|
سوريا..... والمعركة المفتوحة على كل الاحتمالات!!!
شمدين شمدين
الحوار المتمدن-العدد: 3769 - 2012 / 6 / 25 - 14:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مؤتمر يتلو مؤتمرا ، جدال اثر جدال ، مجموعات تلتئم وأخرى تنفرض ، ومجزرة تتبع مجزرة ، سلاح يتكلم وألسنة تخرس ، انشقاقات وائتلافات وكتائب تشكل والأرض تتهيأ لفصول الحرب الأهلية التي يراها مسؤول عمليات السلام في الأمم المتحدة قائمة على قدم وساق في سوريا الثائرة منذ سنة وشهور ، نعم ربما تكون الحقيقة المرة هي كذلك ،ولا سيما بعد تعليق بعثة المراقبين الدوليين لعملها ،بسبب تزايد موجة العنف وعدم تمكنها من وقف المجازر والقتل المروع ، فالمدن مازالت تدك بالمدافع وتقصف بالطائرات ،والقرى تباد ،والعسكر يقتلون ويُقتلون ،والنساء تنتهك أعراضها ،والأطفال تمثل بجثثهم ،وكل ذلك بأيد سورية ، سوريون يقتلون سوريين ،ومعالم الحياة في الوطن تُمحى على يد أبناء الوطن . مهما سمينا هذا الفصيل أو ذلك ، ثائر ، وطني ، شريف ، معارض ، عميل ، خائن ، مهما بررنا لهذا العنف أو ذاك ، مهما حاولنا تناسي آلام صنعها الكبار ، إلا إننا لا يمكن أن ننكر حقيقة وطن بات ساحة لحرب بين أهليه ، وصراع بين ساكنيه ، فالمنشقون من الجيش كانوا بالأمس القريب زملاء لأولئك الذين يحاربونهم ، والذين يهاجمون القرى ويبيدونها هم من قرى مجاورة تعايشوا معاً بسلام لعقود طويلة ، هل تنامى الحقد في الصدور إلى هذا الحد ، هل يستحق الكرسي كل هذا الإجرام والقتل ، هل هي معركة موت أو حياة كما يحلو للبعض تسميتها ،أم هي معركة للتحرير كما يسميها آخرون ، فلنعلنها صراحة ، هي معركة وصراع كبير ،خاصة بعد أن علا أزيز الرصاص صيحات وهتافات الحرية والكرامة ، وطغت مشاهد العسكر المحتمين بالجبال والجاهزين لخوض غمار الثورة المسلحة ، على اعتصامات الجماهير في الساحات العامة ،وخيم المناضلين والمعارضين أمام السفارات الخارجية ومؤسسات الأمم المتحدة. يقول ابن حماة الجريحة محمد الماغوط : (يا عتبتي السمراء المشوهة ، لقد ماتوا جميعا أهلي وأحبائي 000 ماتوا على مداخل القرى وأصابعهم مفروشة كالشوك في الريح000 لكنني سأعود ذات ليلة ومن غلاصيمي يفور دم النرجس والياسمين ). ربما تتشابه الأوضاع في مسقط رأسه اليوم مع كلماته تلك ، بل ربما لو كان حيا بيننا لأضاف (مات جميع أهلي وأحبابي ،قطعت رقابهم ،وأحرقت جثثهم بدم بارد ، باتت الريح تنثر نواح وصراخ أمهاتهم في الوديان السحيقة المقفرة ، حتى شجر الحياة في جوانح أفئدتهم يبست ،خوفاً من مناشير الألم والوجع التي بترت سيقان أحبائهم الصغار قاطعة اتصالهم بنسغ الوطن العزيز ). هي الحرب الأهلية يقول وزير خارجية فرنسا ،وعلى الجميع أن يستعد للاسوء فمازالت هناك الصواريخ والطائرات الحديثة والأسلحة المحرمة دوليا والأرض المحروقة ، مازال هناك من يصارع باسم الطائفة ،ويعارض باسم الطائفة وهو ما شاهدناه جميعا في حلقة الاتجاه المعاكس الأخيرة التي بثتها فضائية الجزيرة القطرية. لقد كانت الثورة حلم السوريين جميعا في رؤية وطن حر كريم 000 لقد حلموا بثورة سلمية وطنية صرفة ، لا مكان فيها للشعارات الطائفية أو العنصرية من أية جهة كانت ، لكن يبدو أن شراسة السلطة الحاكمة والقمع الفظيع لكل الأصوات المنادية بالحرية إضافة إلى التواطئ الفاضح لدول العالم مع النظام ، وبطء حراك المجتمع الدولي لوضع حد لآلة النظام القمعية ووقف إبادة الشعب المسالم ، جعل اليأس يخترق القلوب والأمل يخبو شيئا فشيئا من وجود ضوء في نهاية النفق ، وهو ما عبرت عنه كبيرة مستشاري شؤون الأزمات في منظمة العفو الدولية حين قالت (في كل مكان ذهبت إليه التقيت أناسا مذهولين من صمت العالم لما يحدث لهم وعدم قيامه بأي شيء لنجدتهم ) ، هذا الذهول من صمت العالم كان السبب الرئيس لاتجاه الثورة نحو العسكرة ،حيث غدا السلاح الوسيلة الوحيدة لصد رصاصات القناصة الغادرة الموجهة إلى صدور المتظاهرين السلميين ، وهو ما سمح بالتالي لمجموعات المتاجرين والمتسلقين على أكتاف الثورة ، ليبثوا سمومهم الطائفية مثلهم مثل النظام وليجعلوا من المشهد السوري اكثر قتامة وخرابا وعنفا . في الفيزياء لكل فعل رد فعل يساويه بالقوة ويعاكسه بالاتجاه ،ولكن هذا القانون لا ينطبق على الثورات ، فلا يمكن تبرير القتل والتنكيل والاعتداء على مخالفي الرأي بجرائم النظام وقمعه وعنفه الشديد ، فالثوار هم الصادقون ،هم الطاهرون وهم الحريصون على قدسية الوطن وسلامة أبنائه،هذا ما علمنا إياه التاريخ ،والثورة ذاتها هي الطريق إلى الحقيقة والضياء ، هي الدرب الذي يسير عليه كل عشاق الكرامة نحو المدى الرحب والعيش الكريم ، وهي لا تعني بالتالي المضي على الخطى ذاتها ،واتباع النهج والأسلوب الاقصائي القمعي ذاته. الحرب الأهلية يجب ألا تكون الحقيقة المسلم بها الآن في سورية ،وان أصبحت واقعا فعلى الجميع تلافي ما هو أسوء منها ، وهي الحرب الطائفية التي تنطلق من أفكار عقائدية ،لتمارس الإجرام والقتل باسم الدين واسم الطائفة . إن القتل على الهوية أدى بأرواح الآلاف من العراقيين واللبنانيين في السنوات والعقود الماضية ، والخوف كل الخوف أن تنحدر الأوضاع في سورية إلى هذا المنعطف الخطير المرعب ، والذي لن يرحم أحدا ولن يترك أرضا خضراء إلا ويبيدها ويفني كل ما عليها من حياة ، لذلك إذا لم يتوقف العنف والقتل ومسلسل الرعب ليفسح المجال أمام الحلول السياسية ، فعلى الأقل يجب أن يبقى الصراع محصورا بين الجيش النظامي والجيش الحر ،وان لا تصل الأمور إلى الحد الذي يتم فيه إحراق الجميع في أتونه . من جديد اقتبس من الماغوط (إن أمل الحياة سقط في السجن وكذلك الجمال والفرح كان هناك الكثير من الرعب ، قسوة ورعب ، حذاء الشرطي لن أنساه ، كان الشرطي يتقطر عرقا وهو يمارس فعل التعذيب ) لقد تحول الوطن إلى سجن كبير ، سجن فيه الكثير من الرعب ،واختفى من ربوعه الجمال والفرح ، لقد بات الحزن نزيل كل دار وشرفة ، أصبحت الجدران تهذي من ألم الفراق ، فراق الأحبة ،اثر اعتقال ، أو موت أو حرق أو اغتصاب أو تهجير أو نفي أو حز رقبة أو تشويه جسد وبتر لسان . هو وطن الأبجدية الأولى الذي بات أهله لا يفهمون لغة بعضهم بعضا ليصبح الرصاص لغة التخاطب الوحيدة اليومية ،وغدا الجميع عابسي الوجوه حزانى ، على خشبة مسرح ملطخ بالدماء ، سبت الممثلون فيه لمدة أربعين عاماً ، ثم استيقظوا فجأة ليحلموا بغد حر وبتغيير سريع ، لكن هاهنا الفرعون الأكبر ،الذي يظهر انه لن يتنازل عن جبروته هكذا ببساطة ،والطريق إلى الخلاص منه تبدو شاقة و طويلة ،والوطن مازال يعج باللاعبين ويستعد لاستقبال المزيد والمزيد ، لكن الواضح إن الجميع سيرفع يده ذات مساء ،ليشرب نخب بلد على حافة الانهيار ، وليصيح من بعدها كل ساكنيه كما صاح الماغوط من قبل ، كاسك يا وطن الأحزان .
#شمدين_شمدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة الياسمين :من خطف منا حريتها؟
-
سوريا :أزمة الضمير العالمي!
-
المعارضة السورية والصراع على الضحية قبل ذبحها!!
-
أطفالنا ...من يحميهم من ظلم ذوي القربى؟
-
ثقافة السيتي باص!
-
يا أبناء أمة اقرأ : اقرؤوا قليلاً!
-
لا مكان للشرفاء هنا!
-
اسامينا!
-
شمعدان الاحزان
-
الهروب الى الوطن!
-
ارادة الحياة !
-
قامشلو
-
الى أزاد (لذكرىانتفاضة قامشلو)
-
لوك جديد!
-
المنقذ الأمريكي!
-
حين يصبح الطلاق حلاً!
-
الفقر والفساد وأشياء أخرى
-
الدراما السورية بين محظورٍ ومنظور!
-
تركية والفرص الضائعة
-
في رمضان..هل يصوم المتشددون عن العنف
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|