سالم سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 3777 - 2012 / 7 / 3 - 12:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يجمع المنصفون من الناس على ان ما جرى في العراق لم يسبق ان جرَ لاي بلد في العالم غير العراق , ويبدو ان ذلك قدره . فهو بلد قد تعاقبت حضاراته , كما تكررت عليه الماّسي و اّلآلام ; اذ عمد الاحتلال الامريكي الى تكرار كارثة هولاكو الذي اسقط نظاما سياسيا ( الحكم العباسي) و تيمورلنك الذي اقتحم بغداد مراتٍ ثلاث خلال سنوات خمس عجاف احدث فيها ما احدث من خراب ودمار , فقد دمر المرتكزات الاساس للدولة ,و اجلى كفاياتها الفكرية من علماء و مفكرين وفنانين و حرفيين خدمة لاهداف مشروعه الذي اراد ان يجعل من بخارى عاصمة الدنيا ، ان لم تكن اشد منها وقعا و اكثر تنكيلا وبحقد اعمى لكن بصيغة اخرى , الا انها اكثر شبها بها اذ تعيد النتائج المأساوية عينها .لقد اتجه الاحتلال الى تحطيم كل عناصر القوة في المجتمع و تدمير بناه الارتكازية , ليجعله هشاً محطماً , مزيلا كل معالم قوته و عناصر نجاحه التي يقوم عليها.
فقد سعى الاحتلال الى الغاء مؤسسات عتيدة عريقة كان العرب و العالم قبلهم يباهي بها منتهكاً حرمات الدولة و اساس وجودها , فلم يعد هناك كيانات و مؤسسات و انما اشلاء متناثرة فباتت الدولة مدمرة , وشعب مجروح مقهور لم يع الم جرحه من هول ما اصابه.
ومن يدري فلعل الاحتلال انجز رسالته التي جاء من اجلها وحقق اهدافه الخفية, والا فما تبرير ذلك. وان شعاره تغيير النظام السياسي ما هو الا اكذوبة يخفي خلفها مقاصده الحقيقية , لانه لو كان يقصد ذلك لغير معالم النظام و ليس معالم البلد ,و لحارب المسئ و المخطئ ان وجد ولم يحارب الاكثرية , لكنه استخدم الظاهر مدعيا الاصلاح , و اخفى الحقيقة التي قصد منها تعطيل اعادة البناء , فهو لم يسع الى التدمير و حسب , بل انما سعى الى تأيسس ما يعيق و يعرقل عملية استعادة الوعي و النهوض , تحقيقاً لمآربه , فأتجه لاحداث الشقاق و الاختلاف و الخلاف من خلال ما اسس له و ثقف باتجاهه. فاحدث ازمات متناسلة , تحدث في دائرة مغلقة مقفلة ,يولد بعضها بعضاً, قد يعرف اولها و لكن لا يدرك منتهاها .
عليه ستتجه الفقرات الاتية الى مناقشة الموضوع من خلال عنوانات نتخذها كل فقرة مناراً:
اولا: تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 في ظل الاحتلال البريطاني
لا شك ان المقارنة البسيطة للتاسيس من 1921 على يد البريطانيين و الوطنيين العراقيين وفي 2003 على يد الامريكان تبين البون الشاسع و التناقض الكبير بين الاسس و الخلفيات التي اعتمدها الطرفان , و ان اختلفت نوايا كل منهم .
لقد اسس البريطانيون لعملياتهم التي اعقبت الحرب الكونية الاولى قبل نشوبها بعشرات من السنين من خلال ارسال بعثاتهم , ليقوموا بدراسة الشرق الاوسط بعامة و المنطقة العربية بخاصة , تاريخياً و جغرافياً و ادواراً فدرسوا المجتمع ,وطباعه و اتقنوها كما اتقنوا اللغة واحسنوا في استخدامها ، وحتى اللهجات المحلية ، وأستوعبوا العادات ، وأدركوا الثقافات, حتى على مستوى الثقافات الفرعية ، فأستطاعوا أن يملكوا مفاتيح تحريك المجتمع والتعامل معه . لذلك لم يجدوا صعوبة في التعامل مع المجتمعات المحلية بعد الاحتلال . فهم قد سعوا الى ذلك وأسسوا له من خلال احداث الشقاق و الانشقاق من خلال مبعوثيهم ، ومعاونيهم . فأسسوا للافكار التي تؤجج الفتن مستهدفين العواطف لا العقل فقويت أواصر وقطعت أواصر اخرى.لكنها مع كونها دولة محتلة لها اهدافها كانت دولة استعمار ، فعاونت في بناء الدولة ( وان كان ذلك لمصلحتهم ) و اقامت دعائمها من خلال تعيينهم مندوبين ومستشارين أعانوا القادة الوطنيين بأراء كان لها أثرها . فاتجه الملك فيصل الى تجميع المثقفين من حملة الشهادات العالية ، والضباط الذين خدموا في الجيش العثماني , وممن عملوا في الدوائر العثمانية ، وشاركوا في الحياة السياسية في مجلس المبعوثان ، ليكونوا نواة للدولة الجديدة فوضع العراقيون البناة الاوائل أسس البناء واسس الاختيار للوظائف ليشاركوا في بناء دولة ويحددون ملامح الحكومة العراقية وشكل الدولة العراقية التي يريدون تاسيسها .
بينما كان العراقيون الوطنيون يجتهدون في تحديد شكل الدولة هل هي ملكية ام جمهورية و الذي حسمه البريطانيون في مؤتمر القاهرة و قرروا بأن يكون شكل الدولة ملكية, تجد ان موقف بعض العراقيين المتنفذين تجاه البريطانيين انقسموا الى :
- مَن يدعوا الى استمرار هيمنة الادارة البريطانية وذلك لأنهم حققوا فوائد مادية .
- مَن فضل الاحتلال البريطاني لسببين :
• ان شيوخها تسلموا منح من بريطانيا
• التخوف من احتمالات هيمنة فئة معينة من الشعب على الحكومة
كما دعا بعض الاكراد الى اقامة كيان كردي خارج نطاق المملكة العراقية
غير ان هذه الحالة لم تستمر طويلاً فقد بدأت بالذوبان و التلاشي بنداء التقارب بين السنة و الشيعة تحت شعار الوطنية و العراقية هوية توحد الجميع , فلا تفرقة دينية ولا لسانية ولا مذهبية ولا جنسية والذي جاء على لسان الملك فيصل الاول بقولة ان العراق للنجباء الاكفاء المخلصين نظيفي اليد من العراقيين وليس الى ملة اوفئة .لقد جسد هذا التقارب بداية النشاط السياسي لكن واجهته بعض العقبات , بخاصة من الذين حققوا فوائد ومزايا خلال الهيمنة البريطانية , وذلك لضمان مصالحهم.
لقد سعت الحكومة البريطانية الى تأسيس دولة تكون على مقاساتها او انها تضمن لها مصالحها على اقل تقدير. وضماناً لذلك وعدم تجاوز العراق الحدود المرسومة له من قبل البريطانيين , فقد استمالوا بعض العشائر و الاقليات و دفعوهم الى التمرد بأثارة الفتن بواسطة وكلائهم و ضباط مخابراتهم او المستشارين المنتشرين في الوية العراق. فالبريطانيون كانوا يهدفون منذ بداية التأسيس الى اقامة حكومة وفاقا˝ لمحدداتها المرسومة ضمنيا˝ , لها من القوة ما يمكنها من ادارة البلاد وحسب و ليس حكومة تقلق وجودهم في العراق و تتحداه , وتهدد مصالحهم ,فأتجهوا الى تاسيس جيش و( الذي يمثل مفتاح القوة في اي بلد) محدود الامكانات و القدرات التي لا تتجاوز حماية الامن الداخلي و للحد الذي يسمحون به . غير ان الملك فيصل الاول و الذين معه كانوا اشداء في معارضتهم لذلك (يذكر عبد الرزاق الظاهر في كتاب رحلتي مع الايام ,ما نصه ()....الواقع اني من خلال تجربني في الحياة العامة , وعلى قدر صلتي بالاحداث من قريب او بعيد , وبعد ان حضرت مؤتمرات عالمية , عرفت فيها اوزان الرجال خصوصا في المؤتمرات البرلمانية , التي كانت تضم اساطين السياسة الاوربية و الاميركية و الاسيوية . انني بعد كل هذا الاستعراض لرجال السياسة و الفكر ممن كنا نجتمع معهم في اللجان و المؤتمرات في روما وفي ستوكهولم . انتهيت الى ان مَن برز مِن ساسة العراق اشخاص في المقدمة , يستطيع المنصف ان يضعهم في اعلى المستويات من حيث المعرفة و الكفاية و الدراية و سعة العلم هم في نظري---- بالقياس الى ما رأينا من رؤساء الحكومات البريطانية و الفرنسية و الايطالية و السويدية و المصرية و اللبنانية و غيرهم من مختلف ساسة العالم .هؤلاء الساسة العراقيون كانوا من الالتماع و المقدرة و الفهم بالدرجة الاولى , مجرد العمل معهم و التحدث اليهم و الاستماع الى خطبهم و طراز تفكيرهم و عملهم , في الواقع يشكلون مدرسة كاملة حافلة بالعلم و المعرفة و الادب الجم . فهم لا يتحدثون الا عن فهم و فكر عميق مستمد من تجاربهم و من تجارب من اخذوا عنه العلم و المعرفة )).) فاصروا على بناء جيش وطني قوي له القدرة على الدفاع عن البلاد ومصالحها.عليه دعوا الى :
- تطبيق الخدمة الالزامية .
- محاولة تنويع مصادر الاسلحة , من المانيا و جيكوسلوفاكيا و عدم الاعتماد على مصدر واحد ( بريطانيا) لتتحكم بمصيره.
بذلك تجاوز العراق الخط الاحمر الذي حددته بريطانيا فاصبحت توجهات النخب الحاكمة الملك فيصل الاول و من معه مصدر قلق للانكليز عليه يجب على بريطانيا اعادة تقدير الموقف و تحديد التوجهات حيال ذلك , بخاصة و ان الملك الاول فيصل قد كسب المجتمع العراقي و استطاع ان يجعلهم يلتفون حول الحكومة و مساندتها فضلا عن استقطابه للطوائف و القوميات من خلال مناداته بالعراقية هويةً تجمعهم تحت لوئها , كما انه قد قطع شوطا˜ بالغا في علاقاته الخارجية مع دول الجوار كافة.
غير ان وفاته المبكرة تركت فراغا سياسيا كبيرا لا يسد بخاصة وقد اعقبه نجله الملك غازي الذي لايمتلك خبرة ولا دهاء ولا حنكة , لقد استغل الانكليز هذا الظرف فسعوا لاعادة العراق الى مربعه الاول فعمدوا الى الكيد واثارة الفتن و رشا شيوخ العشائر و حثهم على التمرد , كان نتيجة ذلك ان الحق التمرد اضرارا كبرى بالبنى التحتية في مناطقهم بقصد الاضرار بالحكومة , الا انهم و لجهلهم واطماعهم نسوا انهم اضروا بانفسهم , فخربوا الجسور و السكك الحديد في حدود مناطق نفوذهم و التي كانت تعود بالنفع عليهم فهم اشبه بمن يضرب انفه ليعاقب نفسه.
لقد اثمرت تلك الجهود عن ولادة دولة العراق الحديثة والتي كانت محط أنظار شقيقاتها الدول العربية آنذاك لِما توافر لها من اسس سليمة فبنت جيشاً يشارله بالبنان لايقل عن أي فرقة بريطانية شانا˝ كفايةً وتدريباً واقتداراً ، لابل هناك من الضباط العراقيين من تفوقوا على الضباط الانكليز في عقر دارهم ، كما اسسوا جامعة استطاعت خلال عمرها القصير ان لاتقل في المستوى عن أية جامعة عالمية ، وسنوا القوانين واقاموا مؤسسات الدولة .
ان مناقشة تلكم التجربة تبين للقارئ معالم الطريق او خريطته التي اعتمدها المؤسسون الاوائل :
1- اعتماد الدولة على الكفايات والقدرات البشرية المتوافره حينها من عراقيين وعرب ،بغض النظر عن أنتمائاتهم المكانية وثقافاتهم الفرعية .
2- أسسوا للهوية العراقية والثقافة الوطنية فأتخذوا من العراق ثقافة فسيفسائية تتلون بأطياف جيمع الثقفات الفرعية ، هوية وثقافة اساس تعلو على كل الثقافات الفرعية الاخرى , فهم ارادوا يؤسسوا ثقافة عراقية تذوب فيها الثقافات الفرعية.
3- وضعوا أسساً موضوعية وسليمة لبناء مرتكزات الدولة العصرية وحسبنا أنها كانت الدولة العربية الاولى في يعض المجالات ،لا بل انها تميزت حتى على بعض الدول الاسيوية حينها
4- اعتمدت التكوين التدريجي وليس الانفجاري في بناء الجيش والمؤسسات ، مع التأني في الاختيار والتوظيف القائم على اسس موضوعية وسلوكية عالية معتمدة تكافؤ الفرص والجدارة والنزاهة والاخلاص والولاء اساسا في ذلك.
5- وضعت اول دستور للعراق ، كتبه نخبةً من العراقيين ، كثير منهم ممن كانوا اعضاء في البرلمان العثماني ، لا زالت تردد عبارات اطلقها احد كتاب الدستور حين ذاك " نحن نكتب دستوراً للعراق لا دستورًا على مقاسات الملك كذلك قال ان لم نتأن في كتابة الدستور ونتوخى الدقة و الحذر فأننا نكتب احرفا بالحبر قد نحتاج الى انهر من الدماء لنمحوها .
6- سنوا القوانين , فضلاً عن ان استخدامهم قوانين مجربة في دول المستعمرات البريطانية .
7- دربوا العاملين ، واوفدوا البعثات الى الخارج .
8- اقاموا البنى الارتكازية ، والتي تعد اساس النهوض لأي بلد .
لقد كان العراق خلال المدة ( 1921 – 1958 ) بلداً فيه من ملامح واسس ديمقراطية تحسب له ديمقراطيته لا تحسب عليه ، فكان مثالاً يحتذى به لايقل عن اعرق الديمقراطيات في العالم انذاك ودون من يرغب الاطلاع على محاضر مجلس النواب العراقي خلال تلك الحقبه .
بعامة لقد بنى العراقيون بلدهم عندما كانوا عراقيين وحسب يجمعهم العراق كان همهم الوحيد العراق ولا هم سواه ، ديدنهم الاخلاص في العمل ، وصدق النية و الولاء للعراق لا الى اي انتماء فرعي .
لقد جاء البناء والنمو متوازناً على مستوى الدوله والسياسة والثقافه والمجتمع ، فلا مكان الا لذوي القدرات وان شذ البعض ، والكفايات مع الاستثناءات البسيطة ، والولاء للوطن ، والاخلاص وتكافؤ الفرص. هذه هي المواصفات التي اعتمدها البناة الاوائل ولا سواها . فالعراق وكما يقول ملكه الاول بلد الجميع ليس حكراً على مجموعه او فئة ، او ، او .... بل هو حكر على المخلصين من ذوي الكفايات والمؤتمنين .
لقد جاءت هذه المقدمة وذلك لاستلهامها والاعتبار بها والاستفادة بما تضمنته من مضامين
(( لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل كل شئ و هدى و رحمة لقوم يؤمنون ))
ثانياً : اعادة تأسيس الدولة العراقية بعد نيسان 2003 في ظل الاحتلال الامريكي
بينت الفقرات السابقة كيف كان تأسيس الدولة الاولى.ذلك بهدف ان يكون لدى المنصف تصورٌ واضح و ادراك لما اريد ان يٌزال من ذاكرة التاريخ و التاسيس لمرتكزات مرحلة جديدة يريدها الغزاة. ولكن مخطئ من ظن ان التأريخ ينسى, وان الاحداث يبدو انها لا بد وان تتكرر , فلقد عاد المغول من جديد ولكم فيما اورده مؤلف كتاب ((الحوادث )) لاحداث سنة 656 هجرية عبرة - عفواً ايها المؤلف فنحن لا نعتبر بالتاريخ و لا ننتفع بالتجارب , و ذلك لانا اقدر من اولئك الذين فشلوا و احوط منهم , هكذا دائما يرى الانسان نفسه فيتجاوز التأريخ و لا يعتبر به- الذي يصف به دخول المغول الى بغداد .فيقول: (ووضع السيف في اهل بغداد يوم الاثنين الخامس من صفر , وما زالوا في قتل ونهب و اسر وتعذيب الناس بانواع العذاب و استخراج الاموال منهم بأليم العقاب مدة اربعين يوماً , فقتلوا الرجال و النساء و الصبيان و الاطفال و احرق معظم البلد و استولى الخراب عليه) . تنويراً لقد تعامل المغول مع العراقيين المسلمين على شكل سواء فوقعوا فيهم قتلاً و تنكيلاً , غير انهم ميزوا الذميين و اكرموهم .
غير ان مايلفت النظر ويدعوا الى الدهشة ان المغول الجدد اشد حقداً واعظم تنكيلاً . فاذا قسم المغول العراق الى خمس مناطق ادارية ، فأن الاستخراب الامريكي عمد الى تفكيك العراق مجتمعياً فلافرق بين المغول والامريكان ، فالاستخرابيون ملة واحدة واهدافهم وسلوكياته ممتوافقة : القتل والنهب والسلب وان اختلفت الطرق والوسائل . لقد عمد الامريكان الى تمزيق العراق وذلك لاضعاف المجتمع العراقي . لقد ادت نظرية التفكيك والتهديم الامريكية الى تشتيت المجتمع :
- نسيجاً اجتماعياً
- ثقافةً وتراثاً
- مؤسسات وكفايات بشرية
سيتم مناقشة الفقرات الثلاث فيما يأتي :
• تفكيك النسيج الاجتماعي
لقد سعى الاحتلال سواء في مرحلة ماقبل الاحتلال ومابعده الى استكمال تطبيق نظريته التفكيكة من خلال الترويج والتعميم لفكرة اساس قوامها سيطرة طبقة حاكمة تمثل اقلية مجتمعية تستاثر بكل موارد الدولة ، من خلال اظهارها فئة مضطهدة وفئات اخرى مهمشة مستبعدة منهوبة ومسلوبه الحقوق . وذلك لغرض احكام سيطرته ولتاسيس ذلك في اذهان الناس ركز وسائل اعلامه على تأسيس فكرة التقسيم وسخر هذه الوسائل للترويج لهذه الفكرة ، بهدف تهشيم النسيج المجتمعي العراقي . ليؤدي ذلك الى نشوء مفهوم جديد لم يكن مألوفاً فيما سبق في الساحة العراقية ، ذلك هو المحاصصة المجتمعية وفي الحقيقة تحت ستار ( المحاصصة السياسية ) ، والتي تعني تقاسم الوظائف على اساس الوزن النسبي لفئات المجتمع العراقي، وذلك تأسيساً لاستبعاد مبدأ تكافؤ الفرص والجدارة والولاء المطلق للعراق والعدالة والذي الغاه واحل محله الولاء للفئة على حساب القيم والمبادئ ، لقد اسسوا لذلك من خلال عبارات براقة مثلاً ( العراق لكل العراقين ) – وهم يشيرون ضمناً الى ان العراق كان لفئة واحدة – لتكون محصلة ذلك كله نشوء ونمو ظاهرة لم يألفها العراق من قبل لا بل تحولت الى سمة وسم بها الجهاز الوظيفي العراقي تلك هي ظاهرة الفساد الاداري والمالي لابل الفساد المجتمعي .
كل ذلك تسبب في :
- تدني اداء الجهاز الحكومي
- تعقيد الروتين
- ضياع الحقوق ، بسبب هيمنة موظفين جاهلين على مفاصل الادارة ، ومسؤولين كبار اشد جهلاً واكثر فساداً
- غياب مبدأ الجدارة والاهلية والنزاهة
- سيادة المحسوبة
- تدمير الثقافة والتراث والتاريخ
لقد جاءت قوات الاحتلال الامريكية ومن معها ويعتقد ان ذلك كان وفاقاً لخطة مسبقة فأستباحت المؤسسات والدوائر ، سواء بالحرق او بالتدمير او كلاهما ولم يكن ذلك وليد الانفلات كما هم حاولوا ان يظهروه ولكن لطمس ما ارادت ان تخفيه وذلك لامرين :
- الاول اظهار المجتمع العراقي بأنه مجتمع همجي متخلف ،(لصوصاً ومخربين)
- الحصول على المسروقات من كتب ومخطوطات نادرة وتحف واثار ، عن طريق عملائهم الذين قاموا بشرائها من حائزيها من النهُاب ، وبذلك اخفوا سرقتهم لتراث العراق وحضارته وتأريخه ووصموا بها العراقيين الذين دفعوهم دفعاً لذلك .
• تفكيك المؤسسات
في بداية دخول قوات الاحتلال الامريكية كان ملف العراق مسند الى وزارة الخارجية الامريكية فأوكلت مهمة اعادة بناء العراق الى الحاكم العسكري صاحب التجربة في شمال العراق ( جي كارنر ) الذي اعلن عن خطته واعضاء فريقه ومهماتهم ومناطق عملياتهم في اجتماع عقده في قصر المؤتمرات في بغداد بحضور اكثر من ستين شخصية تكنوقراط ، وهذا مايوضح بأن نيته كانت تتجه الى الابقاء على كبار الموظفين والضباط العراقيين للافادة منهم في اعادة بناء الدولة .
استمرت الاجتماعات الفرعية على مستوى الوزارات ووجهت دعوات لوكلاء الوزرات ورؤساء الجامعات والعمداء والمديرين العامين وجرت حوارات معهم ومناقشات واوراق عمل من قبل فرق متخصصة وذلك لغرض اعادة بناء وتطوير مؤسسات الدولة .
غير ان ذلك لم يرق لهم ولا يحقق ما ارادوه ، فسحبت الادارة الامريكية بشكل مفاجئ الملف من وزارة الخارجية وحولته الى وزارة الدفاع ، فأعيد ( جي كارنر) الى امريكا ، وعين بديلاً عنه حاكماً مدنياً ( بول بريمر ) الذي شرع بأتخاذ قررات كارثية كان لها الاثر البليغ على واقع العراق ومستقبله بدت اثارها واضحةً على طبيعة الدولة الجديدة وادائها منها :
1- حل حزب البعث
لقد منع القرار اعضاء الحزب من مزاولة اعمالهم وبذلك فقد اقصى هذا القرار عدداً كبيراً من القيادات والكفايات والخبرات العراقية عن مواقع المسؤولية لانتسابهم للحزب والتي كانت تشكل عماد مؤسسات الدولة والتي اكتسبت خبرة ومراساً خلال مدة عملها .
2- حل الجيش العراقي
ان قرار حل القوات المسلحة ( الجيش والشرطة والامن الخاص والامن العام وجهاز المخابرات ) سرب اعداداً كبرى منهم وحولهم الى عاطلين ( حيث ان منهم من عمل مع قوات الاحتلال ، ومنهم من انضم الى الشركات الامنية ، كما ادخل البعض منهم في القوات المسلحة الجديدة ليظمنوا معيشتهم ) كما استباح الحدود وجعل العراق ساحة مفتوحه امام الداخلين كما اشاعت ظاهرة الفوضى والاغتيالات ... ، وحتما ان ذلك لم يكن عفوياً وانما كان مقصوداً لغاية تريدها الادارة الامريكية .
3- حل مؤسسات ووزارات
لقد استمر مسلسل الحل فقد طال الحل هيئة التصنيع العسكري والطاقة الذرية ووزارة الثقافة ، هذه المؤسسات التي ضمت الكثير من الكفايات والقدرات التي تم بنائها وتكوينها عبر اربعة عقود تقريباً فقد اكتسبت على الاقل تجربة ومراساً ودربةً خلال هذه المدة فضلاً عن اعدادها علمياً وتدريبها واكسابها مهارات متقدمة ولكن بما اثاره الامريكان من احقاد وزرعوه من ظغائن واظهر الجميع بمظهر المحذور منه والمشتبه به وانه قد يكون نواة لتعطيل وافشال الاعمار واعاقة التطوير . وبذلك فقد رحلوهم كما فعل تيمور لنك ولكن بطريقة اخرى واستقبلوا ببلادهم من استقبلوا منهم فهم عندهم مفيدون لكنهم في العراق مخربون .
هؤلاء هم الامريكان وكما جاء على لسان الدكتور خالد الكركي
- يحتلون العراق ويتحدثون عن اعماره
- يسرقون كتبه ومتاحفه ويقولون تعالوا الى حوار الحضارات
- يمزوقون النسيج الاجتماعي الى ملل ونحل واعراق ويتباكون على الديمقراطية
- يستبيحون البيوت والمحرمات ويتحدثون عن حقوق الانسان .
نعم انها سايكس بيكو جديدة ولكنها بوش – بلير . لقد تمخض هدم المؤسسات وتفكيكها وتسريح اعمدتها الى انهيار المرتكزات الاساس التي يقوم عليها جهاز الدولة وبذلك فقد ازالوا معالم الدولة. لقد كان الاجدر الافادة من خبرات هذه الكفايات ووضعها تحت السيطرة ان كان يخشى منها على النظام الجديد ، الى حين ايجاد البديل الكفؤ .
4- اتجه الحاكم المدني الامريكي الى اعادة تأسيس الدولة ، ولكن بعقلية امريكية وبثقافة مجتمعية وتقليدية ولا يعلم هل كان ذلك مقصوداً وهو يمتلك معرفة ودراية عن المجمتع العراقي وطبيعة تكوينه وتشكيل مؤسساته ، مبتدأً بتأسيس مجلس الحكم الذي كان سنة سيئة اذ بدء بتكوينه على اساس التوزيع النسبي للمجتمع وليس على اساس الجدارة ، منوعاً تأسيسه ليضمن تعاون اتباع من ضمهم المجلس وهو بذلك اسس لتمزيق العراق .
ثم استمر في ذلك وبأطار منطقي ولكن مختلف فشكل وزارة تكنوقراط من خلال مجلس الحكم (الذي يمثل المصدر الاساس لكل مشكلات الدولة العراقية الجديدة ) ولكن من هم التكنو قراط بحسب تفكير من اعانه من العراقيين في التأسيس ، لقد كان التصور المطلق لدى هولاء ولدى العامة من الناس من ان التكنوقراط هم من حملة الشهادات العليا وحسب لقد كان سبب الاعتماد على هذه الشريحة اي التكنوقراط هو لاعادة بناء الوزارات ومؤسسات الدولة بعامة على اسس سليمة فالتكنوقراط هم الاقدر والاكثر خبرة ودراية في ذلك لانهم فنيون مهنيون وليسوا اكاديميون . لكن الذين عينهم مجلس الحكم معظهم ان لم يكن جميعهم من حملة الشهادات العليا وليسوا من الفنيين المهنيين المتخصصين كلٌ في مجاله . لذلك لم يتم التأسيس بأعتماد اطار سليم واسس موضوعية وانما كان وفاقاً لتصورات واراء شخصية لم تستند الى اسس موضوعية وعلمية ولا الى تجربة ودراية وانما خضعت لاجتهادات شخصية غير محسوبة النتائج ادت بواقع الدولة الى :
- قوانين لم تدم طويلا بل خضعت للتعديلات المستمرة عليها او الغائها
- مؤسسات لم تٌبن على اسس سليمة مما انعكس على تدني ادائها
- سيطرة صغار الموظفين على قصور اهليتهم على المسؤولين الكبار لجهلهم وعدم درايتهم
- هدر في الموارد المالية والبشرية
- اعتماد معاييرالنسبية المجتمعية في التعيين والحصول على المناصب والوظائف
- تغييب مبداً تكافؤ الفرص
- عدم الاعتماد على مبدأ الكفاية والجدارة والولاء للوطن والنزاهة .
- هياكل تنظيمية مترهلة
- بطالة بكل اشكالها ( مقنعة ، هيكلية ، ... )
- تدنٍ في الاداء متنامٍ هندسياً
عليه فقد اسس لمحسوبية جديدة هي محسوبية الملة التي ينتمي اليها الفرد . فأضحت المؤسسات متكونة من بنى غير متسقه يجر بعضها بعضاً ، تسعى بأتجاه مصالح مرجعيتها يخشى احدها الاخر تتجاذبها مصالح مرجعياتها المتناقضة والمتضادة .
كل ذلك انعكس :
- تدنياً في الاداء
- هدراَ في الموارد المالية
- هدراَ في الموارد البشرية
- عدم الاكتراث للزمن
- تأخيراً متراكباً يعطل او يمنع تقدم البلد
- بناءً مؤسساتي غير مستقر
- قوانين لاتستند الى خبرات واسس موضوعية وعلمية لا تلبث ان تعدل بعد اصدارها بمدة قصيرة
- غياب هيكل الوظائف الموضوعي والعلمي فالملاك يضم في احسن الاحوال مجموعة وظائف وهمية لاتعكس طبيعة الوظائف المطلوبة في المؤسسة
- عدم فهم للصلاحيات وحدودها والمسؤوليات وحجمها
- بيروقراطية شديدة
- روتين قاسٍ
#سالم_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟