|
الدين.. والاختبار
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3774 - 2012 / 6 / 30 - 23:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدين.. الديانة.. ليس خاصة جينية مطبوعة على أشرطة الكروموسوم كالصفات الفسلجية والخلايا المتخصصة وأمراضها العضوية المتوارثة. لكن الواقع هو الخطأ الشائع، باحتساب الديانة صفة وراثية جينية تنتقل مع خلايا الرحم للجنين. والمؤسف.. ان منظمات دولية تصدر احصاءات سكانية يتم فيها تصنيف المجتمعات وفق المعيار الديني، رغم أن (التمييز) الديني مخالف للمواثيق الدولية إسوة بالتمييز العرقي واللوني والجنسي. وما تزال دوائر الحكومات الأوربية المدنية* تشخص خانة الديانة وتصنفها حسب تصنيف البلد، فسكان البلاد العربية عموما يعتبرون مسلمين، دون مراعاة لحقوق الأقليات أو العلمانيين واللادينيين. وبالتالي فثمة تواطؤ.. بين تقاليدنا الاجتماعية من جهة، وبين سياسات الاجانب في الدول الغربية. ويبقى السؤال الأهم.. عن أهمية الدين في حياة الفرد ودوره في التصنيف والتمييز الاجتماعي عن بقية البشر!.. فالفرد هو الذي يحدد قيم الأشياء المتعلقة به – ومنها الدين- ويتحكم بها، أو يجعلها تتحكم به. ان كثيرا من البشر مؤشرين في البيانات الرسمية بحسسب ديانة الوالدين، أو الديانة الرسمية للبلد. لكن قليلين فقط من الناس من يعنى بالدين أو يلتزم بممارسة طقوسه. فليس كلّ مصنف على ديانة معينة ، فاهما وملمّا بها، وواعيا لممارستها والالتزام بها. وإذا عرف الخطوط الرئيسية العامة، فلن يلمّ بتشعباتها وانقساماتها التاريخية إلى مذاهب وطوائف، مع أبعادها السياسية. وإذا كان (الاله) ركنا أساسيا في كلّ دين، فكم من أدعياء الايمان والعبادة، يطبقون مبدأ (العبادة معرفة!). كيف يتعبد المرء لأله لا يعرفه ولا يفهمه. معرفة الاله هي ما يعرف باللاهوت أو -علم- الكلام، وهي من فروع الفلسفة. فكم من المتعبدين أو المتدينين درسوا الفلسفة والالهيات وتاريخ الأديان ونقدها وعلومها المقارنة، لكي يكونوا واعين وفاهمين ومسؤولين عن أنفسهم وقناعاتهم الدينية. هذا افتراض صعب. ولكن لو كان واقع الحال كذلك، لما بلغ الدين هذه المستويات المزرية، ولما تحول أتباع الدين إلى عكس الصورة الافتراضية لادعاءات نصوصهم الدينية، ولما امتلأ العالم بالشرور وحبّ الشهوات وصراع الأنانيات، وانحطاط القيم وسيادة الرياء والمراءين على كل صعيد. على المدافعين عن دياناتهم، إذا كانوا عقلانيين، أن ينتبهوا إلى نقاط النقد الموجهة للدين، للاستفادة منها في معالجة الأخطاء والانحرافات المتراكمة عبر التاريخ، كما افاد الفكر المسيحي الغربي من الانتقادات والدراسات العلمانية للدين. وسوف يشعر هؤلاء بالامتنان لنقادهم، لتنبيههم ومساعدتهم في تشخيص الأخطاء لتجاوزها، وليس للالتصاق بها والدفاع عنها واتهام النقاد والمخالفين والاساءة اليهم. من هنا تظهر القيمة المركزية للاختبار الديني. هذا الاختبار ليس امتحانا مدرسيا أو تمرينا رياضيا، ولكنه الحياة الحقيقية لتفاصيل الدين- العقيدة- الايمان- الشريعة، تطبيقا حقيقيا شاملا، وليس انتقائيا مزاجيا ابتداعيا. وعلى مدى نجاح المؤمن في اختباره الايماني وما يحصده من نتائج، يمكن اعتباره مندائيا- يهوديا- مجوسيا- بوذيا- هندوسيا- مسيحيا- مانويا- مسلما- شيعيا- بهائيا- ماركسيا، أم (لا)!. بدون معرفة التابع لدينه واختياره واختباره الشخصي، تبقى علاقته بدينه أو مذهبه محض ادعاء ورياء أو ارتزاق.. وهذا حال الأغلبية.. لذلك انقلبت المفاهيم والوقائع والبشر -اليوم- على رؤوسها. وبدل انتظار الخير والصلاح، صار المرء يتوجس من الشر والفساد، ليس بأيدي التجار والسياسيين والمجرمين، ولكن من جميع هؤلاء بضمنهم رجال الدين الدنيويين اللصوص وأتباعهم الذين وصفهم يسوع المسيح (بالمراءين والفريسيين) ووصفهم صدر الاسلام (بالمنافقين) و (يقولون ما لا يفعلون)، وفي وصايا المسيح (اسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم)*، إدانة لتنابلة الدين لو كانوا يفقهون!. * تمثل فكرة الاختبار الشخصي واحدة من ثمار الاصلاح البروتستانتي الراديكالي الألماني في القرن السادس عشر على يد ثلاثة من أبرز قادتها: اندرياس بودينشتاين فون كارلشتات (1477- 1541)، توماس مونتزر (1490- 1525) و ملكيور هوفمان (1495- 1543) الذين عارضوا الكاثوليك واللوثرية في مسائل العشاء الرباني والرتب الكهنوتية ومعمودية الأطفال [Anabaptists]. رفض معمودية الأطفال وعدم الاقرار بها، استند إلى التقليد الجاري عند الكاثوليك والأرثوذكس حيث يقوم الوالدان بتعميد المولود وهو طفل، لا يفهم ولا يعي ما يجري له، مما يتناقض مع النص الكتابي "من آمن واعتمد!"/ (مرقس 16: 16، أع 18: 8). فالايمان مسألة ذاتية واعية، تقتضي أن يكون المرء في مستوى من الفهم والادراك لتقرير الاعتماد على نفسه. أنه نوع من اتفاق أو معاهدة أو عهد بين المرء وربّه. وعندما كان يوحنا المعمدان يعمد في نهر الأردن، كان الذين يقدمون إليه أشخاصا بالغين، وكذلك كان يسوع حين اعتمد منه وهو في قرابة الثلاثين من العمر، وهي سن النضوج الروحي عند العبرانيين. وفي أثر هذه الحركة بدأ الناس يعتمدون وهم كبار، مقرين ببطلان معمودية الصغار، مما أثار سخط الكنيسة الكاثوليكية، "وكردّة فعل أصدرت سلطات مدينة زيورخ سنة (1525) قرارا يقضي بالتأكد من أن جميع الأطفال قد تعمّدوا"*. كما "أصدر مجلس مدينة زيورخ قرارا أصبح بموجبه تعميد الكبار جرما يعاقب عليه القانون، ولما استمر جماعة الأنابابتست في ممارستهم معمودية الكبار، ألقي القبض على الكثير منهم، وبينهم بعض القادة، ونفّذ فيهم حكم الاعدام غرقا".* وقد استمرت آثار حركة الانابابتست – تعني معمودية الكبار- وانتشرت في أوربا وانتقلت إلى جزر بريطانيا والولايات المتحدة، وهي اليوم جزء من العقيدة الانجيلية التي أخذت بأفكار حركة الاصلاح في كثير منها. ويذكر أن عملية المعمودية ليست مقصودة بذاتها، كمجرد عملية تغطيس في الماء، أو طقس لتأكيد الطهارة كما عند المندائيين، أو لاعلان التوبة عند العبرانيين، وانما لتأكيد الولادة الثانية/(يوحنا 3: 3-7)*. و(الولادة الثانية) بالاصطلاح اللاهوتي هي دالة تعهّد الشخص ببدء نهج حياة جديدة بحسب (كلمة المسيح) وعدم العودة لممارسات الحياة السابقة. وقد استخدم بولس الرسول اصطلاحي (الانسان العتيق) و(الانسان الجديد) للتمييز بين المرحلتين [الماقبل –و- المابعد]. ولارتباط العماد بالتغطيس في الماء جرى وصف التعميد المسيحي [بمعمودية الروح القدس]/ (لوقا 3: 16)*. فالحياة الجديدة بعد الولادة الثانية هي اختبار المرء لفعل الروح القدس في حياته اليومية. الاختبار صفة امتياز للانجيليين عن الكاثوليك والكنائس الطقسية. والمسيحي المختبر ليس مجرد مسيحي اسمي/ رسمي بحسب الوراثة والبيانات الرسمية. ولكن .. هل كلّ من يتعمد وهو بالغ، يختبر الولادة الثانية، أو يستطيع الاستمرار في المحافظة عليها؟.. * لقد وضع الاصلاح الراديكالي والأنابابتست المسيحية على محكّ الاختبار، لتمييز المسيحية الحقيقية عن المسيحية الاسمية المزيفة. ولكن.. كثيرين ما زالوا يتهربون من هذا الاختبار، بذرائع وادعاءات متعددة، وهم في واقع الأمر متخوفون من وضع ادعائهم (/انتسابهم) الديني على محكّ الاختبار. وهذا يشمل كلّ الأديان وأتباعها، عندها فقط سوف يتميز الصفيح المجوف من الوعاء الملآن. وعندها يتأكد دور الشخص في اختيار عقيدته واختبارها فعليا، وليس محض تقليد اجتماعي جامد!. ــــــــــــــــــــــــــــــــ • في دوائر المملكة المتحدة، أي استمارة رسمية تتضمن جدول التصنيف العرقي والديني، وعند عدم ملئها يتم مراوغة الفرد عبر سؤاله عن البلد المولود فيه، وحين يكون الشخص مولودا في بلد أوربي يتم سؤاله عن مسقط رأس والديه ومنه يتم تأشير قوميته وديانته!.. • "افعلوا كلّ ما يقولونه لكم واعملوا به، ولكن لا تعملوا مثل أعمالهم، لأنهم يقولون ولا يفعلون. يحزمون أحمالا ثقيلة شاقة الحمل، ويقونها على أكتاف الناس، ولكنهم لا يحرّكون اصبعا يعينهم على حملها. وهم لا يعملون عملا إلا ليشاهدهم الناس: يجعلون عصائبهم عريضة على جباههم وسواعدهم، ويطوّلون أطراف ثيابهم، ويحبّون مقاعد الشرف في الولائم ومكان الصدارة في المجامع، والتحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس: يا معلم. أما أنتم فلا تسمحوا بأن يدعوكم أحد: يا معلم. لأنكم كلّكم إخوة، ولكم معلم واحد. ولا تدعو أحدا على الأرض يا أبانا، لأنّ لكم أبا واحدا هو الأب السماويّ. ولا تسمحوا بأن يدعوكم أحد: يا سيد!، لأنّ لكم سيّدا واحدا هو الربّ. وليكن أكبركم خادما لكم. فمن يرفع نفسه ينخفض، ومن يخفض نفسه، يرتفع!"/ (متى 23: 3- 12). • د. عيسى دياب- مدخل إلى تاريخ الكنائس الانجيلية ولاهوتها- دار منهل الحياة/ بيروت- 2009. • ن. م. – ص 94 • "الحقّ أقول لك، ما من أحد يمكنه أن يرى ملكوت السموات إلا إذا ولد ثانية. فقال نيقوديموس: كيف يولد الانسان وهو كبير في السن، أيقدر أن يدخل بطن امه ثانية ثم يولد؟. أجابه يسوع: الحقّ أقول لك، ما من أحد يمكنه أن يدخل الملكوت إلا إذا ولد من الماء والروح، لأنّ مولود الجسد جسد هو، ومولود الروح هو روح. لا تتعجب من قولي لك: يجب أن تولدوا ثانية!". /(يوحنا 3: 3-7). • "أنا أعمّدكم بالماء، ويجيء الآن من هو أقوى مني،.. فيعمّدكم بالروح القدس والنار."/ (لوقا 3: 16). • د. سامي فوزي- المسيحية المزيفة- نشر خاص/ 2011.. [ان المسيحية المنتشرة في كنائسنا والمسيطرة عليها هي مسيحية مزيفة، وهي خليط من عمل الشيطان وفساد الانسان. ومعظم مرتادي الكنائس هم مسيحيون مزيفون ويورثون للاجيال القادمة نوع مسيحيتهم]/ ص7
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين.. والاختيار
-
الدين.. والاختلاف
-
الدين.. والتجارة..
-
الدين.. والتبعية!..
-
الدين.. والسيطرة*!
-
الدين.. والطبيعة
-
اللغة والزمن..
-
فيزياء الروح وروح الفيزياء
-
يسألونك عن الروح..
-
المفهوم المادي لسرعة الزمن..
-
الدين.. وعبادة الموتى
-
مصطفى سعيد الآن!..
-
الدين.. وتغليف فكرة اللا جدوى بالشوكولاته
-
هل الدولة شرّ؟!!
-
عمال بلا عيد
-
الدين.. والحرية
-
الدين والسياسة
-
الناس بين الإله وموظفيه!
-
علم الأديان المقارَن.. والدرس الديني
-
الدين والعقل
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|