أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - المناضل-ة - اليسار الاشتراكي الموحد: خط سياسي توافقي دفاعا عن الرأسمال ودولته















المزيد.....


اليسار الاشتراكي الموحد: خط سياسي توافقي دفاعا عن الرأسمال ودولته


المناضل-ة

الحوار المتمدن-العدد: 1105 - 2005 / 2 / 10 - 11:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


اليسار الاشتراكي الموحد: خط سياسي توافقي دفاعا عن الرأسمال ودولته

الاربعاء 15 دجنبر 2004
المناضل-ة عدد: 3
صابر قاسم
تقديم

طرحت فكرة بناء إطار سياسي موحد لبعض مكونات اليسار السبعيني سنة 1990، غير أن الخطوات الفعلية نحو هذه المبادرة لم تكن سوى في 94-1995 في سياق الحديث عن إمكانية تشكيل ما يسمى بحكومة التناوب بمشاركة أحزاب المعارضة الليبرالية التي ستخلف فراغا سياسيا حدا باليسار إلى الحديث عن إمكانية ملئه، خاصة أمام تصاعد المد الرجعي الديني.

توجت هذه الخطوات بوحدة اندماجية بين أربع تيارات ( قسم من الحركة من أجل الديمقراطية وقسم من الديمقراطيين المستقلين و الفعاليات اليسارية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي) في حزب اليسار الاشتراكي الموحد الذي عقد مؤتمره التأسيسي في 13-15 يوليوز 2002. لم تكن هذه الوحدة ثمرة نقاش حول طبيعة المهام السياسية الجذرية والوحدة الطبقية في النضالات الجماهيرية الفعلية. وتمثل القاسم المشترك الأساسي الذي سمح بها، في تبني التيارات الأربع لخيار ما يسمى بـ "النضال الديموقراطي"، الذي يرتكز على العمل في المؤسسات القائمة وتصغير المطالب لإقناع النظام بالانصياع، في غياب التعبئة الضرورية في أوساط الكادحين لفرض حتى مثل هذه المطالب نفسها، ناهيك عن النضال من أجل مجتمع اشتراكي بديل. وتتمثل أحسن الأمثلة في تجربة منظمة العمل الشعبي الديموقراطي التي حسمت يمينيا مع إرث منظمة 23 مارس وارتمت في مستنقع الليبراليين ("الكتلة الديموقراطية") لتساهم في تأخير وعي الجماهير وإفساده. وليس تأسيس حزب اليسار الاشتراكي الموحد سوى استمرارا لهذه الصيرورة الانبطاحية، سمح به الضعف الشديد للمكونات الثلاث الأخرى وعدم إيمانها بقوة الجماهير التي يجب العمل على استنهاضها عبر الدعاوة والتحريض.

لن نتطرق للعوامل المتحكمة في هذه الصيرورة وسياقها التاريخي، بقدر ما سنحاول نقاش بعض الجوانب الرئيسية في الخط السياسي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد وممارسته، خصوصا وأنه توج سنتين من وجوده بعقد المؤتمر الأول في يوليوز 2004. ويرتكز نقاشنا لهذا الحزب، أولا، على اعتبار نفسه يسارا اشتراكيا وتوحيدا لتيارات منحدرة من حركات اليسار الثوري بالمغرب، وثانيا، لكون هذه الأصول قد تجذب بعض الشباب الساخط الباحث عن بدائل.

المطالب الآنية للطبقة العاملة: صراع طبقي أم توافق طبقي؟

يعتبر الحزب أن الطبقات الاجتماعية التي يستند إليها هي "الطبقات الكادحة التي لا تملك وسائل أخرى لتحقيق مطامحها إلا النضال المنظم ووحدة إرادتها السياسية"، وأن "الارتباط الوثيق بالنضال اليومي لأوسع الفئات والطبقات الشعبية المغربية ومطالبها العامة والجماهيرية" يشكل استراتيجيته العملية، وأن استمرار وجوده مرتبط "بالانغراس داخلها وترجمة ميولاتها المشروعة نحو حياة أفضل"(مشروع الورقة التنظيمية).

إن الحديث عن الارتباط الوثيق بالطبقات الكادحة والانغراس داخلها ليس له أي معنى إذا لم يقترن بتوضيح طبيعة السياسة التي سيمارسها الحزب داخل هذه الطبقات. ويفرض تبني الاشتراكية، في وضع يتميز باختلال موازين القوى لصالح الطبقة السائدة وبضعف الحركة العمالية، ضرورة الانطلاق من الاهتمامات المباشرة للجماهير في وضعها الحالي، والنضال دون هوادة لصد الهجوم النيوليبرالي، وصون مكتسباتها والعمل على ضمان نجاح نضالاتها عبر:

صياغة مطالبها وأهدافها بروح طبقية واضحة

المشاركة في التنظيم الفعلي لهذه النضالات واقتراح أشكال النشاط الضرورية.

وهذا ما يعني تطوير أدوات النضال الجماهيري في خضم الصراع الطبقي وتنمية وعيها السياسي لبلوغ مستوى أعلى تطرح معه مشكل السلطة على رأس جدول الأعمال.

لكن ممارسة حزب اليسار الاشتراكي الموحد تتميز بمنح الأولوية للعمل السياسي داخل "المؤسسات التمثيلية" و"بالإصلاح السياسي والدستوري"، وإخضاع باقي أشكال العمل لتلك الأولوية وضمنها العمل الجماهيري الذي هو شأن خاص بالمنظمات الجماهيرية. فالحزب لم يجعل من الهجوم النيوليبرالي الواسع الذي تشنه الطبقة الحاكمة بإيعاز من مراكز القرار الإمبريالية على مكتسبات طبقة الأجراء محورا للتعبئة، والقيام بحملات دعاوية وتحريضية ضده. لم يعمل على توضيح طبيعة مدونة الشغل في تعميم مرونة الشغل وتسهيل عملية التسريح، وكونها تشكل محطة نوعية في خلخلة موازين القوى الطبقية ببلدنا وانتصارا للرأسمال في ضمان استغلال مفرط للطبقة العاملة وترسيخه قانونيا، ناهيك عن خوض معارك نضالية ضدها.

وينطبق الأمر أيضا على مشروع قانون الإضراب الذي ينزع إحدى أسلحة الطبقة العاملة الأساسية، والفصل 288 من القانون الجنائي، والسلم المتحرك للأجور، وسعي الدولة إلى رسملة أنظمة التقاعد، وخوصصة الخدمات الاجتماعية، والبطالة والتسريحات الجماعية، الخ.

لما أقدمت الدولة على تطبيق قرار الزيادة في رسوم الاستشفاء بالمستشفيات العمومية، لم يوجه الحزب دعوة إلى الكادحين بالنضال وبتشكيل جبهة رفض، بل اكتفى بالتعليق على القرار بكونه "يطرح تساؤلات كبيرة تتعلق بمستقبل صحة المواطنين التي أصبحت في خطر"، وأن "مسؤولية الدولة على الوضع المتردي الذي يعيشه القطاع مسؤولية كبرى ولا يمكن التحلل منها" [11]، وبأن ضرب مكسب المجانية في مجال الصحة "يضع مصداقية الخطاب الرسمي موضع سؤال" [12] .

ولا يرفض الحزب الخوصصة من الناحية المبدئية، وإنما يطلب من الدولة شفافية عمليات البيع وتخصيص عائداتها للاستثمار وأن تفكر قبل أن تقدم على خوصصة بعض القطاعات الاستراتيجية التي "ستضر لا محالة بمصلحة البلاد وبالأمن القومي للمغاربة". إنه تعبير عن مطالب برجوازية متضررة من أساليب لا تضمن مساواة الفرص داخل طبقة الرأسماليين. وتغيب أي تعبئة لدى الحزب في عمليات خوصصة كبرى كتصفية شركتي صوديا وصوجيطا على سبيل المثال.

يغيب الاهتمام بهذه القضايا الاجتماعية في ممارسة الحزب لأنه لا يؤمن بدور الطبقة العاملة في تغيير المجتمع وبضرورة التدخل في المعارك العمالية والشعبية بغية ضمان انتصارها وتقوية تجاربها النضالية. كل ما يتقنه الحزب في هذا المجال، هو توجيه تنبيهات للمسؤولين لتحمل مسؤولياتهم في تجنيب البلاد من الأخطار التي قد تنجم عن ذلك: "إن الحكومة مطالبة اليوم بالانكباب على المسألة الاجتماعية قبل أن تؤدي الأوضاع إلى انفجار اجتماعي يدخل البلاد في دوامة لا مخرج لها" [13].

يخشى الحزب إذن نضالات الكادحين لأنها ستؤدي إلى انفجار اجتماعي يهدد أمن الرأسمال وأسس الدولة البرجوازية. وبالتالي، فهو يخضع الدفاع عن مصالح العمال أكثر فأكثر إلى حماية "التوازن الاجتماعي" والمؤسسات القائمة. وهذا هو جوهر الخط الإصلاحي المبني على التوافق الطبقي. في حين يفرض الانتساب الى الاشتراكية ضرورة الدفاع المستميت عن مصالح طبقة المأجورين وضمان استقلالها السياسي إزاء مؤسسات الدولة البرجوازية.

"النضال الديمقراطي": تأخير وعي الجماهير

يصف حزب اليسار الاشتراكي الموحد النظام السياسي القائم بكونه استبداديا وفرديا. وبالتالي، فالمرحلة تتطلب "إصلاحا سياسيا ودستوريا" يؤسس لـ "ملكية برلمانية حيث الملك يسود ولا يحكم".

يطرح الاستبداد السياسي بالنسبة لكل يساري منتسب الى الاشتراكية ضرورة االتشهير السياسي بأوجه هذا الاستبداد عبر دعاوة وتحريض واسعين داخل صفوف مختلف طبقات الشعب الكادحة التي ترزح تحت نيره، واستعمال كل المنابر بما فيها المؤسسات والانتخابات والإعلام، الخ. لكن حزب اليسار الاشتراكي الموحد يستبعد أي نضال جماهيري من أجل تثبيت دعائم الديمقراطية الفعلية، ويراهن على إرادة الطبقة الحاكمة في تحقيق الإصلاح السياسي موجها لها إشارات حسن نيته في احترام قواعد اللعبة. إنه المنطق البرجوازي الذي يهاب قوة الجماهير وحزمها ويعتقد أن تصغير المطالب سيدفع الحكم إلى الانصياع.

في بلد متخلف تعاني فيه الحركة العمالية من ضعف كبير وتفتقد للاستقلالية السياسية والتجربة الثورية، يطرح الاستبداد السياسي أيضا مسألة الشعارات الديموقراطية التي يجب رفعها لتنمية الوعي السياسي لدى الطبقات الكادحة بضرورة النضال من أجل نظام يضمن سيادة الشعب الكاملة ويركز السلطة السياسية بين أيدي ممثليه. وهذا ما يختزله شعار الجمعية التأسيسية الذي سيعبر عن طموح الأغلبية الكادحة إلى نظام يعكس إرادتها بصفتها أغلبية في المجتمع، والذي يحتوي على دينامية تاريخية تتقدم بهذه الجماهير نحو تجاوز أشكال الديمقراطية البرجوازية.

يعتبر حزب اليسار الاشتراكي الموحد أن شروط النضال من أجل ديمقراطية حقيقية غير متوفرة في مغرب اليوم: " لتحقيق الإصلاح الدستوري يجب أن تكون هناك إما قوة سياسية قادرة على فرض التأسيس، وفي هذه الحالة يتشكل مجلس تأسيسي، وبالتالي ينبثق عنه دستور ديمقراطي.. وهذا الأمر يتطلب ميزان قوى معين غير متوفر اليوم، و إلا فإن الإنسان الذي يعي جيدا الظروف والأجواء العامة بالبلاد لا يمكنه المطالبة بدستور ديمقراطي حقيقي" [14].

ويشبه الأستاذ إبراهيم ياسين عضو المكتب السياسي للحزب، موازين القوى الضرورية للمطالبة بدستور ديموقراطي الذي يعني به "الدستور التأسيسي"، بتلك التي حدثت في بداية التسعينات "عندما نضجت الظروف داخل القوى الوطنية، وهو النضج الذي يضمن لها كسب الرأي العام، آنذاك يؤدي الأمر إلى تحسين ميزان القوى للتوصل مع السلطة الملكية القائمة إلى توافق حول مسألة إعادة طرح إصلاح دستوري بشكل متوازن، يمكن المغرب من تقدم هادئ وسليم نحو الديموقراطية. هذا الأمر ليس متوفرا في الوقت الحالي".

إنه منطق مفعم بالنزعة الشرعية المميزة للأحزاب الإصلاحية والتي تجعل اليسار الاشتراكي الموحد يركز على ما هو ممكن تحقيقه مباشرة ويتلاءم مع المؤسسات القائمة وعلى رأسها المؤسسة الملكية. إنه المنظور القدري الذي يعتبر الظروف الموضوعية وميزان القوى محددة لكل شيء، وان مهمة الاحزاب السياسية هي تحديد ما هو ممكن موضوعيا عن الباقي الذي هو مغامرة و أوهام، مساهما في تعميق التخلف السياسي للجماهير وإفساد وعيها. هكذا يختزل حزب اليسار الاشتراكي الموحد الإصلاح السياسي في إقامة "ملكية دستورية برلمانية" من خلال "تعاقد وطني إيجابي بين القوى الحية في البلاد، واليسار جزء منها، والمؤسسة الملكية" [15]. وتكمن شروط هذا "التوافق التعاقدي الجديد" في "إرادة الجميع في الإصلاح المعبر عنه في أكثر من مناسبة، وكذا تعاظم تحديات المحيط الإقليمي والجهوي والدولي" [16].

فعوض رفع شعارات ديمقراطية، حازمة ونهج طريق تعبئة قوى النضال لدى الجماهير وإعداد شروط المجابهة لانتزاع الحريات الديمقراطية، يجري استجداء الطبقة الحاكمة وانتظار ما ستجود به من تنازلات، مساهما في حجب طبيعتها الحقيقية وزيادة أوهام الجماهير إزاءها بجعلها حكما فوق الجميع ووسيطا لا غنى عنه.

ففي سياق الردة المؤدية إلى التنكر لمشروع الاستقلال السياسي للشغيلة، اقتنع حزب اليسار الاشتراكي الموحد بأن الطبقة العاملة لم تعد القوة الرئيسية والقائدة للنضال من أجل الديمقراطية، وبأنه يجب البحث عن حلفاء في المعسكر الآخر، في أحزاب "الكتلة" الليبرالية التي أصبحت أداة في يد الطبقة الحاكمة لتنفيذ سياسات البنك العالمي التي تحكم على أوسع الفئات الشعبية بالتخلف والحرمان، وفي المؤسسة الملكية التي يجب العمل على توطيدها في سياق التحديات العالمية الحالية.

إن الاشتراكيين الثوريين يقدرون بالغا أهمية المطالب الديمقراطية في بلد يسود فيه الاستبداد السياسي، ولم تخض فيه الجماهير بعد تجربة النضال من أجل الحريات الديمقراطية، لكنهم يفصلونها بكل وعي عن المؤسسات التمثيلية البرجوازية. فالديمقراطية البرجوازية تتيح تطور الحركة العمالية وتوسعها وتسمح بتطور الوعي الطبقي، لكنها ديمقراطية مزيفة ومنافقة، وأداة فعلية في يد الأغنياء وخديعة للجماهير. و هنا تكمن خطورة منطق الإصلاحية الذي يتبناه حزب اليسار الاشتراكي الموحد في تعميق الأوهام بصدد المؤسسات القائمة وبضرورة التعاقد مع الطبقة الحاكمة التي يصفها بالاستبدادية. فهو يفسد وعي الجماهير ويحول دون تربيتها وإعدادها لفترات تقلب موازين القوى والمعارك الكبرى. كما يميل إلى كبح النضالات الجماهيرية التي تهدد التعاقد والإجماع مع الطبقة الحاكمة إن لم يكن يعمل على تكسيرها بكل وعي. وبالطبع سيكون ضد التنظيمات التي تتبع هذا النهج الثوري.

استبعاد أي قطيعة مع الرأسمالية

يبتعد حزب اليسار الاشتراكي الموحد عن كل دعاوة ممنهجة ضد الرأسمالية وعن كل تحليل طبقي للمجتمع الرأسمالي، ويسعى إلى "بناء اقتصاد مختلط مبني على سياسة التعاقد" وإن "المفهوم الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب أن يقوم على أسس جديدة محورها وهدفها الإنسان المغربي في إطار اقتصاد وطني له القدرة والمناعة ما يجعله مؤهلا لتجديد هياكله وعصرنتها وضمان إمكانية التفاعل مع التحولات السريعة التي يعرفها العالم. وعلى هذا المستوى يكون لكل من الدولة والقطاع الخاص دورهما في تنفيذ البرامج التنموية المطروحة على بلادنا، على أن يكون للدولة دورا مركزيا في التنمية الشاملة..." (مشروع الوثيقة الاقتصادية).

فالبرجوازية ودولتها هما أساس التنمية، في حين ستبقى الطبقات المأجورة ترزح في اغلال العمل المأجور الذي يشكل دعامة تراكم أرباح الرأسمال وأساس المجتمع الطبقي، ومحرومة من ثروات إنتاجها. ويقبل الحزب بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وبتركز الثروات في أيدي أقلية برجوازية وفق مبدأ "تكافؤ الفرص". ويمنح الدولة دورا استراتيجيا في الاقتصاد مكرسا طبيعتها الطبقية. فهدفه إذن هو التعايش بين قطاع عام تكون الدولة أداته الخاصة وقطاع رأسمالي خاص(اقتصاد مختلط).

يريد هذا الحزب أن يقنعنا بإمكانية بلوغ اهداف تخدم مصالح الكادحين في ظل نظام قائم على منطق الربح والاستغلال الرأسمالي. فالاقتصاد المختلط ليس سوى خرافة أثبتتها التجربة. فاما الابقاء على نظام رأسمالي مهيمن قد يدمج قطاعات مؤممة لكنها تخدم تراكم الرأسمال الخاص، وتظل السلطة بيد البرجوازية (مثل المانيا النازية ومصر جمال عبد الناصر)، أو نظام اقتصادي يتجاوز الرأسمالية تقصى فيه البرجوازية كليا من مواقع السلطة. وليس مماثلة الأمرين ( نظام تحكمه قوانين الرأسمالية ونقيضه) سوى نوع من السفسطة وجهل لا علاقة له بالعلم.

أدت هيمنة المنطق التعاقدي-أي التعاون الطبقي- على فكر اليسار الاشتراكي الموحد وممارسته، إلى الدفاع النشيط عن الدولة والملكية الرأسمالية واستبعاد أي قطيعة. إنه يعمل على تكريس أوهام تحقيق تنمية لصالح الجماهير في إطار النظام الرأسمالي. وهو ما يحول دون إعدادها لمواجهة أزمات الرأسمال وهجماته، ووضع الأجوبة الضرورية في صيغ للسلطة تتعارض فيها سلطة الجماهير الكادحة مع سلطة البرجوازية. فقد تخلى عن الاشتراكية كاستراتيجية وصارت في عداد الطوباويات وبعيدة المنال، واستبدلها بهدف المرحلة المتمثل في"بناء الدولة الديمقراطية الحديثة"، أي الديمقراطية البرجوازية.

ضمان شروط تنافسية الرأسمال الوطني أمام العولمة الرأسمالية

في بلد متخلف خاضع لسيطرة الإمبرياليةالمتحكمة بمصيره، تتمفصل بشكل وثيق مهام النضال من أجل المطالب الأكثر أولية بالنضال ضد الإمبريالية العالمية. فالنضال ضد الخوصصة والتقشف في الميزانيات الاجتماعية والبطالة وتجميد الأجور يعني النضال ضد المديونية عبر المطالبة بإلغائها. وهذا مطلب ليس واردا البتة لدى حزب اليسار الاشتراكي الموحد، في حين رفعه حتى العديد من قادة الدول البرجوازيين في أمريكا اللاتينية، ناهيك عن التعبئات الشعبية الواسعة من أجله.

والنضال ضد إفقار المنتجين الصغار ومن أجل أمننا الغذائية وسيادتنا الغذائية هو نضال ضد اتفاقيات التبادل الحر مع الإتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة الأمريكية. لم يقم الحزب بأي حملة تعبوية للتعريف بخطورة هذه الاتفاقيات، مكتفيا بـتسجيل مؤاخذات على هذه الاتفاقية من منطلق عدم الاستشارة وكونها جرت في أجواء من السرية والتستر، و"التخوفات من أضرارها بالمصالح الحيوية للوطن والشعب المغربي خصوصا في المجال الفلاحي والصحي والثقافي" [17].

تفترض مواجهة آثار العولمة الرأسمالية وإعادة هيكلة البنية الاقتصادية-الاجتماعية لبلدنا وفق متطلبات الرأسمال الإمبريالي، الانخراط في النضال الأممي من أجل عولمة بديلة. لم يتغاض حزب اليسار الاشتراكي الموحد عن تنامي الحركات الاحتجاجية المناهضة للعولمة وأعلن"انخراطه الكامل في هذه النضالات إيمانا منه بالتداخل والتفاعل بين النضال على الساحات الوطنية المختلفة والنضال على الساحة الأممية من أجل الديمقراطية والتنمية المستديمة وإقرار المواطنة الكاملة وحقوق الإنسان للجميع" [18]. لكن يبقى هذا مجرد إعلان النوايا، طالما لم يساهم الحزب على خلق امتدادات محلية وجماهيرية لهذه الاحتجاجات العالمية: المناهضة العالمية للحروب الإمبريالية، الحملات العالمية من أجل إلغاء ديون العالم الثالث، التعبئات الشعبية في أمريكا اللاتينية ضد اتفاقيات التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، المسيرات العالمية للنساء، المسيرات العالمية ضد البطالة، الخ. ويغيب بالكامل في محاولات ترسيخ منتدى اجتماعي مغربي مفتوح و مناهض للعولمة [19]، وبناء أطاك المغرب كجمعية مكافحة ضد آثار العولمة، الخ.

وما يبعده أكثر عن جوهر مناهضة العولمة، هو اعتقاده الراسخ بكون العولمة الرأسمالية أمرا محتوما وارتباط التنمية الاقتصادية لبلدنا بـضرورة "التوافق الوطني بين المؤسسة الملكية والقوى الحية في البلاد" من أجل تحديث البنيات والمؤسسات وعلى رأسها "المؤسسات الدستورية والإدارة والقضاء بهدف توجيهها لخدمة تنمية الاقتصاد المغربي بما يخدم مصالح أوسع فئات المجتمع المغربي وينمي إنتاجيته وتنافسيته ومناعته في مواجهة تحديات العولمة ويضاعف قيمته المضافة محليا وخارجيا". وهذا ما يتجاوب مع "الرغبة المعلنة من طرف المؤسسة الملكية في تجنيب المغرب خطر سكتة قلبية تهدده رسميا...ويجيب على طموح الرأسمال الوطني إلى تنمية قدراته التنافسية ومناعته أمام تحديات الانفتاح التام المفروض على اقتصادنا الوطني" (البرنامج الاقتصادي لليسار الموحد، مشروع الوثيقة الاقتصادية).

يلتقي تصور الحزب للتنمية إذن مع رغبة الطبقة الحاكمة في ضمان شروط تنافسية الرأسمال الوطني أمام الانفتاح المعمم، والتي لن تتم سوى على حساب الطبقات الشعبية.

خلاصة

يتجلى من تفحصنا لبعض أفكار حزب اليسار الاشتراكي الموحد وممارسته الميدانية بصدد بعض القضايا الرئيسية في النضال الطبقي ببلدنا، نزعته التوافقية والإصلاحية في التمسك بالمؤسسات القائمة وتكريس الأوهام بصدد نوايا الطبقة الحاكمة التي يجب التعاقد معها، والاستنكاف عن أي تربية ثورية للجماهير بغية الرقي بمستوى وعيها السياسي وتطوير تجربة تنظيمها الذاتي. وبالتالي، يصعب تصنيف هذا الحزب ضمن اليسار بالمفهوم الطبقي للكلمة، أي الذي يسعى إلى تغيير جذري للمجتمع، ونعتبر أنه يصطف بالأحرى في خانة الأحزاب الإصلاحية الليبرالية. وهذا ما عبر عنه بصراحة بنسعيد رئيس الحزب بقوله:"تصورنا خلال الستينات والسبعينات كيسار، الحزب، كأداة طبقية للفعل الثوري. ومن خلاصات تجربتنا التاريخية أعدنا النظر في هذا التوجه، وبلورنا حزب المواطنين المؤسس على النضال المدني والمتبني لممارسة القرب كآلية عملية والمتمثل لعمله كبناء للمواطنة عبر صراع يومي ضد الزبونية والاتكالية" [20]لكن هذا لا ينفي ضرورة مد الجسور نحو المناضلين داخل الحزب المقتنعين بضرورة الاستقلال السياسي للطبقة العاملة وبناء حزبها الاشتراكي الثوري، وفتح النقاش حول البديل الثوري وكيفيات تجسيده في الميدان عبر الصراع الطبقي بعيدا عن التوافقات الطبقية واستجداءات المنبطحين.




[1] افتتاحية العدد 53 من جريدة اليسار الموحد بتاريخ 18-26 يونيو 2004، بعنوان " حتى لا نضحي بصحة المواطنين"

[2] البيان العام للمؤتمر الأول، 23-24 و 25 يوليوز 2004.

[3] افتتاحية العدد 28 من جريدة اليسار الموحد، بتاريخ 26-01 يناير 2004، بعنوان "الحكومة والمسألة الاجتماعية"

[4] استجواب ابراهيم ياسين عضو المكتب السياسي للحزب. جريدة اليسار الموحد، العدد 27، 19-25 دجنبر 2003.

[5] كلمة بنسعيد أيت إيدر رئيس الحزب، أمام الدورة الثانية للمجلس الوطني للحزب، المنعقد يوم 18 أبريل 2004

[6] افتتاحية العدد 63 من جريدة اليسار الموحد بتاريخ 30 شتنبر 2004 التي تحمل عنوان "معركة الإصلاح"

[7] سؤال كتابي، من النواب محمد بنسعيد، المختار راشدين أحمد السباعي عن المجموعة النيابية لليسار الاشتراكي الموحد، إلى وزير الخارجية، العدد 62 من جريدة اليسار الاشتراكي الموحد، 23 شتنبر 2004.

[8] البيان العام للمؤتمر الوطني الأول.

[9] يوجد بعض مسؤولي هذا الحزب في لجنة الاشراف على المنتدى الاجتماعي المغربي ويعملون على تضييق المشاركة فيه وتحريفه عن روح المنتديات العالمية المناهضة للعولمة.

[10] كلمة بنسعيد أيت إيدر أمام الدورة الثانية للمجلس الوطني للحزب المنعقد يوم 18 أبريل 2004. العدد 45 من جريدة اليسار الموحد،.23-29 أبريل 2004.

[11] افتتاحية العدد 53 من جريدة اليسار الموحد بتاريخ 18-26 يونيو 2004، بعنوان " حتى لا نضحي بصحة المواطنين"

[12] البيان العام للمؤتمر الأول، 23-24 و 25 يوليوز 2004.

[13] افتتاحية العدد 28 من جريدة اليسار الموحد، بتاريخ 26-01 يناير 2004، بعنوان "الحكومة والمسألة الاجتماعية"

[14] استجواب ابراهيم ياسين عضو المكتب السياسي للحزب. جريدة اليسار الموحد، العدد 27، 19-25 دجنبر 2003.

[15] كلمة بنسعيد أيت إيدر رئيس الحزب، أمام الدورة الثانية للمجلس الوطني للحزب، المنعقد يوم 18 أبريل 2004

[16] افتتاحية العدد 63 من جريدة اليسار الموحد بتاريخ 30 شتنبر 2004 التي تحمل عنوان "معركة الإصلاح"

[17] سؤال كتابي، من النواب محمد بنسعيد، المختار راشدين أحمد السباعي عن المجموعة النيابية لليسار الاشتراكي الموحد، إلى وزير الخارجية، العدد 62 من جريدة اليسار الاشتراكي الموحد، 23 شتنبر 2004.

[18] البيان العام للمؤتمر الوطني الأول.

[19] يوجد بعض مسؤولي هذا الحزب في لجنة الاشراف على المنتدى الاجتماعي المغربي ويعملون على تضييق المشاركة فيه وتحريفه عن روح المنتديات العالمية المناهضة للعولمة.

[20] كلمة بنسعيد أيت إيدر أمام الدورة الثانية للمجلس الوطني للحزب المنعقد يوم 18 أبريل 2004. العدد 45 من جريدة اليسار الموحد،.23-29 أبريل 2004.

www.al-mounadhil-a.info



#المناضل-ة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجه الآخر للعراق: نقابيون يقاومون
- المنتدى الاجتماعي المغربي: بين مسايرة المنطق النيوليبرالي وا ...
- احتداد صيرورة إفقار الفلاحين الكادحين وتعميق التبعية الغذائي ...
- اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية ...
- مشروع قانون تأسيس الاحزا ب : قانون حزب التسبيح بحمد النظام ا ...
- عمال مناجم ايميني : عزلة قاتلة في ظل تعدي أرباب العمل وقمع ا ...
- البيكتروس : حركة معطلين كفاحية وجذرية بالأرجنتين
- نساء العالم الثالث في ظل العولمة ، نتائج متناقضة


المزيد.....




- إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط ...
- إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
- حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا ...
- جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم ...
- اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا ...
- الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي ...
- مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن ...
- إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - المناضل-ة - اليسار الاشتراكي الموحد: خط سياسي توافقي دفاعا عن الرأسمال ودولته