الأخصائيون النفسيون وثورات ربيع العرب

قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)

الحوار المتمدن-العدد: 3777 - 2012 / 7 / 3 - 20:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الأخصائيون النفسيون وثورات ربيع العرب
(دراسة تطبيقية)

أ.د.قاسم حسين صالح
رئيس الجمعية النفسية العراقية
تتحدد مشكلة الدراسة بالاجابة عن هذا السؤال:
هل ينبغي أن يكون للأطباء النفسيين وأساتذة علم النفس دور،من منظور اختصاصاتهم، في تحليل الثورات العربية التي بدأت من تونس ،أم ينبغي ان يبتعدوا عنها وينصرفوا الى عملهم المهني والأكاديمي؟
وعليه فان الدراسة الحالية تسعى الى تحقيق الآتي:
1.الكشف عن موقف الأطباء النفسيين والاختصاصيين بعلم النفس من الأحداث التي شهدتها تونس ومصر والبلدان العربية الأخرى، ما اذا كان ينبغي ان يكون لهم دور في تحليلها بقراءات سيكولوجية ،ام النأي بعيدا عنها والانصراف الى اختصاصهم المهني والأكاديمي.
2.معرفة رأي المفكرين والمثقفين بِشأن دور الأخصائيين النفسيين في تحليل ثورات العرب في تونس ومصر والبلدان الأخرى من منظور العلوم النفسية.
3. المقارنة بين مواقف الفئات الثلاث: الأطباء النفسيين، وخبراء علم النفس، والمفكرين والمثقفين.
اجراءات الـدراسة
• الأداة :
تم تصميم استبانة من (25) فقرة بين ايجابية وسلبية ،أخذت أفكارها من (استطلاع رأي) قدّم لأطباء واخصائيين نفسيين ،ومن كتابات تمثل مواقف متنوعة بخصوص الموضوع،روعي في صياغتها ان تكون بصيغة المتكلم وقابلة لتفسير واحد ،

• عينة الدراسة:
تألفت عينة الدراسة من (27)طبيبا نفسيا و(46)خبيرا بعلم النفس و(30)مفكرا ومثقفا،من 15 دولة عربية وست اجنبية(امريكا،بريطانيا،هولندا،الدنمارك،المانيا ) يقيم فيها اخصائيون نفسيون عرب.

نتائــج الـدراســـة

فيما يلي أهم النتائج التي توصلت لها الدراسة على وفق أهدافها.

• أولا:
تحدد الهدف الأول بالكشف عن موقف الأطباء النفسيين والأختصاصيين بعلم النفس من ثورات ربيع العرب.
ولغرض تقديم أوضح صورة لهذا الموقف فقد تم أولا فرز الفقرات الايجابية ،التي تعني موافقتهم على ان يكون للطبيب النفسي والمتخصص بعلم النفس دور في ثورات العرب بتقديم دراسات وقراءات تحليلية نفسية ،فكانت النتائج كالآتي:
1. ان الاتجاه العام لكل من الأطباء النفسيين وأساتذة علم النفس هو ايجابي عال يؤيد ان يكون للمتخصصين في العلوم النفسية دور في ثورات ربيع العرب.
2. ان هذا الاتجاه اعلى لدى أساتذة علم النفس موازنة بالأطباءالنفسيين،اذ بلغت النسبتان العامتان بحدود ( 88% ) و ( 76% ) على التوالي.
3. أعلى نسب اتفاق بين الفريقين (تراوحت بين 82و94%) كانت بشأن الآتي:

أ. الاحداث التي شهدتها الساحة العربية لها ابعاد نفسية واجتماعية.
ب. من اختصاص عالم النفس تحليل سيكولوجيا الشعوب عند قيامها بثورات وانتفاضات.
ت. مطلوب ان يسهم الاخصائيون النفسيون في البلدان العربية بتوعية المجتمع بعوامل التغيير وارشاد عمليات التغيير.
ث. مشاكل السياسة من صميم الاهتمامات السيكولوجية لانها تخص هموم الانسان وانشغالاته اليومية.

ج. الطبيب النفسي/ عالم النفس قادر على تحليل ما يجري بموضوعية من منطلقي الطب النفسي وعلم النفس.

4. اتفق الفريقان بنسبتين متقاربتين (76%) و(80%) بخصوص أن الطبيب النفسي
مؤهل لتشخيص (الخلل أو الاضطراب العقلي) لدى الحاكم العربي.
5. مع ان الفريقين اتفقا على قيام الطبيب النفسي /عالم النفس بتحليل ما يجري من انتفاضات وثورات عربية..بعدّها مسؤولية وطنية،الا ان النسبتين كانتا 53% لدى الأطباء و71% لدى أساتذة علم النفس.
6. كانت أوطأ نسبة اتفاق،وجاءت متطابقة (59%)لدي كليهما، بخصوص ان يكون للأخصائي النفسي (طبيب ، خبير )الحق بتوظيف اختصاصه في السياسة على وفق قناعاته الشخصية.

ولغرض اكتمال الصورة فقد تم ،ثانيا،فرز الفقرات السلبية التي تعني أن يبتعد الطبيب النفسي وعالم النفس عما يجري من احداث في العالم العربي وينصرف كلّ منهما لممارسة عمله المهني والأكاديمي ،
فكان الاتجاه العام لدى الأطباء النفسيين وأساتذة علم النفس الذين يفضلون ان ينأوا بانفسهم عما يجري من أحداث في العالم العربي ضعيفا،ترواحت نسبته بين 6% الى 27%.

* ثانيا:
تحدد الهدف الثاني بمعرفة رأي المفكرين والمثقفين بِشان دور الأطباء والأخصائيين النفسيين العرب في تحليل ثورات العرب في تونس ومصر والبلدان الأخرى من منظور العلوم النفسية.



1. حصلت اربع فقرات على موافقة 92% من المفكرين والمثقفين ،هي:
أ‌. من واجب عالم النفس ان يحلل للناس الابعاد النفسية والاجتماعية للاحداث السياسية.
ب‌. الاحداث التي شهدتها الساحة العربية لها ابعاد نفسية واجتماعية.
ت‌. من اختصاص عالم النفس تحليل سيكولوجيا الشعوب عند قيامها بانتفاضات وثورات.
ث‌. الطبيب النفسي/ عالم النفس قادر على تحليل ما يجري بموضوعية من منطلقي الطب النفسي وعلم النفس.
2. تلتها في الأهمية ثلاث فقرات حصلت على موافقة 85%منهم ،هي:
أ‌. الطبيب النفسي مؤهل لتشخيص (الخلل او الاضطراب العقلي) لدى الحاكم العربي.
ب‌. مشاكل السياسة من صميم الاهتمامات السيكولوجية لانها تخص هموم الانسان وانشغالاته اليومية.
ت‌. للاخصائي النفسي (طبيب،خبير) الحق بتوظيف اختصاصه في السياسة على وفق قناعاته الشخصية.

ولغرض توكيد الموقف فقد تم فرز الفقرات السلبية الخاصة بابتعاد الطبيب النفسي وعالم النفس عن الأحداث السياسية في الساحة العربية،بتحديد نسب الموافقة على هذا الموقف،فكانت النتائج كالآتي:
1. ان اعلى نسبة موافقة بين المفكرين والمثقفين كانت تخص الفقرتين:
أ‌. الطبيب النفسي/عالم نفس، غير مؤهل لتحليل الاحداث السياسية التي تجري بالساحة العربية (23%).
ب‌. ابتعاد الأخصائي النفسي (طبيب،أستاذ)عن تحليل ما يجري من احداث،فيه ضمانة شخصية له (15%).
2. اتفق المفكرون والمثقفون بالكامل على تخطئة ما جاء في الفقرتين :
أ. لا شأن للطب النفسي في تحليل ودراسة الاحداث التي شهدتها الساحة العربية.
ب. من الافضل للطبيب النفسي ان لا يورط نفسه في تحليل ما جرى ويجري من
احداث في الساحة العربية.

* ثالثا:
تحدد الهدف الثالث بالمقارنة بين مواقف الفئات الثلاث: الأطباء النفسيين، وخبراء علم النفس، والمفكرين والمثقفين..فتوصلت الدراسة الى الآتي:
• ان الاتجاه العام لدى الفئات الثلاث هو مع الموقف الذي يرى ان يكون للأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين دور في تحليل ثورات ربيع العرب من منطلق اختصاصهم.غير أن نسبته كانت أقل لدى الأطباء النفسيين (76%) فيما كانت النسبتان متقاربتين لدى أساتذة علم النفس (89%) والمفكرين والمثقفين (90%).وهذا قد يعود الى أن الأطباء النفسيين اكثر انشغالا بمهنتهم وأكثر ابتعادا عن السياسة فيما الأخصائيون النفسيون، لاسيما المهتمون بعلم النفس السياسي والاجتماعي وتحليل الشخصية، اكثر انشغالا بالسياسة وأقرب الى المفكرين والمثقفين الذين يعدّون السياسة ميدانهم الأول.
• تقاربت مواقف الفئات الثلاث وبنسب عالية بخصوص أن الأحداث التي شهدتها الساحة العربية لها أبعاد نفسية وأجتماعية ،وأنه من اختصاص عالم النفس تحليل سيكولوجيا الشعوب عند قيامها بانتفاضات وثورات ، وأن الطبيب النفسي/عالم النفس قادر على تحليل ما يجري بموضوعية من منطلقي الطب النفسي وعلم النفس،وأن مشاكل السياسية من صميم الاهتمامات السيكولوجية لأنها تخص هموم الانسان وانشغالاته اليومية..وهذا يعني أن ثورات ربيع العرب فيها جانب سيكولوجي وأن على المختصين بالطب النفسي وعلم النفس تحليل ذلك.
• هنالك اجماع بين الفئات الثلاث على ان بين الحكام العرب من هو مصاب بخلل نفسي او اضطراب في الشخصية..وهذا يعني أن الأطباء النفسيين وأساتذة علم النفس تقع عليهم مسؤولية التشخيص بهدف تجنيب الشعوب كوارث شبيهة بالتي حصلت فعلا لاسيما في العراق.
• أن الأطباء النفسيين أكثر تحفظا (سياسيا)مقارنة بعلماء النفس والمفكرين والمثقفين، وقد يعزى تفسير حذرهم الى أن الطب النفسي مهنة عزيزة ونادرة ومجزية،وأن توجسهم من السلطة أعلى مقارنة بالآخرين.ومع أن المثقفين عولوا على المختصين بالعلوم النفسية في تفسير ألأحداث السياسية،الا أنهم يرون انفسهم اكفأ منهم في القضايا السياسية .

الـتوصيــات
• نظرا لوجود اجماع بين الأطباء النفسيين والمختصين بعلم النفس والمفكرين والمثقفين على ان بين الحكّام العرب من هو مصاب بخلل نفسي او اضطراب في الشخصية،فأننا نوصي بوجوب اجراء فحص نفسي لكل مرشح يتقدم لرئاسة الدولة أو رئاسة الحكومة يضمن الآتي:
قوة ضميره الأخلاقي، تمتعه بقدرات عقلية عالية، التمكن من مواجهة الضغوط والأزمات ،تحمّل وطأة الاخفاقات والفشل، المحافظة على الاستقرار الانفعالي والوجداني، تحمّل المسؤولية، النظرة الواقعية الى تحديات الحياة،الانفتاح الذهني على الانسانية، وسلامته من النزعات العدوانية.
ولتحقيق ذلك ينبغي أن تتولى البرلمانات العربية وضع هذه التوصية بصيغة قانونية ملزمة في دساتير بلدانها تحدد ايضا ان تكون الجهة التي تقوم بهذا الفحص من أطباء نفسيين ومختصين بعلم النفس بمرتبة (أستاذ – بروفيسور) وأن يكونوا مستقلين سياسيا.
• نظرا لوجود شبه اجماع بين الأخصائيين النفسيين(أطباء وأساتذة) والمفكرين والمثقفين على ان مشاكل السياسة هي من صميم الاهتمامات السيكولوجية،وان الأحداث التي شهدتها الساحة العربية لها أبعاد نفسية،وأن الطبيب النفسي وعالم النفس قادران على تحليل ما يجري بموضوعية من منطلقي الطب النفسي وعلم النفس،فاننا نوصي بالآتي:
- ان يكون هنالك مستشاران بدرجة دكتوراه وبمرتبة أستاذ أحدهما طبيب نفسي والآخر عالم نفس في مكاتب كل من رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان في البلدان العربية التي تحررت، وأن يكون هؤلاء المستشارون مستقلين سياسيا.

- ان تحظى الكتابات التحليلية للمختصين بالعلوم النفسية بشأن الانتفاضات والثورات العربية باهتمام وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية بهدف اشاعة الثقافة النفسية بين الناس في القضايا السياسية.
• هنالك شبه اجماع بين الفئات الثلاث على ان من واجب عالم النفس ان يحلل للناس الأبعاد النفسية والاجتماعية للأحداث السياسية، وأنه مطلوب أن يسهم الأخصائيون النفسيون في البلدان العربية في توعية المجتمع بعوامل التغيير..عليه نوصي من يفضّل النأى بنفسه عن هذه الأحداث ،لاسيما بين الأطباء النفسيين،تغيير موقفه لصالح شعبه بتحليلها موضوعيا وبما يضمن سلامته الشخصية.
ان اعتماد هذه التوصيات التي بنيت على دراسة موضوعية تطبيقية يمكن ان تسهم في ان تجعل ربيع ثورات العرب..ربيعا دائما..مع خالص محبتنا للجميع.

#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات