|
هل نحن في فراغ من المشروع الحضاري الاسلامي؟
عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 3784 - 2012 / 7 / 10 - 11:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ ثلاثة أشهر وأنا منكب على دراسة ارث الراحل مالك بن نبي الفكري|، والذي تقع مؤلفاته تحت عنوان مشكلات الحضارة، ويذهب مالك بن نبي، في جملة ما افهم عنه عن مفهوم الحضارة، غالى أنها هي الخليط المتنوع من العادات والتقاليد والأشياء وما ما يحيط بالإنسان في وسطه الاجتماعي بما فيها الثقافة التي هي خط سير الحياة الإنسانية في مجتمع ما؛ أي السلوك العملي والممارسة اليومية التي لا فرق فيها في - الإطار الاجتماعي- بين غني أو فقير وبين عالم أو جاهل، ضمن منظومة الواقع الاجتماعي(السلوك).
وفي الثقافة التي عناصرها الأخلاق والمنطق العملي الاجتماعي والجمال والصناعة( التقنية أو الفن ). والثقافة ومن ثم الحضارة يكون العنصر الفاعل فيها والأساس هو الأخلاق أو الروح،وان الحضارات الإنسانية في بداية نشأتها أو في حال تجديدها وبعث الروح فيها إنما أول ما تكون في المرحلة الأخلاقية والروحية، ثم تتجه في دورتها المتكاملة إلى تغليب منطق العقل، ثم لما تصل إلى أوجها تنحدر نحو الغريزة وفلتانها وعدم خضوعها لمنطق الأخلاق أو الروح.
وفيما سبق يمكن التدليل على ذلك بما اطلعنا عليه وعرفناه في التاريخ الإسلامي منذ دولة الحضارة الإسلامية الأولى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث في هذه المرحلة غلبت الروح والمنطق الأخلاقي وتحول إلى سلوك اجتماعي قائم على التضحية والإيثار (ولو كان بهم خصاصة) ما بين مهاجرين وأنصار في المجتمع الإسلامي الوليد، الذي كان فيه الصحابة يتعلمون الدين والتشريع ليلقى التطبيق في المسجد وخارجه، وعلى فور دون ما تردد. ولقد كانت شبكة العلاقات الاجتماعية يفيض عليها أقصى ما لدى المسلم الصحابي من الطاقة الحيوية التي بداخله في كل منحى من مناحي الحياة في الدعوة والجهاد والبناء وغير ذلك.
حتى غلب منطق العقل على الحضارة الإسلامية وتم الانفصال بين الروح والسلوك بين المبدأ والدولة منذ معركة صفين في سنة 38 هجرية، إلى أن وصلنا إلى مرحلة الانحدار والاتجاه نحو فلتان الغريزة وعدم انضباطها بالفكرة الأخلاقية والدينية منذ ما بعد عصر دولة الموحدين في شمال إفريقيا والأندلس وعموم العالم الإسلامي. وكان الفضل لما استمر من تطور وحضارة إسلامية عبر قرون يرجع إلى الأخلاق الكامنة في نفوس المؤمنين، وليس إلى نظام متكامل من منهج واضح وملتزم به. ورأينا أن الحضارة الإسلامية قد انهارت وتلاشت ومن ثم دبت الفوضى في العالم الإسلامي وما تبع ذلك من استعمار، حين أصبحت النفوس خالية من فكرة سامية ضابطها وموجهها الدين، حتى صرنا وبحق بحاجة إلى تمثل قوله تعالى قولا وعملا( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، لأننا أصبحنا مشاريع ومواد خام قابلة الاستعمار ومن ثم الانكسار أم العدو. والعودة إلى ركب الحضارة من جديد بعد الانهيار الأول ليس بالسهولة كما هو الحال بالنسبة للبناء الحضاري لمجتمع يتسم بصفات العذرية والأولية كالمجتمع الجاهلي لما جاءت إليه الدعوة الإسلامية. ودليلنا على ذلك بناء الحضارة المسيحية التي احتاجت إلى قرون حتى كتب لها البدء في مشروعها بسبب حالة المجتمع المختلط عقائديا وفكريا وبالتالي حضاريا، فاضطرت إلى الانتقال إلى جغرافيا مغايرة تمثلت في غرب أوروبا، والتي نطلق اليوم عليها الحضارة الغربية. فالعودة إلى الحضارة بالنسبة لإنسان ما بعد الحضارة فيها جانب من التعقيد والصعوبة، وتحتاج إلى ترو وتدرج وحنكة في تنزيل الخطاب الأخلاقي والفكري، وتطبيقه واقعا مركبا بين تراب وزمن في إطار من الفعالية الاجتماعية بسلاسة. والحركة الإسلامية منذ ما بعد عصر الموحدين وانهيار الخلافة الإسلامية نجدها عموما مختلفة الطرق والسبل وربما متناحرة الأهداف والغايات. وهي عديدة بما لا يمكن لأصابع اليدين حصرها تحديدا في العالم العربي والبعد الإسلامي عموما؛ ما بين سلفية وإخوان وجهاد وقاعدة ومعتدلة ومسميات واتجاهات عدة. لكن محاولة فهم الحضارة في نطاقها الإسلامي، واستجلاء الفروق بين مرحلة ما قبل الحضارة وفي خضم الحضارة وانتهاء الحضارة وما بعد الحضارة، وما يتطلب في أولى خطواتها التركيز على البعد الأخلاقي والروحي وتفعيل الطاقة الحيوية في نفوس أفراد المجتمع في إطار من التعالق الاجتماعي المرتبط والمقدر للقيمة الاجتماعية لعنصري التراب والزمن، والعمل عليهما بصمت دون إبداء كثير ثرثرة، وفهم عميق لحاجة عدم التسرع والاندفاع في اختصار المراحل لخلق إنسان ومجتمع الحضارة ما بعد تلاشي وانتهاء المشروع الحضاري الأول، ومراعاة تعقيدات مسألة البناء من على الأنقاض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( سيأتي زمان على أمتي القابض فيهم على دينه كالقابض على الجمر)، ومع ذلك( لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها). وعلى أي حال، فان الحكم بوجود مشروع إسلامي أو نواة حقيقية لمشروع إسلامي على الطريق، هو هذا الثبات في الموقف الأخلاقي؛ لان الموقف الأخلاقي أو الروحي، قامت عليها جميع الحضارات الإنسانية عبر التاريخ، حتى بما فيها الحضارات التي نطلق عليها وضعية ومادية، فان بحثنا عن الجذور فهي دينية(راجع مؤلفات مالك بن نبي حول مشكلات الحضارة).
وعلى صعيد الثبات على الموقف الأخلاقي أو الروحي، أجد أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وعموم العالم العربي، بما فيهم حركة المقاومة الإسلامية حماس، اقرب الحركات الإسلامية التزاما بهذا، وان كان حجم المناورات والتكتيكات الظرفية فائضا بسبب هذا الفيضان من التعقيد المحلي والدولي أيضا.
ولا شك أن جماعة الإخوان المسلمين وهي في السابق خارج إطار الحكم استطاعت أن تبني شبكة لا بأس بها من العلاقات الاجتماعية الفعالة على مستوى إنساني بعينه، وبذلت جهودا في التنمية الإنسانية خدميا وصحيا وتعليميا وتثقيفيا لعموم وليس لخصوص من المجتمعات التي تقيم فيها. ولقد رأيناهم أي جماعة الإخوان وتحديدا حماس تبدي الموقف الأخلاقي بثباته حتى مع من كانوا حلفاء لهم، حين تعلق الأمر بالمستوى الأخلاقي نفسه القائم على حرية الإنسان وكرامته ورفعته، ولو بالضد من هؤلاء الحلفاء. بينما وجدنا حركات إسلامية أخرى اتخذت موقفا مخالفا لصريح الموقف الأخلاقي المطلوب في موقف الظلم والطغيان. والحركة الإسلامية المنشودة اليوم والتي رأيناها في الإخوان وحماس مطلوب منها التركيز على مسألتين هما تعميم المشروع الحضاري الإسلامي من خلال بناء الفرد في المجتمع في غير جانب من جوانب الحياة،والثانية وهي صلب الموضوع الحضاري من خلال العمل على توفير القوت للناس والعمل(تشغيل الأيدي) في آن؛ بحيث يعمل الجميع ويأكلون. وهذا لا يتأتى إلا من خلال التركيز على أداء الواجبات وترك الصياح ليلا نهارا بالمناداة بالحقوق المجردة من المنطق العمل التنفيذي لها. لقد أحسن الرئيس المصري محمد مرسي قولا عقب فوزه في انتخابات الرئاسة أن :(عليه واجبات وليس له حقوق). نعم يجب أن تتفرغ الحركة الإسلامية المنشودة اليوم لأداء الواجبات التي تقود إلى بناء المشروع الحضاري الإسلامي الكامل؛ مشروع بناء الإنسان الواثق بنفسه الفاعل في محيطه الثقافي الاجتماعي المحول لقيمتي التراب والزمن إلى قيم اجتماعية حقيقية ليكون للأرض كرامة بعد تحقق كرامة الإنسان الأولى(ولقد كرمنا بني آدم...........). والحركة الإسلامية في تفرغها الذي اشرنا إليه، يجب أن تناور العدو التقليدي وغير التقليدي وان لا تتعجل المعركة والحرب معه، وهي في طور بناء مشروعها الإسلامي والإنساني. وعلى هذا يلزم كبت الحماس الزائد وحتى المتوسط في هذه المرحلة من تاريخ عودة الاجتماع الإسلامي إلى الحياة حسب ما تتطلبه مواصفات الإنسان الحضاري المشروط أو المجتمع المشروط غير الخاضع لغرائزه.
لتكن المعارك والحروب بين أولئك الماديين الاستهلاكيين من عتاولة الحضارة الغربية وربيبتها إسرائيل وبين الشخصانيين والمذهبيين من أعراب ومدعي مشاريع ما انزل الله بها من سلطان؛ هذا إن لم يرحل عنا ويتركنا وحالنا الأولون، ويكف الآخرون عن مشاريعهم الشخصية والمصلحية والمذهبية على حساب دماء الشهداء وأشلاء النساء والأطفال.
حتى إذا كان ما أسلفنا، تهيأ المشهد الإنساني بكافة مستوياته ومراتبه لاكتمال المشروع الحضاري الإسلامي، وتمدده ليصيب بعدله وخيره الإنسانية جمعاء،( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
10-7-2012
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من انتفاضة الاقصى الى انتفاضة الاسرى
-
نكبة.... ام قابلية للانتكاب؟!
-
القضية 101/2007: سابقة القضاء الفلسطيني في التعويض عن الاعتق
...
-
هل حقا المصالحة والوحدة الوطنية ممكنة بين السلطة وحماس؟
-
الحرب على غزة اولا
-
حين يراد تحويل الديمقراطية الى ايديولوجيا!
-
الثورات العربية في ميزان الشريعة
-
الخطة الاحادية الاسرائيلية للانسحاب من الضفة الغربية
-
المصالحة الفلسطينية والتنسيق الامني
-
تهيئة الميزان الاستراتيجي في المنطقة
-
البعد الاستراتيجي في صفقة شاليط
-
كي وعي المجتمع الصهيوني بصفقة شاليط
-
ايها الشباب.... هذا هو ضغط التاريخ.
-
الضرر القانوني في استحقاق أيلول على الشعب الفلسطيني
-
لدى القضاء يحبس الذي يدافع عن القضاء!
-
لماذا لم تكن الثورات العربية اسلامية؟
-
ما الجديد في حتمية منطق النهوض؟
-
ذبح المشروعية القانونية في اراضي السلطة الوطنية
-
ميلاد جديد لقيادي فلسطيني تحرر من السجون السورية
-
صراع مطلوب قبالة الادعاء بضرورة المصالحة الفلسطينية
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|