أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - العدل الإلهي















المزيد.....

العدل الإلهي


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 3774 - 2012 / 6 / 30 - 17:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن من جملة البشارات التي جاءت في الكتب المقدسة السابقة عن الموعود المنتظر في آخر الزمان هو أن العالم بظهوره سوف يسوده العدل ،فكما قال أشعياء النبي "فيقضي بين الامم و ينصف لشعوب كثيرين." أشعيا 2: 4
وكذلك: "بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ." (اشعيا 11: 4) وأيضاً: "قولوا لخائفي القلوب : تشددوا لا تخافوا هوذا إلهكم الانتقام يأتي جزاء الله، هو يأتي ويخلصكم." (اشعيا 35: 4)
يجب أن يكون ظهور حضرة الباب ومن ثم ظهور حضرة بهاءالله مؤسسيْ الدين الجديد وموعوديْ جميع الأديان السابقة بلا شك ممهِّداً ومشيِّداً للطريق إلى ظهور العدل الإلهي. وفي الواقع لقد شُرِع في تحقق العدالة كعملية مستمرة تزامناً مع الظهورين المذكورين سابقاً وفي ميادين مختلفة من الحياة البشرية من سياسية واقتصادية وفي نطاق الحياة الاجتماعية والأمور الحقوقية والأخلاقية.

لقد بيَّن حضرة بهاءالله بأن الهدف الآخر لظهوره غير وحدة العالم الإنساني هو إرساء العدالة والإنصاف على بسيط الغبراء. وبالطبع باستقرار العدل سوف يتحقق الصلح والوحدة في العالم الإنساني.

هذان البيانان المباركان هما نموذجان لما ذُكِرَ مسبقاً :
"اَن ارتقبوا يا قوم أيّام العدل و إنّها قد أتت بالحقّ إيّاکم أن تحتجبوا منها و تکونُنّ من الغافلين "(كتاب ظهور عدل الهى مترجم ، ص 59)
"إن سراج العباد هو العدالة فلا تخمدوه بأرياح الظلم و الاعتساف المخالفة والمقصود من ذلك هو ظهور الاتّحاد بين العباد " مترجَم (المصدر السابق ص 58)

من الواضح أنه لايمكن تحقيق الاتحاد والصلح في عالم يحكمه الظلم والتعدي على حقوق البشر. وإذا لم تكن القوانين الدولية حاكمة على الروابط بين الدول وإن لم يحترم أهل العالم حرمة هذه القوانين فلا يمكن أن يتحقق الاتحاد.
يتفضل حضرة عبدالبهاء في تأييده بأن حضرة بهاءالله قد وضع وأقام أساس العدالة بقوله الكريم :"الحمدلله لقد طلعت شمس العدالة من أفق بهاءالله وقد وُضِع أساس عدلٍ في ألواح بهاءالله بصورة لم يخطر ببال أحد من أول الإبداع إلى الآن." (مترجَم - المصدر السابق ص 59)

إن قضية العدل وخاصةً العدل الإلهي كان مطروحاً منذ القدم فهو مثلاً من الأوامر الإلهية في الدين الإسلامي. كما يمكن القول بأن قضية العدالة من الرؤية الأخلاقية كانت موجودةً في آثار فلسفة اليونان وبخاصة أرسطو وفيه قد فُصِلَ بين العدالة التصحيحية أي المجازات والمكافات والعدالة التوزيعية أي إعطاء كل ذي حق حقه. ويضع أفلاطون أستاذ أرسطو العدالة على رأس الفضائل الأربعة والتي منها الشجاعة والعفة والحكمة، وقد تجلت العدالة في آثار هؤلاء الفلاسفة وخاصة أرسطو وذلك في إدارة الأمور وسياسة الدولة وقد ذُكِرَ فيها متى يجب إجراء أصل المساواة ـــ فمثلاً يجب تطبيق المساواة في أمر القانون أي يجب أن يكون الجميع متساوياً أمامه ــ ويجب أن تكون العدالة بالتناسب لا بالتساوي، وذلك في دفع الأجور ومنح المناصب والجوائز للأفراد أي أن يكون متناسباً مع استحقاقهم وأدائهم.

من بدائع ظهور حضرة بهاءالله أنها تدعو للعدالة بمعناها الجامع وفي جميع أمور الحياة، أي أن الآثار البهائية تحث على إجراء العدالة في الحياة الاجتماعية بإلغاء الرق والعبودية لكي يتمتع الجميع بالحقوق الاجتماعية مثل التربية والتعليم والصحة والتأمين والمسكن وأمثال ذلك، وتأمر تلك التعاليم بانتشار العدل في عالم السياسة، عن طريق تطبيق الديموقراطية والحكومة البرلمانية ومكافحة الفساد والنظر في الجرائم ومخالفات الأقوياء والحكام ووجوب إجراء مفاوضات الصلح بين الدول وتحريم الحروب والعنف واستقرار محكمة العدل الكبرى وكذلك تدعو الآثار البهائية إلى تعديل المعيشة أي إلغاء الفقر المدقع والثروة المفرطة في مجال الاقتصاد وتأمر بوجوب تأمين الحد الأدنى للمعيشة للجميع وأخيراً تطالب بإجراء العدالة في عالم القانون والتشريع، والتقيد بأصول عدم الانحياز، ومراعاة مصالح كل طبقات الناس وتبديل العقوبات والمجازات البدنية بإعادة بناء شخصية المجرم وبالإضافة إلى كل ذلك تطبيق العدل والعدالة في الروابط بين الأفراد والعائلة وفي الروابط والمناسبات بين الفرد والجامعة، وكذلك قبول العدل والإنصاف كفضيلة أخلاقية أي المحايدة والسعي في البحث عن الحقيقة والاعتدال والعدالة في القضاء، وقد وصَّتْ بكل ذلك الآثار البهائية بشكل قوي.

لقد حاز العدل والعدالة في الدين البهائي على جُلِّ اهتمام حضرة بهاءالله بحيث تفضل بما مضمونه: " لا يتعادل أي إشراق بنور العدل. إنه سبب نظم العالم وراحة الأمم." مترجَم (المصدر السابق ص 58 )

"عما قريب سوف يأتي اليوم الذي يُشاهِد فيه المؤمنون شمس العدالة في أشد الإشراق من مطلع الجلال." وكذلك تفضل بقوله العظيم: "إعلم وأيقن بأن الابتلاء بهذه المظالم العظيمة تمهِّد لظهور العدالة الإلهية." (مترجَم -المصدر السابق ص 59 , ص 58)

لم يبقَ فكرة حلول يوم العدل الإلهي ــــ وتقديم التعاليم والنُظُم التي ترسِّخ أركان العدل في العالم وكذلك البشارة بسطوع شمس العدالة على بسيط الغبراء بعد مضي دورة من ظلمة الاستبداد ــــ في نطاق تفكير وخيال مؤسس هذا الظهور العظيم فحسب بل ارتدى حلة التنفيذ تدريجياً في كل أنحاء العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر حين أشرق ظهور حضرة بهاءالله وكما جاء في بيان حضرته: "إذا انقشع سحاب الظلم عن شمس العدالة سيُشاهَد الأرض غير هذه الأرض." مترجَم مضمون البيان المبارك
أي أن العالم سوف يصبح عالماً آخر وسوف تستقر المدينة الإلهية على الكرة الأرضية.
فمنذ منتصف القرن التاسع عشر نشهد سقوط الحكومات الاستبداية واحدة تلو الأخرى ممهداً الطريق للديموقراطية في عدد متزايد من الدول ومن حوالى مائتي دولة في العالم نجد بأن مائة وأربعون دولة لها نظام انتخابي مع تنوع في الأحزاب.
على الرغم من أن الاستعمار بلغ ذروة أهميته واتساعه في منتصف القرن التاسع عشر مقارناً لظهور حضرة بهاءالله، لكنه انتهى بحلول منتصف القرن العشرين وإضافة إلى حرية الدول المستعمَرة، وُضِعَت قوانين دولية تحُد من هجوم أي دولة على أخرى.

التحول الثاني المهم والذي أعطى بشارة سير العالم نحو استقرار العدالة هو البدء في النظر في الجرائم ضد الإنسانية والمجازات الدنيوية للحكام الذين ارتكبوا جرائم وجنايات ضد قوم أو ملة أو ضد الإنسانية ومنها إصدار حكم على أولئك الذين قاموا بإصدار أحكام القتل الجماعي وإسقاط جماعة أقلية عرقية مظلومة أو جماعة أقلية دينية أو ثقافية. وقد بدأت هذه العملية منذ تأسيس المحكمة في نورنبرج عام 1945- 1946م وقد استمرت حتى تأسيس محكمة جنائية دولية حيث بدأ العمل في هذا المضمار من عام 2002م بما في ذلك النظر في جرائم وجنايات القادة السابقين ليوغوسلافيا وأمثالهم.

كل ما سبق ذكره هو مصداق لبيانات حضرة بهاءالله المذكورة في الكلمات المكنونة :
"يا ظَلَمَة الأرض كفّوا أيديكم عن الظّلم لأني قد أقسمت ألا أتجاوز عن ظلم أحد، وهذا عهد حتمته في اللوح المحفوظ وختمته بخاتم العزّة."

الشاهد الثالث لتطور العالم حسب نبوءات حضرة بهاءالله هو استقرار عملية حكومة القانون في دول متعددة وقانون لزوم احترام الحقوق والحرية الأساسية للبشر وقد أعقبه قبول وموافقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1946( رغم أن بعض الدول نادراً ما كانت تمتنع على الموافقة عليه) كل ذلك يُبَشِّر بأن قسماً كبيراً من الأفراد في العالم ستظل مصونة ومحفوظة من الجور والظلم.

إن حضرة بهاءالله أكَّدَ صريحاً في آثاره بضرورة إقامة حكومة القانون وقد تفضل في لوح الدنيا أي قبل 15 سنة من تأسيس الدستورية في إيران بقوله الجليل:
"أَنْصِتُوا إِلَى مَا يَكُونُ الإِصْغَآءُ إِلَيْهِ سَبَبَاً لِتَحَرُّرِ الْجَمِيعِ وَاطْمِئْنَانِهِمْ وَرَاحَتِهِمْ وَعُلُوِّهِمْ وَسُمُوِّهِمْ. وَقَدْ بَاتَ وُجُودُ قَانُونٍ وَأُصُولٍ لإِيرَانَ ضَرُورِيَّاً."

ثم يُصرِّح حضرته بأنه يجب على واضعي القوانين أن يجتمعوا وبتأييد من المقامات العالية الحكومية "يَتَمَسَّكُونَ بِحَبْلِ الْمَشُورَةِ وَيُقِرُّونَ مَا هُوَ السَّبَبُ فِي أَمْنِ الْعِبَادِ وَنِعْمَتِهِمْ وَثَرْوَتِهِمْ وَاطْمِئْنَانِهِمْ. وَيُنَفِذُّونَ مَا يُقِرُّونَهُ." (مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله بعد الكتاب الأقدس, ص 109, 110)
وهذه دلالة مؤكدة بإشارة حضرته إلى مجلس الشورى المقننة التي تأسست في إيران عام 1906م وبعد عدة سنوات من تأسيس الحكومة الدستورية.

رابعاً ــ التطور المهم الآخر الذي حصل في العالم بعد ظهور حضرة بهاءالله والذي يدل دلالة واضحة على تحقق ما كان يتطلع إليه حضرته هو الدور المهم الذي اتخذته الأفكار العمومية والصحافة ووسائل الاتصالات في مكافحة الفساد وانتهاك الحقوق من قبل أصحاب السلطة الفاقدين لأصول الأخلاق. إلى الآن أُقيمت عدة مؤتمرات عالمية لمكافحة الفساد الإداري والتجاري وقد طُرِحت عدة تدابير وطرق علاج على مستوى واسع ومن الضروري أن تكون لها انعكاسات في القوانين الوطنية والدولية.
خامساً ــ إن أعظم الصور لعدم العدالة هو ما يمكن ملاحظته في توزيع الثروة، وللأسف التقدم في حل هذه المشكلة الكبيرة كان بطيئاً جداً وعلى الرغم من أنه نشأت حركات تطالب بتعديل المعيشة والعدالة في توزيع الثروة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ورغم التأثير الواسع الذي تركته صوراً من القومية على العالم نرى بأنه مازال الملايين من الناس يعانون الفقر المدقع والجوع والحرمان من الحد الأدنى لمستوى المعيشة لحياة الإنسان. وحين نرى بأن الناس في جميع أنحاء العالم قد وصلوا إلى حقيقة أن الله لم يحكم على أحدٍ أن يكون محتاجاً وإنما الفقر هو حصيلة نظام إجتماعي اقتصادي غير عادل ـــ لهو دليل على تطور ملحوظ.
لقد جعلت الآثار البهائية القضاء على الفقر وإقامة العدالة لمعيشة جميع الناس دستوراً لها وبذلك نستطيع أن نأمل بأنه في المستقبل وبفضل هذه التعاليم البهائية يمكن للنسل الآتي في العالم أن يحظى بعدالة أكثر.

وهذا البيان المبارك من حضرة بهاءالله في الكلمات المكنونة لجدير بالتأمل في هذا المقام بأن :"يا أغنياء الأرض- الفقراء أمانتي بينكم، إذاً فاحفظوا أمانتي كما ينبغي ولا تنصرفوا تماماً إلى راحة أنفسكم."

من أمثلة الطرق والوسائل لتوزيع الثروة بصورة أكثر عدلاً هو تعميم التعليم، ولحسن الحظ يمكن أن يُقال بأنه قد بدأ بتطبيقه في كل دول العالم ولو أنه لم تزل هذه التدابير لا تشمل عموم الأطفال والمراهقين وكبار السن.
إن توفير برامج التأمين الصحي في أكثر دول العالم قد وُضِعَ ليشمل الجميع إما على مستوى محدود أو على مستوى واسع فهناك كثير من الدول تهتم بتلقيح الأطفال ضد الأمراض وقد أُخِذ القيام بذلك مأخذ الجد.
لا توجد دولة لا ترغب بتأمين فرص العمل للمواطنين المؤهَلين المتقدمين بطلب وظيفة، رغم أننا نعلم بأن كثيراً من الدول الراقية في العالم به 6 إلى 10% أو أكثر من المسنين محرومون من العمل ولكن فكرة تعميم العمل لم يذهب بعيداً عن عيون أولياء الأمور وهذه بحد ذاتها حركة نحو تحقق العدالة.
ولأن الكلام عن مكافحة الفقر يعتبر إحدى الوجوه الأساسية لرفع الظلم في العالم، فمن الضروري التنويه بأنه في بداية هذا القرن الجديد تعهد رؤساء الدول في الأمم المتحدة بإيجاد تدابير والإقدام على أمور يقللوا بموجبها من الفقر المطلق إلى النصف بحلول عام 2015م حيث أن المعيار الفعلي حالياً لدخل الفرد دولار واحد يومياً. وهناك إحصائية من نفس الهيئة تبيِّن بأن الفقر النسبي أي أن يكون حصة الفرد 2 دولار يومياً قد أصبح حالياً نصيب نصف عدد سكان الكرة الأرضية الذي يبلغ 5 إلى 6 مليار نسمة.
رغم ما تبيِّنُه الشواهد من الالتزامات العسكرية للدول النامية منذ عام 2001 وكذلك المشاكل الإقتصادية الكبيرة التي تشهدها بعض الدول المتقدمة يجعل تحقق هدف التقليل من الفقر المطلق، أي وصول عدد الذين يبلغ دخلهم اليومي دولاراً واحداً إلى النصف أمراً صعباً إلا أن الاجراءات والطرق المتعددة المتخذة في سبيل القضاء على الفقر في أكثر مناطق العالم, تبشِّر بتحقق إرادة حضرة بهاءالله على بسيط الغبراء.
ومن جملة ما نلاحظه في النهضة الحالية هي إعطاء بعض الحقوق للمزارعين والحِرَفيين، وقيام بعض المؤسسات المانحة للقروض بإعفاء بعض الدول الفقيرة من قروضها، واهتمام بعض المؤسسات الدولية غير الحكومية، كالجامعة الدولية البهائية في تنمية الانتاج والعمران في الدول الفقيرة مثل بعض دول أفريقيا، وأمريكا اللاتينية وغيرها من الدول، ومبادرات في توزيع الغذاء بين الفقراء في بعض المناطق وتأمين المسكن في الأشهر الباردة من فصل الشتاء وظهور المروءة والتعاون الدولي بعد الزلازل والكوارث التي حدثت في جنوب وجنوب شرق آسيا، كل تلك المبادرات والمساعي تبشِّر بأن ما تفضل به حضرة بهاءالله ببيان صريح في بعض فقرات للكلمات المكنونة سوف يتحقق تدريجياً :
" يا أبناء التّراب خبّروا الأغنياء بأنين الفقراء في الأسحار لئلا يهلكوا من غفلتهم ويحرموا من سدرة الإقبال."

لقد بيَّن المحقق الإمريكي المعروف جاك هادلستون في كتابه "البحث عن العدالة الإجتماعية" وقد طُبِع في أستراليا كيف أن التحولات في العالم من أجل إقامة العدالة الإجتماعية قد بدأ بظهور حضرة بهاءالله أي في حدود منتصف القرن التاسع عشر وقد أخذ في التوسع والتطور، ومن جملة التحولات إلغاء بعض الأنظمة مثل الرق والسلطة الاستبدادية وإقامة الديموقراطية في عدد متزايد من الدول وأدى ذلك إلى استقرار حكومة القانون بدلاً من الأحكام الاستبدادية ، وإلى حرية المرأة والسير نحو تساوي حقوق الجنسين وإلى تأسيس الجمعيات التعاونية ومشاركة العمال في الأرباح وتأسيس الحركات النقابية والاهتمام بتأمين العمل وتوفير الدخل للجميع والسعي في تأمين الصحة لعموم الناس وتحسين شروط العمل وتعميم التربية والتعليم ومحو الأمية.
إن الحروب بحد ذاتها هي إحدى صور الظلم الإجتماعي، وكما أشرنا سابقاً إن اهتمام حضرة بهاءالله باستقرار العدل والعدالة هو بمعناه العالمي والفردي على حد سواء أي من الرؤية الأخلاقية، وهنا نلاحظ كيف أن تعاليم هذا الظهور لها شمولية استثنائية، ومن جملة ذلك تطبيق الإنسان العدل والإنصاف على نفسه وفي معاملاته مع الناس وفي عائلته وعلى كل ما يتعلق بقبول الحقيقة التي تتطلب العدل والإنصاف. يتفضل حضرة بهاءالله عن مراعاة الفرد للعدل والإنصاف تجاه نفسه وتجاه الآخرين بقوله العظيم:

" إن اعدلوا على أنفسكم ثم على الناس ليظهر آثار العدل من أفعالكم بين عبادنا المخلصين."
فالإنسان الذي يسلِّم نفسه للإدمان ويضر بسلامته فهو في الحقيقة قد ظلم نفسه، والذي يُعطِّل القوى الخلاقة والمهارات الكامنة فيه، قد ظلم نفسه أيضاً. لقد حذَّرت الآثار المباركة من الظلم تجاه الزوج أو الزوجة والظلم على الأولاد والأب والأم وبقية أفراد الأسرة. وقد حذَّرت أيضاً الفرد من التقصير في الاحترام تجاه بقية أبناء جنسه من الصغير والكبير والعالى والدانى ويعتبر هذا نوع من أنواع عدم العدالة. وكم هو خطير وكبير الظلم الذي يلحقه الفرد بنفسه ومجتمعه حين ينكر الحقيقة، والمثال البارز على ذلك معاملة آلاف المؤلفة من النفوس الذين ليس لديهم أدنى خبر أو معلومات موثَّقة عن مكتب فكري أو ديانة روحانية ويقومون وبدون تحقيق بتضعيفه وتحقيره واظهار خطئه.
وكم يطابق ما تفضل به حضرة بهاءالله فيما سبق ذكره: " أول الإنسانية هو الإنصاف وجميع الأمور منوطة به.... أن إنصفوا يا أولى الألباب ... من لا إنصاف له لا إنسانية له."

تؤكد الآثار البهائية تأكيداً خاصاً على لزوم تحقيق العدالة حتى في تفكير الإنسان وحكمه على الأمور وتصرفاته وتذهب إلى أبعد من ذلك فتُرجِّح البذل على العدل في ارتباطه مع بقية الأفراد وتوصي الفرد بالمعاملة بالحب والوفاء بدلاً من المعاملة بالمثل لمن يعامله بالجفاء وكما تفضل حضرة عبدالبهاء:
" اليوم الشخص المقرّب للعتبة الإلهية هو من يعطي كأس الوفاء لأهل الجفاء ويهب العطاء للأعداء، ويعين كل مظلوم ويجعل كل خصم لدود صديق ودود. هذه هي وصايا الجمال المبارك، وهذه نصائح الإسم الأعظم."
إن الكتب المقدسة السابقة في تناولها موضوع الآخرة غالباً ما تتحدث عن الحساب والميزان. هذا الحساب ليس فقط للأفراد والجامعات بل تتضمن العقائد البشرية وسلوكها.
وفي الحقيقة إذا نظرنا ببصيرة عميقة فإننا نلاحظ بأن العالم الآن يشهد مرحلة وقعت فيها جميع العقائد والمكاتب الفكرية في بوتقة الامتحان والتقييم أو أنها ستقع، حتى تستطيع البشرية بعد التقييم أن ترى طريقها نحو الجامعة المطلوبة لكي لا تذهب إلى طريق غير سوي. إن العدل والعقل يقتضي أن نكون حريصين ويقظين تجاه العقائد والمكاتب الفكرية وكذلك أن نتحلى بالإنصاف والميل لتحري الحقيقة لكل ما يُعرَض علينا اليوم. وأن نطرح هذا السؤال على أذهاننا :
أليست المصائب والبليات التي أحاطت البشرية اليوم هي نوع من المجازات الإلهية للبشرية الذي أدار ظهره لرسالة حضرة بهاءالله المنقِذة للإنسانية. في الحقيقة هي مجازات يتجلى في طياتها العدل الإلهي؟

لقد جاء في بيان لحضرة بهاءالله : "لا تحزن من ظلم الظالمين، إن الله عز وجل قائم في الكمين. ليُرجِع الجميع إلى النيران. إنه على كل شيء قدير. "
حقاً إن اليوم هو يوم العدل الإلهي، فكم من العقائد مثل العنصرية والنازية والفاشية والشيوعية وغيرها من العقائد قد خرجت من بوتقة الإمتحان والحساب والميزان وتلوَّث وجهها بالسواد وكم من العقائد الأخرى مثل الليبرالية التي ليس فيها أي قيود أوالتزام أخلاقي والرأسمالية وتلك التي تنادي بالسعي وراء ملذات الحياة والمنفعة الذاتية ونظائرها ــــ تقع اليوم تحت الامتحان والحساب وسوف تُبيِّن الأيام في المستقبل إن كانت قد ضمنت السعادة الحقيقية للبشر.



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسراء والمعراج من منطلق العقيدة البهائية
- السلام يا أهل الأديان
- إنقاذ العالم بالعرض الإلهي لا بالنهج السياسي
- الوحدة البشرية هى حجر الزاوية في النظم البديع لحضرة بهاءالله ...
- الخدمة والتضحية من أجل وحدة العالم الإنساني
- البعد الروحاني للوحدة الإنسانية من منظور روحاني
- الوحدة والتكامُل الإنساني
- تأملاتنا الروحانية
- نبذ التعصبات الجاهلية
- عصر ذهبي تنتظره الإنسانية
- غروب وشروق
- المساواة بين المرأة والرجل
- الاتحاد في المجتمع
- بعضٍ من الحقائق الأساسية عن البهائية ومبادئها تَدَارُكًا لما ...
- بعض من الحقائق الأساسية عن البهائية ومبادئها تَدَارُكًا لما ...
- مصيرُ وقَدَرُ العالمِ الإنساني
- الجامعةُ المتحدةُ للعالم الإنساني2-2
- الجامعةُ المتحدةُ للعالم الإنساني1-2
- نداء لأهل العالم- وحدةُ العالمِ الإنساني3-3
- نداء لأهل العالم- وحدةُ العالمِ الإنساني2-3


المزيد.....




- مرشح جمهوري يهودي: على رشيدة طليب وإلهان عمر التفكير بمغادر ...
- الولائي يهنئ بانتصار لبنان والمقاومة الاسلامية على العدو الا ...
- شيخ الأزهر يوجه رسالة حول الدراما الغربية و-الغزو الفكري-
- هل انتهى دور المؤسسات الدينية الرسمية؟
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ال ...
- الكشف عن خفايا واقعة مقتل الحاخام اليهودي في الإمارات
- الجهاد الاسلامي:الاتفاق أحبط مسعى ايجاد شرق اوسط حسب اوهام ا ...
- الجهاد الاسلامي:نؤكد على وحدة الدماء وصلابة الارادة التي تجم ...
- الجهاد الاسلامي:نثمن البطولات التي قدمتها المقاومة بلبنان اس ...
- الجهاد الاسلامي:اتفاق وقف اطلاق النار انجاز مهم يكسر مسار عن ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - العدل الإلهي