بلقيس حميد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1105 - 2005 / 2 / 10 - 11:33
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
إن المجتمعات التي تريد العيش بكرامة وحرية وحياة سعيدة , لابد وأن تستفيد من تجارب الشعوب الأخرى , ولنا في تجارب كل الشعوب التي خرجت من حروب قاتلة ومعرقلة لنموها عبرة لابد وان نعتبر بها وندرسها جيدا لنخرج بفائدة من التأريخ ومن كل ما مر بغيرنا كي نوظفه لصالح شعبنا ووطننا .
إن جميع الشعوب التي خرجت من حروب مدمرة , إن كانت شرقية كاليابان أو غربية كأوروبا , استطاعت أن تنهض من الأطلال بعد الخراب الذي مر بها , لكن نهوضها لم يأت هكذا دون تغيير للفكر والنهج لعقول الغالبية من أبناءها , إن هذه الشعوب راجعت كل ما كان بها ووضعت الإصبع على الجرح لتداوي قروحها وتكون سليمة لتنهض من جديد , وأول ما خرجت به هو أن تنصف المرأة التي تشكل نصف المجتمع إن لم تكن غالبيته كما هي في العراق, وان تكون لديها ثورة اجتماعية لواقع المرأة المأساوي , بعد أن كانت هي بطلة الدور في السنوات العجاف , وبعد أن كانت زمن الحروب هي البديلة للمعلم والعامل والموظف والفلاح والطبيب والتاجر وكل ما كان يفعله الرجل , إضافة لمواقفها البطولية بحمل السلاح مع الرجل ودفاعها عن الأوطان حيث ضاهت بمواقفها الرجل زمن الحروب ومواجهة العنف التي هي أول ضحاياه, و أول المتضررين منه . لقد عرفت هذه الشعوب , إن إنصاف المرأة بعد أن برهنت على قدراتها الخلاقة , لابد وان يبني مجتمع العدالة والسلام والاستقرار, ولا ينكر أحد أن طبيعة المرأة الفسلجية ترفض العنف والحرب والظلم , وأن الأمومة والخوف على الأطفال هي التي أوجدت الزراعة الأولى , وأوجدت علوم الطب الأولى , وبنت أول بيت لحماية الصغار من غائلة الحر والبرد وخطر الوحوش , وهذا الاعتراف بدور المرأة يمنح المجتمع رقيا حين تتحرر عقول أبناءه من النظرة الدونية لهذه المخلوقة المعطاءة .
إن المرأة أشبه ما تكون بالنخلة, صابرة , دائمة العطاء , النخلة هذه الشجرة التي سميت عمت الإنسان , يستطيع المرء أن يأكل منها طوال العام , وأن يتدفأ منها في البرد , وان يبني له منها مأوى يدفع عنه كل خوف الطبيعة بالعراء , يصنع منها ما يجلس عليه ويرتاح , النخلة هذه الشجرة الرائعة تموت ما أن تصاب بشظية صغيرة , وهي ليست كبقية الأشجار تنمو حينما يقطع رأسها , المرأة هي النخلة بكل صفاتها , هبة الله على الأرض وعلينا المحافظة عليها لتبقى البشرية وليعمر الكون وتستمر الحياة .
أتمنى من أبناء شعبنا العراقي في الحكومة المنتخبة , أن لا يضعوا مسألة حقوق المرأة بموضع ثانوي من اهتمامهم بالمجتمع , وان لا يترددوا باعتباره أهم قضية تدفع بالبناء والتنمية نحو الأمام , وان يعوا ما قامت به الشعوب التي قهرتها الحروب من قبلنا وان يتوصلوا إلى اكتشاف السر كما توصل غيرنا, وما باتت اليوم قضية تحرير المرأة سرا أو اكتشافا جديدا , الأمر اليوم هو أن من يريد للعراق خيرا لابد وان يحسن التعامل مع أغلبية هذا الشعب.
إننا نناقش بحرارة وباهتمام كل ما يتعلق بتلك القومية من أبناءنا أو تلك الطائفة لنجعل الحب والتسامح هو الأساس لبنائنا الجديد, وهذا جميل وضروري , لكننا للأسف ننسى الفئة الأعظم من كل قومية وطائفة , أو نضعها في آخر برنامجنا كشيء ثانوي يأتي أخيرا بعد أن تحل كل المشاكل , وهذه من أهم أخطاءنا واهم معرقلات نمو مجتمعاتنا , لننظر إلى كل المجتمعات التي تقهر المرأة وتعتبرها شيئا محرزا لابد من أن يــُخبئ عن الأنظار, ولنرى هل أن هذه المجتمعات – حتى الغنية منها- سعيدة ؟ وهل هي مجتمعات يـُحتذى بها ؟ أم أنها مليئة بالمشاكل والانهيارات والفساد الأخلاقي والروحي ؟
وعندما أتحدث هنا عن الفساد الأخلاقي , لابد من أن يعرف القارئ ما اقصده بالفساد بمفهومه الصحيح , الفساد الذي يستشرس ببعض المجتمعات العربية والإسلامية, أو الفساد الذي أدى إلى انهيار المنظومة الاشتراكية , انه فساد الذمم , الجشع المادي وسيطرة أهل المال على السوق وعلى المراكز الهامة بالدولة , وانتشار البطالة والمخدرات والسقوط الأخلاقي الذي هو رديف للزيف والعنف والجريمة , وللأسف أن الكثير من أبناء مجتمعنا يقرنون الفساد الأخلاقي بحرية المرأة , وكأن المرأة هي سبب انهيار المجتمعات عندما تتحرر من تحكم وسيطرة الرجل , في حين أننا نرى هنا في مجتمعات الغرب نظاما مستقرا سوف لن يتخذ يوما الحرب بديلا عن السلام لان المرأة به حرة و هي في موقع القرار ولها الدور الرئيسي في صناعة سياسة المجتمع , ومع النخلة حتما لا يكون سوى البناء والعطاء المستمر, حتى فاض ما عندهم فأغاثونا نحن أبناء مجتمعات الأديان والتقاليد والأعراف التي قدسناها قرونا.
إذن على الحكومة الجديدة مهمات رئيسية سيكون كل ما تفعله الحكومة ناقصا وغير مجد إن تناستها وهي
1- مساواة المرأة بالرجل في الدستور الدائم حتى لا يكون هناك فرصة لتلاعب الحكومات المتعاقبة على فكرة مساواة المرأة بالرجل بكل القوانين, والقوانين جميعها , أؤكد هنا على قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات , لان الدستور جامد ولا يحتك بالمنازعات بين الناس مباشرة , إنما تطبيقاته تكون من خلال القوانين الأخرى , فالتطبيقات العملية لقانون تحترم به رغبات المرأة وكرامتها وحريتها كانسان, قانون يضع مؤيدات جزائية رادعة فيما يتعلق بالمساس بإنسانية المرأة وكرامتها , لهو كفيل بان يغير النظرة الدونية للمرأة , وكفيل بان يغير العقول التي تهينها , وكفيل بان يضع حدا لاعتداءات وتسلط الرجل ويقلل من رجولية المجتمع وبالتالي يقلل العنف به ويؤدي إلى ردع المسيء ومن ثم الاستقرار الاجتماعي , فعندما يشعر المذنب انه على خطأ وبان القانون فوق الجميع , تبدأ العقول بالتغيير وينتهي تطاول الأخ الصغير على أخته الكبيرة مهما كان تحصيلها العلمي ودورها , وتكف به يد الزوج عن لطم زوجته , أو أهانتها واحتقارها أمام الناس ليسود الاحترام وليتربى جيلا جديدا يرى المرأة , أمه, أخته , معززة وجليلة لا أن يراها ذليلة مقهورة خائفة ويعيد التعامل مع زوجته مستقبلا بذات الأسلوب .
2- إطلاق يد المنظمات النسوية ودعمها بل مساندتها لتوعية المرأة العراقية بدورها , وتحرير عقول الناس من النظرة الدونية وذلك ببرامجها التثقيفية التي لابد وان تدخل البيوت عن طريق توظيف وسائل الإعلام لهذا الشأن , وإطلاق يد المنظمات هذه بحماية المرأة مما تواجهه من عنف من الزوج أو الأخ أو أي قريب لها أو معتد عليها , وإعطاء هذه المنظمات الحق باللجوء إلى القضاء والترافع أمام المحاكم عن المرأة التي استغاثت بها وتقدمت بالشكوى لها , وذلك في حالة تعرض المرأة إلى حيف أو اعتداء يرقى إلى الإيذاء والجريمة - وان كان الإيذاء نفسيا- وأينما كان بالبيت أو الشارع أو مكان العمل وفي أي مكان , واعتبار مؤسسات المجتمع المدني المدافعة عن المرأة وحقوق الإنسان لها الدور الأول بالارتقاء بوضع المرأة ومعالجة مخلفات النظام السابق الذي أساء للمرأة أيما إساءة .
3- إعطاء المرأة الأولوية للحصول على مقاعد الدراسة العليا , للنهوض بواقع المرأة الفكري والعلمي , كذلك إسناد المناصب الرئيسية للمرأة في مؤسسات الدولة , لمنح الرجل ثقة بإمكانية المرأة على الإدارة ومساعدتها قدر المستطاع من قبل الجهات العليا للنجاح بمهامها , بل التدريب المستمر للكوادر النسائية على أدوار هامة كإدارة المؤسسات الحكومية على اختلاف اختصاصاتها المدنية والوقوف معها لتستعيد ثقتها بقدراتها بعد ما واجهته من تحطيم معنوي زمن الطاغية.
4- تضمين المناهج الدراسية مواضيع تؤكد على حقوق الإنسان , وإدراج بديهيات حقوق الإنسان في مناهج الدراسة منذ الابتدائية , ليتعلم الطفل العراقي معنى كلمة حقوق الإنسان التي غابت عن قاموسنا اللغوي والفكري طوال عقود , وتضمينها أيضا مفهوم حرية المرأة واحترامها كأمر هام من التربية الوطنية والرغبة ببناء مجتمع العدالة والمساواة ونبذ تسلط الرجل على المرأة, ولابد هنا من التركيز على دور المعلم التربوي وتنشيط النقاش بين الطلبة لصالح حق المرأة بالمساواة واحترامها لان الديمقراطية تعني حكم الأغلبية واحترام حقوقها .
5- فتح مراكز للحضانة والطفولة للتخفيف عن العبء الذي يعرقل عمل المرأة ويعقد حياتها , وإعطاء المرأة إجازة ولادة مدفوعة الأجر , كافية لان تستعيد بها المرأة صحتها وتربي طفلها بالأشهر الأولى الهامة لصحة الطفل وبناء مناعته.
6- الحق قانونا لكبار السن من الجنسين بضمان اجتماعي يسد رمقهم بعد انتهاء سني عطاءهم وشقائهم , ولا يدعوهم للوقوف بباب الفقر والمذلة في سني عمرهم الأخيرة كما كانوا زمن الطغاة رغم أن العراق بلدا نفطيا لابد وان يكون اقتصاده قادرا على أن تكون حياة الكبار نافعة لهم ولنا , وليكن احترام الإنسان هو المبدأ الأساس الذي يتربى عليه الجيل الجديد , كما لابد من فتح مراكز لرعاية كبار السن والعاجزين الذين لا مساعد لهم في شيخوختهم , وان تكون الدولة أما لكل أبناءها وبهذا تكون المرأة والرجل قد حصلوا على سنوات للراحة والإبداع , فكما نرى في الدول المتحضرة اغلب المبدعين أنجزوا بسنوات راحتهم أهم واعظم إنجازاتهم التي تبقى إرثا للبشرية جمعاء.
حتما سوف لن تكون هذه نهاية طموحاتنا , وهي ليست كل ما يجب عمله, لكنها كما اعتقد مهمة اليوم , ليخرج المجتمع العراقي مما كان غارقا به من ضيم , ظلم , وتردي , وليكن لكل عراقي أملا بالحصول على حياة افضل بعد سنوات الموت والدمار المرعب, ولنغير ما بأنفسنا إزاء اكثر من نصف مجتمعنا, تتغير الحياة وتبسم لنا بعد السواد الحالك, ولترقص العصافير في بلاد الرافدين الخالدة.
7-2-2005
#بلقيس_حميد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟