|
قراءة في صيغة الفصل 124 من دستور 2011
عمر ادحوم
الحوار المتمدن-العدد: 3771 - 2012 / 6 / 27 - 02:27
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
قراءة في صيغة الفصل 124 من دستور 2011
مدخل لفت نظري وأنا بصدد حيازة نسخة حكم صادر عن المحكمة ( قسم قضاء الأسرة ) بقصد متابعة الإجراءات بصددها أنها تحمل في رأسها " باسم جلالة الملك " مرقونة وبجانبها عبارة " وطبقاً للقانون " مكتوبة بخط اليد بواسطة القلم الجاف؛ فأثارت هذه الواقعة لدي تساؤلاً عن سبب وجود هذه الإضافة في رأس الحكم: " وطبقاً للقانون " وقد عهدنا قبل ذلك في الأوامر والأحكام والقرارات أنها تحمل في رأسها فقط " باسم جلالة الملك " ثم توالى بعد ذلك ظهور نسخ الأحكام من مختلف جهات صدورها حاملة بشكل ( رسمي) العبارة المذكورة مما يفيد أن الأمر استقر على تصدير الأحكام بتلك الجملة المنصوص عليها في الفصل 124 من دستور 2011 الذي تم الاستفتاء بشأنه ودخل حيز التنفيذ في الفترة الأخيرة بمقتضى الظهير رقم 1.11.91 الصادر في 27 من شعبان 1432 ( 29 يوليو 2011 ) بتنفيذ نص الدستور ومن الأمور التي لاحظتها وأنا أتصفح القرارات التي أصدرها حديثاَ المجلس الدستوري قرار (صدر بتاريخ 2012.02.22 ) بمناسبة البت في طلب تقدم به أحد النواب في البرلمان يلتمس فيه التصريح بشغور المقعد الذي يشغله نائب آخر لانتقاله من فريق إلى فريق آخر إعمالاً للمادة 61 من الدستور؛ تضمينه للقرار نفس العبارة ؛وبقطع النظر عن مضمون القرار الذي أصدره المجلس الدستوري فإن ما يلفت النظر هو أنه صدر بعبارة ""باسم جلالة الملك وطبقا للقانون" ( قرار بتاريخ 22 فبراير 2012 ملف عدد:12/1358 قرار رقم: 12/839 ) مما يفيد أن نية المحاكم والمجالس القضائية منصرفة إلى ضرورة تصدير أحكامها بنفس الجملة وبعد مراجعة الفصل 124 المذكور اتضح أنه ينص على ما يلي : " تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك وطبقاً للقانون " وبحكم الطبيعة المهنية التي تستوجب من المحامي فحص الأحكام التي تقع تحت يده والتدقيق في محتواها شكلاً ومضموناً سواء تعلق الأمر بالأوامر والأحكام والقرارات التي تتعلق بالقضايا التي يتولى الدفاع فيها والرائجة بمكتبه، أو بتلك المنشورة في المجلات وغيرها . فبالنسبة للأولى يكون الاطلاع عليها واجباً مهنياً للبحث والتدقيق في مدى مطابقتها للإجراءات والقوانين والمساطر ، ويدخل في طبيعة عمل المحامي ليتسنى له بذلك الطعن فيها ـ عند وجود ما يستوجبه ـ بما يناسب ذلك من وسائل الطعن التي يقررها القانون . وبالنسبة للثانية ـ وإن كان المحامي غير مكلف بملفاتها ـ يكون الاطلاع عليها واجباً أيضاً يهم حقل معرفته القانونية والاطلاع على مستجدات العمل القضائي للاستفادة من جهة ، ولصقل معرفته القانونية التي يعتمد عليها ولا يستغني عنها في عمله اليومي من جهة أخرى. أقول: بحكم هذه الطبيعة المهنية ظل التساؤل مطروحاً علي بحدة واضطررت لتأجيل البحث في أمره إلى حين استجماع عناصر وأدوات البحث. وبعد أن تيسر لي ذلك وفي غمرة المشاغل اليومية عمدت على تدوين بعض الملاحظات والأفكار بشأن هذه القضية فقررت ألا أحتفظ بتلك الملاحظات والأفكار التي استجمعتها وأن أخرج بها مكتوبة بقصد اطلاع غيري عليها ، لتصويب أو تكميل ما قد يكون قد اعتراها من حرف أو نقص عند الضرورة . خصوصاً بعد أن لاحظت أن عدداً كثيراً من الزملاء ومن السادة القضاة مصرون على أن ورودها على هذا الشكل في صدر الأحكام هو تطبيق لمقتضيات الفصل 124 المذكور ، وما زاد في يقينهم بذلك هو صدور منشور عن وزارة العدل موجه للسادة والسيدات رؤساء المحاكم ووكلاء الملك يهيب بهم العمل على التطبيق الفوري لمقتضيات الفصل 124 والحرص على استهلال وتصدير المقررات القضائية بصيغة " باسم جلالة الملك وطبقا للقانون " كما يطلب منهم السهر على تبليغ فحوى المنشور لكافة السيدات والسادة المستشارين العاملين بالمحاكم التابعة لداوئر نفوذهم ، وذلك في انتظار ملاءمة مضامين القوانين الجاري بها العمل مع أحكام الدستور الحالي وبالرجوع إلى موضوع هذه الورقة لابد من استحضار نص الفصل 124 من الدستور الحالي الذي يقع ضمن جزء من الباب السابع المتعلق بالسلطة القضائية تحت عنوان حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة هذا الفصل الذي ينص على : "...تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك وطبقاً للقانون ..." وصياغة هذا الفصل تستوجب مقاربتها من جانبين : لغوي وقانوني وإن كان الأمر فيه بعض التداخل كما سيتم بيان ذلك في حينه . ولأجل ذلك وللمقارنة لابد من الرجوع إلى مقتضيات الدساتير التي سبقت الدستور الحالي في شأن الأحكام ، وكذا إلى باقي القوانين والمساطر التي تعرضت لمسألة الأوامر والأحكام والقرارات وكيفية إصدارها سواء شفوياً عندما ينطق بها بالجلسة ، أو مكتوبة بقصد ممارسة الإجراءات بصددها والمسطرة المتبعة في ذلك.
أولاً : المقاربة اللغوية لقد ورد في الفصل 124 من دستور 2011 بشأن الأحكام ما يلي : "...تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك وطبقاً للقانون ..." والتحليل اللغوي يقتضي تتبع مصدر ألفاظ وكلمات هذا الفصل من حيث مدلولها اللغوي ومشتقاتها وعلى الخصوص منها كلمة " تصدر " وسياق ورودها في الفصل 124
فكلمة " تصدر " مشتقة من الصدر وفعلها " صدر " والصدر معناه في اللغة مقدم الشيء وأوله وقد جاء ذلك في معظم المعاجم ففي لسان العرب لابن منظور صَدْرٌ: هو مقدم الشيء وأوله
وفي المعجم الرائد الصَّدْرُ : مُقَدَّمُ كلِّ شيءٍ، يقال: صَدْرُ الكِتاب، وصدرُ النهارِ، وصدْر الأمْرِ. وصَدرُ القوم: رئيسهم. صَدْر المجلس: أوسطه وأعلاه
وكلمة " تصدر " مرسومة بهذا الشكل " [ ت ] [ ص ] [ د ] [ ر ] " بدون تشكيل لا يمكن قراءتها إلا على خمسة وجوه ، فتقرأ :
[ تَصْدُرُ ] و [ تُصْدِرُ ] و [ تَصَدَّرَ ] و[ تُصَدِّرُ ] و [ تُصَدَّرُ ] 1 ـ فإذا قرئت على الوجه الأول: [ تَصْدُرُ ] فهي فعل ثلاثي مضارع أصله " صَدَرَ "، وهو لازم لا يتجاوز فاعله ليأخذ مفعولا به ، بل يكتفي بالفاعل . فنقول : تَصْدُرُ الأصوات من المحرك
2 ـ وإذا قرئت على الوجه الثاني: [ تُصْدِرُ ] فهي فعل رباعي مضارع أصله " أَصْدَرَ " زيدت الهمزة في أوله وهو فعل متعدي يتجاوز فاعله ليأخذ مفعولا به فنقول: تُصْدِرُ السيارة صوتًا أَصْدَرَ الْمُديرُ أَوامِرَهُ : أَعْلَنَها أَبْلَغَها. أَصْدَرَ الكاتِبُ كِتاباً جَديداً" : نَشَرَهُ، أَخْرَجَهُ.
3 ـ وإذا قرئت على الوجه الثالث : [ تَصَدَّرَ ] فهي فعل ماضي زيدت التاء في أوله وشددت منه الدال مفتوحةً و وهو فعل متعدي إلى المفعول به فنقول: تَصَدَّرَ الرئيس المجلس ، جلَسَ في صَدْرِ المجلِس تَصَدَّرَ فلانٌ:. تقدَّم قومَه. تصدَّر العدّاء المتسابقين جميعهم: سبقهم
4 ـ وإذا قرئت على الوجه الرابع : [ تُصَدِّرُ ] فهي فعل مضارع شددت منه الدال مكسورةً وهو فعل متعدي إلى المفعول به فنقول : تُصَدِّرُ الدولة البضاعة : ترسلها إلى بلَدٍ آخر.
5 ـ وإذا قرئت على الوجه الخامس : [ تُصَدَّرُ ] فهو فعل مضارع أصله صَدَرَ، مبني للمجهول حذف فاعله، واستعيض عنه بنائب الفعل فنقول: تُصَدَّرُ البضاعة : ترسل إلى بلَدٍ آخر
وباستقراء أوضاع الكلمة المقصودة في هذا البحث " تصدر" يتضح أن اثنتين من الصيغ الخمس السابقة هي التي يمكن أن يقرأ بها الفصل 124 من الدستور دون غيرها حتى يستقيم معناها وهي : " تَصْدُرُ " و " تُصَدَّرُ " فالصيغة الأولى : " تَصْدُرُ الأحكام " يلاحظ أنه من الناحية الحسية والعملية لا يمكن تصورها إلا عند النطق الشفوي بالأحكام ، لكون الأحكام لا تصدر لوحدها وبصفة تلقائية وإنما لا بد لها من مُصْدِر ، فهي حقيقةً تصدر عن الناطق بها عند قراءتها والنطق بها ، ومجازا عن الهيئة الحاكمة أو المحكمة قبل إصدارها مكتوبة على الورق .فنقول : أصدرت المحكمة القرار ونعني به رئيس الجلسة أما الصيغة الثانية : تُصَدَّرُ الأحكام " وإن كان يمكن تصورها عند النطق بالحكم بأن يصرح الناطق بالحكم في بداية تلاوته " باسم الملك ... " فإنها لا تتحقق إلا بعد تحرير وثيقة الحكم حيث تتصدر طليعتَه مكتوبة قبل باقي بياناته المكتوبة الأخرى فتظهر الصيغة عندئذ في الصدارة . فالمراد إذن من صَدْرِ الأمر أو الحكم أو القرار استناداً لما ذكر هو مقدمته وأعلاه وذلك حسب المدلول اللغوي لمعنى الكلمة كما تقدم هذا من ناحية المقاربة اللغوية
* * *
ثانياً ً: المقاربة القانونية لقد سبق أن أشرنا إلى أن أصل العبارة التي أمر القانون أن تكون في طليعة كل حكم ومقدمته أساسها الفصل 124 من دستور 2011 وتجدر الإشارة إلى أن الدساتير السابقة للدستور الحالي تضمنت نفس العبارة دون أن تعطف عليها عبارة وطبقاً للقانون تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك هي عبارة تضمنتها الفصول : 83 من دستور 1962 77 من دستور 1972 81 من دستور 1992 83 من دستور 1996 والفصول المذكورة كلها جاءت في الباب المتعلق " بالقضاء " كما أن ترجمتها باللغة الفرنسية في تلك الفصول وردت بالصيغة التالية : Les jugements sont rendus et exécutés au nom du ROI إلا أن الدستور الحالي ( دستور 2011 ) جاء بزيادة عبارة " وطبقاً للقانون " تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك وطبقاً للقانون "Les jugements sont rendus et exécutés au nom du ROI et en vertu de la loi" ولا يخفى أن الدستور الذي يعتبر القانون الأسمى ينص في العادة على المبادئ العامة التي تنظم الحياة السياسية والاجتماعية إلى غير ذلك من مناحي حياة المواطنين ولا يتطرق لتفاصيل تلك المبادئ وجزئياتها ويحيل في ذلك على بقية القوانين الأدنى من حيث التشريع لتنزيل تلك المبادئ بواسطة وسائل التشريع الأخرى من ظهائر أو قوانين تنظيمية أو مراسيم أو غير ذلك . وزيادة على ما تتصف به القوانين المنزلة لمقتضيات الدستور يجب استحضار أمر هام يتمثل في أن تلك القوانين يجب ألا تتعارض مع مقتضيات الدستور ومبادئه العامة سواء من حيث موضوعها أو من حيث الجهة المخول لها قانوناً إصدار تلك القوانين وإلا لاتسمت بعدم الدستورية ؛ فلا يجوز دستورياً إصدار قانون معارض لمقتضيات الدستور . ولأجل ذلك وجب أن يعرض كل قانون بعد إعداده المجلس الدستوري ( المحكمة الدستورية التي سيصدر قانونها التنظيمي بمقتضى الدستور الحالي ) لمراقبة دستوريته وانسجامه مع المبادئ العامة التي جاء بها الدستور ( الفصل 132 من الدستور ) كما قد يحدث أن تنتبه جهة ما إلى أي فصل أو مبدأ أو أي جزئية في القانون تتعارض مع نص الدستور أو روحه ، فلهذه الجهة آنذاك أن تطعن بعدم دستورية القانون وتقدمه كدفع لتتصدى بذلك المحكمة الدستورية سواء بالإلغاء أو بالتفسير ، فتلغي القانون وترجعه للجهة المصدرة لعدم دستوريته أو تقوم بتفسير القانون بالشكل الذي أخرجته به جهة تشريعه لوقوعه أصلاً ملائما للدستور ، وترفع بذلك الغموض أو اللبس الذي يشوب النص القانوني ( الفصل 133 من الدستور) ولا يتسع مجال هذه الورقة للخوض في تفاصيل موضوع دستورية القوانين ومسطرة إثارتها لكون التعرض لهذه المبادئ العامة بشكل مختصر جاء فقط بمناسبة الموضوع . غير أنه من الرجوع للمقتضيات التي تضمنتها النصوص القانونية التي صدرت بعد تاريخ دخول دستور 2011 حيز التطبيق وعلى الخصوص الفصل 124 منه كان من المنتظر أن تكون هذه النصوص التشريعية واضحة الدلالة ومتطابقة مع مقتضياته التي نص عليها فيما يتعلق بصدور الأحكام ؛ وفي حالة صدورها غامضة أو غير متطابقة فإن الأمر لا يخلو من تصورين : * فإما أنه يتعين تصحيح الوضعية بإلغاء الجزء المتعارض منها مع الدستور لعدم دستوريته مع ما يقتضيه ذلك من سلوك الإجراءات التي سبقت الإشارة إليها ( ف 132 و 133 من الدستور ) * وإما أن الأمر لا يعدو أن يكون غموضاً أو التباساً في معاني وألفاظ النص القانوني عند قراءتها يحول دون فهمه على حقيقته مما يحول دون تحقيق المراد منه ، وعندها يتعين العمل على رفع هذا الغموض أو اللبس حتى يظهر النص على حقيقته الأصلية ويؤدي المراد الذي قصده واضعه . وفي تقديري أن التصور الثاني هو الوارد في موضوع هذه الورقة . وحتى تتضح الصورة بشكل جلي يتعين التذكير بأن القوانين التي صدرت بعد دخول دستور 2011 حيز التنفيذ ونذكر منها بالخصوص قانون المسطرة المدنية، وقانون المسطرة الجنائية، والقانون المنظم لقضاء القرب ( وكلها صدرت بتاريخ 2001.08.17 ) يظهر أن الفصول الواردة فيها والتي تنظم إجراءات سير المسطرة أمام مختلف المحاكم والمجالس التي تصدر الأحكام ؛ يظهر أنها جميعاً تستوجب أن تتصدر الأوامر والأحكام والقرارات عبارة باسم جلالة الملك دون ذكر لعبارة وطبقاً للقانون وجاءت بذلك خالية من العبارة المذكورة . ـ فالفصل 375 من قانون المسطرة المدنية بعد تتميمه وتعديله والصادر بتاريخ 2001.08.17 ينص على : يصدر المجلس الأعلى قراراته في جلسة علنية باسم جلالة الملك ـ والفصل 50 من نفس القانون ينص على : تصدر الأحكام في جلسة علنية وتحمل في رأسها العنوان التالي المملكة المغربية باسم جلالة الملك " ( يلاحظ هنا زيادة المملكة المغربية والتي كانت قبل تغيير وتتميم الظهير) ـ الفصل 365 من قانون المسطرة الجنائية بعد تتميمه وتعديله الصادر بتاريخ 2001.08.17 ينص على: " يجب أن يستهل كل حكم أو قرار أو أمر بالصيغة الآتية المملكة المغربية، باسم جلالة الملك "( يلاحظ هنا أيضاً زيادة المملكة المغربية والتي كانت قبل تغيير وتتميم الظهير) ـ الفصل 7 من القانون المنظم لقضاء القرب الصادر بتاريخ 2001.08.17 ينص على: " تكون جلسات أقسام قضاء القرب بجلسة علنية وتصدر الأحكام باسم جلالة الملك وتضمن بسجل خاص بذلك كما تديل بالصيغة التنفيذية " ـ المادة 16 القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري ( في انتظار صدور القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية ) تنص على: " يبت المجلس الدستوري في القضايا المعروضة عليه بعد الاستماع إلى تقرير عضو من أعضائه يعينه الرئيس ولا تكون مداولاته صحيحة إلا إذا حضرها تسعة من أعضائه على الأقل وتصدر قراراته باسم الملك وتتخذ بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم "
وبذلك جاءت هذه القوانين غير متضمنة للصيغة الواردة في الفصل 124 من الدستور. وأعتقد أن الإشكال سببه كلمة " تصدر " التي سبق أن تعرضنا لمدلولها اللغوي والنحوي؛ وعند تطبيق الملاحظات السابق ذكرها يتضح أن نية المشرع انصرفت إلى معنى " تصدير الأحكام " وليس إلى معنى " صدور الأحكام " وأعتقد أنه لا يمكن أن يستقيم الوضع ويتدارك عن طريق صدور منشور أو مذكرة لكونها توجيه من الوزارة ـ وإن كان ملزما للموجه إليهم ـ لأنه لا يرقى من حيث مرتبته التشريعية إلى مرتبة الظهير فضلاً عن مرتبة الدستور ، ولكون المنشور بحد ذاته يتحدث عن عدم الملاءمة . ويجب بذلك قراءة النص على الشكل التالي : تُصَدَّرُ الأحكام وتنفذ باسم الملك وطبقاً للقانون أي أن الأحكام تصدر باسم الملك وتنفذ طبقاً للقانون . أي أن الأحكام تُصَدَّرُ بعبارة باسم الملك فتكون في مطلعها / وتنفيذها يكون طبقاً للقانون وتعديل أوضاع كلمات النص دون الإخلال بمعناه ومدلوله يُمَكّن من فهم مدلول ومراد الفصل 124 حين يُقرأُ على هذا الوجه: تصدر الأحكام باسم الملك وتنفذ طبقاً للقانون فتبقى الصدارة في الحكم لعبارة باسم الملك، ويطبق القانون فيما يتعلق بتنفيذ هذه الأحكام. وعندها سندرك بشكل واضح أن الدستور في فصله 124 لم يكن قصده منصرفاً إلى تصدير الأحكام بالعبارة التي أصبحنا نلاحظها في مطلع الأحكام اعتقاداً من واضعيها أن صدارة الأحكام يجب أن تضاف إليها عبارة " طبقاً للقانون " ويتعين بذلك التراجع عن إضافتها في صدارتها . وهناك دليل أخر قانوني أهم من سابقه يرجح هذا المنحى ويؤيد هذا الطرح ومؤداه أن الأوامر والأحكام والقرارات عند تنفيذها لابد لذلك ولا مندوحة من سلوك الإجراءات المسطرية التي تتضمنها مسطرة التنفيذ ، هذه الإجراءات التي تبتدئ بطلب نسخة مشهود بمطابقتها للأصل ( النسخة التبليغية ) لتبليغها للمحكوم ضده والحصول بعد ذلك على ( النسخة التنفيذية) التي تحمل الصيغة التنفيذية المذكور نصها الحرفي في الفصل 433 من ق.م.م. والذي ينص بالمناسبة على ضرورة أن تتضمن العنوان المنصوص عليه في الفصل 50 من ق.م.م. : (( وبناءً على ذلك يأمر جلالة الملك جميع الأعوان ويطلب منهم أن ينفذوا الحكم ( أو القرار ) كما يأمر الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك لدى مختلف المحاكم أن يمدوا يد المعونة لجميع قواد وضباط القوة العمومية وأن يشدوا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانونياً )) وعلى طالب التنفيذ انتظار انصرام أجل الطعن إذا لم تكن مشمولة بالنفاذ المعجل ، حيث يتعين عند ذلك الحصول على شهادة بعدم الطعن إذا كانت نوعية الطعن توقف التنفيذ ، وعند ذلك يفتح ملف التنفيذ ويكلف به مفوض قضائي أو مأمور إجراءات التنفيذ من المحكمة حسب طبيعة ونوع التنفيذ ، ويمكن للمحكوم ضده ممارسة مسطرة وقف التنفيذ عند وجود ما يبرره . كما أنه لا يجوز تنفيذ حكم انصرم أجل30 سنة على يوم صدوره( الفصل 428 من ق.م.م ) وهذه كلها إجراءات تفصيلية لا يمكن للدستور التعرض لها ولذلك اكتفى بالنص على أن التنفيذ يجب أن يكون طبقاً للقانون . ومجموع هذه الإجراءات التي تلي صدور الأحكام هي الطريق المسطري والقانوني لإمكانية تنفيذها ، أي أنها تنفذ " طبقاً للقانون " ولا يمكن تنفيذها خارج الإطار القانوني الذي تنظمه كل مسطرة على حدة ، ويكون التنصيص على كون الأحكام تنفذ طبقاً للقانون في طليعة الأحكام وإقحامها بهذا الشكل عملاً زائداً لا مبرر له . كما أن عدم كتابة هذه العبارة لا يعتبر عيباً مسطرياً يعيب الحكم ويؤدي إلى فساده مسطرياً ، وذلك بخلاف عبارة باسم الملك التي نص الفصل 124 من الدستور على وجوب تصدير الأحكام بها وجوباً ويؤدي إغفالها إلى عدم قانونية الأمر أو الحكم أو القرار ويعرضه للنقض . * * * وخلاصة القول أن هناك خلافاً واضحاً بين عبارتي تَصْدُرُ و تُصَدَّرُ فالبنسة للفظة الأولى تُستحضر عند نطق القاضي بالحكم وعندها يُنطق به في الجلسة مسبوقاً بعبارة باسم الملك وبالنسبة للفضة الثانية تُستحضر عند كتابة الحكم وتحريره وعندها يجب أن تكون فيه عبارة باسم الملك متصدرة في طليعته ولا حاجة لزيادة عبارة وطبقاً للقانون منطوقةً ولا بحشرها في صدر الأحكام مكتوبةً.
خاتمة : يتضح مما سبق بيانه من خلال هذه الورقة أن فهم النصوص القانونية على اختلاف أنواعها واختلاف المجالات التي تنظمها لابد فيه من معرفة واسعة بلغة صدورها وأن يكون المتعامل معها متمتعاً بملكة اللغة والتعبير والبلاغة وممسكاً بناصيتها ، وإذا كان هذا الأمر ضرورياً لواضع التشريعات فهو بالأولى والأحرى ضروري للمتعاملين معها من محامين وقضاة ورجال القانون بعد وضعها . وإذا كان من اللازم أن يكون المحامي متوفرا على هذه الأدوات لمصادفته في عمله اليومي عبارات وألفاظاً تستوجب فهمها أولاً ، وسياقات ورودها في النصوص القانونية ثانياً ، فإن دور ومهمة القاضي لا تقل أهمية عن ذلك لأنه مكلف بتنزيل الأثر المادي الملموس للأحكام والقرارات التي يصدرها ، وكم من قرارات استحال تنفيذها للبس أو لغموض منطوقها إما تعبيراً أو قانوناً فيتم اللجوء لطلب تفسيرها مع ما يعني ذلك من تعطيل مصالح المتقاضين . وأختم هذه الورقة التي تداخل فيها القانون باللغة بما روي عن أبو أسود الدؤلي ( وهو ملك النحو وأول من وضع قواعده بتكليف من علي بن أبي طالب علي رضي الله عنه) من أن حديثاً دار بينه وبين ابنته جعله يهم بتأسيس علم النحو وذلك عندما خاطبته ابنته بقولها : ما أجملُ السماء ( بضم اللام لا بفتحها ) فأجابها بقوله : (نجومُها) فردت عليه بأنها لم تقصد السؤال بل عنت التعجب من جمال السماء, فقال لها قولي ما أجملَ السماءَ ( بفتح اللام لا بضمها ) فأدرك حينها مدى انتشار اللحن في الكلام وحينئذ وضع النحو.
وإلى ورقة أخرى إن شاء الله ذ.عمر ادحوم المحامي بهيئة الدار البيضاء الدار البيضاء في 2012.04.02 [email protected] المراجع : ـ دستور 2011 كما تم نشره بالجريدة الرسمية ـ لسان العرب لابن منظور ومعاجم أخرى ـ الجرائد الرسمية ذات الصلة ـ قرارات المجلس الدستوري ـ منشور وزارة العدل
#عمر_ادحوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض
...
-
اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
منظمة حقوقية يمنية بريطانيا تحمل سلطات التحالف السعودي الإما
...
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|