|
من أجل اصلاح الدولة السورية
سليمان يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1105 - 2005 / 2 / 10 - 11:03
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بدأ أمل السوريين كبيراً بإصلاح دولتهم المترهلة، والقضاء على ظاهرة البيروقراطية والفساد المتفشي في مختلف قطاعات الدولة، وتحرير مجتمعهم من القيود وقوانين الطوارئ والأحكام الاستثنائية التي كبل بها منذ أكثر من أربعة عقود.بني هذا الأمل، على خطاب القسم للرئيس الشاب بشار الأسد في 20-7-2000، الذي دعا فيه جميع السوريين للمشاركة في مسيرة التطوير والتحديث التي أعلن عنها.وبالفعل شهد المجتمع السوري في الأشهر الأولى من عهد الرئيس بشار الأسد- ما بات يعرف بـ(ربيع دمشق)- حراكاً سياسياً وفكرياً وانفتاحاً إعلامياً نسبياً، وانتشرت ظاهرة المنتديات والمنابر الفكرية والثقافية في دمشق وبعض المدن الرئيسة الأخرى،وحصول تراجع ملحوظ في سلطة وهيمنة الأجهزة الأمنية،لكن يبدو أن ربيع دمشق جاء في غير أوانه، لهذا كان قصيراً ومحدوداً في نموه وانتشاره، وتمت محاصرته بسرعة،من قبل من لا يطيبهم أن يروا ربيعاً سياسياً في سوريا، وسرعان ما تراجع التفاؤل وتلاشت الآمال، بإمكانية حدوث نقلة نوعية،وتحول ديمقراطي حقيقي في البلاد ، يعيد الحياة والحيوية للمجتمع السوري الذي أصابه التكلس والجمود. ومع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر القطري العاشر لـ(حزب البعث العربي الاشتراكي) الحاكم في سورية، تجددت آمال البعض بإعادة تحريك وتفعيل مسيرة الإصلاح والتحديث المتعثرة في سوريا، لما سيشكله هذا المؤتمر، بحسب تقديراتهم، مرحلة انعطاف تاريخية مهمة في حياة الحزب والدولة.إذ من المتوقع أن يدرس ويناقش،هذا المؤتمر،العديد من الملفات السياسية والقضايا المحلية والإقليمية الهامة، التي يحتدم الجدال حولها، في مقدمتها مستقبل الحزب وأهدافه، هل سيبقى حزباً قومياً عربياً؟ أم سيتحول الى حزب عربي سوري(وطني) ؟ كذلك طبيعة وسقف الإصلاحات المنتظرة، ثم ملف (قانون الأحزاب) الذي يكثر الحديث عنه في هذه الأيام في الأوساط السياسية السورية، ثم الملف اللبناني الساخن، والملف العراقي المقلق،ثم ملف مفاوضات السلام الشائك مع اسرائيل. لا شك،هناك الكثير من الأسئلة التي يطرحها الواقع السوري بحركته الضبابية،المتشابكة بين السياسة والثقافة والاقتصاد، على مؤتمر حزب البعث المنتظر انعقاده في الربيع القادم، لكن يبقى السؤال الأهم: هل ما تواجهه سوريا، من استحقاقات وتحديات داخلية وخارجية، في هذه المرحلة، بمقدور حزب البعث وحده أن يتصدى لها ومواجهتها؟. لا أعتقد أن المداولات والنقاشات في المؤتمرات المغلقة والضيقة لحزب البعث أو لأي حزب أو تنظيم سياسي سوري آخر، ستأتي بحلول مجدية وصحيحة، لما يعانيه المجتمع السوري من أزمات ومصاعب، هي أعقد وأصعب من أن تحل عبر بضعة قرارات و توصيات تصدر عن مؤتمر حزب البعث. خاصة،إن حزب البعث، يتحمل القسط الأكبر من المسئولية عما وصلت اليه الحالة في سوريا، عبر مسيرته الطويلة في الحكم، وهو ذاته بات حزباً مأزوماً، يعاني من الترهل التنظيمي و الشيخوخة الفكرية والسياسية، فالكثير من أفكاره وشعاراته وأهدافه باتت من الماضي ،وما زالت قياداته التقليدية من الجيل القديم مهيمنة عليه وهي تفكر وتقرأ المستقبل بعقلية القرون الماضية. بالطبع لا يوجد، لدى أي طرف سياسي سوري( جبهة ومعارضة) وصفة سحرية جاهزة للواقع السوري المأزوم، بأزمة تاريخية متراكمة، بعض أسبابها تمتد الى بداية الاستقلال وتكوين الدولة السورية، وبعضها الآخر تعود الى الوحدة المشئومة مع مصر، التي أجهضت التجربة الديمقراطية الليبرالية في سوريا، حيث ألغت الأحزاب السياسية وفرضت قوانين التأميم، وصادرت إرادة وحرية الشعب السوري، وغيبت مفهوم (الدولة الوطنية وحقوق المواطنة) كلياً لصالح الدولة القومية، وقد تعمقت الأزمة بانقلاب حزب البعث عام 1963 واحتكاره للسلطة. طبعاً هذا لا يعني أن اخراج سوريا من أزمتها الراهنة وإعادتها الى طريق التقدم والتطور، وإنجاز الإصلاحات المطلوبة، بات بالشيء المستحيل ولم يعد ممكناً إلا بالانقلاب على الواقع السياسي القائم. لا أعتقد بأن في الداخل السوري بقي من يفكر بعقلية الانقلابات الثورية، التي مازال الشعب السوري يدفع ثمن ذاك النهج الإقصائي، فمازالت الفرصة ممكنة ومتاحة لإصلاح الدولة السورية وتحديثها، لكن ذلك، وكما أعتقد، مرهون بتوفر العديد من الشروط والمقدمات الضرورية، منها: - الاعتراف بالأزمة وتشخيصها تشخيصاً دقيقاً، ومواجهتها بشفافية وبروح من المسؤولية الوطنية، والانفتاح الديمقراطي الحقيقي على جميع القوى الحية في المجتمع، واشراك هذه القوى في مناقشة الأزمة وأسبابها وفي ايجاد الحلول لها. - توفر لدى القائمين على الحكم، وليس عند شخص الرئيس وحده، رغبة حقيقة وارادة جدية في اصلاح الدولة وتطوير المجتمع، وتخلي هذه القيادات عن نزعة، الامساك بالدولة والاحتفاظ بالسلطة وبالمكاسب والامتيازات الحزبية والشخصية. - قدرة المؤتمر،على التخلص من أصحاب العقلية القديمة والمواقف المتعنتة والمتحجرة،اللذين يعرقلون اجراء اصلاحات سياسية حقيقة في البلاد بحجج واهية،وقد سماهم الرئيس،بشار الأسد، في إحدى مقابلاته بـ(حراس مصالحهم)،ذلك بأبعاد هؤلاء عن السلطة والمواقع القيادية في الحزب والدولة. - أن يأخذ المؤتمر بعين الاعتبار، ما حصل في المجتمع السوري من تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية،وأن يقف بجدية عند التطورات التي حصلت وستحصل في المنطقة والعالم، والتي لا يمكن لسوريا أن تكون بمنأى عنها،في مقدمة هذه التطورات، اختلال موازين القوى الدولية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية،(ظاهرة العولمة) بكل ما تحمله من دلالات سياسية واقتصادية وثقافية، و تراجع مفهوم (الدولة القومية)، تدويل قضية الديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان والحريات،الاحتلال الأمريكي للعراق وتمركز القوات الأمريكية على الحدود الشرقية لسوريا،وحدودها الشمالية هي على موعد مع أوربا عبر تركيا، ثم قرار مجلس الأمن 1559 وما يترتب عليه سورياً. - من دون شك،لا يمكن للقوانين وحدها،أن تجلب الديمقراطية لأي مجتمع،لأن الديمقراطية تبنى ويؤسس لها عبر صيرورة تاريخية ثقافية اجتماعية، والحقوق والحريات هي مكاسب تنتزعها الشعوب عبر نضالها المستمر، وهي لا تأتي بمرسوم رئاسي أو قرار من حزب حاكم.لكن مع هذا يجب عدم التقليل من أهمية وضرورة وجود قانون عصري متحضر يحرر الإعلام من هيمنة وسلطة الدولة، وقانون آخر يرخص عمل الأحزاب،ويعطيها حق العمل والمشاركة الكاملة في الحياة السياسية،وهذا بدوره يتطلب رفع حالة الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية،والتخلي عن الشرعية الثورية وصولاً الى الشرعية الديمقراطية التي تتيح الفرصة لجميع القوى السياسية لتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات. - وضع دستور وطني جديد للبلاد يستند، إلى مفاهيم صحيحة للديمقراطية ولمفهوم المواطنة وحقوقها وينطلق من مبدأ الشراكة الحقيقية في الوطن، دستور ينهي احتكار حزب البعث للسلطة،ويعترف بحالة التنوع القومي والثقافي واللغوي والديني، التي يتميز بها المجتمع السوري،في اطار الهوية الوطنية السورية الواحدة، دستور تلغى منه جميع المواد والنصوص التي تمييز بين المواطنين السوريين وتفضل بينهم على أساس الدين أو القومية أو الانتماء السياسي.فالديمقراطية قطعاً لا تعني استبداد الأغلبية للأقلية، أياً تكن الأغلبية أو الأقلية، والديمقراطية بقدر ما هي ضرورة حيوية بالنسبة لمصير ومستقبل المعارضة الوطنية وبرامجها السياسية، بالقدر ذاته هي ضرورة حيوية بالنسبة لمستقبل حزب البعث الحاكم ذاته ولمستقبل الإصلاحات المتعثرة التي طرحها الرئيس بشار الأسد، ووجود معارضة وطنية قوية و فاعلة تتحرك بحرية تنتقد وتقييم سياسية الحكم في ادارة البلاد، هي مسالة مهمة ومؤشر حقيقي على قوة الوطن وحيوية المجتمع وعافيته السياسية وسلامة وحدته الوطنية. سليمان يوسف يوسف كاتب سوري آشوري..... مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net,org
#سليمان_يوسف_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة غير سياسية للحرب في العراق
-
رؤية آشورية للأحداث الخيرة في الجزيرة السورية
-
حوادث الحسكة والتصريحات المخالفة للمحافظ
-
في سوريا حزب الأغلبية الساحقة يخش الديمقراطية
-
نعم لفتح باب الترشح للرئاسة في سوريا
-
المؤتمر الدولي التاسع للدراسات السريانية
-
في سورية حريات دينية وحرمانات سياسية
-
شرق اسلامي، من غير يهود ومسيحيين
-
نعم للدولة الوطنية ، لا لدولة القوميات في سوريا
-
مسيحيو العراق بين سندان الاحتلال ومطرقة ارهاب المقاومة
-
قانون الأحزاب وعقدة الديمقراطية في سوريا
-
تصريح سياسي
-
الحركة الكردية السورية بين السلطة والمعارضة
-
في سورية خطوة إلى الأمام قفزة إلى الخلف
-
مقاربة فلسفية للحرب العراقية
-
الرئيس بشار الأسد والتحول باتجاه المعارضة الوطنية...؟
-
ملامح مرحلة جديدة في سوريا
-
علم مشوه لمجلس حكم مصطنع
-
قراءة وطنية لموضوعات وبرامج المعارضة السورية
-
في ذكرى مذابح الأرمن والسريان في تركيا
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|