|
الديمقراطية المصرية أمام اختبار التحديات
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3784 - 2012 / 7 / 10 - 21:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يتوجه انتباه العالم هذه الأيام إلى مصر بعد أن أصدر الرئيس محمد مرسي قراراً جمهورياً يقضي باستئناف عمل البرلمان الذي تم تعطيله بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحل مجلس الشعب اعتبارا من 15 يونيو/ حزيران، وذلك تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية العليا القاضي ببطلان انتخابه واعتباره "غير قائم قانونا". وبذلك يكون الرئيس مرسي قد وضع نفسه، وحزب الأخوان المسلمين الذي كان ينتمي إليه، في مواجهة مع المحكمة الدستورية العليا، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. لا شك أن جميع هذه الأطراف تواجه الآن إحراجاً، وفي هذه الحالة لا بد من المواجهة، وأن أحدها سيفقد ماء الوجه ما لم يجدوا حلاً سحرياً يحميهم من ذلك!! والسؤال الذي يطرحه معظم المعلقين هو: من سيرف رمشه أولاً !!؟؟؟ who blinks first? أي من الذي سيتنازل عن قراره؟
فالرئيس المصري منتخب من قبل الشعب (ولو بأقلية، ولكنها أقلية متماسكة مقابل أغلبية علمانية مشتتة)، ويدعمه الإسلاميون (الأخوان والسلفيون) الذين يتمتعون بشعبية، وأكثر القوى السياسية تنظيماً وتماسكاً وانضباطاً وطاعة لقياداتهم الحزبية. بينما القوى العلمانية المؤيدة لقرار المحكمة والعسكر هي إما أحزاب صغيرة، أو جماهير مشتتة غير منتمية لأي تنظيم سياسي. ومن جهة أخرى، فإن قرارات المحكمة الدستورية العليا هي ملزمة للجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية. والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ملزم بتنفيذ قرارات المحكمة، ولذلك قام بنشر الجنود حول مبنى البرلمان فور صدور قرار المحكمة الدستورية لمنع دخول النواب إليه.
ومن الجانب الآخر، فإن الرئيس المصري يعاني من عدد من نقاط ضعف، الأولى، أن القرار الذي أصدره باستئناف عمل البرلمان هو ليس قراره، بل فرض عليه من مجلس الشورى لقيادة حزب الأخوان المسلمين. وهو إذ يلبي طلبهم لأنه لولا دعم الأخوان المسلمين له لما فاز بالرئاسة. وثانياً، رغم أن السيد مرسي قال أنه يمثل جميع الشعب إلا إن نسبة الذين صوتوا له أقل من 52% من الذين شاركوا في التصويت أي نحو ربع الذين يحق لهم التصويت. وبذلك فهو منتخب من قبل الأقلية، وهذا يعني أن نحو ثلاثة أرباع الشعب المصري لم يصوتوا له. ثالثاً، وكما بينا آنفاً، إن قرارات المحكمة الدستورية ملزمة من قبل الجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية.
كما ويعتقد بعض الكتاب المصريين أن قرار المحكمة العليا بحل البرلمان كان خطأً، إذ ساعد المرشح الإسلامي، الدكتور محمد مرسي، على الفوز في الانتخابات الرئاسية، وذلك لأن الناخبين اتخذوا موقف التحدي للعسكر الداعم للقرار.
يبدو أن الإسلاميين قد خططوا مسبقاً، وبدعم من السعودية للمواجهة وتصعيد الصراع إلى حد الصدام مع العسكر، بغية الهيمنة الكاملة على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية في الدولة، خاصة وأن سلطات رئيس الجمهورية هي تنفيذية وليست بروتوكولية. نقول بدعم من السعودية لأن أول دولة سيزورها الرئيس مرسي، هي المملكة السعودية. وهذا دليل على عمق العلاقة بين السعودية والرئيس الإسلامي المنتخب. ومن مؤشرات هذا التصعيد هو نزول الإسلاميين إلى ساحة التحرير هذا اليوم، الثلاثاء، 10/7/2012، تأييداً لقرار الرئيس مرسي وتحدياً للعسكر.
الخروج من المأزق يبدو أن رئيس مجلس الشعب (البرلمان)، محمد سعد الكتاتني، والعسكر، قد وجدا حلاً مناسباً لحفظ ماء الوجه ولو مؤقتاً. فقد سمح العسكر لعقد مجلس الشعب المصري "المنحل" أولى جلساته هذا اليوم الثلاثاء، استجابة لقرار الرئيس محمد مرسي. ولكن هذه الجلسة لم تستغرق إلا دقائق، حيث قال رئيس البرلمان في كلمة بثها التلفزيون المصري في افتتاح الجلسة إن "قرار رئيس الجمهورية محمد مرسي بعودة مجلس الشعب لم يتعرض لحكم المحكمة الدستورية العليا وإنما يتعلق بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحله اعتبارا من 15 يونيو/ حزيران الماضي". وأشار الكتاتني إلى أن محكمة النقض هي المنوط بها الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب. ومحكمة النقض هي أعلى محكمة في النظام القضائي المصري وتختص بالفصل في صحة عضوية أعضاء المجلس النيابي. ورفع الجلسة لحين البت في أحكام المحكمة الدستورية العليا من دون تحديد موعد للانعقاد مجددا. وبذلك فقد ألقى رئيس البرلمان الكرة في ساحة محكمة النقض للنظر بالمسألة.
وبذلك، يمكن القول أن رئيس البرلمان قد أوجد حلاً مناسباً ليرضي الجميع ويحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف، ولكن مع ذلك، يبدو لنا ولحد الآن، أن العسكر والمحكمة الدستورية العليا هما المنتصران. والجدير بالذكر أنه بعد عقد جلسة البرلمان يوم الثلاثاء، قضت المحكمة الدستورية العليا بوقف قرار رئيس الجمهورية محمد مرسي باستدعاء مجلس الشعب (البرلمان) للانعقاد رغم قرار سابق بحله. يبقى ذلك على رد فعل الشارع المصري، بقواه العلمانية والإسلامية، ومحاولات التدخل الخارجي، وبالأخص السعودي على الخط لتصعيد الصراع إلى صدام بين الإسلاميين من جهة، والعسكر، والمحكمة الدستورية العليا، والقوى العلمانية من جهة أخرى. فالديمقراطية المصرية تواجه الآن أول اختبار لها، ولا بد أن تكون الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت.
[email protected] العنوان الإلكتروني http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ الموقع الشخصي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مقال ذو علاقة بالموضوع د.عبدالخالق حسين: معوقات الديمقراطية في العالم العربي http://www.abdulkhaliqhussein.nl/index.php?news=472
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دلالات فوز المرشح الإسلامي في مصر
-
هل الحل في حكومة الأغلبية؟
-
عودة للأزمة العراقية الدائمة
-
حول دور الأنصار في إسقاط الفاشية البعثية
-
مؤتمر أربيل وثقافة المسدس والزيتوني!!
-
هل مؤتمر التجمع العربي لنصرة الشعب الكردي أم لنصرة حكامه؟
-
اسباب عداء السعودية للعراق
-
هل المالكي مشروع إيراني؟
-
حوار مع النقاد حول الموقف من الأزمة العراقية
-
قاسم والمالكي بين زمنين، التشابه والاختلاف
-
الدعوة للتطهير العرقي جريمة ضد الإنسانية
-
حول تزييف التواقيع ومداهمة مقر طريق الشعب
-
الإيمو، الوجه الآخر للحملة -الوطنية- لتدمير الدولة العراقية(
...
-
حول اضطهاد الحزب الشيوعي العراقي من قبل الاستخبارات العراقية
...
-
الحملة (الوطنية) لتدمير الدولة العراقية(1-3)
-
هل تعيد أمريكا السيناريو الأفغاني في سوريا؟
-
لماذا يغيِّر المثقفون قناعتهم؟*
-
حول توزيع الموارد النفطية على الشعب؟
-
الشباطيون الجدد.. إلى أين؟
-
الهاشمي لعب دور حصان طروادة بامتياز
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|