كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3784 - 2012 / 7 / 10 - 11:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السيدات والسادة أعضاء المؤتمر السادس لاتحاد الجمعيات المندائية في المهجر المحترمون
ضيوف المؤتمر الكرام
ينعقد مؤتمركم السادس والوطن العراقي يعيش أزمة مركبة, مستفحلة ومتشابكة بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية, بعواملها الداخلية والخارجية وبالتدخل الفظ والمباشر لقوى دولية وإقليمية, وخاصة دول الجوار في الشأن العراقي, أزمة يعاني منها الإنسان والمجتمع الأمرين ويدفع ثمنها بدمائه الزكية وبهجرة المزيد والمزيد من أبنائه وبناته. إنها أزمة دولة ذات مؤسسات ناقصة وضعيفة الفعل ومهزوزة, أزمة نظام حكم سياسي طائفي قائم على أسس المحاصصة الطائفية والأثنية المضادة لمفهوم الوطن والمواطنة الحرة والمتساوية. هذه الأزمة تأخذ اليوم بخناق الغالبية العظمى من أبناء وبنات الشعب العراقي وتهرس في طاحونتها الفئات الاجتماعية الفقيرة والعاطلة عن العمل والكادحة والجمهرة الواسعة من المثقفين والمثقفات, ويموت المزيد من الناس بسبب عمليات إجرامية انتحارية جبانة يمارسها أعداء الشعب في الداخل ومن الخارج.
إن الصراعات الجارية على السلطة والمال والجاه تتخذ اليوم مساراً اعوجا ومشوهاً يدفع بالبلاد إلى مخاطر جمة لا يعاني منها المسؤولون السياسيون أو قيادات وكوادر الأحزاب السياسية الحاكمة, فهؤلاء يعيشون في آمان ولا تهددهم المخاطر, بل إنها تواجه الشعب العراقي بأغلبيته وتهدده كل يوم وكل ساعة في حياته وحياة افراد عائلته وكرامته وعمله اليومي.
وإذ كانت الأزمة من حيث المبدأ قد مست وما تزال تثقل كاهل الإنسان والمجتمع, فإنها وبشكل خاص قد تجاوزت كل التصورات والاحتمالات في ما تسببت به منذ إسقاط الدكتاتورية الغاشمة, بالنسبة لأتباع الديانة المندائية وأتباع الديانة المسيحية, إضافة إلى القتل على الهوية في ما يخص الصراع بين الأحزاب الإسلامية السياسية وميليشياتها الطائفية المسلحة والقوى الإرهابية, كالقاعدة وهيئة علماء المسلمين وعصائب الحق ومن لَّفَ لفها, إضافة إلى مسلحي بقايا حزب البعث الصدامي - الدوري, هذه القوى التي تتحدث باسم الإسلام والجهاد ومكافحة أتباع الديانات والمذاهب الأخرى والرغبة في العودة إلى الماضي الأسود.
إن الأعمال العدوانية والجرائم التي ارتكبت بحق الطائفة المندائية كبيرة حقاً فبعد أن كان عدد المندائيين في العراق مع سقوط النظام الدكتاتوري الغاشم 77 ألف نسمة تقلص اليوم إلى ما يقرب من 5 ألاف نسمة. إنها جريمة ضد الإنسانية, إنها جريمة إبادة شعب عبر القتل والتشريد والتهجير القسري وبأساليب شتى. ومن بين تلك الأساليب ليس المحاربة بالرزق والسيطرة على الدور ونهبها والسكن فيها وتشريد أصحابها أو فرض الهجرة عليهم قسراً أو قتلهم أو اغتصاب بناتهم فحسب, بل والعمل على تغيير دينهم وتحويلهم إلى دين الإسلام, وهي كلها جرائم بشعة وكبيرة ترتكب بحق أتباع هذه الديانة, وهي مدانة عالمياً استناداً إلى المواثيق والعهود واللوائح الدولية لشرعة حقوق الإنسان كافة وميثاق الأمم المتحدة وغيرها.
ورغم إن الإنسان المندائي مسالم ولا يعتنق ديناً تبشيرياً ولا يسعى لكسب الآخرين أو تحويلهم صوب دينه ويتسم بالذكاء والجدية والإنتاج والإبداع في العلوم والآداب والمشاركة الفعالة في إنتاج الثقافة والحضارة العراقية منذ آلاف السنين, فهو كان وما يزال يتعرض إلى الملاحقة والعدوان والقهر على أيدي قوى ظلامية ظالمة, قوى إسلامية سياسية متطرفة لا تجد الشجب والرفض من جانب شيوخ الدين المسلمين بشكل صارم وحازم, وهو الأمر الذي يشجع قوى العدوان على مواصلة جرائمها دون وازع ضمير أو خشية من قانون غائب.
لقد ارتكب النظام الدكتاتوري الفاشي جرائم بشعة بحق الشعب العراقي سواء بسياساته أم بحروبه العدوانية أم بمكافحة القوى السياسية العراقية. وفي الوقت الذي حارب السياسيات والسياسيين المندائيين الذين رفضوا سياساته, فإنه لم يتعرض لأتباع هذه الديانة بأذى خاص يختلف عن معاناتهم مع بقية العراقيات والعراقيين تحت وطأة طبيعة النظام ذاته. في حين تعرض المندائيون والمندائيات إلى حرب عدوانية شرسة زاحفة أتت على أغلبهم بالموت أو التشريد او التهجير إلى خارج العراق هروباً من الموت على أيدي المتطرفين من الإسلاميين شيعة وسنة ولم يجدوا الحماية من الحكومة العراقية التي تتسم بدورها بطائفية سياسة مقيتة. كما إن جمهرة منهم وجدت الأمن والاستقرار في إقليم كردستان العراق.
ومن المحزن أن نشير إلى وجود معلومات أولية تشير إلى وجود تعاون منذ بدء التدخل والوجود الإيراني في العراق بعد إسقاط الدكتاتورية بين قوى النظام الإيراني وقوى إسلامية سياسية شيعية وسنية متطرفة عراقية وغير عراقية تعمل على تصفية العراق وإيران من أتباع الديانة المندائية وممارسة كل السبل غير المشروعة لتحقيق هذا الهدف. لهذا نجد أن الغالبية العظمى من مندائيي هاتين الدولتين موزعون في الشتات العراقي الإيراني في مختلف بقاع الأرض. وهذا الأمر ينطبق على اتباع الديانة المسيحية أيضاً وفي البلدين.
إن المندائي العراقي, وكذا المندائي الإيراني, يحمل هوية الوطن ويدافع عنها وهي الهوية الأولى التي يعّرف نفسه بها ويدرك أهمية الحفاظ عليها, ولكن من واجبه ايضاً عدم التخلي عن هويته الثانية, هويته المندائية وليس هناك قوة في الأرض يحق لها أن تمارس فرض تخليه عن هويته الثانية. إن القيام بهذا العمل يعتبر جريمة يجب أن يُعاقب عليها من يعمل بها بأقسى العقوبات.
إن من واجب المدافعين عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية, من واجب كل عراقية وعراقي شريف, الدفاع عن وجود المندائيات والمندائيين في العراق, وطنهم الأصلي وارض اجدادهم, إنهم ابناء دجلة والفرات الذين نرفع رؤوسنا بهم ونعتز بوجودهم في وطنهم العراق.
تواجه مندائيي العراق أربع مسائل تحتاج إلى معالجة جادة وموضوعية هي:
1 . كيف يمكن بذل أقصى الجهود للمحافظة على من تبقى من المندائيات والمندائيين في العراق.
2 . كيف يمكن توفير الحماية للمندائيين في الخارج بحيث يستطيعون الحفاظ على تقاليدهم وطقوسهم التي يستوجبها دينهم, إضافة إلى مساعدتهم للعيش الكريم أينما وجدوا في الشتات العراقي المؤقت.
3 . كيف نعبئ الرأي العام العراقي والإقليمي والعالمي ومؤسسات حقوق الإنسان العراقية والإقليمية والدولية لصالح الدفاع عن المندائيين في العراق وإيران في آن واحد.
4 . وكيف يمكن ضمان مساعدة المنظمات الدولية والإقليمية لإلزام الحكومة العراقية بتوفير الحماية الكافية للمندائيين وعودة الكثير ممن يرغب منهم بالعودة إلى وطنهم العراق خلال الفترة القادمة.
نحن في هيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب الدينية, الهيئة التي تأسست في العام 2004 في ضوء تصاعد الأعمال العدوانية ضد اتباع الديانات والصراع الطائفي السياسي في العراق, نعمل على الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق ونتصدى بالشجب والإدانة لكل القوى والأشخاص الذين يمارسون الإرهاب والعدوان ضد المندائيين والمسيحيين والإيزيديين او غيرهم من اتباع الديانات والمذاهب الدينية الإسلامية. ونناضل من أجل أن يكون العراق دولة مدنية ديمقراطية دستورية وعلمانية تفصل بين الدين والدولة وتمارس سياسة "الدين لله والوطن للجميع" وتحترم الأديان والمذاهب كافة وتعمل على وفق مبدأ التداول السلمي والديمقراطي للحكم وتفصل بين السلطات وتحترم استقلال القضاء والسلطة الرابعة, أي الرأي العام والإعلام.
وبناء على تقديرنا لأوضاع أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق قدمت الأمانة العام للهيئة طلباً للسيد رئيس الجمهورية العراقية الاتحادية الأستاذ جلال الطالباني راجية منه رعاية ودعم المؤتمر الأول لهيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق في مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق. وقد وافق السيد رئيس الجمهورية مشكوراً على هذا المقترح, وها نحن نهيئ لهذا المؤتمر بهدف جعله منطلقاً جديداً للتآخي بين اتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق كافة, للاعتراف والاحترام المتبادلين والحق في ممارسة الطقوس والعبادات بكل حرية والعيش الكريم في بلدهم العراق وعودة كافة الذين هجروا بأساليب شتى إلى وطنهم الكبير, إلى العراق الحبيب.
أيتها الأخوات, ايها الأخوة الكرام
إننا إذ نقف إجلالاً لضحايا الشهداء الذين سقطوا على أيدي القوى الظلامية ونعزي عائلاتهم ونرجو لهم الصبر والسلوان, وإذ نقف إلى جانب توفير الحماية الكافية والضرورية لكل المندائيات والمندائيين في العراق وتأمين العيش الكريم لهم, وإذ نؤيد العمل من اجل توفير مستلزمات عودة من يريد العودة إلى وطنه, وإذ نؤيد تأمين مستلزمات عيشهم وظروف عملهم وأداء طقوسهم في الخارج بالشكل المناسب لهم, نؤيد بحرارة في ذات الوقت القرارات الحكيمة والمهمة التي يفترض أن تصدر عن مؤتمركم السادس وفي ضوء ما صدر من قرارات في المؤتمر التاسع وما نشأ من جديد خلال الفترة المنصرمة.
تتحمل القوى والأحزاب السياسية العراقية كافة مسؤولية الالتزام بالدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية وكل الاتجاهات الوطنية وحمايتها من غدر أعداء الشعب من القوى الإسلامية السياسية المتطرفة والمتعصبة والإرهابية التي تسعى إلى تفتيت النسيج الوطني الديمقراطي للشعب العراقي وموقفه الإيجابي والسليم من أتباع الديانات والمذاهب الدينية ومن أتباع القوميات كافة. وأدرك تماماً بأن قوى التيار الديمقراطي قد اعتبرت قضية الدفاع عن اتباع الديانة المندائية وبقية الديانات والمذاهب الدينية قضيتها مباشرة والعمل من أجل تكثيف الضغط على الحكومة العراقية لصالح توفير الحماية وتوفير مستلزمات الأمن والاستقرار في العراق لكي يتسنى لمن هاجر قسراً بالعودة إلى الوطن عزيزاً ومكرماً ومستعيداً حقوقه المغتصبة كافة.
ونحن نقترب من الذكرى السنوية لثورة تموز المجيدة لا بد لي أن اذكر بتلك الحكمة التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي قائد ثورة تموز 1958 حين سؤل لماذا عينت الدكتور الصابئي المندائي رئيسا لجامعة بغداد, أجابهم بكل ثقة وقناعة: أنا عينته رئيساً لجامعة بغداد وليس لجامع في بغداد. وكان الأستاذ الدكتور عبد الجبار عبد الله احد ابرز اعلام العراق والذي انتقم منه البعثيون الفاشست لوطنيته وعلمه وقوة شخصيته وروعة مواقفه الفكرية والسياسية بسجنه وتعذيبه ونفيه عملياً ومن ثم موته في المهجر.
أنا وإياكم على ثقة تامة بأن مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات ستنتصر في البلاد وسيسود السلام والتآخي بين بنات وأبناء الشعب العراقي من كافة القوميات والديانات والمذاهب الدينية والاتجاهات الفكرية المناهضة للعنصرية والتعصب الديني والطائفية السياسية المقيتة.
أشد على أيديكم وأعلن عن تضامني شخصياً وتضامن الأمانة العامة لهيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق الأخوى الحار معكم, ومع جميع المندائيات والمندائيين في البلاد وخارجها ونأمل أن يتسنى لكم عقد مؤتمراتكم القادمة في داخل الوطن حين تنتصر الديمقراطية في البلاد وتُلجم كل قوى الإرهاب والتطرف والتعصب والطائفية السياسية والقتلة والمناوئين للأمن والاستقرار والسلام في البلاد.
شكراً لحسن انتباهكم
هولندا في السادس من شهر تموز 2012 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟