية في العقدين الخيرين من القرن العشرين، ألم يتغير الموجود (أيام لينين) ليأخذ شكلاً جديداً لوجوده الآن؟
يجب ان نستخدم العلم الماركسي، الماركسية كمنهج لفهم الرأسمالية في عصرها الراهن:
- العصر الذي تتمركز به الثروة بيد مئتي مدير وصاحب شركة في العالم يتحكمون بمقدرات الأرض.
- العصر الذي يزداد الفقر وينتشر ليشمل 80% من سكان الأرض.
- العصر الذي تحول أو تحاول الرأسمالية أن تحول الأرض على سوق حرة، غابة يأكل فيها المال كل شيء الطبقة والإنسان وتتقيأهم سلعاً "حسب قول أحدهم".
- العصر الذي بدأت تتلاشى به الدولة ولكن ليست الدولة الاشتراكية بل الرأسمالية تحت ضغط الشركات العملاقة وحاجتها لمزيد من التسهيلات لحركة تنقل أموالها واستيلادها.
- باختصار عصر العولمة والذي هو أعلى مراحل الرأسمالية الآن. لنجرأ على أن نضيف لمقولة لينين الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية كلمة الآن أي في وقته
لنتجرأ على القول أيضاً انه يمكن أن تكون العولمة أعلى مرحلة للرأسمالية وخاصة إذا بقيت قوى الثورة القوى النقيضة مشتتة كما هي عليه الآن وإذا كانت الرأسمالية بصفاتها العالمية الضعيفة 0بما لا يقاس مع وضعها الآن) قد دفعت ماركس وانجلز لتأسيس هيئة أركان لقوة الثورة البروليتارية فما أحوجنا الآن إلى الدعوة من جديد لتأسيس مثل تلك الهيئة.
رب قائل أننا خسرنا مرجعيتنا الفكرية واستنادنا المادي والمعنوي، ولا رأى في هذا خسارة، فتلك المرجعية غير مأسوفاً عليها عندما كنا نحصر المعرفة بالكتاب الحمراء وأي كتاب غير ممهور بإحدى الأيقونات الثلاث غير جدير بالإطلاع عليه. وعلينا ونحن نطور مداركنا ومعارفنا أن نقرأ كل الإنتاج الفكري للرأسمالية وللشعوب منذ بدأت تمارس عملها المعرفي. فالرأسمالية تدرس الماركسية اقتصاداً وفلسفة وترجع إليها كثيراً الأزمات للاستدلال بتعاليمها لإيجاد الحلول. يجب ألا نخجل من قراءة فرويد ويونغ .. الخ.
ألا نستطيع استخدام التقنيات الهائلة المتوفرة للإطلاع والمعرفة والاتصال. وان نعتبر الإحصاء مصدر معلوماتنا واستطلاعات الرأي لمعرفة الميول المجتمعية تجاه القضايا الراهنة يجب أن نقلع عن التقدير والرغبة ونحن ندرس شؤون الوطن والناس. أليس لدى الطبقات الشعبية في سوريا والعالم الكوادر والاختصاصية الخلاقة والمبدعة القادرة وعلى دراسة الواقع دراسة علمية نزيهة ومتأنية نستطيع بواسطتها صياغة رؤية برنامجية للتغيير.
في لحظة الانهيار المدوي وقف الشيوعيون في روسيا وفكروا وعملوا وصاغوا ايديولوجيتهم الوطنية لم يفقدهم الانهيار انتمائهم الفكري للماركسية. وهاهم يمثلون الآن القوة السياسة الأكبر في البرلمان وفي المجالس التنفيذية ويزداد نفوذهم باضطراد من خلال مقاومتهم لكل أشكال الظلم والاضطهاد الممارسة على الطبقات الشعبية والنهب المتوحش لثروات روسيا. وسيزداد هذا النفوذ باضطراد مسايراً لهزيمة أوهام اقتصاد السوق ونِعَمْ ومغانم الديمقراطية الموعودة. ويمكن التذكير بازدياد نفوذ الأحزاب الشيوعية في مجمل البلدان الاشتراكية السابقة.
والآن نحن في سوريا هل نستطيع أن نقف لنفكر؟؟..
هل نستطيع ممارسة المهمات النضالية ليسار ثوري في الوقت الذي نقوم به بالمراجعة وفي ذات الوقت الذي ندير به حواراً شاملاً مع كافة الشيوعيين للاتفاق على شكل العمل المنظم ورؤية برنامجية مناسبة لحركة سياسية لليسار.
ولهذا أرى /تأسيساً على ما سبق/، تطوير هذا المنتدى واتساع عدد المشاركين به وتنظيمه واستمراره ليمثل منبراً فكرياً للحوار العلني لكافة الشيوعيين ومن كافة الأحزاب والفصائل – وكذلك للأفراد والغير منضويين بأحزاب ولأي يساري يرغب بهذا الحوار.
تشكيل لجنة لمتابعة ندواته ودعوة كل الأفراد وإعلامهم بوجود المنتدى للمساهمة بالحوار وتقديم وجهان نظرهم المكتوبة، وطباعة مواده وردودها وتوزيعها على المهتمين بهذا الحوار.
من خلال هذا المنتدى وعبر الحوار الجاد للمسائل المتعلقة بالنظرية وبالأحداث الجارية وللتجارب المهمة على الصعيد العالمي يمكن أن تتبلور الآراء والاقتراب من إمكانية رؤية برنامجية مناسبة.
إن هذا شكلاً مقترحاً ليكون طريقة أكثر عصرية وديمقراطية وأقل عصبوية ومؤامرتية واقل مدرسية من بعض الأشكال التي تمت سابقاً لبدء تشكيل حركة ليسار جديد في سوريا
وكما نحن بحاجة لسرعة الإنجاز كذلك نحن بحاجة للتأني والتبصر والتفكير.
وللمزيد .. المزيد من الدراسة. فهذا عمل للوطن الذي نحب
--------------------------------------------------------
* أرى أن من المفيد استخدام كلمة الشيوعية بدلاً من الماركسية لكني في هذه المداخلة استخدمها بنفس المعنى.