أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إبطال وظيفة السجن... حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-















المزيد.....

إبطال وظيفة السجن... حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3771 - 2012 / 6 / 27 - 19:18
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


حوار فيديل سبيتي

- تحدثت عن مفهوم "الاستحباس" في الكتاب، هل يمكنك عرضه توضيحه؟
الاستحباس هو حالة السجين حين يستوطن السجن، يسكنه ويسترخي فيه كأنه في بيته. ويصبح الوقت داخل السجن حليفه، فيبطل وظيفة السجن.
يستحبس السجين حين يتاح له أن يحل مشكلة حبسه بصورة مُرضية، كأن يقوم بعمل نافع أو ينتج ويتعلم، فيدرج سنوات الحبس كمرحلة عضوية في حياته. لكن الإستحباس كذلك تسليم بالسجن أو ترويض للنفس على العيش فيه. هو حالة تكيفية بالمعنى الإيجابي للتعبير، وبشيء من المعنى السلبي.
- ماهي ظروف الإستحباس؟ كيف ينجح المستحبس في تحقيق هدفه؟ ماذا لو فشل؟
من خلال تجربتي، أقدّر أن الإستحباس مرهون بأربعة أشياء.
- أولا ظروف سجن يمكن تحملها والتفاوض معها. على سبيل المثال، فإن الإستحباس ممتنع في سجن تدمر، وهو السجن السوري المطلق، الذي يستحيل أن يستوطنه أو يسترخي فيه أحد. لكنه ممكن في سجني المسلمية قرب حلب وعدرا قرب دمشق، وقد قضيت فيهما معا 15 عاما وأسابيع.
- ثانيا ظروف السجين: إستحباس المتزوج ومن له أطفال، وكبير السن، والمملق، والذي لا يزار، أصعب بكثير من استحباس الشاب العازب، الذي يتلقى زيارات دورية، ويتوفر له بعض المال. الإستحباس مرهون بالتعلم وتغيير النفس، وهو أيسر للشباب مما للأكبر سنا.
- ثالثا مدة الحبس. أخمن أن خاصية الاستحباس تحتاج إلى سنوات كي تظهر، وأنه لا يستحبس من يقضي عاما أو عامين في السجن.
لكن هناك الإستعداد الشخصي، وهو العنصر الرابع الذي يكمن وراء استحباس سريع وسهل لبعض السجناء، فيما لا يستحبس أبدا بعض السجناء مهما طالت سنوات الحبس، ومهما تكن شروط الحياة فيه. الاستحباس ليس محتوما، وهناك سجناء لا يتكيفون، وتأثير السجن عليهم سلبي محض، وقت طويل ضائع، خسارة صافية. وهؤلاء ميالون إلى حذف سنوات السجن من حياتهم والنظر إليها وإلى حياتهم فيها بعداء.
الفرصة أكبر في هذه الحالة للتحطم، أو للإصابة بالأمراض النفسية والجسدية.
أخذت أستحبس شخصيا بعد خمس أو ست سنوات من السجن في المسلمية، وبلغت أعلى درجات الاستحباس في عدرا بين عامي 1992 ونهاية 1995. لو سجنت اليوم، لكان احتمال الاستحباس أدنى، وربما معدوم تمام.
- تقول في كتابك أنك إستحبست بفضل القراءة المكثفة. لنقل أن الكتب بقيت ممنوعة، كيف كانت لتكون حياة السجن؟
لا أعرف كيف كان لحياة السجن أن تكون لولا الكتب. فكرت في الأمر مرارا منذ أن كنت في السجن، وكنت دوما أشعر بالقشعريرة حيال هذا الاحتمال. أظنني كنت سأتحطم. انقضى عام ونصف قبل توفير الكتب لنا، وكنت خلالها سيء التكيّف ومضطرب المزاج. أكثر زملائي كانوا أفضل أداءا مني.
التعلم في السجن لم يجعلني "مثقفا"، أظنه غيّرني وحررني. السجن كان تجربة انعتاق لي من سجون وعبوديات أخرى. ليس الأمر أمر "قراءة كثيفة" ولا هو مسألة تعلّم حصرا، إنه تعلّم وصراع وتحوّل فكري ونفسي عميق. قلت في الكتاب إنه كان طفولة ثانية، والغريب أنه لم يخطر ببالي استخدام تعبير مدرسة في وصف السجن. لكنه كان بالفعل مدرسة ثانية، وفرصة ثانية لتنشئة جديدة.
- هل شعرت يوما خلال فترة سجنك بأن الأفكار التي سجنت بسببها تستحق كل هذه التضحية؟
لسنوات طويلة كان توقيفنا "عرفيا"، من دون تهمة ومن دون محاكمة، ومحرومين من حق معرفة المصير. هذا يعني مبدئيا أنه يمكن أن يخلى سبيلك في أية لحظة، لكنه يعني أيضا أنه يمكن أن تقضي عمرا في السجن. وما كنت أتصور، ولا في أسوأ تخيلاتي، أني سأقضي 16 عاما من الحبس.
أُحلت إلى المحكمة في نيسان 1992، بعد 11 عاما وأربعة أشهر من الإعتقال. خلال تلك السنوات كنت قد تغيرت، ومبادئي لم تعدْ نفسها. صارت أقل حزبية وأقل إيديولوجية، أكثر عمومية في مضمونها وأكثر شخصية في دوافعها. صارت القضية قضية كرامة شخصية ووطنية، وكانت يومها واليوم، تستحق الكفاح من أجلها.
لم أشكُ ولم أتذمر يوما بسبب الحبس، ولا لمت حزبي ورفاقي، أو الظروف، ولم أشعر لحظة بالندم. كان خياري وأتحمل مسؤوليته. ولا أزال أرى أني فعلت الشيء الصحيح.
- هل شعرت بأنك مناضل بشكل ما؟ كيف تصف علاقتك اليوم بتلك الأفكار التي سجنت بسببها؟
كنت "مناضلا" بالفعل. لا أحب الكلمة بفعل ما لحقها من عار على يد بعثيين وشيوعيين، لكنك تكون مناضلا حين تجعل من قضية عامة شاغلك الشخصي، وتتحمل مشاق في سبيلها، أليس كذلك؟
في وقت مبكر من السجن لم أعد شيوعيا. قد لا يكون هذا قابلا للتصديق اليوم، بفعل سقوط حظوة الشيوعية مع انهيار المعسكر الشرقي، وتفضيل شيوعيين سابقين كثيرين تصوير أنفسهم متحررين بدلا من يتامى. لكني كنت أصلا عضوا في تنظيم لديه نزعة هرطقية قوية، عند شبابه بخاصة. وكنت على انجذاب خاص إلى الأصوات المغايرة والتفكير غير النظامي. وبتأثير التثقف صرت أرى كم هو مفقر فكريا وثقافيا أن يكون المرء شيوعيا. لا أنكر أن سقوط المعسكر الشيوعي عزز هذا الميل الشخصي.
وصحيح أني لا أصف نفسي اليوم كماركسي، لكني أستفيد غالبا من أدوات التحليل الماركسية، ولدي نفور دائم من الاستهانة بالفكر الماركسي.
- في الكتاب مجموعة من الأفكار التي تعبّر عن حنين ما الى السجن؟ ما الذي تقصده بهذا الحنين؟ هل تجد أن من المنطقي الحنين الى مكان سرق منك حريتك؟
الحنين إلى السجن ليس منطقيا، لكنه موجود. تشتاق إلى أيامك في السجن، وإلى ما كنته وما كنت تفعله هناك. إذا كان السجن طفولة ثانية أو تجربة تحويلية، فربما تحن إليه كما تحن إلى الطفولة، أو إلى مغامرة تغير حياتك. السجن كان مغامرتي. وأن تكون المغامرة خطرة، وكلفتك سنوات عزيزة، لكنها غيّرتك في النهاية وشكّلتك في صورة أنسب، فهذا يجعلك تتذكرها بشوق.
- هل تعتقد أن كتابك سيكون فاتحة أو محفزا لمعتقلين سابقين للكتابة عن الموضوع أو عن تجاربهم؟
كان يمكن لكتابي أن يحفز الكتابة عن السجن السوري لو كان الأول. لكن ربما تكون سبقته عشرة كتب أعرفها، تتراوح بين الأدب والمذكرات الشخصية. واليوم هناك جيل جديد من المعتقلين ومن قصص السجن، وبعضها يُروى مباشرة بعد حبس قصير، ويُقرأ، وهو لا يزال ساخنا. سير جيلنا تتقادم بسرعة. لكنها لا تزال جديرة بأن تروى. يمكن للمقارنة بين تجارب جيلين أن تكون مفيدة جدا لفهم سورية والمجتمع السوري. كنا جيلا حزبيا وإيديولوجيا، وخرجنا بعد سنوات طويلة أقل حزبية وإيديولوجية عموما. جيل اليوم يعتقل لوقت أقل، وهو غير حزبي أصلا، ولا يصدر غالبا عن إيديولوجيات محددة، وكثير من أفراده متمكنون من الإعلام الجديد. هذه فوارق أولية.

- كيف تفيد الكتابة (تطبيبا) على المستوى الشخصي؟
للكتابة عن السجن دور استشفائي لأنك تحتاج بعد الخروج من السجن إلى أن يخرج السجن منك. الكتابة تحقق ذلك. من دونها، أو من دون استعادة سيرة السجن بصورة ما، ربما يبقى السجن في داخلك، كتلة مصمتة تشد الروح إلى أسفل.
الكتابة عن السجن تشفي من الحنين إلى السجن أيضا. تستذكر خلال الكتابة الجوانب القاسية لتلك الطفولة المزعومة، وليس جوانبها الجميلة والمثمرة وحدها.
لكن الشيء الأهم هو أن الكتابة عن السجن هي في الواقع كتابة عن الحرية، تدوين لتجربة الصراع الذي تخوضه والتحول الذي يجري عليك والانعتاق أو التحرر الذي تخبره. وعبر ما يتيحه التدوين من تملك للتجربة، فإنه يحوز مفعولا شفائيا أكيدا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في جذور الحرب وامتناع السياسة...
- صعود العدمية المقاتلة في سورية
- ثلاثي الحرب السورية... دولتان قوميتان وطغمة
- أجساد سورية العميقة وأرواح سورية الظاهرة
- على مشارف الحرب السورية
- من الأبوات إلى الأنوات... جيلان من السياسة والثقافة
- نظام الأسد بلا... أسد!
- صورة -الشوايا- وحال منطقة الجزيرة السورية
- الثورة وإفلاس نماذج التحليل السائدة
- أنا والتلفزيون والثورة
- الثورة والسلاح: خطوط عريضة من القصة
- التجديد لغليون وحال المعارضة السورية
- في تمثيل الثورة السورية وواقعها (الثورة هي السياسة الصحيحة)
- حوار في شأن الثورة والسلمية والعسكرة
- عودة إلى النقاش حول الثورة والعسكرة
- حوار عالماشي حول الثورة السورية
- الثورة السورية بين النزاع الأهلي والصراع الجيوسياسي
- الثورة والمعارضة في سورية... علاقة انفصام
- عن الثورة والمستقبل والعلاقات بين السوريين/ حوار
- ثورة في سورية، سورية في ثورة


المزيد.....




- أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم ...
- الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
- تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
- بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م ...
- موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو ...
- بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا ...
- شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ ...
- بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت ...
- بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إبطال وظيفة السجن... حوار حول كتاب -بالخلاص، يا شباب!-