تعليق17/9/2002
تناقلت وكالات الانباء هذا اليوم الثلاثاء نبأ عرض النظام في رسالة الى الامين العام للامم المتحدة موافقته على عودة مفتشي الاسلحة الدوليين دون قيد او شرط الى العراق, واستعداده ايضا لمباحثات فورية بشأن الترتيبات العملية لعودة المفتشين ومزاولة اعمالهم.
ورغم ان احدا لا يجهل السبب الذي دفع بالدكتاتور ومن معه من اقطاب نظامه, وفي هذا الوقت بالذات, لاعلان قبولهم غير المشروط بعودة المفتشين, فأن احدا ايضا لا يحدوه أمل في ان يرءوي هذا الحاكم المستبد وان يتعلم من مسلسل التجارب, المريرة بالنسبة لابناء شعبنا والمهينة له بالذات.
كذلك ليس هناك من يصدق ان هذا الحاكم بدأ يهتم اخيرا بمصائر ابناء شعبنا ومقدراتهم المهددة بمخاطر كبيرة, وبمصالح العراق العليا ومصالح شعوب المنطقة بأسرها. فالدكتاتور وزمرته ظلوا منذ نهاية عام 8991 وحتى ما بعد احداث ايلول السنة الماضية, يعتبرون رفض عودة فرق التفتيش الى العراق امرا لا رجعة عنه. وبعد خطاب الرئيس بوش الذي ادرج فيه العراق ضمن ما اسماه محور الشر ,والتوجه الى جعل العراق مسرحا للفصل الثاني بعد فصل افغانستان من الحرب الامريكية في اطار ما ي سمى "مكافحة الارهاب", تراجع النظام في بغداد عن موقفه السابق, واعلن موافقته على عودة فرق التفتيش, ولكن بشروط. حيث وجه تسعة عشر سؤالا الى مجلس الامن عبر الامين العام للامم المتحدة, معتبرا الاجابة عليها وبالشكل الذي يريده, شرطا لعودة المفتشين.
ولكن بدلا من ان يلقى النظام اذنا صاغية من مجلس الامن, تلقى صفعة قوية حين رفض المجلس الاجابة المباشرة على اسئلته, واكتفى بتسريب وجهة نظره عن طريق طرف ثالث, وقد حم لها اجابات عنيفة قاسية على تلك الاسئلة.
ومع تصاعد الخطر راح النظام يتنازل عن الشروط التي جسدتها اسئلته المذكورة شرطا فشرطا , مكتفيا بطلب ضمانات من امريكا بالا تهاجمه اذا ما قبل عودة فرق التفتيش, وبان تعتبر هذه العودة خطوة في اتجاه رفع العقوبات الدولية.
ثم واخيرا تخلى عن هذين الشرطين ايضا دون ان يحصل من احد على تعهد او ضمانة! وبقي كل شيء معلقا , تماما كما كان قبل ما يقرب من اربع سنوات, وبعد كل ما حفلت به هذه السنوات من فواجع ومآسي, استمرارا لثماني سنوات قبلها.
وليت الامر اقتصر على ذلك. فرد الفعل الاولي الامريكي والبريطاني على قبول النظام العودة غير المشروطة للمفتشين جاء لا اباليا, بل ان الدولتين اعتبرتا هذا القبول مراوغة من جانب النظام, وخطوة تهدف الى استباق تبلور قرار تجهد الولايات المتحدة وبريطانيا لاصداره من مجلس الامن الدولي.
ويبقى على النظام ان يذهب في هذه ؛المرونة« غير المعهودة فيه مدى ابعد, ويتهيأ لمواجهة استحقاقات درء خطر الحرب, هذا الخطر الذي لا يبدو ان العرض المتأخر جدا بقبول عودة المفتشين دون شروط سينجح في الحد منه. كما ان عليه وان يسعى للاستفادة من الزخم الدولي الرافض للحرب, وتوظيف القبول غير المشروط بعودة المفتشين لتشديد الضغط في اتجاه لجم مخططات الامريكان.
فهل سيسلك الحكام هذا السبيل القويم, حرصا على سلامة شعبنا ووطننا, ام يعودوا الى مناوراتهم الاستعراضية الجوفاء وحماقاتهم الاجرامية المعهودة ? خاصة وانهم دللوا, مرات ومرات, على براعة غير عادية في اهدار وتبديد كل نجاح يحققونه بالصدفة او تحت ضغط الاحداث والتطورات!