|
ألانتخابات العراقية في موازنة الواقع وآفاقه
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1103 - 2005 / 2 / 8 - 11:12
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
جرت في الثلاثين من شهر كانون الثاني الماضي الانتخابات العراقية لانتخاب الجمعية الوطنية العراقية الانتقالية ومجالس المحافظات اضافة الى انتخاب المجلس الوطني الكردستاني في اقليم كردستان العراق. وقد جرت هذه الانتخابات تحت مكبس الاملاءات والضغوطات التي مارسها المحتل الانجلوامريكي في وقت عارضت فيه قوى كثيرة، 17 حزبا وتكتلا عقدها ومن منطلقات مختلفة، بعضهم من منطلق معارضة عقدها في ظل الاحتلال الغاشم وامتهان سيادة وارادة وكرامة الشعب العراقي، وبعضهم طالب بتأجيلها من منطلق ان الظروف الأمنية في وقت تشتعل فيه ارض العراق بنيران المقاومة العراقية لا تسمح بعقد انتخابات دمقراطية يشارك فيها جميع ابناء الشعب العراقي.
ان اصرار ادارة بوش، الاحتلال الانجلوامريكي، على عقد الانتخابات العراقية بالرغم من المعارضة وعدم الاستقرار الامني يندرج في اطار دفع عجلة استراتيجية الهيمنة الامريكية وترسيخ اقدام مخطط الهيمنة الامبريالية الامريكية ليس في العراق فحسب، بل في كل منطقة الشرق الاوسط، كما سنرى لاحقا. فبهذه الانتخابات استهدفت ادارة عولمة الارهاب والجرائم الامريكية تضليل الرأي العام العالمي والامريكي، تضليل جميع معارضي الوجود الاحتلالي الانجلوامريكي للعراق، بالايحاء لهم ان الغزاة المحتلين يرسون بهذه الانتخابات قواعد الحرية والدمقراطية في العراق!! ففي خطاب خاص "للأمة" بعد اقفال صناديق الاقتراع في العراق هلل الرئيس الامريكي لنجاح الانتخابات وقال: "لقد أسمع الشعب العراقي اليوم للعالم كله صوت الحرية في الشرق الاوسط"!! فهل هذا حقا هو الواقع؟ لقد حاولت سلطات الاحتلال والادارة الامريكية والقوى التي ترقص في حلبتهما الترويج تضليليا بان النسبة العالية للمشاركين العراقيين في العملية الانتخابية رغم التفجيرات وغياب الامن، مشاركة حوالي ستين في المئة كما يُروّج، هي المعيار والمحك "لانتصار" الدمقراطية في العراق!! وهذا التقييم لا يعكس جميع اوجه الحقيقة حول مضمون ومدلول الدمقراطية. فمما لا شك فيه ان الشعب العراقي الذي حرم من طعم الحرية والدمقراطية ومن انتخابات دمقراطية حقة خلال حكم صدام حسين الدكتاتوري فهو تواق للحرية ولابداء رأيه وقد اغرته مسرحية الانتخابات التي نظمها المحتل بالتنسيق مع بعض عملائه العراقيين. والحقيقة البارزة انه كان هنالك تفاوت في نسبة وعدد المشاركين بين منطقة ومنطقة، بين مدينة ومدينة، بين هويات الانتماء القومي والاثني والديني، فللاسف، وهذا ما اراده المحتل اتخذت الانتخابات طابع الصراع والمنافسة الاثنية والدينية والقومية مع ان جوهرها ومدلولها سياسي من الدرجة الاولى. ففي المناطق والمدن الشيعية بلغت نسبة المشاركين في التصويت بين 80% الى تسعين في المئة. وفي المناطق والمدن الكردية نفس النسبة تقريبا، بينما في المناطق السنية، في المثلث السني وغيره، في مدينة سامراء وغيرها كانت مقاطعة الانتخابات مطلقة تقريبا، أي ان حوالي 20% من ابناء الشعب العراقي "نسبة السنة من السكان" لم يشاركوا في العملية الانتخابية. لقد وصف المراقب السياسي العراقي هارون محمد، شأنه شأن سياسيين عراقيين آخرين الانتخابات العراقية بالمهزلة، اذ اكد "ان العراقيين ينتخبون اشباحا او ارقاما وليس بشرا"، مشيرا الى آلية الانتخابات حيث اُعطي لكل قائمة رقم محدد ينتخب المواطن بموجبها، مما يحدث البلبلة واللخبطة لدى الكثير من الذين لم يطلعوا او يدركوا حقيقة تركيبة هذه القائمة او تلك او التمييز بين برامج هذه الكتل الانتخابية. اضف الى ذلك ان العملية الانتخابية جرت في اوضاع امنية حمتها دبابات وعساكر المحتل وخدامه من القوات العراقية التي انشأها، جرت في بعض المناطق في اوضاع سرية، لا يعرف الناخب اين سينتخب وكانت سيارات ودبابات المحتل وخدامه تنقل الناخبين في هذه المناطق الى صناديق الاقتراع. لقد كانت نتائج هذه الانتخابات "الدمقراطية" محسوبة حتى قبل اجرائها وكما خطط لها المحتل الانجلوامريكي لتكون على مقاس خدمة مخططه الاستراتيجي في العراق والمنطقة. ولا يخفي الرئيس الامريكي، جورج دبليوبوش هذه الحقيقة، ففي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية ونشرتها صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية يوم 31/1/2005 يعلق بوش على العبر التي يستخلصها نظامه من الهزيمة الامريكية في الفيتنام واستثمارها في مصلحة مخططه الاستراتيجي في العراق ومواجهة المقاومة العراقية المناضلة لكنسه والتخلص من دنس وجوده. يقول بوش "انا اتصور ان العبرة الاولى هي انه يجب ان يكون هناك هدف واضح على الجميع ادراكه: عراق حر ودمقراطي وحليف في الحرب ضد الارهاب حيث ان الجيش والحرس القومي والشرطة باستطاعتهم الدفاع عنها. والعبرة الثانية هي ان على الجميع ان يفهم العلاقة بين هذا الهدف وبين مستقبل الولايات المتحدة الامريكية". والمدلول السياسي لاقوال بوش هذه واضح المعالم ويجسد عمليا تكتيك واستراتيجية الامبريالية الامريكية في العراق. فالتكتيك او الوسيلة انتخاب حكومة عراقية مدجنة امريكيا تكتسب الشرعية في انظار الرأي العام العالمي ودعمها بقوات قمع من جيش وحرس "قومي" وشرطة يشرف المحتل على اقامتها لتكون مدجنة امريكيا واستغلال واستثمار هذا النظام العميل كمحطة انطلاق في اطار المخطط الاستراتيجي الامريكي للهيمنة في المنطقة تحت يافطة "محاربة الارهاب". وما يعوّل عليه بوش لتجسيد مخططه هذا هو انتخاب حكومة عميلة تكنّ الولاء لمخططه الاستراتيجي ولبقاء قوات الاحتلال متمترسة في العراق وان تقر الجمعية الوطنية الانتقالية دستورا دائما ينسجم مع هذه الاستراتيجية. ونتائج الانتخابات تشير الى ان القوى الاساسية التي حصدت غالبية المقاعد ومن المرتقب سيطرتها في البرلمان وتأليف الحكومة الجديدة هي القوى العميلة للامريكان والقوى المستعدة للتعايش مع الامريكان ومخططهم الاستراتيجي هي "القائمة العراقية" برئاسة رئيس الحكومة المؤقتة التي عينها الامريكان، العميل اياد العلاوي، "والقائمة العراقية الموحدة" الشيعية التي تضم في صفوفها العميل واللص محمد الجلبي، "وقائمة التحالف الكردي" و"قائمة عراقيون" برئاسة رئيس الجمهورية المعين امريكيا، غازي الياور، أي نفس القوى المدجنة امريكيا. وما نود تأكيده ان مهزلة الانتخابات ونتائجها لا تجسد الارادة الحقيقية والتطلعات الحقيقية للشعب العراقي بالتحرر والسيادة والاستقلال الوطني وممارسة الدمقراطية الحقيقية. فرغم مسرحية الانتخابات يبقى التناقض الاساسي قائما في العراق بين حرية وسيادة شعب العراق وبين الوجود الاحتلالي الانجلوامريكي في العراق والذي لا يمكن حله الا بكنس المحتلين وتطهير العراق من دنسهم، ولهذا لن تهدأ نيران المقاومة للمحتلين وضمان الامن والاستقرار في العراق ما دام المحتل جاثما على صدر الشعب العراقي. وما يثير اشد مخاوف من قلبهم على الشعب العراقي ووحدته الوطنية ووحدة اراضيه الاقليمية ان تستغل قوى الاحتلال الاجنبي مرحلة الاعداد للدستور الجديد في البرلمان لتأجيج واشعال النعرات القومية والدينية والاثنية بشكل يهدد مصير العراق ووحدته الاقليمية. فما هو مطروح على الجدول اعدادًا للدستور الجديد العديد من القضايا الجوهرية مثل ما هي حدود التعبير عن الرأي وحدود حقوق المرأة وكافة الاقليات القومية والدينية وهوية السياسة الخارجية العراقية في ظل الاحتلال. ولعل اكثر القضايا الحبلى بالمخاطر تتمحور حول قضيتين اساسيتين: الموقف من الحقوق القومية للاكراد والتطلعات لاقامة دولة كردية مستقلة، وهل سينص الدستور على اقامة دولة فدرالية يتمتع بها الاكراد بادارة شؤونهم خلال حكم ذاتي (اليوم تحت غطاء الحماية الامريكية، ومنذ سنوات – يديرون شؤونهم بانفسهم من خلال ما يشبه الحكم الذاتي المستقل). والقضية الثانية هي مكانة الدين، هل سيفصل الدين عن الدولة ام الشريعة ستكون من مرجعيات النظام دستوريا. ان هذه القضايا وغيرها لا يمكن ايجاد الحلول الواقعية السليمة لها الا بجلاء المحتلين واقامة عراق مستقل وحر ودمقراطي يحترم ويجسد الحقوق القومية والاثنية الدينية والمدنية لجميع الوان الطيف العراقي. لقد اصاب السناتور الامريكي الدمقراطي ادوارد كندي في تعليقه على نتائج الانتخابات العراقية بتأكيده "ان الوجود الامريكي في العراق قد تحول الى جزء من المشكلة، وليس جزءا من الحل" داعيا الى بدء سحب القوات الامريكية من العراق. والتضامن مع الشعب العراقي للتخلص من قيود الاحتلال الامريكي لا يخدم فقط المصلحة الحقيقية لتطور الشعب العراقي الخلاق حضاريا بل يخدم كذلك المصالح الحقيقية القومية والوطنية لجميع بلدان وشعوب المنطقة وكونيًا.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-حليمة تواصل عادتها القديمة-!
-
شارون والمختار العربيد
-
ما هو المدلول الحقيقي لتعيين الامريكي ستانلي فيشر مديرًا لبن
...
-
-الخدمة الوطنية- في خدمة من؟
-
لمواجهة تحديات الانفلات الفاشي
-
المدلول السياسي والاقتصادي لاتفاقيات التطبيع الاسرائيلية – ا
...
-
صباح الخير بقاء الحال من المحال
-
دعوة التمرد الفاليرشتانية في حظيرة قرد يتمرد على خالقه
-
صباح الخير يرحم ابو رتيب!
-
على ضوء عمليات الهدم والمصادرة في دير الاسد والنقب:ألم يحن ا
...
-
هل تجري تهيئة المناخ لـ -باكس امريكانا- في المنطقة؟
-
ما هي خلفيّة وآفاق الصراع في اوكرانيا؟
-
لتبقَ ذكرى سعدون العراقي خالدة
-
هل يولّد مؤتمر شرم الشيخ غير الفأر الامريكي؟
-
إعادة انتخاب بوش دالة شؤم وخطر على الامن المنطقي والعالمي
-
ميزانية العام 2005: الانياب مشحوذة لزيادة الفقر والبطالة وال
...
-
شعب ذاق مآسي النكبة -لن يُلدغ من جحر مرتين-
-
وتبقى الراية مرفوعة
-
في الذكرى الـ-48 لمجزرة كفرقاسم: لا مفر من استخلاص العبر لمو
...
-
مدلول التصويت على خطة شارون: على أية مساحة تكون أرض اسرائيل
...
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|