|
(( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / اولا : مكة قبل الهجرة
سلمان مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 3778 - 2012 / 7 / 4 - 15:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في القسم الاول من الموضوع ، لم اتطرق الى السياسة كمفهوم فكري ، بقدر ما اشرت الى اهم عنصر من عناصر السياسة ، الا وهو البشر ، كان ذلك البشر فردا او جماعة ، حاكما او محكوما ، وخاصة الحاكم ( القائد ) الذي تعطيه خصائصه هذا الدور ، الذي تختزل السياسة ــ بانواعها ــ به ، والذي يجسد تلك السياسة بذلك القائد ، هي الجماعة المستجيبة له ، وما يؤكد هذا المعنى مفهوم السياسة كما جاء في الموسوعة الفلسفية ، باعتبارها ، اي السياسة هي : ( المشاركة في شؤون الدولة و توجيهها ، وتتضمن السياسة مشكلات بنية الدولة و ادارة البلاد ، وانها تعكس المصالح الاساسية للطبقات ، والعلاقة بين الطبقات في السياسة ، كذلك تعبر السياسة عن العلاقات بين الامم ) وحتى تكون هذه المعاني حقيقية ، لابد ان تكون واقعية ، اي تكون موجودة كشئ مقابل لعدم وجودها ، وهذا طبعا محال ، فلابد ان تكون السياسة واقعية، حتى تكون موجودة ، والا ستبقى خيالا غير قابل لملامسة الواقع ، كما هو عند افلاطون في جمهوريته ، لا اريد ان اطيل في هذا التنظير ، حتى لانخرج عن العنوان الاساس لهذا الموضوع ، ولنذهب مباشرة الى الغاية ، وهي اكتشاف طبيعة سياسة محمد (ص) الداخلية ، ان سياسة محمد (ص) الداخلية مرت بثلاث مراحل : اولاها / في مكة قبل الهجرة الى يثرب ، وثانيها / في يثرب بعد الهجرة اليها ، وثالثها / في مكة بعد الفتح ، وقد يعترض البعض على هذا التصنيف ، وخاصة في مكة قبل الهجرة ، باعتبار ان محمدا لم تكن له دولة وهو في مكة ، فكيف تكون له سياسة ،والذي يمكن ان يقال ، ان هذا هو التميز ، الذي اعطى لهذه الشخصية ذلك الافق الواسع ، الذي اثار ذلك الجدل ، ما بين مؤيد ومعارض ، حيث انه مارس السياسة بمعزل عن الاقطاب المهيمنة على شؤون مكة ، باعتبارها كيان متكامل سياسيا واقتصاديا ،بل انه اصبح قطبا فاعلا في تغير موازين القوى في مكة لصالحه ، وعجزت تلك القوى من ممارسة مؤهلاتها الاقتصادية و السياسية و العسكرية ، وحتى العقدية المتمثلة بادارتها للمواسم الدينية حول الكعبة ، ومن ابرز هذه الندية موقفه من المستضعفين الذين استجابوا لدعوته ، حيث تعامل معهم باتجاهين ، اولهما : تثقيفي من خلال اللقاءات السرية التي كان يحققها معهم في دار ( الارقم ) والتي كانت لاتقتصر على التبليغ العقائدي ، بل البناء التنظيمي الضروري لقيام الكيان السياسي المنتظر ، وهذا الاسلوب نجده قائما حتى يومنا هذا ، اما الاسلوب الاخر الذي تعامل به محمد (ص) مع المستضعفين هو الاسلوب المادي ــ ان جاز ان نسميه هكذا ــ واقصد في ذلك العمل على فدائهم من اسيادهم بالمال ، لفك طوق العبودية عنهم ، والذي كان ياسرهم جسديا وفكريا ، وان هذا الاسلوب يعتبر يداية المواجهة المكشوفة بين محمد (ص) و قريش ، وطبعا هذه المواجهة لم تكن عفوية ، وانما كانت منسجمة مع تطور الاحداث التي ادركت قريش من خلالها ، ان ميزان القوى بدا يميل الى جانب صاحب الدعوة الجديدة ، مما دفعها ( اي قريش ) ان تسلك سياسة المخادعة و اللين ، والتي تمثلت بمحاولة اغراء محمد (ص) بالسلطة و المال ، على ان يتخلى عن دعوته ، وذلك عن طريق عمه ( ابو طالب ) ولكن طبيعة السياسة التي اتبعها محمد (ص) اتجاه قريش وما الت اليه جعلته يرفض هذا العرض ، فاستغربت قريش هذا الموقف ، لان هذا بالنسبة لارستقراطية قريش يعد شيئا يتعارض مع مبدا الربح والخسارة ، الذي يؤمن به تجار قريش ، مما ادى هذا الى ان تكشف قريش عن حنقها وغضبها ، الذي دفعها الى استخدام ستراتيجية سياسية جديدة ، تمثلت بالتهديد وحياكة الموامرات ، ومن مظاهر هذه السياسة ، التي تنم عن جهل لمعنى دعوة محمد (ص) من قبل قريش ، وذلك بان عرضت على ( ابو طالب ) عمه ، بان تعطيه شابا من قريش يتبناه ، على ان يسلمهم محمدا ليقتلوه ،فكان ذلك طريق اللاعودة بالنسبة لقريش ، حيث وسعت مواجهتها ، بان اعتبرت الامر ليس مسالة شخصا ، وانما اصبحت قضية حشد من المستضعفين الذين لايخسرون في مواجهتهم لقريش سوى قيودهم ، وان خسران قريش لهذا الجمع ، يعني انهيار الركيزة المادية للمنظومة الاقتصادية لارستقراطية قريش ، فسلكت طريق المقاطعة بكل اشكالها لمحمد وعشيرته ، متاملة في ذلك من الانفراد بالمستضفين ثم الانقضاض عليهم ، مما سيساعد على انحسار الدعوة ثم موتها ، وما عزز هذه القناعة لدى قريش ، بان اضفت على هذه المقاطعة لمسة دينية ، بان علقت وثيقة المقاطعة في جوف الكعبة لاعطائها الصفة الالزامية للجميع ، ولكن فهم محمد (ص) لطبيعة الواقع الاجتماعي لمجتمع الجزيرة ــ انذاك ــ جعله يعمل على تفعيل القيم الايجابية للمجتمع القبلي ، الذي كان سائدا ومن اهمها ( المروءة ) وكان نتيجة ذلك بان اول من ثارة على المقاطعة وعمل على تمزيقها ،بعض الذين عملوا على اقرارها ن متاثرين بتلك المبادئ الايجابية ، وكا ن تاثير ذلك بان عمل على اختراق وحدة موقف قريش اتجاه محمد (ص) وفشل الحصار والمقاطعة ، حيث اصبحت الامور تتطلب اجراءات سياسية اخرى من جانب قريش ومحمد على حد سواء ، لانه اصبح الامر لايطاق لكليهما ، فبالنسبة لمحمد و المستضعفين اصبح التنكيل سياسة منهجية من قبل قريش اتجاههم ، ، واصبحت قريش لاتطيق هذه الدعوة ، وطبعا كل العنف والمواجهة العنيفة تلك ظهرت بعد ان اصبحت الدعوة علنية ، وكان اعلان علانيتها ، ليس كرد انفعالي لموقف قريش من الدعوة ، بل كان يمثل مرحلة موضوعية تعبيرا عن فهم محمد (ص) للتطور الذي طرا على كل اطراف الصراع ، ومن اخطر ما كانت تشعر به قريش هو سياسة محمد (ص) في استمالة بعض زعماء قريش ، فاصبح استجابة بعضهم بمثابة زلزلا هز اركان المنظومة المجتمعية لقريش ، وهذا طبعا اوصل الصراع الى ذروته ، ومما عزز هذا الزلزال وزاد من عنفه ، تمكن محمد (ص) من العمل على مد تاثيره الى خارج مكة ، وذلك بعقد اكثر من ( بيعة ) مع اهل يثرب ، مستهدفا من ذلك تجريد قريش من حلفائها في الخارج ، والاكثر اهمية بالنسبة لمستقبل الدعوة ، تامينه عمقا وركيزة قوية لهذا الكيان الذي يريد بناءه ، و عموما مما عزز نجاح سياسته هذه هو تعامله مع افراد المجتمع ليس على اساس طبقي ، معطيا لهذا التعامل مفهوما شاملا ــ كما يعرف في يومنا الان ــ بالوطنية ــ فكثير ممن تصدوا للمساهمة في انجاح الدعوة ممن كان في نهاية السلم الاجتماعي ، وهم من يعرفون بالموالي ، وهناك من كان ضمن الصفوة الارستقراطية ، بعد ان جرد نفسه من كل مظاهر هذا الانتماء الطبقي مضطرا لا مختارا ، كل هذه الامور وتتابع الاحداث الدراماتيكية ، دفعت محمد (ص) الى اتخاذ القرار المصيري بالهجرة الى يثرب ، ليس هربا او خوفا مما كان قد يصيبه من اذى ، خاصة بعد علمه بالموامرة ( القبلية ) لاغتياله ، ولكن من اجل تدشين مرحلة جديدة ، تتمثل باقامة او دولة عل اسس جديدة ، عكس الذي كان قائما انذاك والذي اشرنا اليه في القسم الاول من هذا الموضوع ، وحتى هجرته الى يثرب متخفيا ، لم تكن عملية عشوائية ، بل كانت تعد من اكثر العمليات السرية دقة ، من ناحية التوقيت او الاسلوب ، وحتى العناصر البشرية الضرورية لانجاح الخطة ، كمبيت علي بن ابي طالب (ع) في فراشه ، او اصطحابه لابي بكر (رض) في مسيرته الى يثرب ، وان ابقائه لعلي في مكة لم يكن للتمويه فقط ، بل لتجسيد مبدا من اهم المبادئ السامية التي عرف عنه بها ، حتى قبل الدعوة ، الاوهي : الايفاء بالعهود و الامانة ، حيث كلفه برد الامانات الى اهلها ، كذلك الايفاء بالديون التي كانت عليه الى اصحابها . هذه ملامح من سياسة محمد (ص) الداخلية في مكة قبل الهجرة ، وهو بدون دولة ، فما هي سياسته الداخلية ، وهو رئيس لدولة غير نمطية ، دولة بطراز جديد ، هذا ما سناتي عليه في القسم القادم .
#سلمان_مجيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(( محمد النبي (ص) و الواقعية السياسية )) القسم الاول
-
الفلسفة : ( حب ) و ( حكمة )
-
الحزب يساوي العشيرة
-
الزعتر تحت الشوك
-
مفهوم المساواة في السياسة والاقتصاد و الاجتماع
-
صفحات من شخصية محمد (ص) زواجاته و حروبه
-
الحرية بين النظرية و التطبيق ( القسم الثاني )
-
الحرية بين النظرية و التطبيق ( القسم الاول )
-
سايكولوجية الفنان و سوسيولوجية الفن
-
المجتمع : المتهم دائما
-
علي الوردي و ( لائاته )
-
عالم الاجتماع الدكتور عبد الجليل الطاهر
-
الصدفة والواقع
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|