|
الأغنياء والفقراء /الجزء الثاني
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 1105 - 2005 / 2 / 10 - 11:02
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ما ترتب على الأحداث الدامية في حماة وغيرها ، رغم مرور عقدين ونيف لم تنته آثاره حتى اليوم وقد حملت أعباءه الأجيال اللاحقة ، بل إن الإرث الثقيل يزداد ثقلا مع الأيام ، حتى على أولئك الذين لم يشاركوا في الأحداث من الجيل الأول ، كالأخوة والأخوات والورثة .....الخ لقد جاء الرئيس بشار الأسد إلى السلطة ، يحمل حماس الشباب وتحضره إلى جانب ثقافته ، وكلها عوامل جعلته موضع رجاء لجميع السوريين ، لا سيما أنه لم يكن مسؤولاً لا من قريب ولا من بعيد عن الماضي الفاجع، خاصة أنه حتى قبل استلامه منصبه قام بحل كثير من عقد الشبكة التي وقعت فيها سوريا ، وفي الوقت نفسه ، لم يكن واهماً ،فقد أعلن أنه لا يملك عصاً سحرية ، وكان يعرف الإرث الثقيل الذي تنوء به البلاد وعليه مواجهته، وهكذا قام بإنجازات هامة على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبالأخص على المستوى الأمني ، حيث برؤيته المتحضرة خفف ما استطاع من قبضة الأمن عن المجتمع ومؤسسات الدولة ، وكانت الخطوة الأهم هي الإفراج وعلى دفعات عن مجموعات كبيرة من المعتقلين السياسيين من شتى الاتجاهات والأحزاب كما حل مشكلة بعض الملاحقين وسمح للعديدين من الفارين إلى المنافي بالعودة آمنين ، وتنفس المجتمع الصعداء ، وكأنه بدأ يعود إلى السياسة ، وتعود السياسة إليه ، فظهرت المنتديات وأطلت أحزاب الجبهة الوطنية برؤوسها حيث أصبح لها مكاتب رسمية ، وصحف علنية ، وبدأ الحديث عن ربيع دمشق ، وظهرت رموز تنظيمية لجنين المجتمع المدني ، ونشطت جمعيات حقوق الإنسان ، وصعّد الجميع مطالبهم باستكمال الخطوات التي بدأها الرئيس الشاب ، وبينما كان على هذه الحالة الجديدة دعم الرئيس الجديد الذي لولاه ما كان لها هذا الحضور، قام معظمها بخلط الأوراق ، وأعطوا الحرس القديم فرصة ذهبية ، للانقضاض من جديد على هذه الانجازات ،[ورغم ذلك لا يبرر هذا للسلطة عدم استكمال برنامجها]، وهكذا عاد صقيع الأمن ليتلف براعم ربيع دمشق ، وبقيت الخطوات ناقصة وبدأت تتبخر أو تجمدت حيث توقفت . بقيت المشاكل الكبرى بخصوص الحريات السياسية على حالها ، فلا قانون أحزاب جديد ولا حرية صحافة ولا تعديل في الدستور ولا إلغاء لقانون الطوارئ ، وهذه مسؤولية السلطة أولاً ، لكنها أيضاً مسؤولية المعارضة التي عليها أن تطرح تصورها لهذه القضايا عبر مشاريع ومسودات للنقاش مع جميع الأطراف ، بمن فيها السلطة، ولم يصدر في هذا الشأن شيء ذو قيمة ، حتى جماعة الأخوان المسلمين التي أصدرت ما عرف بميثاق الشرف، لم يكن ميثاقهم بالوضوح الكامل ، ويفتقد إلى كثير من الشرف ، وقبل توضيح ذلك سنعود إلى إكمال ما كان وما زال واجباً على السلطة إتمامه . كان على السلطة أن تستمر فيما بدأته وهو تبييض المعتقلات والتعويض على المطلق سراحهم وإعادتهم إلى وظائفهم ، وأن تعيد لهم اعتبارهم كمواطنين ولا سيما أولئك المعروفين بالمجردين من الحقوق ليندمجوا ويتكيفوا مع المجتمع والحياة ، بعد أن عزلوا دهوراً وراء القضبان أو في المنافي والتشرد ، وأن تحل المشاكل الإنسانية لذوي المفقودين من إرث ومعاملات مدنية تتعلق بالزواج والملكية ، وأن تعلن بوضوح عن إغلاق ملف المرحلة القاتمة الماضية بالاعتذار والتعويض على من قتلوا أو سجنوا أو هجروا من بيوتهم ووطنهم ظلماً أو خطأً وبغير حق ،وأن تقوم بإحصاء دقيق للمفقودين ، وتعلم ذويهم به ، ولكن معظم هذه القضايا تم التطنيش عليها ، وظلت الأجيال اللاحقة تضرس من حصرم الآباء ، مع أن بعضهم اختفى ولم يذق الحصرم أساساً . المآسي من هذا القبيل لا حصر لها ، فثمة زوجات على ذمم أزواجهم المجهولي المصير، وهل هم أحياء أم أموات؟ وثمة عائلات تتوقف أمور إرثها على أحد أبنائها المختفي فلا هو بالميت ولا هو بالحي ، وقس على ذلك، فالنتائج المترتبة على تلك المرحلة السوداء نتائج حرب ولكن مرحلة ما بعد هذه الحرب ، ليست مرحلة سلام ، أو على الأقل لا يتم التعامل معها كمرحلة سلام ، إنه جرح عميق لم يندمل وهما عينهما الطرفان اللذان فتحاه مسؤولان عن ترميمه ، وفي المقدمة السلطة . أما جماعة الأخوان ففي ميثاقهم المنوه عنه ، أيضاً قاموا بخطوة أو خطوات إيجابية ،حيث بدؤوا يتحدثون عن الوطن والدولة العصرية دولة الحقوق المواطنة ، وعن المصالحة ورفض العنف و"المجادلة بالتي هي أحسن" ويبدو أنه كان يلزمنا تلك المجازر وما تلاها ليتذكر الأخوان هذه الآية القرآنية . لكن هذه الخطوات أيضا ناقصة ، وإلى درجة تصل إلى العدم بسبب ضبابيتها وعدم وضوحها ،فبخصوص الوطن والدولة والمواطنة صحيح أنهم نزلوا من السماء ، ولكن لم يصلوا إلى الأرض أو على الأقل لم ينزلوا إلى الأرض السورية بالغة التنوع والتعدد وهو سر غناها منذ القديم ، ولم يخبرونا من هم المواطنون في نظرهم ؟ هل هم المسلمون فقط؟ أم أنهم يعتبرون المسيحيين أيضاً مواطنين ؟ أي بوضوح شديد : هل يقبلون بدستور علماني يقر بحق المواطن المولود في أسرة مسيحية أو غير مسلمة ، بأن يكون رئيساً للجمهورية إذا كان كفؤاً لهذا المنصب؟ وهل يقبلون بقوانين مدنية سواء في الأحوال الشخصية أو غيرها ؟ وبالطبع لا تلغي العلمانية أو القوانين المدنية ، الدين ولا المتدينين ، إنما تحافظ على حقوق الجميع وتحمي المواطنين غير المتدينين ، من التهام المتدينين لهم ، فهل يقبلون بذلك؟. أما ما وصفناه بنقص الشرف في ميثاقهم وشروحاته اللاحقة بأقلام محازبيهم ، فهو عدم الاعتذار للشعب السوري عموماً وللمدن الأكثر تضرراً من "جهادهم" خصوصاً ، وعدم ممارسة أي نوع من النقد الذاتي أو حسب لغتهم الاعتراف بذنوبهم وإعلان التوبة وما يستوجب بعدها ، من كفّارات وأيضاً حسب لغتهم ، بل إن صفاقة بعضهم وصلت إلى مواصلة الحديث عن مجرمين عتاة على أنهم مجاهدون وشهداء ، بدلاً من المراجعة الخلاقة التي وحدها ربما ستجعل السوريين يغفرون لهم ويصدقون أنهم تغيروا ويمكن الوثوق بهم . كما لم يقم النظام السوري بما عليه ، كطرف مسؤول وكدولة لها وظائف وعليها واجبات اتجاه شعبها بغض النظر عن الأخوان المسلمين والمعارضين من كل الاتجاهات، أي بتبييض السجون وإعادة المنفيين والعفو عن الملاحقين وإعادة الاعتبار للمجردين ، وإلغاء قانون الطوارئ ، وإشاعة الحريات السياسية الأساسية كحريات الرأي والصحافة والأحزاب والجمعيات والمنتديات ، وفق قوانين مدنية واضحة ، والفصل بين السلطات ، واستقلال القضاء ، وإلخ من شروط الدولة العصرية ،أيضاً لم يقم الأخوان المسلمون ولا المعارضة التي تسمي نفسها ديمقراطية ووطنية بالمراجعة الجذرية الصريحة والشفافة والواضحة ، لماضيها البيروقراطي والاستبدادي، وحسب المقولة المعروفة كما يكون السيد يكون العبد ، فالدولة القوية والمتطورة ، تكون معارضتها قوية ومتطورة. لكن للأسف واقع الحال ، بالغ البؤس وعلى جميع الأصعدة ، و"الحوارات" التي نشهدها تعبر بوضوح عن هذا الواقع الذي يحتاج إلى إصلاحات عميقة ، وعلى جميع المستويات ،وهذه استحقاقات وطنية قديمة جداً ، موجودة وضرورية بل أساسية ، قبل أن تتكلم على بعضها بعض الأطراف الخارجية ، وهذا لا يغير من أهميتها شيئاً، ولن ننكر قانون الجاذبية ، إذا تحدثت عنه إسرائيل ،كما لن نصبح إسرائيليين إذا درسناه في مدارسنا.
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأغنياء والفقراء
-
العائلة الزرقاء
-
أشهدُ ألاّ أنتِ
-
الاسم والفعل/ كانوا دائماَ يطعنون بشرعية الانتخابات التي صوت
...
-
رغم أنف الارهاب
-
حصان الغفلة
-
الدائرة المكتنزة
-
نبضات الخليوي
-
أغنية نورس جريح
-
كؤوس الغربة
-
رؤى الرغبات
-
وأخيراً... تمخضوا وولدوا
-
الطريق الشاق والخطر
-
الحرية تأنيث للعالم
-
مسرحية صامتة جداً
-
رعشات مشروطة
-
ليس مسيحاً
-
خوابي الضحك والدهشة
-
رماد الوصية
-
المشجب
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|