|
وزارة التعليم العالي: التلويح بمحاربة الفساد باليمنى، و-التشجيع- عليه باليسرى
سعيدي المولودي
الحوار المتمدن-العدد: 3776 - 2012 / 7 / 2 - 00:54
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
وزارة التعليم العالي التلويح بمحاربة الفساد باليمنى و"التشجيع" عليه باليسرى أطلقت وزارة التعليم العالي منذ شهور باقة شعارات تصب جميعها في دائرة مواجهة الفساد والتصدي لمظاهره في قطاع التعليم العالي، وهي شعارات تتناسب وسحر اللون الذي اختارته الحكومة واصطفته نبعا جديدا لها، ولا يمكن لأي مواطن متلهف إلا أن يهتف لهذه الشعارات ويتورط في دعمها إذا اتجهت الوجهة القويمة ولم تنحرف عن وهجها ومرماها، وتتحول إلى مجرد عجاجة صيف عابرة، أو تتلبس بمبدأ الثأر وتصفيات الحسابات السياسية وغير السياسية أو القريبة منها. وعلى الرغم من أن تلك الشعارات اعترتها بعض سمات التسرع والارتباك، إذ يعود الوزير مجبرا في حالات خاصة إلى منطق التراجع عن سياق قوتها والتخفيف من وقعها، إلا أن وجود الإرادة قد يضمن، في حدود ما، بعض التقدم في كشف الحجاب عن واقع التعليم العالي والجامعة المغربية في بلادنا، واستخراج كنوزهما وخنوزهما. وحسب ما يتكشف من بعض الحالات والوقائع المتداولة فإن التعليم العالي منذ مطلع الألفية الثالثة يعاني من مشاكل هيكلية عميقة على المستوى المالي والإداري والعلمي والمعرفي، ودوامة الإصلاحات الرثة التي استغرقته طيلة العقد الأول من هذه الألفية مؤشر قوي على العقم والارتجال والاضطراب الذي يتخبط فيه ويتحكم في آليات تدبيره.ومن الجائز القول دون مبالغة أن أسوأ المراحل التي عاشتها الجامعة المغربية هي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين إذ سجلت فيه أعلى مستويات التردي والتراجع والتدهور، وغدت الجامعة التي تم الرهان عليها لتكون قاطرة للتنمية، قاطرة للتعمية والتخلف وراعية للتقهقر المعرفي والعلمي والأكاديمي.والمرتكزات التي قامت عليها الإصلاحات المتتالية كانت هشة وأسهمت في تدمير كثير من مقومات التعليم العالي،إضافة إلى عجز الجامعات،كمؤسسات عمومية،عن القيام بدورها وتكريس وتعزيز استقلالها الإداري والمالي والعلمي والثقافي، وعن مواجهة الإكراهات المختلفة التي تواجهها على مستوى البنيات التحتية ونقص الموارد البشرية، في غياب استراتيجية وطنية واضحة للتوجيه والتكوين. ومهمة تغيير هذا الوضع ليست سهلة، وتستوجب عملا جريئا وشجاعا يطرق أبواب المستحيل ويقوي مبادئ المسؤولية الوطنية والمحاسبة والحوار والشفافية والديموقراطية التشاركية الحقيقية. غير أن آخر ما روجت له إحدى "الجمعيات" التي تدعي أن الوزارة تأتمر بأوامرها، والوزير مغرم على ما يبدو بوضع خاتم وزارته على كل بيان صغير تتولى إصداره، يصب في الاتجاه المعاكس، ويفيد أن تلك الشعارات لم تكن إلا زينة لحظات وساعات.إذ أعلن الوزير عزمه على إلغاء المباراة الخاصة بالتوظيف في إطار أستاذ التعليم العالي المنصوص عليها في المادة 12 من المرسوم رقم 2.96.793 بتاريخ 19 فبراير1997 والمحددة إجراءات تنظيمها بموجب قرار وزير التعليم العالي رقم 1124.97 بتاريخ 04 يوليوز1997، وهو ما يعني بالواضح إلغاء المادة والقرار المشار إليهما وما يتصل بهما. ويبدو قرار الإلغاء في هذه الحال نشازا وإجراء ارتجاليا غير محسوب العواقب، بل هو مظهر صريح لإرادة مبيتة لإفساد التعليم العالي وهدر ما تبقى فيه من قيم علمية وأكاديمية. علاوة على ذلك فإن طبيعته لا تعدو أن تكون تلبية لنزوات"انتهازية" ولمطالب تسعى إلى تكريس ظاهرة "الريع الأكاديمي"، فبعد أن "تصدَّقت" الوزارة بشهادات التأهيل الجامعي على فئات من الأساتذة الباحثين ضدا على المعايير العلمية والأكاديمية وخارج دائرة أي استحقاق علمي،ها هي تواصل سخاءها العلمي وكرمها الأكاديمي الطافح، لتتويج الجميع أساتذة للتعليم العالي بدون قيد أو شروط، لنجد أنفسنا أمام فئات من رجال التعليم الباحثين استطاعوا بشهادة جامعية وحيدة وفريدة أن يحرقوا المراحل والإطارات الثلاثة للأساتذة الباحثين بدون أي مجهود علمي ملموس، بينما فئات أخرى ملزمة بالخضوع والخنوع والانضباط للمقتضيات التشريعية المعمول بها في هذا الباب. والبديل المقدم عن المباراة هو الاعتماد على الاستحقاق العلمي والأكاديمي والبيداغوجي، وهو بديل واهٍ، ومضلل وغير ذي مغزى، لأنه في واقع الأمر يحيل إلى أن المباراة لاتضع في الاعتبار هذا الاستحقاق العلمي، وهو أمر لا يمكن التصديق أو التسليم به، لأن المباراة عمليا هي"الأداة" أو "الوسيلة" الأكثر ضمانا وتحصينا لهذا الاستحقاق، وإلغاؤها سيفتح الباب على المصراعين لخلق "ميليشيات علمية" أو ما شابه، لن تسهم في كثير من الأحوال إلا في ترسيخ منطق استحقاق الزبونيات والمحسوبيات، وإغراق ثقتها في مهاوي كل أطياف الموالاة والمحاباة وما يتصل بهما. على أن هذا الإلغاء في جوهره يتعارض جملة وتفصيلا مع ما التزمت به الحكومة بشأن اعتماد نظام المباريات في كل عمليات التوظيف، لمواجهة شعار "التوظيف المباشر" الخادع، ومن ثم يشكل خطوة متسرعة وسقطة في الاتجاه المعاكس لخياراتها والتزاماتها وستكون له عواقب وخيمة على واقع التعليم العالي ببلادنا. إن منظومة التعليم العالي برمتها بحاجة إلى إعادة نظر جذرية وإصلاح عميق على المستوى التشريعي والتنظيمي والبيداغوجي، وفق نظرة شمولية متكاملة تراعي التطورات السريعة التي تشهدنا بلادنا ويشهدها العالم من حولنا، خاصة وأن كثيرا من الآليات المعتمدة في هذه المنظومة أثبتت الوقائع الملموسة فشلها وعدم نجاعتها، وإضافة "دال" أو "هاء" أو كل حروف الأبجدية إلى خانات الإطارات أو إلغاء المباراة أمام المهرولين وراكبي الدراجات، بقدر ما يحقق مصالح آنية فانية، خاصة، وفئوية ضيقة، يُفقد التعليم العالي والبحث العلمي جدواهما ويقودهما إلى عرين الفساد ويدمر عنفوانهما.وإذا كانت الوزارة تلوح بمحاربة الفساد بيُمناها، فهي ،على ما يبدو، كأنما "تحرض" عليه بيُسْراها؟ سعيدي المولودي
#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزارة التعليم العالي تخلف وعد -مراسيمها-
-
صناعة -السيبة- في كلية الآداب بمكناس
-
- العملاء ورثة الأنبياء-
-
في مديح - الفيتو-
-
-دعاء الاستوزار-
-
الحملة والشعارات الانتخابية
-
- تنزيل الدستور وما يليه-
-
- إن ينصركم الناتو فلا غالب لكم-
-
في نقد حصيلة الحوار الاجتماعي: الأساتذة الباحثون والقبض على
...
-
-الرافد العبري-
-
انتخابات برج القوس
-
الانتماء المغاربي لسعدي يوسف ( قراءة في نصوص الشمال الإفريقي
...
-
-الضحالة المغربية-
-
أحقاد -هيلاري-
-
السقوط المغربي
-
يوم فاتح يوليوز 2011: أنا غائب..
-
قراءة في دستور مغرب 2011.( 2) .باب الأحكام العامة
-
قراءة في دستور مغرب 2011 : المغرب والهويات السبع
-
-البقاء على قيد المخزن-
-
تنظيم -القاعدة-وتنظيم -الاستثناء- في بلاد المغرب
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|