أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - من باليرمو إلى دوكان















المزيد.....

من باليرمو إلى دوكان


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3778 - 2012 / 7 / 4 - 18:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



بعد نشر مقالتي “الاتجار بالبشر” على صفحات جريدة “الخليج” في 20 يونيو/حزيران 2012 التي سلّطت فيها الضوء على مؤتمر دوكان (السليمانية- إقليم كردستان العراق) صدر تقرير عن وزارة الخارجية الأمريكية، تناول واقع حال الاتجار بالبشر في العراق ودور القضاء والقوانين العراقية النافذة، ولاسيما تشريع البرلمان العراقي لقانون يخصّ الاتجار بالبشر، وهو القانون الذي صدر خلال العام الجاري 2012 بعد مناقشات مستفيضة في شهر فبراير/ شباط الماضي، وحدد سبل الحماية المتوافرة من جهة والمطلوبة من جهة أخرى، لاسيما باعتبار مبدأ الوقاية الأساس في ذلك، مناقشاً ما قامت به الحكومة العراقية حتى الآن، واضعاً توصيات خاصة انطلاقاً من المعايير الدولية التي جاء بها بروتوكول منع ومكافحة ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، تلك التي تضمنتها اتفاقية الأمم المتحدة المضادّة للجريمة المنظمة عبر القارات والتي تُعرف ب “بروتوكول باليرمو” (إيطاليا) العام 2000 وملاحقه .

ابتداءً، لا بدّ من الإقرار أن العراق وبقية البلدان العربية وبلدان المنطقة بشكل عام، تعاني مشكلة الاتجار بالبشر، وعلينا تحديد الإشكالية وحجم المشكلة وثانياً، إن صدور تقرير من وزارة الخارجية الأمريكية يتناول هذا الموضوع يعني أنه أصبح مقلقاً وخطراً لا على المستوى المحلي والإقليمي، بل على المستوى الدولي وثالثاً، إلى متى لا تصغي الجهات الرسمية وربما غير الرسمية العربية كثير من النداءات التي صدرت عن منظمات دولية وإقليمية بما فيها العربية، بشأن استفحال ظاهرة الاتجار بالبشر؟ ورابعاً، هل إن الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة العراقية وبقية بلدان المنطقة بشأن منع ومناهضة ومعاقبة الاتجار بالبشر، كافية للحد من هذه الظاهرة الخطرة، نظراً إلى تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وخصوصاً انتقالها بين البلدان المختلفة وعلاقتها بالجريمة المنظمة وببعض صنوف الإرهاب، بما فيه الإرهاب الدولي؟

وبخصوص العراق، فإنه يعد من حيث التقويم الدولي ممراً ومصدراً (مقراً) لانتشار ظاهرة الاتجار بالبشر، للرجال والنساء والأطفال على حد سواء، لاسيما من ضحايا البغاء أو العمل القسري . وقد صدرت العديد من الإشارات الأمنية في العراق مؤخراً عن تعاظم هذه الظاهرة، وأن الحكومة العراقية تلاحق خمس شركات تعمل على الاتجار بالنساء، وأن القانون الذي شرّعه البرلمان العراقي ينزل عقوبات غليظة بالمرتكبين، إضافة إلى القوانين العراقية النافذة .

وقد تفشّت هذه الظاهرة خلال العقدين الماضيين، لاسيما في فترة الحصار الدولي، وبعد الاحتلال بسبب تصاعد نسبة النازحين والمهجّرين واللاجئين، لاسيما بانتشار البغاء القسري والعمل المقيّد بشروط أقرب إلى الإكراه، وترافقت تلك المستجدات مع استشراء الفساد المالي والإداري، وخصوصاً ضعف هيبة الدولة .

وقد شخّصت الكثير من التقارير الدولية، بما فيها تقارير لمنظمات حقوق الإنسان، أشكالاً مختلفة من البغاء القسري، تبدأ من إغواء النساء بالحصول على عمل أو وعد بذلك، إلى متاجرة بعض العوائل ببناتهن بسبب تدنّي الحالة المعاشية والحاجة الاقتصادية، فضلاً عن التقاليد البالية التي تذهب إلى تزويج الفتيات دون السن القانونية وإجبارهن على الزواج وغير ذلك، إضافة إلى وجود عصابات تقوم بالابتزاز واستغلال النساء للدعارة أو تجنيدهن لأعمال أخرى بما فيها الإرهاب .

وتتعرض العديد من النسوة العراقيات لظروف متاجرة داخل البلاد وخارجها، وخصوصاً في سوريا ولبنان والأردن والكويت وتركيا وإيران واليمن . كما يتم تهريب نساء إلى العراق ومنه أحياناً، وغالباً ما يكنّ من إيران والصين والفلبين بهدف الاتجار، وهو ما يذكره تقرير وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً .

ويعدّ العراق وجهة يقصدها الرجال والنساء الذين يهاجرون من بنغلاديش والهند وباكستان والنيبال وسريلانكا والفلبين وتايلاند وجورجيا وأوغندا وغيرها، ويتعرّض هؤلاء لظروف بالغة القسوة، عندما يعملون بمهنة عمّال بناء أو حرّاس ليليين أو منظّفين أو حرفيين أو شغيلة منازل، حيث يتم في الأغلب مصادرة أو وضع اليد على جوازات سفرهم ووثائقهم الرسمية وعدم دفع أجورهم، فضلاً عن استغلالهم للاشتغال لساعات طويلة، في ظل مخاوف من الإبعاد والاعتداء الجنسي أو الجسدي . وقد وصل بعض هؤلاء إلى العراق أو كان العراق ممراً لهم عن طريق التدليس وعبر شركات سمسرة ودلالين ووسطاء للعمل في إحدى دول الجوار، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة الأمر الواقع بوجودهم في العراق .

لعل انشغال العراق بأوضاعه الداخلية غير المستقرة واستمرار هشاشة الوضع الأمني، على الرغم من تحسّنه، والصراعات السياسية المفتوحة، كان سبباً في عدم إيلاء هذه المسألة ما تستحقه من أهمية، إلاّ في الفترة الأخيرة، ولاسيما بعد تفاقمها وتصاعد مخاطرها دولياً وإقليمياً، وهو ما نبّه إليه تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، خصوصاً بعد استمرار إدراج اسم العراق وللسنة الرابعة على التوالي في قائمة المراقبة من الدرجة الثانية، علماً أن بغداد كانت قد أعدّت في الآونة الأخيرة خطة مكتوبة لمواجهة هذا الواقع المتردّي . ولو جرى اعتمادها وتطبيقها بشكل حيوي لأمكن الوصول إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية للحد من ظاهرة الاتجار بالبشر، فضلاً عن القضاء عليها، وهذا سيعني أن العراق يضع نفسه في الطريق الصحيح لذلك، وإنْ كان لايزال في البدايات .

لقد حدّد القانون الذي صدر عن البرلمان العراقي (2012) عقوبات لكل من حالتي التهريب لأغراض جنسية، والتهريب من أجل العمل، ولكن الإجراءات العملية لاتزال دون المستوى المطلوب، لاسيما لمساعدة ضحايا العمل القسري، فضلاً عن استمرار معاقبة ضحايا البغاء القسري وعدم توفير الحماية الكافية للضحايا بسبب استغلالهم، وهي نظرة قاصرة لاتزال سائدة في معظم البلدان العربية .

وإزاء هذه الظاهرة المستفحلة، فلا بدّ من اعتماد تشريعات تنسجم مع المعايير الدولية لمنع تهريب البشر، والاستمرار في تطبيق القوانين العقابية النافذة، لاسيما تلك التي تحرّم الاختطاف (الاختفاء القسري حسب مصطلح الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي الإنساني)، والحجز والغش والتدليس والتحقيق والمحاكمة في جرائم الاتجار . ولا بدّ من تدريب وتأهيل شاملين لأجهزة الشرطة وموظفي الهجرة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية الذين يكونون على اتصال مع ضحايا الاتجار بالبشر، وكل من له علاقة بإنفاذ القوانين بشكل عام، وقوانين منع الاتجار بالبشر بشكل خاص .

وبالعودة إلى العراق، فإن قانون العقوبات النافذ وتعديلاته اتّجهت إلى إنزال عقوبات قاسية بالمرتكبين بعد إدانتهم بواسطة القضاء على جرائم الاتجار بالبشر، ومنها الاحتجاز غير القانوني والاختطاف أو الاختفاء القسري واستخدام القوة أو التهديد بها لإجبار شخص ما على القيام بعمل معين بالإكراه أو الامتناع عن القيام بعمل ما، وتصل عقوبات تلك الجرائم من 7 سنوات إلى 15 سنة، وإذا كانت الضحية طفلاً وتعرّض للعنف، فإن عقوبة ممارسة جريمة الجنس بحقه أو الاغتصاب تصل إلى 10 سنوات . وأعتقد أنها عقوبات رادعة بشكل عام وإن تطلّب الأمر تغليظها، خصوصاً مع انتشار ظاهرة الاتجار بالبشر .

ولعل هناك بعض النواقص في العديد من القوانين العربية، إزاء تهاون الجهات الرسمية في جرائم تهريب البشر والاتجار بهم، الأمر الذي يتطلّب وضع آليات عملية للحيلولة دون التملّص من المسؤولية، ولا بدّ أن ذلك يحتاج إلى معرفة بالقوانين والأنظمة المرعية والنافذة محلياً ودولياً، وخصوصاً من جانب الموظفين العموميين سواء من وزارة الداخلية أو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية . وإذا كانت بعض مراكز الشرطة تحتوي على أقسام مختصة بتقديم المساعدة للنساء والأطفال من المعنّفين، ولاسيما من ضحايا الاتجار بالبشر وسوء المعاملة، فثمة كوابح اجتماعية، وعشائرية ودينية وطائفية وإثنية، تحول دون تنفيذ القوانين ودون قيام الموظفين العموميين بواجبهم، ويبرز ذلك في ظروف العراق بشكل خاص، الأمر الذي يتطلب حملة توعية وتثقيف واسعتين تسهم فيها مؤسسات المجتمع المدني، كما يتطلب تخصيص ميزانية كافية لحماية الضحايا وعدم تمكين المرتكبين للإفلات من العقاب، مثلما يتطلب ذلك تعاوناً دولياً بهذا الشأن .

لعل الكثير من البلدان العربية ومنها العراق كانت تصرّ على إنكار وجود هذه الظاهرة الخطرة أو تقلل من شأنها في بلدها، مثلما دأب مسؤولون في وزارة الداخلية على ذلك، لكن صدور قانون من البرلمان العراقي جعل المسألة ذات اعتبار خاص، ما لفت الانتباه إليه عربياً، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إدراجه على جدول اجتماعات وزراء الداخلية العرب ووزراء العدل العرب، وكذلك على جدول اجتماعات اتحاد الحقوقيين العرب واتحاد المحامين العرب والمنظمات العربية لحقوق الإنسان بهدف منع التغوّل على الضحايا تحت مزاعم مختلفة، والعمل على منع الاتجار بالبشر ومناهضته والمعاقبة عليه .

لقد لفت مؤتمر دوكان الدولي الرأي العام العربي والعالمي، وخصوصاً بمشاركة منظمات دولية وجهات رسمية، ولاسيما من الاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية الإيطالية وسفراء وممثلين عن منظمة التعاون الأوروبي وجامعة الدول العربية، إضافة إلى ممثلين عن الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، إلى أهمية تضافر الجهود لمنع هذه الجريمة والمعاقبة عليها، وذلك بتأكيده توصيات نابعة في معظمها من بروتوكول باليرمو التي تمثل معايير دولية، وهو ما اعتمده أيضاً تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، حين شجّع على التقاضي ضد المرتكبين ووضع بدائل قانونية لانتقال ضحايا الاتجار بالبشر من الأجانب ومنع الزواج القسري والعمل على فسخه في حالة حدوثه، وتنظيم حملة التشغيل للعمال الأجانب بما يتناسب مع قوانين العمل الدولية وغيرها .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صبراً جميلاً وعزاءً حاراً لفقدان الراحل جاسم القطامي
- الثورة التونسية ومسار التغيير العربي
- المسيحيون والبيئة الطاردة
- النموذج الإسلامي
- يوسف سلمان يوسف ... فهد- الأخيرة
- الاتجار بالبشر
- يوسف سلمان يوسف ..(فهد)-( 2 – 3 )
- يوسف سلمان يوسف ... فهد ( 3 – 3 )
- تعويض الضحايا!
- يوسف سلمان يوسف -فهد-...(1 – 3 )
- زمن الفتاوى ومغزاها
- خمسة آراء بصدد المسألة الكردية في العراق
- السياسة في معناها
- حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة-*الجزء الثاني
- الحق في الجمال
- الأسرى الفلسطينيون والوعي النقدي المطلوب!
- المساءلة والحقيقة في بعض تجارب العدالة الانتقالية
- المفكر السيد الصدر حلّق في فضاءات شاسعة وسبح في بحور واسعة*( ...
- اشتراكي جديد في قصر الإليزيه
- الهوّية وأدب المنفى !


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - من باليرمو إلى دوكان