|
إلى متى هذا العجز عن القضاء على الفساد بالكاملة؟
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 3767 - 2012 / 6 / 23 - 14:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إلى متى هذا العجز عن القضاء على الفساد بالكاملة؟ ــ يعتري المجتمع المغربي الكثير من الظواهر المؤسفة، والمظاهر المحرجة، التي ملأت على الناس كل فضاءات الحياة، خاصة في الفترة الأخيرة وعقب تسلم الإسلاميين الحكم في البلاد حيث أصبحت أمرا فاضحا ومشاهدا يشكل خطراً على سلامة العباد، واستقرار البلاد ومؤسساتها ويؤثر سلبا على الذوقيات التي تؤدي إلى السلوكيات المفسدة للروح قبل العقل والبدن، وعلى رأسها تلك الممارسات، ظاهرة الإسراف في كيل الاتهامات والمبالغة في الترويج لأحاديث الفساد وقضاياه المروعة التي تم الكشف عنها وإظهار حجمها المخيف للعلن عبر وسائل الإعلام، وكأنها انجاز عظيم في هذا الظرف الحرج الذي يعاني فيه المغاربة من جميع أشكال الفساد ولسنوات طويلة كانوا خلالها ضحايا نهب واختلاسات الاموال والمحسوبية والتهرب من دفع الضرائب الواسعة النطاق، الذي جعلت المغرب يتبوأ المرتبة الـ 80 في محاربة الفساد بعد تونس التي احتلت المرتبة الـ 73، والتي تعتبر الأفضل في هذا المجال، ، حسب تقرير سنة 2011 الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية يوم فاتح دجنبر، وقبل كل من الجزائر المحتل للمرتبة الـ 112، وليبيا المرتبة الـ 143، وأخيرا موريتانيا في المرتبة الـ 168. وأعتقد أن السبيل الوحيد أمام الحكومة الإسلامية للقضاء على هذا الشر واحتواء نحس آثاره ومخلفاته، كأحد المطالب الاجتماعية التي طرحتها الشعوب خلال انتفاضاتها الشعبية التي هزت المنطقة مؤخرا، هو تنزيل وتطبيق ما اتخذته من شعارات لحملاتها الانتخابية والتي جعلت من "المكافحة المنظّمة للفساد شرط من شروط الحكامة الجيدة" على أرض الواقع، وألا تبقيها خطابات ديماغوجية أيديولوجي كتلك التي تروج لها التشكيلات السياسية وتتخذها شعارات لحملاتها الانتخابية خلال كل استحقاق يعرفه المغرب، والتي كانت تبشر كلها بحل جميع مشاكل الناس وعلى جميع الأصعدة والمستويات، والارتقاء بهم إلى ركب الحداثة والديمقراطية، دون أن تُترجمها إلى إجراءات تقضي على الفساد او تحد من غلوائه على الأقل، بل إنها تزيد من انتشاره وديوعه وتفاقمه، وتكسب لوبياته القوة والمناعة، وتضخم تركته المؤثرة على معيشة المواطن المغربي وعلى الميزانية العامة، وتزج بها في حلقة الأزمات المالية المفرغة للعجز والمديونية المهددة بالانكشاف والإفلاس وانهيار الخدمات العامة، والتي لا يمكن تجاوزها إلا من خلال إجماع وطني عام يشرك المواطنين كافة في عملية مزدوجة من التقشف وزيادة الإنتاجية، هذا الإجماع الوطني الذي من الصعب أن تتوافق بشأنه الأغلبية الشعبية وتندرج فيه، طالما لم ير المواطن ويلمس تفكيك مؤسسة الفساد ومحاسبة الفاسدين, كضرورة سياسية لعدم تكرار الفترة السوداء، وضمانة لتلافي الإطاحة بالدولة والبلد واقتصاده وسمعته ومستقبله، كما فعلت تونس الذي يعتقد أنها هي البلد الأكثر جدية في هذا الصدد، لأنه مباشرة بعد الثورة، تم إنشاء لجنة وطنية للتحقيق حول قضايا الفساد والاختلاس، بغية استعادة الحقوق. ومن المنطق، أنه من غير المجدي مطالبة الأغلبية الشعبية بالمزيد من التقشف والمزيد من الإنتاجية, وهي ترى المجال مشرعا أمام الأقلية الفاسدة، تنعم بأموال الشعب وثروات البلاد وامتيازاتها وتهرب ما نهبت إلى خارج الحدود, تاركة الميدان معبدًا لفاسدين جدد وهكذا دواليك وإلى ما لانهاية. ولا بدّ هنا أن نُشير إلى أن الحكومة إن هي أرادت معالجة هذه المشكال السياسية /الاقتصادية/الاجتماعية الخطيرة التي أصبحت عبئًا متفاقمًا على المجتمع المغربي- والتي تعتبر من التحديات الرئيسية التي يجب على الحكومة المغربية مواجهتها- والتي تتلخص في أن تتبرأ الحكومة من كل صاحب موقع ومسؤولية تدور حوله شبهات الفساد, والتجرؤ على المال العام، مهما علا شأنه ومرتبته وألقابه، وترمي به وراء اكتافها ومن حولها والى أبعد مسافة ممكنة- لأن المرحلة السياسية لا تحتمل ان تحمل وتدافع الدولة ونظامها السياسي على أي اشخص مشكوك في أمره وتقديمه للقضاء الذي من حقه وحده ان يمنح البراءة او يعاقب من تثبت التهمة بحقه بدفع ثمن فساده واسترجاع جميع الأموال المنهوبة، ومنع انتقالها، بأي حال من الأحوال، إلى ورثة الفاسدين ليواصلوا مكاسبهم غير المشروعة على حساب قوت الشعب ومقدراته. لأن ما هو مهم هو الدولة واستقرارها والنظام السياسي وقوته وهيبته ومكانته, وذلك عبر تفعيل آليات رقابة وصيانة المال العام وإصدار تشريعات ومقررات حاسمة تمنع الامتيازات وتنهي حالة استسهال مد اليد الى جيوب الناس، وإعطاء الحق لمؤسسات المجتمع المدني بالمشاركة في عملية مكافحة الفساد والاستماع للشهود والمتضررين، وحماية المبلغين من أي عمليات انتقامية، وتمكين وسائل الإعلام من حق الوصول الى المعلومة على اعتبارها وسيلة وعنصرا لا غنى عنه في كشف أوكار الفساد ومراقبتها، وفضحها وإدانتها وإعادة تنظيم البيت المغربي وخلق رأي عام وطني نشط وواع يتابع الأحداث ويهتم بالكشف عن حالات الفساد ويعاقب عليها من خلال حرمان كل العناصر الفاسدة -من تجار المراحل والانتهازيين وأصحاب السوابق والنصابين والسارقين والمارقين ومحترفي اشاعة اجواء الفساد والإخلال بالمسؤوليات وخيانة الأمانة- من التأييد الشعبي، الذي كانت يخصهم به النظام السياسي، على اعتبر أنهم من رجالات الدولة، على حساب شرفاء البلاد ومخلصيها من عامة الناس الذين بنوا المغرب وحافظوا على أمانة مسؤوليات الدولة وحرصوا على مقدراتها, والذين من بينهم الشرطي الذي ينزل إلي الشارع ويلتحم بالمواطنين ويحارب المجرمين ويطارد الخارجين عن القانون ومهربي المخدرات ، والجندي الذي يواجه الموت ولا يبرح الخندق حفاظا على سلامة المواطن وتحقيق استقرار الوطن وتحقيق أمنه, والطبيب الإنسان المخلص في عمله، والأستاذ الذي ينور العقول، والعامل المنتج، وغيرهم كثير والذين مع الأسف الشديد، ننسى أو نتناسى صورهم الزاهية في غمرة صور أهل الفساد وطبقة الفاسدين. واعتقد أنه لا يمكن إقناع المواطن المغربي- رغم صدق حبه ووفائه وإخلاصه لوطنه النابع من قناعته الداخلية بأن الوطن فوق كل الطموحات وكل الغايات الشخصية- بالرضى والصبر على التقشف وشد الحزام، وعدم المطالبة بحقوقه، ودفع "فاتورة" رفاهية مسؤولي البلاد، إلا إذا أحس هذا المواطن بصدق نوايا الحكومة، وكان الانفاق في حدوده المعقولة، ومقابل تلقيه للحد الأدنى من الخدمات الجيدة على الأقل، وأن توظيفه يتم من اجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وانتصار الحق والعدالة والرخاء به. وأظن أن ذلك لن يتأتى والمواطن يرى المناصب والوظائف العامة تتحول الى وجاهة و"تفرشيخ" و"تفطاح" وعبث بمقدرات البلاد وتشتيت لأموالها العامة يمنة ويسرة بعد سرقتها، عملا بالمثل الدارج "المونة والعود والبارود من دار المخزن الله يلعن إللي ما يتبورد"،ـ وأنه لن يحدث مادام نفس المواطن على يقنين بأن يد حكومته الموقرة لا تمتد- كلما فكرت في تغطية عجز ماليتها وموازنة صناديقها، وعلى رأسه "صندوق المقاصة"- إلا إلى جيوب فقراء البلاد الخاوية أساسا، بينما تجعل من نزيف الإسراف في الانفاق العام وعلى المشاريع الوهمية والرواتب والامتيازات الخيالية، خطوطا حمراء لا تمس، ما يستدعي الاستياء العام والاستهجان الكبير، ويكرس الاحتقان الخطير الذي يهدد سلامة وأمن البلاد. فلإقناع الناس بأن الحكومة جادة في الاصلاح والتغيير، عليها ان تتحمل مسؤولياتها الوطنية كاملة وتعطي المثل وتكون القدوة الحسنة، وتقدم الدليل على انها خادمة البلاد والعباد وليس العكس، وأن الوظيفة الحكومية بالنسبة لها عبء وتكليف وليس تكريم، والسلطة قلق وهم وليست راحة، وأن من يتولاها لا يريد من خلالها تحقيق المكاسب والمغانم، وإنها جزء من الواجب الذي من المفترض ان يقوم به الإنسان الكفء والمؤهل دون أن ينتظر الجزاء أو الشكر، كما علمنا السلف الصالح الذي أدرك حقائق السلطة ووعى خطورتها، فآثر الكثير منهم الابتعاد عنها، كما فعل الإمام أبو حنيفة النعمان عندما رفض تولي سلطة القضاء رغم ما عرضه رفضه ذاك من سجن وتعديب. وقد أثبتت التجارب الإنسانية على مرّ العصور بأن معالجة هذه المشكلة الاجتماعية/الاقتيصادية تحتاج إلى تضافر جهود الحكومة وأفراد المجتمع، لأن الفرد لا يعيش منعزلاً, وبأن صلاح النفوس لا يمكن أن يتم إلا بدافع الإيمان الذي هو السبيل إلى تغلب المرء على نزواته وعلى دوافعه الأنانية نحو الفساد، وبأنه طوق النجاة والوسيلة التي تساعده على السير في طريق الصلاح والهداية، والتي تقوده أيضًا إلى السكينة وإلى راحة الضمير، ولعل ما أقدم عليه الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولند" مباشرة بعد توليه مقاليد الحكم في فرنسا، من تقليص من راتبه ورواتب الوزراء، لدليل قاطع على حسن النية وصفاء العزم وعظيم القرار على إصلاح الأمور المالية لبلاده التي جاء لخدمتها وليس العكس.. فأين نحن من هذا وذاك، وأين هي تعاليم الإسلام يا مسلمين؟ وما هو الأسلوب الأفضل لمعالجة هذا الواقع المر الذي تعيشه اليوم أغلب مجتمعاتنا العربية والإسلامية والذي لا يتطابق مع تعاليم الإسلام الحنيف، ولا يرتضيه العقل السليم، حيث الغرور، والتعالي، والإعجاب بالنفس، والتعصب، والعنصرية، والظلم، والفساد... ؟؟؟؟حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خواطر عمالية على هامش مؤتمر نقابي!
-
من الأحق بالشكوى من الزيادة المواطن أم الحكومة !؟؟
-
فن المعارضة أن تنام موالياً وتستيقظ معارضا
-
ماذا بعد اللقاء الأول لمحاسبة رئيس الحكومة!؟
-
ظواهر تثير الشوق وتوقظ الرغبة في تكرار الزيارات لباريس.
-
مقياس نجاح العمل النقابي بالمغرب !؟
-
بائعات الجسد مواطنات لا يجب احتقاراهن.
-
هموم مهندس من وزارة التجهيز والنقل
-
حلم الخلافة وأوهامها!؟
-
وزارة التجهيز والنقل وزحمة الخروقات والتجاوزات !؟
-
الذكورية المتطرفة تفقد المرأة روح التحدى والصمود والثقة في ا
...
-
إذا كنت وزارة الداخلية -أم الوزارات- فإن وزارة التجهيز والنق
...
-
هل نحن العرب في حاجة ليوم واحد للكذب؟ !
-
غزو اللحى ينشر سحبا من الغموض !
-
غلاب واليازغي يزاحمان الرباح على دور بطولة محاربة الفساد !
-
الدعوة للخلق الحسن !!
-
صعود التيار الإسلامي وتهميش المرأة !!
-
الحكومة الإسلامية وقضية -لاكريمات- المأدونيات !؟
-
الفكاهة والحكومة الإسلامية!
-
الأماكن لا تضيق بأهلها !؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|