|
البشير وبشّار..!!
حسن خضر
كاتب وباحث
(Hassan Khader)
الحوار المتمدن-العدد: 3784 - 2012 / 7 / 10 - 15:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
برر حاكم السودان انفصال الجنوب بتطبيق الشريعة الإسلامية، بمعنى أن إزاحة "الاستثناء" الجنوبي (المسيحي، الأرواحي، الأسود، غير العربي) ستمكّن السودانيين، أخيراً، من إنشاء نظامهم الإسلامي. واليوم، يرد الحاكم نفسه على المتظاهرين ضد نظامه، بالقول إن دستور السودان القادم سيكون إسلامياً مائة بالمائة. بمعنى آخر، يرد المذكور على كل مشكلة (تدل على إخفاقه في إدارة شؤون البلاد والعباد، وهو مطلوب للعدالة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية) بما يؤكد على تشدده في إنشاء النظام الإسلامي المنشود. وبما أن بين معارضيه من هم أكثر تشدداً منه، وبينهم حلفاء سابقون، مثل الترابي، أسهموا معه في الاستيلاء على السلطة، يمكن الاستنتاج دون جهد أن الكلام عن الشريعة والإسلام ليس أكثر من قميص عثمان لتصفية الخصوم، وحل المشاكل، والبقاء في سدة الحكم حتى آخر العمر. لحاكم الخرطوم قرين في دمشق يستخدم لغة المقاومة والممانعة لتبرير النظام الطائفي، والسلطة الوراثية، وحكم العائلة، بل ولا يتوّرع عن إرسال إشارات "علمانية" للتدليل على أن المطلوب في سورية ليس رأس العائلة، بل النظام العلماني المُقاوم، الذي يسعى متشددون إسلاميون للاستيلاء عليه. وفي سياق هذا وذاك يرتكب جرائم قتل يومية للبقاء في سدة الحكم حتى آخر شبّيح ومُقاوم. ماذا نستنتج في الحالتين؟ من قبيل الاستطراد الممل محاولة التدليل على افتئات البشير وبشّار على الحقيقة، وليس المطلوب اكتشاف الطريف والسخيف في لغة السياسة كما يمارسها الحكّام العرب. لم يحن الوقت. فكل ما تسعى هذه المقالة للكلام عنه يتمثل في ضرورة تحليل ما يشهده العالم العربي هذه الأيام استناداً إلى مفاهيم في السياسة وعلم الاجتماع بدلاً من الغرق في تفاصيل نشرة الأخبار، والسياسة اليومية. ومن المفاهيم الضرورية في هذا الشأن مفهوم الحقل السياسي. والفرق بين الحقل السياسي المفتوح والمُغلق. ولن ندخل في الشأن النظري، هنا، بل في تطبيقات عملية، ونماذج توضيحية. أفضل النماذج، في نظري، ما حدث في مصر عشية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بصرف النظر عن نتائجها. دخل عشيّة الانتخابات، وربما للمرة الأولى في العالم العربي، الضمير المدني باعتباره جزءاً من الممارسة السياسية. ولا أقصد هنا ضمائر الحزبيين، بل ضمائر الناس العاديين، الذين شعروا للمرّة الأولى في تاريخهم أن لأصواتهم قيمة من شأنها ترجيح كفة هذا المرشح أو ذاك، وأن اختيارهم لهذا المرشح أو ذاك يعبّر عن قيمة ما. لهذا السبب استنكف بعض الناخبين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع تعبيراً عن رفضهم للمرشحين. وفي السياق نفسه صوّت "علمانيون" مائة بالمائة لمرشح الأخوان المسلمين، لأنهم لا يريدون التصويت لمرشح من بقايا النظام السابق، وفي المقابل صوّت "مسلمون" مائة بالمائة لمرشح من بقايا النظام السابق، لأنهم لا يريدون منحها لمرشح الأخوان المسلمين. وبقدر ما يتعلّق الأمر بمعنى الحقل السياسي المفتوح، ستكون الحسابات مختلفة إلى حد كبير في الدورات الانتخابية اللاحقة، إذا ظل الحقل مفتوحاً، فإلى جانب الضمير المدني، الذي يُعلي من شأن قيمة ما، ستحتل المصلحة، بالمعنيين الفردي والجمعي، سلّم الأولويات. وإذا ما صعدت المصلحة بالمعنى الفردي إلى رأس سلّم الأولويات، قلّت أهمية الأيديولوجيا. في الحقل السياسي العربي التقليدي لا وجود للضمير المدني، لأن نتيجة الانتخابات مقررة سلفاً، وبالتالي لا وجود لمفهوم المصلحة الفردية إلا في إطار الانتماء الطائفي، أو الجهوي، أو الحزبي. بكلام آخر، ثورات الربيع العربي فتحت الحقل السياسي في بعض البلدان العربية، وجرّب المواطنون هناك للمرّة الأولى في تاريخهم معنى تحكيم الضمير المدني، لكنهم لم يجربوا بعد ضرورة تحكيم المصلحة الفردية. ولعل أسخف ما سمعت في حياتي ما قاله ذات يوم "مفكر عربي" على شاشة فضائية نفطية، قال بنوع من الاستنكار: البعض يعتقد إن العلمانية مسألة تتعلّق بنمط الحياة الشخصية. وهذا من حسن الحظ صحيح: العلمانية تتعلّق بنمط الحياة الشخصية، لكن ذلك النمط لا يتجلى على حقيقته إلا في سياق الدفاع عنه في الحقل السياسي المفتوح باعتباره مصلحة فردية يجسدها صندوق الاقتراع. لا توجد ضمانات لبقاء الحقل السياسي في مصر وبقية بلدان الربيع العربي مفتوحاً لفترة طويلة من الوقت، ولكنه يمثل خارطة طريق ستؤدي في نهاية الأمر إلى ديمقراطية حقيقية. وآنذاك، فقط، سيدخل تشدد البشير، كما مقاومة بشّار، في باب السخيف والطريف، أما الآن فلن نتمكن من الكلام عنه إلا كأحد تجليات المأساة. على أية حال، يمكن ظهور أشخاص من نوع البشير وبشّار في الحقل السياسي المُغلق، حيث لا وجود للضمير المدني، وحيث المصلحة الفردية طائفية أو جهوية بالضرورة، لكنها ليست خياراً فردياً في جميع الأحوال. قريباً سيصبح البشير وبشّار جزءاً من الماضي الذي لا نحب أن نتذكره لبشاعته، والذي يجب أن نتذكرّه لتفادي إعادة إنتاجه بتسميات وشعارات جديدة.
#حسن_خضر (هاشتاغ)
Hassan_Khader#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وإن كره الكارهون..!!
-
هل ستكون الانتخابات ديمقراطية بعد أربع سنوات؟
-
انطباعات سريعة من القاهرة..!!
-
الكرملُ جديدٌ، وفي المكتبات خلال أيام..!!
-
الثورة، لمنْ يهمه الأمر..!!
-
مصالحة، ظاهرتان، وأشياء أخرى..!!
-
المصالحة غير ممكنة..!!
-
الكأس كاملة حتى الثمالة..!!
-
Grotesque
-
الإسلاميون وانتخابات الرئاسة في مصر..!!
-
نبوءة سعد الدين إبراهيم..!!
-
تفاهة الشر..!!
-
الواقع بعينين أوسع قليلاً..!!
-
كل عام وأنت بخير يا محمود درويش..!!
-
بنغازي سورية في حمص، ولماذا أحبطها الأميركيون!!
-
في رثاء ماري كولفن..!!
-
السباحة في الماء بلا بلل..!!
-
رسالة إلى الرقم 1842..!!
-
لا شيء يفنى أو يُخلق من عدم..!!
-
مديح العام 2011..!!
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|