|
مسلسل جريمة الختان (16) : رأي توما الأكويني
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 3782 - 2012 / 7 / 8 - 16:09
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
كان «توما الأكويني» (توفّى عام 1274) راهباً دومينيكاني، له عدد كبير من المؤلّفات اللاهوتيّة والفلسفيّة باللغة اللاتينيّة. ويعتبر من أكبر علماء اللاهوت والفلسفة الكاثوليك في العصور الوسطى وما زال يؤثّر على الفكر الديني والفلسفي المسيحي الغربي في عصرنا.
في كتابه المشهور «الخلاصة اللاهوتيّة»، يورد «توما الأكويني» الإعتراضات التي يمكن توجيهها للختان.
هناك أوّلاً صعوبة تقديم سبب مقبول لأوامر التوراة. فالطقوس الإلهيّة يجب أن لا تشابه ممارسات الوثنيّين كما جاء في التوراة: «لا تصنع هكذا نحو الرب إلهك، فإنها قد صنعت لآلهتها كل قبيحة يكرهها الرب، حتّى حرقت بنيها وبناتها بالنار لآلهتها» (تثنية 31:12). كما تذكر التوراة أن كهنة بعل كانوا يسيلون دماءهم: «وخدشوا أنفسهم على حسب عاداتهم بالسيف والرماح حتّى سالت دماؤهم عليهم» (1 ملوك 28:18). وهي تمنع تجريح الجسد: «فلا تصنعوا شقوقاً في أبدانكم ولا تحلقوا ما بين عيونكم من أجل ميّت» (تثنية 1:14). وعلى هذا الأساس كيف يمكن تبرير الختان؟
وقد رد «توما الأكويني» على هذه الإعتراضات قائلاً أن الختان تعبير عن الإيمان باله واحد وعلامة دائمة في جسد اليهودي حتّى لا ينسى الله. وهو أيضاً وسيلة لإضعاف الشهوة الجنسيّة في العضو التناسلي (وهذا قول مأخوذ عن موسى بن ميمون). وأخيراً هو وسيلة للسخرية من عبدة الأصنام الذين كانوا يكرّمون هذا العضو. ولا يمكن في هذا المجال مقارنة الختان بتجريح كهنة الأصنام أجسادهم الذي ترفضه التوراة. ويقول توما إن سبب فرض الختان في اليوم الثامن هو لأن الطفل قَبل ذاك الوقت يكون ضعيفاً والتوراة لا تسمح أن يُفصل الحيوان عن أمّه قَبل اليوم الثامن لتقديمه قرباناً لله (الأحبار 27:22). ولم يؤخّر الختان عن ذلك العمر، حتّى لا يتهرّب البعض من عمله بسبب الألم وحتّى لا يتقاعس الأهل في تعريضهم لهذا الألم بسبب تعاظم حبّهم لطفلهم مع مرور الوقت ومعاشرتهم (وهذا قول مأخوذ أيضاً عن موسى بن ميمون). ويضيف الأكويني أن الختان في اليوم الثامن له معنى رمزي. فهو يرمز إلى أن المسيح سيلغي كل فساد في الأرض في اليوم الثامن، أي في يوم قيامته الذي تم أوّل الأسبوع. وبما أن الفساد يأتي عن طريق الجسد، من خطيئة أبينا الأوّل آدم، فكان لا بد من عمل الختان في عضو التناسل.
ويورد «توما الأكويني» إعتراضاً على حذف فريضة الختان عند المسيحيّين. فالنبي باروك يقول: «هي كتاب أوامر الله والشريعة القائمة للأبد» (باروك 1:4). وقد أمر المسيح للأبرص الذي شفاه أن يقرّب «ما أمر به موسى من قربان» (متّى 4:8). وقد فرض الختان ليعني إيمان إبراهيم. وكذلك الأمر بخصوص الفرائض التوراتيّة الأخرى. فيجب لذلك المحافظة على الختان بعد مجيء المسيح.
ويجيب توما على هذا الإعتراض بذكر قول بولس: «فلا يحكم عليكم أحد في المأكول والمشروب أو في الأعياد والأهلّة والسبوت. فما هذه إلاّ ظل الأمور المستقبلة» (قولسي 16:2-17). وبولس الذي يذكر قول أرميا أن الله أقام عهداً جديداً (13:13) يضيف: «فإنه إذ يقول عهداً جديداً، فقد جعل العهد الأوّل قديماً، وكل شيء قدم وشاخ يصبح قريباً من الفناء» (عبرانيين 13:8). ويرى توما أن الأوامر الأخلاقيّة تدوم أبداً، ولكن الأوامر الخاصّة بالشعائر الخارجيّة فهي تفنى مع تحقيق ما ترمز إليه. فقد قال المسيح في آخر لحظة من حياته قَبل موته: «تم كل شيء» (يوحنّا 30:19). وقد شُق حجاب الهيكل إلى شطرين (متّى 51:27). وعندها، إنتهت الشعائر اليهوديّة. وقد وعد الله إبراهيم أن يجعل له نسلاً يبارك به كل الأمم، وهذا النسل هو المسيح. فبعد مجيء المسيح تحقّق الوعد ولا حاجة بعد ذلك للختان الذي كان علامة للعهد القديم. وحلّت محل علامة العهد القديم علامة العهد الجديد وهي المعموديّة. كما حل الأحد محل السبت، وحل محل عيد فصح اليهود عيد فصح المسيح وقيامته. وإن إستمر بعض التلاميذ في ختان المسيحيّين من أصل يهودي في بداية إنتشار المسيحيّة، فالهدف منه كان عدم تشكيكهم حتّى تبليغ الإنجيل لهم. أمّا وقد بُلِّغُوا الإنجيل، فلم يعد بعد لفريضة الختان مكان. فمن يمارس الختان يقترف خطيئة كبيرة لأن ذلك يعني التصميم على الخطأ.
ويورد «توما الأكويني» إعتراضاً آخر. يقول المسيح: «قد جعلت لكم من نفسي قدوة لتصنعوا أنتم أيضاً ما صنعت إليكم» (يوحنّا 15:13). ولكن يقول القدّيس بولس: «إذا إختتنتم، فلن يفيدكم المسيح شيئاً» (غلاطية 5:2). فلماذا ختن المسيح؟
يرى «توما الأكويني» أن ذلك قد تم لأسباب كثيرة: - ليثبت أن له جسد حقيقي، وذلك رداً على من كان يرى فيه جسداً غير حقيقي. - ليؤكّد على الختان الذي أمر به الله سابقاً. - ليثبت أنه من نسل إبراهيم الذي أمر بالختان. - لكي لا يرفضه اليهود بسبب عدم ختانه. - حتّى يعلّمنا فضيلة الطاعة. - حتّى يريح الآخرين من حمل الناموس بحمله هو ذاك الناموس: «أرسل الله إبنه مولوداً في حُكم الشريعة ليفتدي الذين هم في حُكم الشريعة» (غلاطية 4:4).
ويضيف «توما الأكويني» ثلاثة إيضاحات: 1) إن الختان، بتعريته عضو التناسل، كان يعني تعرية الجيل القديم. وقد عُرّينا بآلام المسيح. ولم يتم ذلك بمولد المسيح، بل بموته. فقَبل ذلك كان للختان كل فاعليّته. ولذلك كان لا بد للمسيح من أن يُختن. 2) لقد قَبِل المسيح الختان كقانون ساري المفعول في زمنه، وعلينا أن نقبل نحن القانون الذي يسري في عصرنا. فسفر الجامعة يقول: «إذ لكل غرض زمان ثم قضاء» (6:8). ويقول أوريجين: «إننا إذ متنا مع المسيح وقمنا بقيامته فكذلك خُتِنَّا روحيّاً بختانه فلا حاجة لنا لختان الجسد». ويقول بولس: «في [المسيح] خُتِنتُم ختاناً لم يكن فعل الأيادي، بل بخلع الجسد البشري، وهو ختان المسيح» (قولسي 11:2). 3) إن الموت هو عقاب الخطيئة. والمسيح قَبِل أن يموت مثلنا رغم أنه لا خطيئة فيه حتّى يخلّصنا من الموت باماتتنا روحيّاً عن الخطيئة. وكذلك، قَبِل ختان الجسد الذي هو دواء ضد الخطيئة الأصليّة حتّى يخلّصنا من نير الناموس ويختننا روحيّاً . أي أنه قَبِل الرمز حتّى يحقّق ما يرمز إليه من واقع.
يرى «توما الأكويني» أن الختان يشبه المعموديّة في أثرها الروحي. فكما أن الختان ينزع جزء من جسمه، كذلك المعموديّة تنزع عن الإنسان نزعاته وميوله الجسديّة. وكما أن اليهودي كان بالختان يتعهّد بالمحافظة على الناموس، كذلك بالمعموديّة يتعهّد المسيحي بالمحافظة على الناموس الجديد. فكان الختان رمزاً للمعموديّة مع إختلاف في أن المعموديّة دعوة للجميع كما جاء في متّى 19:28.
ويتساءل «توما الأكويني» إذا كان الختان علامة الإيمان، فلماذا وضعها الله علامة في العضو التناسلي بدلاً من وضعها على رأس الإنسان حيث المقدرة الذهنيّة التي ينبع منها الإيمان. ويرد بأن وضع علامة الختان في العضو التناسلي يشير إلى إيمان إبراهيم أن المسيح سيأتي من نسله، وأن الختان هو دواء ضد الخطيئة الأصليّة التي تتوارث بالتناسل، وأخيراً أن الهدف هو إنقاص الشهوة الجسديّة التي تتمركز خاصّة في الأعضاء التناسليّة بسبب شدّة اللذّة الجنسيّة.
ويفسّر «توما الأكويني» إستعمال الحجر في ختان إبن موسى (الخروج 25:4) وفي ختان اليهود في سيناء من قِبَل يشوع (الخروج 2:5) بأنه رمز للختان الروحي الذي تم بالمسيح الذي يقول عنه القدّيس بولس «وهذه الصخرة هو المسيح» (1 قورنتس 4:10). كما يُفسِّر الختان في اليوم الثامن بأنه رمز لقيامة المسيح في اليوم الثامن.
وختاما يمكننا أن نأخذ على «توما الأكويني» تناقضه مع ما قاله في فصل آخر من كتابه. فهو يرفض مقارنة الختان بتجريح كهنة الأصنام أجسادهم (أنظر أعلاه). ولكن في الفصل الذي كرّسه لدراسة العنف الواقع على الأشخاص يذكر قول يوحنّا الدمشقي الذي يعتبر خطيئة «تغيير ما هو مطابق للطبيعة لعمل ما هو مخالف لها»، ممّا يعني أنه لا يحق لأحد أن يبتر عضو شخص آخر. وتوما لا يسمح بالقيام بذلك البتر إلاّ للسلطات عقاباً على إثم أقترف. والختان يعتبر هنا بتراً لعضو حسب تعريف يوحنّا الدمشقي إذ هو «تغيير ما هو مطابق للطبيعة»، ولكن الطفل الذي يختن لا يقترف إثماً لبتر أحد أعضائه. فكيف يمكن في هذه الحالة تبرير الختان كما جاء في التوراة؟ هذا ما لا يجيب عليه «توما الأكويني».
موضوع مقالي القادم --------------------- سوف استمر في مقالي القادم عرض الختان عند المسيحيين يمكنكم تحميل كتابي: ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين الجدل الديني والطبّي والإجتماعي والقانوني من الرابط التالي http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131&action=arabic
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحمد القبانجي – فهم جديد للقرآن: القرآن ليس من الله
-
مسلسل جريمة الختان (15) : رأي اوريجين وكيريلوس المصريين
-
مسلسل جريمة الختان (14) : رأي يوستينوس الفلسطيني
-
مسلسل جريمة الختان (13) : موقف المسيح ورسله من الختان
-
مسلسل جريمة الختان (12) : الختان في الكتب المقدسة المسيحية
-
مسلسل جريمة الختان (11) : اليهود وختان الاناث
-
مسلسل جريمة الختان (10) : الختان الدموي والختان الرمزي عند ا
...
-
عصمة الانبياء مصيبة المصائب
-
مسلسل جريمة الختان (9) : عملية الختان عند اليهود
-
مسلسل جريمة الختان (8): يهود ضد الختان
-
مسلسل جريمة الختان (7): عواقب عدم الختان في اليهودية
-
الشيخ احمد القبانجي يؤكد أن القرآن ليس كلام الله
-
مسلسل جريمة الختان (6): النصوص التوراتية الاخرى
-
مسلسل جريمة الختان (5): الختان واليهود ومصيبة النبي ابراهيم
-
مسلسل جريمة الختان (4): الختان عند قدامى المصريين
-
مسلسل جريمة الختان (3): انواع ختان الذكور والاناث
-
مسلسل جريمة الختان (2): لماذا هذا الاهتمام؟
-
مسلسل جريمة الختان (1)
-
دعوة القادة العرب والمسلمين للتزلج على الثلج
-
كيف يمكنك ان تصبح نبيا ناجحا؟
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|