|
الشاعر طالب عبدالعزيز يعلن برائته من البصرة، ويسخر من شطها الجميل!
رزاق عبود
الحوار المتمدن-العدد: 3772 - 2012 / 6 / 28 - 09:00
المحور:
المجتمع المدني
نشر الشاعر البصري طالب عبدالعزيز موضوعا في موقع "الاسبوعية" بتاريخ 17/6/2012 مقالا بعنوان: "البصرة مدينة في الخيال فقط" يصفها بانها "خربة من خرابات الدنيا"! ما كان ليخطر في بالي يوما انني ساضطر للدفاع عن البصرة بوجه احد ابنائها. بصرة الشعراء، والبساتين. بصرة النضال، والاضرابات، والمظاهرات. مدينة المربد، وشعرائه. المعقل، وعماله، وفنانيه، ورياضيه.الزبير، والحسن البصري، والبريكان. ابو الخصيب، والسياب، وسعدي يوسف، والشجر، والنخل، والثمر، واثار ثورة الزنج. القرنه، وملتقي النهرين، وجنة عدن، ادم، وحواء، وثورة العشرين. الجمهورية، وفيصل لعيبي، وابو سرحان، ودرابين(لاينات) الفقر، والنضال. البصرة القديمة، وعبدالكريم گاصد، ومهدي محمد علي، والصگر.الرباط، وفؤاد سالم، والمقامات البصرية، والمسرح، والابريت، والرقص الفلكلوري.العشار، والنهر، وبلم عشاري، ومقهى "الدكة"! مقهى طالب المفضل، وقبلة الخليج. ام البروم، وحيويتها، ونشاطها، وساحتها التي لاتنام. جزيرة السندباد، وميناء السفن العملاقة، الابلام، والابوام. ملايين النخيل، والتمر، والطيور، والخلق الاصيل. مدينة النفظ، الذي يعيش منه العراق. مدينة التجارة، والغيارى، التي لا يضيع فيها، ولا يجوع غريب! لوكان شاعرنا انتقد الخراب، والدمار، الاهمال، والتمييز المتعمد، النهب، السرقة، تشويه معالم المدينة، هدم اثارها، وسرقة كنوزها، قطع رؤوس نخيلها. تجفيف انهرها، وحرق بساتينها، اهمال متنزهاتها، غلق نواديها، تشريد اهلها، محاربة الفكر النير، والغناء، والموسيقى، والجمال. كنا اتفقنا معه، وايدناه، وسبق ان كتب الكثيرون عن ذلك. لكنها "المكان" ايها الشاعر، المكان الذي جعل همنغواي يتمسك بهافانا، ويهجر نيويورك(كانت البصرة هافانا الشرق لفترة طويلة جدا) ولا اقصد ملاهيها، بل حياتها الثقافية، والفنية، التي كانت، ولا زالت تقدم الجديد، والمتميز، والاصيل في كل مجالات الابداع. شط العرب الذي تهزأ منه تكفيه مراكبه الصغيرة، و"كسلته"، التي جمعت الوف الناس في عرس حضاري اممي يوم نوروز على انغام الخشابة، و"فيفرة" تومان. المكان، الذي كتب عنه، وله السياب اجمل قصائده، وغنى المغنون اجمل اغانيهم. المكان، الذي ابكى سعدي يوسف في مربده الاول. المكان، الذي غنى له، وعنه فؤاد سالم بحرقة، ولا زال يحنو، ويهفو اليه. تقارن البصرة بروما.هناك، درس، وعاش، وتزوج جواد سليم، لكنه عاد الى "مكانه" ليبدع فيه، ومن وحيه، اجمل نصب فني في تاريخ العراق الحديث. اختصر(لم يختزل) التاريخ كله في لافتة النضال الاسطوري لشعب العراق. بابلو نيرودا السفير في فرنسا كتب فيها اجمل قصائده عن سانتياغو. اشهر لوحات بيكاسو كانت عن قراه، ومدنه الاسبانية الصغيره رغم عيشه في فرنسا. لا اريد ان اطيل، او اكرر الامثلة فانت كشاعر اعرف مني بهذه الامور، والامثلة، والنماذج. مثقفوا العراق تتوزعهم، اليوم، عواصم، واجمل مدن اوربا، وامريكا، واستراليا، ونيوزيلندا، وكندا، وحتى مدن الشرق بكل اقاصيه. لكن هل اختفت النخلة من لوحاتهم؟ هل غاب النهرين عن نتاجاتهم؟ يحنون لخبزة التنور، ومسگوف "دجلة الخير" رغم توفره في كل مكان. انه "المكان"، وارتباط الذاكرة فيه، والنوستالجيا، ليست عيبا، فقد ابدع الكثيرون بفضلها. روما، لاشك في ذلك، مدينة جميلة يحبها، ويعشقها، ويزورها كل الاوربيين، لكن افقر قرية في البانيا (الالبان كثر في ايطاليا) يعتبرها اهلها، اجمل من، كل ايطاليا. في كثير من مدن ايطاليا اصبحت معروفة عالميا مشكلة النفايات، وتكدس الازبال بسبب، سيطرة "المافيا" على التعامل معها. فهل تريدنا ان نقول ان ايطاليا، او روما بلد، اكوام النفايات، والاوساخ؟! في السويد يتندر البعض: "اذا لم تتعرض للنشل في حياتك، فسافر الى روما". هل تريدنا ان نعمم هذا الوصف فنقول اهل روما كلهم نشالين. فكيف لشاعرنا المرهف ان يكتب: " وبصراحة اقول انا ومنذ اول زيارة لي لاوربا "روما" تحديدا تركت الكتابة عن البصرة او التغني بتاريخها حتى"؟! شط العرب، بساتين ابي الخصيب، نهر الخورة، جزيرة السندباد، مرابع الزبير، جامعة البصرة ستبقى في ذاكرة الكثيرين من اجمل الاماكن في العالم. شط العرب يضم في احشائه سموم الحروب الفاشية، واكداس السفن الغارقة، وبقايا الشهداء، من جنود، ومناضلين، وفلاحين، وسفانة، وصيادين. هذا لايحوله في نطرنا الى "سعلوة" تلتهم البشر. بل العكس، يمكن ان نقدم خدمة، فنقوم بحملة عالمية لاجبار الجهات المختصة على انقاذه، تنظيفه، واعادة عافيته كاملة. منظمات البيئة الدولية اشارت في تقاريرها، وافلامها، ان ثلاثة ارباع نفايات العالم، وسمومها تحتضنها محيطات، وبحار العالم. ومنها شواطئ ايطاليا. فهل نحكم على هذه المساحات المائية الهائلة كلها بانها متخلفة، قذرة، عفنة كما وصفت شط العرب. حمل المجرم المسبب، المسؤولية عن هذه الفاجعة ايها الصديق، لا الضحية. القتلة لا المقتول. فشط العرب، وشوارع البصرة، وطبيعتها، وكل معالمها المهملة، ضحايا، ولا يمكنها ان تنطق مطالبة بانصافها. لايمكن ان نتهم الفقراء بالجوع. دون ان تعرف، دون ان تدري، وبالتاكيد، لم يكن هذا قصدك ابدا، خدشت مشاعر الملايين، وطعنت الذاكرة، وصورها الجميلة بالصميم. كتب لي مرة احدهم من الرمادي عن موضوع كتبته عن البصرة: "اذا لم يكن في البصرة غير النخيل، والسياب فهاذ يكفيها". يحضرني، يوم صيف جميل في ستوكهولم، كنا مجموعة اصدقاء، في جولة في سيارة، بعد حضور معرض فني، وتحت تاثير الطقس الجميل، والمناظر الخلابة، لواحدة من اجمل مدن العالم قلت مازحا مشاكسا: "لو كان السياب هنا، بدل الكويت لما صرخ ياعراق، ياعراق"! اركن صاحبنا السيارة جانبا،اوقف المحرك. وهو ليس من البصرة، والتفت الي غاضبا: "السياب كان في لندن، وعاد الى العراق، اذا كنت تعتقد ان ستوكهولم اجمل من البصرة ارجو ان تتركنا لوحدنا في السيارة، ودعنا "نستحضر" بجمال ستوكهولم جمال مدننا"! انتبه الى ضحك الجميع بخبث. فهم المقلب، وعقب، كمن يتحدى معارضيه: "حسبالي"! اظنك، يا صديقي، قرات ماكتبه، وقاله الراحل الفلسطيني توفيق زياد عن الارض، والوطن، والمكان. كل البلاد جميلة، لكن بلادي اجمل. البدوي يعشق صحرائه. وسكان الغابات لا يستطيعون التنفس خارجها. جزر صغيرة معزولة لا يغادرها اهلها. البصرة غزاها الفرس، والاسكندر، وموجات البدو، والمغول، والاتراك، والبرتغاليين، والانكليز، والاوباش، والظلاميين. البصرة مثل القمر يبدو هلالا ضعيفا مسكينا ثم ينمو، يتسع، يتحول بدرا كاملا منورا. قد تحجبه الغيوم لحظات، لكنه يبزغ من جديد فلا تغرنك العواصف، والرمال، وغبار الراحلين. ستكنسها رياح التغيير، والتجديد، وسنة الحياة المتطورة ابدا نحو الاحسن. قد تبهر عيوننا اضوية المدن الغربية، لكنها تخفي ورائها فسقا، وفسادا، وزيفا كثيرا. لا يحجب تعلقنا بمرابع نشأتنا، فهذه سنة بشرية. الانبهار الذي سماه شمران الياسري ابو گاطع "انبهار الريفي بالمدينة" يزول تاثيره عندما تخفت الاضواء، وتتجلى الصورة الحقيقية. بصرتنا خراباتها كثيرة، ومآسيها عديدة، وجراحاتها عميقة، لكنها نهضت، وخرجت منها، وستفعل هذه المرة ايضا. اليس من التجني شاعرنا المبدع ان تكتب:"لوتأملت الشوارع وعلى مدارالمائة سنة الماضية من وجودها كحاضرة فلن ترى شيئا ذا اهمية.....لم اجد فيها مدينة بمعني المدينة التي يفترض ان تكون"! ايعقل هذا؟ من منا عاش مائة سنة ليثبت كلامك؟ اكل هذا الشعر، والفن، والثقافة، والتاريخ حصل في "خربة من خرابات العالم"؟! برلين، ودريسدن،وروما، واغلب مدن اوربا تخربت بعد الحرب، ونهضت من جديد. ستعود البصرة "عمار" كما يقول اهل الخليج، بعد ان، يرحل عنها البدو الهمج، والظلاميون، والغزاة الجدد! ارجو العفو، والمعذرة، والسماح، ان كنت حاد الكلام، قاسي الالفاظ، مطلق الاحلام، لكن البصرة قلعة ذكرياتنا، ومهبط روحنا، ومهد طفولتنا، ومعين نضوجنا، سنصونها بكل قوانا. وستبقى البصرة جميلة مثل اجمل المدن في العالم، اذا لم نتجاوز، ونقول اجملها.
#رزاق_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قتلتنا الفتاوي ما بين الحائري والقرضاوي!
-
الحلة، عماد هجول، جواد بكوري، وباعوك يا وطني!
-
البصرة يحرقها جحيم حزب الدعوة الاسلامي!
-
يهمني جدا من يحكمنا ايها الزميل وليد يوحنا بيداويد! لن نستبد
...
-
سوريا:مجازر بعثية برعاية الامم -المتحدة- وصمت الامم -المتحضر
...
-
الا يفتقد احد الشاعر خلدون جاويد؟!
-
بغداد اكبر مدينة كردية في العراق، فليخرج منها الطائفيون والع
...
-
ثمانية وسبعون شمعة ماسية عند اضرحة الخالدين ومثلها عند صرائف
...
-
بشار -الاسد- يستأسد على حمص مثلما استأسد اباه على حماه!
-
المرأة اسمى
-
العام العاشر على الرحيل المفجع للرائد المجدد محمود البريكان!
-
مسلسل خيال علمي مصري من اخراج السلفيين وانتاج الاخوان المسلم
...
-
مسلسل خيال علمي مصري من اخراج السلفيين وانتاج الاخوان المسلم
...
-
الى الخلد يرحل الشهداء!
-
مسلسل خيال علمي مصري من اخراج السلفيين واانتاج الاخوان المسل
...
-
الشعب السوري يذبح والعالم يتفرج(2)
-
الشعب السوري يذبح والعالم يتفرج!
-
الربيع العربي، الاسلام، الاسلاميون، والديمقراطية!
-
حزب الدعوة العفلقية في العراق!
-
عن اي سلف -صالح- يتحدث الاسلاميون؟!(2)
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض
...
-
اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
منظمة حقوقية يمنية بريطانيا تحمل سلطات التحالف السعودي الإما
...
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|