الاستهتار بحقوق الإنسان من المنظور الأمريكي

سمير عادل

الحوار المتمدن-العدد: 1 - 2001 / 12 / 9 - 01:08
المحور: حقوق الانسان
    

أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ، وبهذه العملية تكون أول صفعة قوية توجه لها بعد انتهاء الحرب الباردة وبعد أن أعلنت بأنها "الزعيم الأوحد" في الدفاع عن حقوق الإنسان وراية الديمقراطية في العالم واستفرادها بالتدخل في شؤون الدول التي لا تدور في فلك سياساتها عن طريق تلك الشعارات.
يعلل المراقبون الأمريكيون إن إدارة بوش الجديدة لم تجيد فن الدبلوماسية لذلك سقطت في أول اختبار أمام إعادة هيمنتها على المنظمة الدولية ، ومن التحليلات أيضا بأن نفس تلك الإدارة أدارت ظهرها للمجازر التي تحدث للفلسطيينين بل والادهى من ذلك بأنها تساعد وتدعم إسرائيل في سياستها القمعية ضد شعب اعزل، وآخرين حللوا بأن أمريكا تجرأت وطالبت 35 دولة لمعاقبة الصين لانتهاكها حقوق الإنسان ، وإضافة إلى كل ذلك أن الإدارة الجديدة لبوش أعلنت عدم جدوى اتفاقيات الألغام الأرضية أو حول سخونة الهواء وغيرها. لكن هل أن كل تلك التحليلات تفسر لنا بأن 53 دولة التي صوتت للدول التي تستحق عضوية لجنة حقوق الإنسان مهتمة حقا "بحقوق الإنسان" ! أم أن تلك الدول تعلمت من ساسة البيت الأبيض كيف تلعب بمسألة "حقوق الإنسان" ضد الدول التي لا تراعي مصالحها؟
إن المفارقة الحقيقة والتي تكشف زيف ادعاءات كل تلك الدول حول حقوق الإنسان بأنها اختارت السودان لتحل محل أمريكا ، هذه الدولة المعروفة "بمتاجرتها بالرقيق "في بداية الألفية الثالثة، ناهيك عن تعذيب مخالفيها السياسيين في بيوت خاصة تعرف ببيوت الأشباح عند السودانيين إضافة إلى المجازر التي ترتكبها ضد الأبرياء من النساء والأطفال في جنوب سودان .وأن قوة الصفعة لا تكمن فقط في طرد أمريكا من اللجنة بل أن تحل السودان محلها، تلك الدولة التي تحتل مكانا في السجل الإرهابي للبيت الأبيض ومحل حملتها ضد السودان لاختراقها لحقوق الإنسان.
أن الصوت الحقيقي الذي أسقط أمريكا من تلك اللجنة الدولية هو الصوت الأوربي الذي يحاول منذ زمن الاستعداد لكسر الهيمنة الأمريكية على العالم. ويبدو أن مناصري السياسة الأمريكية وصانعي تلك السياسة ذهلوا عند سماعهم بالقرار على الرغم من أن كولن باول قد أعلن عشية التصويت بأنه حصل على"43 ضمانة خطية" لكنه لم يحصل إلا على 39 صوت فأين ذهبت تلك الأصوات كما أشار الكاتب سفاير وليام في مقاله المنشور في نيويورك تايمز عدد 7 أيار 2001؟ والذي قال أيضا "ما هي المكافآت التي وعد بها حلفائنا الأوربيين لا سيما فرنسا والنمسا والسويد وهي الدول التي تم انتخابها اليوم(المجلس الأعلى)للرياء والنفاق وهو الشيء الذي تفضل إدارة بوش عدم السؤال في شأنه"؟
تنفس الصعداء أولئك المناوئين للسياسات العنجهية لأمريكا بطرد أمريكا من لجنة حقوق الإنسان التي كانت في عضويتها منذ عام 1947 وسيتولد تفاؤل وأمل بأنها بداية جديدة للعمل على تدشين عالم القطبين وقد يفرح حتى البسطاء من الناس حول قرار طرد أمريكا من تلك المنظمة الدولية إلا أن كل ذلك لا يساوي أبدا استهتار هذه الدول التي صوتت لطرد أمريكا لتحل سودان محلها . وفي الحقيقة نجحت أمريكا بفرض عقليتها حول استخدام ورقة حقوق الإنسان ضد سياسات الدول المعادية لها على العالم وبنفس العقلية طردت أمريكا وجاءت السودان التي لا تقر بوجود الإنسان فكيف إذن حقوقه . فهذا هو العرف الأمريكي الذي بدأت سائر الدول تمشي على خطاه حتى وان غابت أمريكا عنه.

#سمير_عادل (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات