|
الدولة المدنية والدولة الدينية
داود روفائيل خشبة
الحوار المتمدن-العدد: 3771 - 2012 / 6 / 27 - 14:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يواصل الإخوان المسلمون سفسطتهم الكلامية، يراوغون ويتحايلون لإخفاء مقاصدهم وراء دعاوى ضبابية تختلط فيها المفاهيم وتتداخل الأضداد، ولا غرو فى أن يكون دعاة الغيبيات أعداء للوضوح الفكرى. يزعمون أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، ويقصرون مفهوم الدولة الدينية على بسط سلطة الكنيسة المسيحية على الدولة فى أوروبا خاصة فى العصور الوسطى، كما لو أنه من غير الممكن أن تكون هناك أنواع عدة من الدولة الدينية، تماما كما أن هناك أنواعا عدة من الديمقراطية ومن الأرستقراطية ومن الملكية وغيرها من أشكال الدولة. ولمجرد التمثيل لفكرة أن ليس المعيار أىّ رداء يرتديه الحاكم بل بأى سلطة يحكم، دعونا نذكر أنه حين كان القبارصة يحاربون الاستعمار البريطانى كان يقود النضال الوطنى أسقف من الكنيسة اليونانية الأورثوذوكسية، وحين استقلت قبرص كان الأسقف مكاريوس أول رئيس للجمهورية، لكنه لم يحكم كرجل دين ولا باسم الدين بل حكم كزعيم وطنى يحكم باسم الشعب. ليس المحك إذن أى رداء يرتديه الحاكم بل بأى سلطة يحكم، والقول بدولة مدنية تحكمها مرجعية إسلامية مغالطة كلامية تنطوى على تناقض صارخ. المرجعية الدينية تؤسس دولة دينية، إسلامية كانت أو مسيحية أو يهودية أو هندوكية أو بوذية — دولة تحكمها نصوص مقدسة، والنصوص، أى نصوص، لا تؤول نفسها بل يؤولها أشخاص يهتبلون لأنفسهم العلم بأسرارها، ويعتبرون من يخالفهم ليس مخالفا لتفسيرهم وتأويلهم بل مناهضا للحق الذى جاء من أعلى. وفى أحسن الأحوال، وحتى فى ظل سيطرة حاكم صالح مستنير، فإن الاحتكام لنصوص ثابتة يُزعَم أنها أزلية أبدية يعنى تقوقع فكر الحاكم فى قوالب جامدة يراد لها أن تنطبق على ظروف وأحوال هى بحكم طبيعة الأشياء متغيّرة على الدوام، وهذا وهم قاتل يحكم على المجتمع بالجمود والتخلف. الدولة الدينية إذن دولة مرجعيتها فوقية، أى أنها تحتكم إلى قواعد وأحكام تـُنسَب إليها قدسية باعتبار أنها موحى بها من السماء، بينما الدولة المدنية مرجعيتها دستور وضعى وقوانين وضعية تتجسّد بالضرورة فى نصوص محدّدة، لكنها (أولا) قابلة للمراجعة والتعديل والتبديل حسبما يتكشـّف فيها من قصور أو خلل وحسبما يقتضيه التغيّر الحتمى فى الظروف والأحوال والأوضاع، وهى (ثانيا) ما بقيت قائمة، يُسنَد تأويلها وتطبيقها لجهات ينشئها ذات الدستور والقانون وفق ضوابط محدّدة، وكلها تخضع للمراجعة. ومن يعارض الدستور والقانون له كل الحق فى أن يعبّر عن معارضته، فهذا يدخل فى إطار حرية الفكر والتعبير، وإذا أراد العمل على تغيير الدستور والقانون، يهيّئ له ذات الدستور والقانون وسائل وقنوات الاعتراض، وفى أقصى حالات الرفض للدستور الوضعى والقانون الوضعى، فى حالة العصيان والتمرّد والثورة، فإن الرافض، إن لم ينجح فى تحقيق التغيير، يُحكم عليه وفق قانون موضوع يعرف الثائر مضمونه مسبقا ويقبل بما يترتب عليه. هذا هو الفارق الفاصل بين دولة تقوم على مرجعية دينية، مهما اتخذت لنفسها من أستار ومهما لبست من أردية ومهما اصطنعت لنفسها من أسماء وصفات، ودولة تقوم على نـُظم وقوانين يضعها المواطنون لأنفسم، ونسميها نحن دولة مدنية علمانية، تكفل الحريات وعلى رأسها حرية التفكير وتصون حقوق الإنسان بوصفه إنسانا وتندرج تحتها حقوق المواطن بوصفه مواطنا. ختاما، ملاحظة هامشية تجنـّبا لأى التباس قد يلحق بعبارة جاءت عرضا فيما سبق. إننى ذكرت اليهودية ضمن أمثلة أوردتها للمرجعية الدينية، لكننى أحب أن أوضح أن دولة إسرائيل العصرية التى تقوم على الأرض الفلسطينية المغتصبة ليست دولة دينية، برغم ما تصطنعه سلطات إسرائيل من ضجيج لمطالبة الدول بالاعتراف بها دولة يهودية. إن مطالبة إسرائيل باعتبارها دولة يهودية ليست دعوى دينية بل هى دعوى عنصرية. إسرائيل تريد أن يعترف بها العالم دولة للعرق اليهودى حتى لا يكون للعرب مكان فيها ولا يكون للعرب الموجودين داخل حدودها حقوق المواطنة. فعلى عكس إسلاميينا الذين يتخذون ادعاء الدولة المدنية ستارا لدولتهم الدينية، فإن الإسرائيليين يتخذون ادعاء الدولة اليهودية ستارا لدولتهم العنصرية. ملاحظة هامشية ثانية: فى طريقى صباح اليوم طالعتنى ملصقات على واجهة نقابة الصحفيين وفى أماكن أخرى موجهة من "حزب التحرير" (؟) تدعو لحضور "مؤتمر الخلافة" وتذكر "طريق النهضة" وتتحدث عن "خلافة على منهاج النبوة". فى أى عالم تعيش هذه الكائنات؟ خلافة لمن؟ وخلافة على من؟ ما علاقة "طريق النهضة" هذا بـ "مشروع النهضة" الذى تقدم به الدكتور محمد مرسى فى حملته الانتخابية؟ وما علاقة "مؤتمر الخلافة" هذا بـ "الخلافة الإسلامية" التى عاصمتها القدس والتى بشرنا بها الدكتور محمد مرسى فى مرحلة من حملته الانتخابية؟ هل هذا أول طريق "الفتح الإسلامى الثانى لمصر" والذى كان أيضا ضمن وعود الدكتور مرسى فى مرحلة من حملته الانتخابية؟ أظن أن من حقنا على الرئيس المنتخب أن نطالبه بإجابات على هذه الأسئلة.
#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لغة الإسلام السياسى
-
الفيلسوف والسياسة
-
من هو المثقف؟
-
هل الإخوان شركاء الثورة؟
-
بكائية للثورة
-
ضرورة نقد الدين
-
المفهوم الفلسفى للدين
-
مسيرة الفكر الإنسانانى
-
دعوة للعقلانية
-
ظاهرة زغلول النجار
-
همس الحيّة
-
مصر فى التوراة
-
رسالة إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى
-
دعوة للعقلانية
المزيد.....
-
الاحتلال يسلم صحفيا مقدسيا قرارا بالإبعاد عن المسجد الأقصى
-
كاميرا ترصد رجلًا يسقط شمعدانًا تاريخيًا داخل كنيسة القديس ب
...
-
مصر.. تسهيلات حكومية لدفن إمام الطائفة الإسماعيلية
-
-النظرية خضراء والتجربة رمادية-.. لماذا تعثر الإسلاميون في ا
...
-
حفل ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في السفارة الايرانية ببغداد
...
-
ممثل القائد في العراق: الثورة الإسلامية قدمت نموذجاً جديداً
...
-
غافل الأمن في الفاتيكان.. إليك ما فعله رجل بشمعدان قيم جدا د
...
-
عراقجي يطالب منظمة التعاون الاسلامي بعقد اجتماع استثنائي في
...
-
عراقجي: يشدد على موقف حاسم وموحد للدول الاسلامية تجاه التهجي
...
-
عراقجي يدعو لاجتماع عاجل لمنظمة المؤتمر الاسلامي لمعالجة هذه
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|