|
العنصر الثالث لدعم الاستقرار والتوازن الاجتماعي
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1103 - 2005 / 2 / 8 - 11:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هناك عناصر أساسية تؤسس لحالة الاستقرار والتوازن الاجتماعي، وبدونها لايمكن أن يشهد المجتمع استقراراً وتضامناً بين أفراده. ويأتي في مقدمتها القيم الدينية والأعراف الاجتماعية التي تعتبر الأساس العملي للعقد الاجتماعي، فالتقاء الأفراد ضمن مجموعات والمجموعات مع بعضها بعض تشكل مجتمعاً تضامنياً يستند في مجمله إلى رابطة الدم والأخلاق المنبثقة عن منظومة الأعراف الاجتماعية إضافة إلى القيم الدينية التي تشكل الشبكة والأواصر وما يربط المجموعات البشرية بعضها مع البعض الآخر. إما العنصر الثاني المؤسس للتضامن الاجتماعي، هو عنصر القانون المعزز لمنظومة الأعراف والقيم الدينية بصيغة حضارية تستند في تطبيقاتها إلى إجراءات عقابية رادعة تعمل على حماية المجتمع من الخارجين على أعرافه وقيمه المتوارثة عبر التاريخ. وبالرغم من أهمية العنصرين السابقين لتحقيق التضامن والاستقرار الاجتماعي، لكنهما غير فعالين ما لم يرفدهما العنصر الثالث إلا وهو القوة. فالقوة الرادعة، تلزم أفراد المجتمع على الالتزام القسري بالعنصرين السابقين اللذين يعملان معا على خلق ضوابط صارمة تعيق استخدام القوة المفرطة وغير الشرعية ضد المجتمع. وبتلك العناصر الثلاثة يتشكل الأساس المتين لمجتمع متماسك ومتضامن يسوده العدالة والمساواة. ويعتبر ((دوركيم))" أن قواعد الردع والعقاب، العنصر الثالث لدعم الاستقرار والتوازن في إطار مجتمع التضامن الآلي بهدف دعم بناؤه المعياري عن طريق إعادة ترسيخ البناء في روح أفراده وبناء شخصيتهم عبر استخدام وسائل عقابية". ونجد هناك عنصر رابع لتحقيق التضامن والتوازن الاجتماعي، أفرزته التحولات الكبيرة المحدثة في التشكيلة الاقتصادية والتقدم الصناعي وما شهده العالم ألا وهو عنصر المصالح الاقتصادية المشتركة. فالمجتمعات أصبحت ترتبط أكثر بعضها مع بعض من خلال تبادل المصالح الاقتصادية وينسحب ذلك على أفراد المجتمع ذاتهم حيث تتعزز العلاقات التضامنية بين أفراده حينما تتعدد أوجه المصالح لتحقيق المنفعة المتبادلة. فكلما زادت الحاجة بين أفراد المجتمع لتبادل المصالح فيما بينهم لتحقيق المنفعة المتبادلة، كلما زاد الحرص على تعزيز أواصر تلك العلاقة. مما يؤسس لحالة التضامن والاستقرار الاجتماعي، انطلاقاً من المصلحة الذاتية المرتبطة بشبكة المصالح العامة وما تحققه من تبادل المنفعة. هذا العنصر الرابع، يسلط ضغطاً إضافياً على العناصر الثلاثة السابقة لأنه يشجع على بروز السلوك (الطبيعي) الأناني للفرد لتحقيق أكبر قدر ممكن من المنفعة باستخدام أساليب ملتوية وخارجة عن القانون وعلى حساب الآخرين. مما يتطلب استخداماً لمزيد من القوة للحد من هذا السلوك الجامح والساعي إلى الاستغلال والحصول على المزيد من المنفعة غير الشرعية. يعتقد ((سان سيمون))" أن القوة في كل المجتمعات المنظمة تنقسم إلى مجموعتين: الأولى تتحكم في القوة الفعلية والأخلاقية، والمجموعة الثانية تتحكم في القوى المادية للمجتمع، وكلاهما تمارسها سلطات منظمة تشكل في محصلتها الطبقة الحاكمة". وهنا يتوجب النظر إلى أن فعل استخدام القوة الذي يمكن أن يأخذ اتجاهين: الأول إيجابي والثاني سلبي. فالاستخدام الايجابي لفعل القوة يحقق التضامن الاجتماعي، ويؤسس لحالة الاستقرار والأمان ويحد من التجاوزات على القانون. في حين أن الاستخدام لفعل القوة السلبي، يؤدي إلى الإضرار بمصالح المجتمع أو لتحقيق المصالح الخاصة في حال وجود سلطة استبدادية أو عناصر متنفذة في سلطة القرار. تسعى لتحقيق المصالح الشخصية عبر استخدام القوة (الشرعية للسلطة) لانتزاع المنفعة الكلية من أفراد المجتمع، وتبرز هذه الحالة أكثر عند غياب سلطة القانون. لذا فأن العناصر الثلاثة (أو الأربعة) متلازمة ومهمة لتحقيق التضامن والاستقرار الاجتماعي، وأي إخلال بإحداهم سيؤثر سلباً على حالة التوازن في المجتمع. إن استخدام القوة ضد الخارجين على أعراف وقيم المجتمع، تعتبر استخداماً شرعياً بما يؤسس لحالة العدالة وإحقاق الحق وبالضد من ذلك لايمكن منحها الشرعية. كما لايجوز استخدام القوة المفرطة ضد المجتمع بحجة إلزامه بالعقد الاجتماعي، طالما هناك حلولاً سلمية متاحة لإجراء تسوية عادلة بينها وبين السلطة لتحقيق المطالب الممكنة بغرض إحلال الوفاق الاجتماعي. وعملاً بالقول المأثور:" إن القوة لاتصنع الحق، إلا حين نريدها أن تصنعه". وبالرغم من أن استخدام القوة، يشكل الثقل الأساس لحالة التضامن والوفاق الاجتماعي، فيجب تأطيرها بالقوانين اللازمة حتى لايخرج هذا المارد (القوة) عن دوره الإيجابي المطلوب. وبالضد من ذلك فأن دوره السلبي سيطال العناصر الأخرى للتضامن والتوازن الاجتماعي، ويؤسس لحالة الفرقة وتفكك أواصر المجتمع. وعليه يتوجب تعزيز سلطة القانون في المجتمع، لأنها الكابح والمحدد لفعل استخدام القوة غير الشرعية ضد السكان. وتعزز سلطة القانون من خلال التزام السكان بالعقد الاجتماعي والسياسي والاحتكام لسلطة القانون في فض النزاعات بين أفرادها أو بين المجتمع والسلطة السياسية. إن الاحتكام إلى سلطة القانون، يعزز مواقف المجتمع ويضعف إجراءات الردع والعنف للسلطة السياسية. وهذا الأمر يؤدي بدوره إلى تعزيز الرقابة الشعبية على أداء السلطة السياسية من خلال الاستخدام الايجابي لسلطة القانون للحد من تجاوزات وانتهاكات السلطة السياسية لمبادئ القانون.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلطة القانون في المجتمع
-
مواصفات الرئيس وشروط الرئاسة
-
شروط وآليات العقد السياسي والاجتماعي في كتابة الدستور
-
المرأة والحب في عالم الفلاسفة والأدباء
-
انعدام سُبل الحوار والنقاش مع الإنسان المقهور
-
النزاعات العرقية والمذهبية في المجتمعات المقهورة نتاج سلطة ا
...
-
تنامي ظاهرة الحقد والعدوانية في المجتمعات المتخلفة
-
شرعنة العنف والقتل في الدولة الإرهابية
-
العنف والإرهاب نتاج طبيعي للتخلف والاستبداد
-
سلطة القانون وآليات الضبط الاجتماعي في المجتمعات المتخلفة
-
الطاغية المستبد والشعب المقهور
-
الاستبداد والعنف وانعكاسه على المجتمع
-
الشعوب المقهورة والزعيم المنقذ
-
العسكرة والأدلجة في الثقافة والإبداع
-
نتائج العنف والاستبداد على الشعوب المقهورة
-
الحثالات والرعاع في المجتمع المادة الخام للإرهاب
-
موقف الفلسفة من الشعر والشعراء
-
سلطة الطغاة والشعوب المضطهدة
-
السياسيون وراء قضبان العدالة
-
أنماط الوعي والإدراك في الصراع الاجتماعي
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|