|
خطاب بنكيران بين الشعبوية والدهاء السياسي !؟
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 3783 - 2012 / 7 / 9 - 14:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خطاب بنكيران بين الشعبوية والدهاء السياسي !؟ بغض النظر عن قناعتي بخطاب السيد بنكيران أو عدمها، فيكفيه أن يكون أول رئيس للحكومة المغربية منذ الاستقلال يقف أمام مجلس النواب، ليجيب على أسئلة وتساؤلات وإنشغالات ممثلي الشعب المغربي تطبيقا للاتزام الدستوري الذي ينص على حضوره مرة في الشهر لمقر البرلمان، والذي اجتازه امتحانه شفوي الثاني بنجاح باهر. وبعيدا عن كل مزايدات المعارضة وأحكامها وتهمها الجاهزة التي تلصقها بكل خطاب لرئيس الحكومة الجديد مهما كان موضوعه وفحواه، فقد كان بحق خطابا تاريخيا بكل معنى الكلمة، وما زاد من روعته، فضلا عن تعامله مع تساؤلات المعارضة بتلقائية شديدة، وتلاعب ماهر بنبراته الصوتية التي كانت عفوية هادئة غير متوترة تارة، وقوية ثائرة تارة أخرى، وعدم تقيده بالنص المكتوب وخروجه عليه كثيرا واستعماله مزيجا من العامية والفصحى في مضامين مفرداته ولغته السهلة الموجهة إلى مغازلة مشاعر السواد الأعظم من المواطنين؛ هو توظيفه لمعطيات سياسية وتاريخية للإجابة على أسئلة المعارضة التي كان يتلقف من أسئلتها ما يرد به الصاع صاعين بشكل ذكي جدا ، مطبقا معنى المثل المغربي الدارج "من زيتو قليه" و "من لحيتو لقملو". وبعيدا عن أي محابات أو دفاع عن بنكيران أو دعاية لخطابه، أتساءل ومعي الكثير من المهتمين، كيف يمكن لخطابا بهذه المواصفات وبتلك القوة ودانك البيان، أن يُوصم بـ"الشعبوية أو بالتهريج" مهما اعتراه من تعابير وجه وحركات جسده ونكات لم تكن عفوية، بل معتمدت لضرورة المقال، ومقصودة لتناسب المقام؟؟ وهو الخطاب الذي أبان على دهاء سياسي كبير، وقدرة خارقة على توظيف نقط ضعف المعارضة توظيف ذكيا، وجرأة غير مسبوقة في استغلال تاريخية تورط الكثير من رجالاتها، بشكل أذكى جدا، وشطارة فائقة في وضع أعتى معارضيي سياسة حكومته، في مواقف حرجة تجعلهم يفقدون معها البوصلة ويلجؤون للشتم والتقريع للهروب من مواجهة انتقاداته اللاذعة. إن تحليل خطاب بنكيران بهذا الشكل ليس دفاعا عنه كرئيس حكومة-كما يمكن أن يتبادر لبعض قصار النظر- أو تثمينا لخطابه أو مدحا لشخصه، بل هو شهادة حق في خطاب ارتفعت لغته فوق مستوى لغو خصومه ومنافسيه المتلونين، -عفواً المتنقلين بين منتهى الشيء ومنهى نقيضه، من منهى امتيازات بساتين الحكومات البائدة، التي اكلوا وشربوا واكتسوا على موائدها، إلى اقصى معارضة أصبحت غالبية فعالياتها- رغم كم ما امطرونا به من قفزاتهم الواثقة على أنها لا ياتيها الباطل ابدا- تجد صعوبة كبيرة في مسايرة إيقاع بنكيران والكلامي الجديد الذي ينم عن دهاء سياسي يمنحه نقط تفوق عديدة على مستوى الخطاب الذي يحرص على انتقائ ومفرداته من القاموس الشعبي المغربي لتوجيه سهام نقده الموجعة إلى صدور مكوناتها الهشة، والذي يعتبره جل المواطنين انطلاقة محمودة لفضح الريع، وكشف مناهضيه بهدف الحفاظ على نمط فاسد من التعامل، ضاربا لذلك الأمثلة الكثيرة والمقارنات العديدة حول حالات المغاربة واحوالهم التي ما كانت تظهر لبعض معارضي اليوم، سوآتها وبؤسها ووضعها المزري والكارثي الذي يعيشه المغرب والمغاربة على جميع الأصعدة، إلا بعد أن تخلت عنهم المناصب السلطوية، وافتقدوا امتيازات الحكومية، وحنوا لاكراميات المخزن الحاتمية، وبعد أن "تعرى لقطيط من رمادو" كما يقول المثل المغربي الدارج. ومن بين الطريفة الطريفة المضحكة المبكية في نفس الآن، والتي استشهد بها السيد بنكيران في خطابه لتفنيد ادعاءات المعارضة، والتدليل بها على أن أوضاع المغاربة هي على ما يرام ، حيث أورد في كلامه بخصوص الأجور والطبقة الوسطى، تأكيده على أن أجور المعلمين والأطباء والمهندسين المغاربة هي الأعلى في المنطقة، مقارنة مع الأجور في كل الجزائر وتونس وليبيا ومصر، مضيفا أن أجور مهندسين مغاربة تفوق أيضا أجور نظرائهم في الجارة الشمالية إسبانيا، وكأن المغاربة كلهم أساتذة ومهندسين، ناسيا أو متناسيا أن المغاربة ليسوا كلهم أساتذة ومعلمين وأن هناك -إلى حد ساعة وقوفه على منصة البرلمان- بين الموظفي الدولة من لا يتقاضى حتى الحد الأدنى للأجور المفروض قانونا، والذين وجد السيد عزيز الرباح وزير التجهيز والنقل عدد منهم بوزارته عند تسلمها. ومع ذلك فالمقارنة تبقى طريفة وقد تصيب أو تخطئ، تصيب هدفها إذا هي قصدت المماثلة بين حال معلمينا وأساتذتنا ومهندسينا وبين ما يعانيه الإخوة المهندسين ورجال التعليم المصريين بكل أسلاكهم، من حيف في بلدهم مصر الشقيقة، والتي لا شك أن المرتب الشهرى الذى يتقاضاه الأستاذ الجامعي منهم لجد هزيل وضعيف، بل ومتدني إلى درجة لا يكاد يكفى سد الحاجيات الضرورية لسد الرمق، إذا ما قورنت بمرتبات أساتذتنا الجامعيين ومعلمينا، "اللهم لا حسد" كما يقول المصريون أنفسهم الذين يعمل جامعييهم في ظروف إدارية ومادية صعبة تعكسها أوضاعهم الاجتماعى والاقتصادي، والتي وصلت قمة مأساتها إلى إمكانية مشاهدة أي زائر لمصر مناظر الكثير من الأساتذة الجامعيين وهم يسيرون على القدام لمسافات كبيرة لقصر أيديهم على دفع ثمن تذكرة الحافلة، وهم يرتدون ملابس رتة وتأبطون أكياسا بلاستيكية يحملون فيها بعض الطعام، عيش وجبن رخيص، وقد عبر الدكتور رضا عبد السلام الأستاذ بحقوق المنصورة فى مقالته المؤترة، المنشور فى "اليوم السابع" بتاريخ 4 مايو الماضى تحت عنوان "إلى متى تواصل الدولة إهانة أساتذة الجامعات" عن هذا الوضع المزري حين نعى فيه راتبه الذى لا يتجاوز 2518 جنيها مصريا، والذي لا يكاد يكفى لتغطية مصاريف الدروس الخصوصية لنجليه. أحوال مزرية، وأوضاع لا مشرفة، يضطر معها الأساتذ المصري لمزاولة أعمال ثانوية -قد تصل إلى الحقيرة- خارج ساعات التدريس، أو يهرعون للهرب خارج الوطن تاركين جامعاتهم بحثا عن عمل فى جامعات عربية، وخاصة منها السعودية والكويت والإمارات العربية وقطر، حيث أن مرتب الأستاذ فيها يفوق مرتب الجامعيين المصريين الذي لا يتجاوز 1100 جنيه بالنسبة لمرتب المعيد، والمدرس المساعد 1400جنيه، والمدرس 1800جنيه، ومرتب المدرس الذى قضى أكثر من 10 سنوات فى الجامعة فلا يتقاضى سوى ثلاثة أو أربعة آلاف جنيه شهريا أى حوالى36 ألفا أو 48 ألف جنيه سنويا، بما يعنى أن مرتب المعيد أقل من مرتب معلم المدارس الابتدائية عندنا. لكن مثل هذه المقارنات، يمكن أن تخفق حين يُقصد بها البرهنة على أن أحوال تعليمنا والعاملين به بكل خير، في حين أن المشاكل كثيرة ومرة -كـ"ضربات المزود لا يحس بها غير المضروب به"- ولا تحل بمقارنات طريفة مضحكة مبكية في نفس الآن، بل كان على رئيس حكومتنا أن ينظر إلى فوق، أي إلى من هم في عيش كريم وأرقى من حالنا وأحولنا، ويقارن بهم حال معلمينا والأساتذة والمهندسين وباقي فئآت الشعب التي يعيش السواد الأعظم منها تحت عتبة الفقر وهزالة المرتبات، ما يجعل الرئيس يلقى تعاطفا وارتياحا واسعين في الاوساط الشعبية لأن هذا النوع من المقارنة سيخفق لامحالة إذا هي استعرضت سيادته تقرير" السعادة العالمي" الذي يعده معهد الأرض التابع لجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية، بتكليف من الأمم المتحدة، حسب عدة معايير حرية العمل السياسي، والاستقرار الوظيفي والأسري، وغياب الفساد وتوفر الصحة العقلية والجسدية لدى المواطنين، بالإضافة إلى معايير أخرى، والذي يكشف احتلال المغرب الرتبة 115 ما بين 156 دولة فيما يخص الدول الأكثر سعادة خلال السنوات 2005 وإلى منتصف 2011. واختم مقالي هذا، بالتأكيد على أنه ليس ثمّة من مبرر حقيقي وواقعي ومشروع، مع احتلال هذه الرتبة المتأخرة جدا، التي وجد المغرب فيها نفسه بجوار أفغانستان والموزمبيق وزيمبابوي، ومن وراء الصومال واليمن وأنغولا وإثيبوبيا، لهذا التناحر الحاصل في مشهدنا السياسي بين المعارضة والحكومة، سوى ما يفهم منه أنّ هناك فقراً مدقعاً في الثقافة السياسية لدى الطرفين معا في إدراك التبدّلات الجارية في العالم، وفي تغليب مصلحة المواطن والبلاد على حساب نرجسيّة وذاتيّة مرضيتين تشدّ بخناقهما، وتحول دون إحداث تحوّلاتٍ عميقةٍ في المفاهيم السياسية، وتكشف بالواضح حجم الامتعاض والسخط تجاه كل من تولى تسيير مهام التسيير، ووعودهم الجوفاء الخالية المضامين، التي أوصلت هذا الشعب الأبي الذي يراد له أن ينضوي تحت خط الفقر والحرمان. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مؤتمر حزب الاستقلال، تمرد أم ثورة؟
-
مذكراتي مع المستشفيات العامة والخاصة. الحلقة الثانية: سياسة
...
-
ذكرياتي المرة مع مستشفياتنا الخاصة والعامة.
-
إلى متى هذا العجز عن القضاء على الفساد بالكاملة؟
-
خواطر عمالية على هامش مؤتمر نقابي!
-
من الأحق بالشكوى من الزيادة المواطن أم الحكومة !؟؟
-
فن المعارضة أن تنام موالياً وتستيقظ معارضا
-
ماذا بعد اللقاء الأول لمحاسبة رئيس الحكومة!؟
-
ظواهر تثير الشوق وتوقظ الرغبة في تكرار الزيارات لباريس.
-
مقياس نجاح العمل النقابي بالمغرب !؟
-
بائعات الجسد مواطنات لا يجب احتقاراهن.
-
هموم مهندس من وزارة التجهيز والنقل
-
حلم الخلافة وأوهامها!؟
-
وزارة التجهيز والنقل وزحمة الخروقات والتجاوزات !؟
-
الذكورية المتطرفة تفقد المرأة روح التحدى والصمود والثقة في ا
...
-
إذا كنت وزارة الداخلية -أم الوزارات- فإن وزارة التجهيز والنق
...
-
هل نحن العرب في حاجة ليوم واحد للكذب؟ !
-
غزو اللحى ينشر سحبا من الغموض !
-
غلاب واليازغي يزاحمان الرباح على دور بطولة محاربة الفساد !
-
الدعوة للخلق الحسن !!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|