|
الدوله العراقية من المدننة الى الامننة
رياض هاني بهار
الحوار المتمدن-العدد: 3771 - 2012 / 6 / 27 - 20:08
المحور:
المجتمع المدني
لقد بات واضحاً أن أكبر خطر يتهدد وجود أي دولة مدنية هو استغلال السلطه الأمنية لقوتها ونفوذها بالتدخل والهيمنة على الحياة المدنية ، فالسلطات الأمنية ظلت تعتبر أن تمتع السلطات التشريعية والقضائية بصلاحيات واسعة يحد فعلياً من أدوارها ويقلص نفوذها، وهذا هو سبب التعارض المستمر بين الإصلاح السياسي والجهات الأمنية ، ، وتم تحديد دورها بخضوعها للسلطه المدنيه لتكون في إطار المبادئ الأساسية المنصوص عليها في الدستورالعراقي( الماده 9 اولا منه نصها. أـ تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ او اقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولا تكون اداةً لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة. د ـ يقوم جهاز المخابرات الوطني العراقي بجمع المعلومات، وتقويم التهديدات الموجهة للأمن الوطني، وتقديم المشورة للحكومة العراقية، ويكون تحت السيطرة المدنية، ويخضع لرقابة السلطة التشريعية، ويعمل وفقاً للقانون، وبموجب مبادئ حقوق الانسان المعترف بها. ومن قراءه النصوص الدستوريه اعلاه واضح خضوع الاجهزه الامنيه والاستخباريه للسلطه المدنيه وهذا اساس بناء الديمقراطيه ولكن الذي يحصل خلاف ذلك حيث ارتبطت ممارسات الاجهزة الامنية (الامن المتعسكر) وهو مصطلح جديد وجدته متناسبا مع حالتنا بتوسيع دائرة التقييد على الحريات وكأن البلاد في حالة طوارئ دائمة وغير معلنة. ان من حق أي دولة ان تستعمل وسائل مشروعة في ضمان امنها وامن مجتمعها لكن بانعدام المحاسبة والمراقبة والشفافية تصبح هذه الوسائل ضبابية وقاتمة ومعتمة تختبئ تحت عباءتها اشد انواع القمع همجية دون ان يجد المجتمع وسيلة فعالة لفضحها وكشفها والتصدي لها. لقد استغلت القيادات الامنيه الحرب على الارهاب كغطاء جاهز لتمرير مشروع الدولة الامنية وقلصت مجال الحريات ولبست قفازا تدعي انه تارة من الحديد وتارة من الحرير لتطبيع مشروع عسكرة الدولة واجهزتها او(الامن المتعسكر) . وان كان المجتمع العراقي بكافة اطيافه الفكرية والاجتماعية لديه كره للاستبداد. ليس هناك بلد عاش كل من فيه خراب النفس كما عاشته بيوت العراق، وليس هناك بلد أبيحت فيه كميات من الدماء وعدد من الرقاب كما حدث في العراق، وليس هناك بلد عرف قهر الخوف وذل الصمت مثل العراق. وهناك ثلاثة أركان تقوم عليها الدولة الأمنية التسلطية، وتمكنها من إنتاج مجتمعها الجماهيري، هي: الإرهاب والإيديولوجية والإعلام. وعدة مبادئ تضمن هذه الأركان وتعززها، هي: مبدأ الاحتكار الفعال للسلطة والثروة والقوة، واحتكار الحقيقة، واحتكار الوطنية، ومبدأ الغلبة والقهر، ومبدأ شخصنة السلطة، وعبادة القوة، أي تباهي الشخص والمنصب الذي يشغله، وانتقال قوة المنصب المادية والمعنوية إلى الشخص الذي يغدو مثال القوة والعظمة. وفي هذه الحال تحل الأوامر محل القوانين، والامتيازات محل الحقوق، والولاء والمحسوبية محل الكفاءة والجدارة والاستحقاق. ان مفهوم النظام الأمني، شمولية الولاية على جميع مناحي الحياة والإمساك بإرادة مختلف الشرائح الاجتماعية، بداعي الرعاية والخلاص من أمراض الفرقة والتناحر، أي التعددية والاختلاف، لذلك قلما يطمح إلى كسب العقول والقلوب، وهي مهمة تفترض وتستدعي قوة المثال وصحة الإقناع، ويحصر مراده في اقتلاع جذوة المساءلة وسحق مظهرية الرأي المغاير، توسلا لالتزام لفظي يقتضي إعلانه من الفرد والجماعة وفق أجندة طقوسية تواكب مسيرة النظام الاستبدادي وتحتفل بمنجزاته كما تحدث بصلافه احد النواب بضروره استنساخ لرئيس الوزراء. وكان الدكتاتور السابق يشبه نفسه بصلاح الدين الايوبي والقعقاع وحاليا يتشبه بالمختار الثقفي والظاهر الدكتاتوريات ترضع من مكان واحد الدولة الأمنية لها شقاواتها ومنظماتها وأحزابها وصحافتها وإشاعاتها ووسائل تشويهها لصورة المواطن ومن يعترضها. وقد تعايشت الدولة الأمنية مع كل تقاليد المافيا ودفع الخاوة والتطفل على النشاط الاقتصادي. إضافة إلى إدخالها تقليد الخطف السياسي لمعارضيها ، أو إحياء أمجاد الاغتيال السياسي حيث اعتمدت احيانا على فئه مجرمي النظام (فدائيو صدام وعناصر صناع الصواريخ )لتنفيذ اجندات القتل والرعب في بعض الموسسات وتصفيه الخصوم لانهم متمرسين على الجريمه والازاحه وتجدهم يلبسون الاقنعه ويتلونون مع الظرف كالحرباء ، وأخيرا انتاج المنظمات المسلحة الصغيرة التي تقوم بكل الأعمال الخسيسة التي يمكن أن يحاسب عليها رموز الدولة الأمنية خارج حدودها. منظمات للابتزاز والتحذير والترهيب والترغيب والتشويش وخلط الأوراق والصفقات غير المباشرة والمباشرة وتحويل الفساد من ظاهرة إلى منظومة. الدولة المدنية نعمة على الوطن والمواطنين بعكس الدولة البوليسية التي هي نقمة على الوطن والمواطنين وكذلك على النظام السياسي لأنه ستفقد هذا النظام القاعدة الجماهيرية اللازمة لدعمه وتأييده والتي لا غنى عنها ولأن الشعب ليس قطيعا من الأغنام فلابد أن تكون مساندته وتأييده قائمة على القناعة بأهمية هذا النظام وحاجته إليه فالنظام السياسي بدون التأييد الجماهيري لايكتب له النجاح. حيث من الضروري أن يرضخ المواطن لمبدأ السلطان والرعية لا أن يخوض في منطق الدولة الراعية للمواطنة، أن يتعزز لديه فكرة الواجب والطاعة لا فكرة الحق والمبادرة والمشاركة. بحيث تصبح ثقافة الخوف جزءا من فكرة جهنمية محصلتها إبعاد الناس عن قضايا المجتمع والحياة باعتبار هذا الابتعاد الترهيبي والقسري يشكل عنصر أمان للحاكم واطمئنان عند المحكوم . لقد أفقدتنا الدولة الأمنية مفهوم سيادة الأشخاص فغاب عنها مفهوم سيادة الدولة. ولا شك بأن العودة إلى حالة سيادة نسبية متفاعلة وإيجابية مع عالم متداخل تحتاج لسيادة كل شخص وحق كل تجمع بالتعبير عن نفسه في رفض مبدئي للخيانة والتكفير والحظر كوسائل يومية لممارسة عملية تصفية الخصوم. فعودة الأفراد إلى المشاركة في الشأن العام، أي صيرورتهم هوية عاقلة وكيان فاعل وروح إيجابية تحتاج لكسر دول الخوف وقبول فكرة مركزية أصبحت مع التجربة العراقية لا تحتاج لبرهان ان المركب الوطني يحتاج لكل النسيج لمواطني البلد والجسم الغريب عامل هدم إلا إذا تحجم دوره وانحسر في كماليات لوجود سياسي واقتصادي محلي متماسك في ذاته ومن أجل ذاته. والتي سرعان ما انكشف زيفها وبدا طابعهاالمخاتل الذي يتيح ما يكفي من الوقت لإصلاح الثغرات الأمنية وإعادة تأهيل منظومة الاستبداد وتركيز دولة أمنية قوية تؤمّن الاستقرار الاجتماعي والسياسي بسلطان القوه. 1. استئصال القوى السياسية ذات الامتداد الشعبي بافتعال التهم ضدها. 2. تدعيم هيمنة الحزب الواحد على مؤسسات الدولة. 3. ـتشجيع أحزاب المعارضة غير المعترضة على سياسة الحكم ودعمها تمويلا ودعاية وإشراكا في الحياة البرلمانبه. الآثار السلبية للدولة الأمنية 1. شيوع المظالم على نطاق واسع واستشراء الفساد المالي والإداري وانتشار الرشوة والمحسوبية والتعيين العائلي بالموسسات الحكوميه. 2. تنامي الجريمة والبطالة والهجرة في صفوف الشباب على وجه الخصوص. 3. انتشار السخط والشائعات والخوف والإحباط. 4. عزوف كثير من العراقيين عن الاستثمار الوطني وهجرة بعض رؤوس الأموال إلى الخارج. 5. مغادرة عديد من الكفاءات ا لمتألقة والتحاقهابدول اخرى.
#رياض_هاني_بهار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعذيب المتهمين بين سادية المحقق وصمت القاضي
-
الاستخبارات بين التعدد والتفرد بالنظام الديمقراطي
-
هرم العدالة المقلوب والدعاوى الكيدية
-
الأمن العراقي وتحديات الجريمة الرقمية
-
الامن والحكومة والنظام الديمقراطي
-
الناطق الرسمي الامني بين معايير المهنه ولغه الجسد
-
العدالة البطيئة وانعكاسها على الأمن الاجتماعي
-
نظم المعلومات الجغرافية الامنية ودورها بالحد من الجريمة
-
التحقيق الجنائي النزيه ارساء للعدالة الجنائية
-
فشل السيطرات بمنع وقوع الحوادث الإرهابية
-
الامن والعسكره وغياب الاستخبارات
-
دور الانتربول بالتصدي للجريمة المنظمة
-
الاسراف بالتدابير الامنية واثرها على الاقتصاد والمواطن
-
التصدّي لجرائم تقليد وغش الأدوية
-
قلق الأمم المتحدة من قانون مكافحة الإرهاب العراقي النافذ
-
مخاطر الجرائم الارهابية الغير المكتشفة على المجتمع
-
المصابون بفصام العقل والدعاوى الكيديه
-
التنبؤ الجنائي ودوره بمنع وقوع الجريمة
-
الامن والديمقراطية في العراق المتناقضان والمتلازمان
-
تخلف الاداء الحكومي العراقي البطاقة الوطنية الموحدة نموذجاً
...
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|