أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة - ماهر اختيار - المعاقون وذوو الاحتياجات الخاصة، هل من ربيع ثوري ينتظرهم؟ 2-2















المزيد.....

المعاقون وذوو الاحتياجات الخاصة، هل من ربيع ثوري ينتظرهم؟ 2-2


ماهر اختيار

الحوار المتمدن-العدد: 3767 - 2012 / 6 / 23 - 01:59
المحور: حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة
    


بعد عرضنا لأحد أبرز جوانب الحامل الفكريّ السائدة في المجتمعات العربية والمتعلقة بكيفية التعامل مع فئة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، سنتناول هنا بعض الخطوات العمليّة المتضمنة في بعض النصوص والتي يقتبسها أحياناً بعض الباحثين للبرهنة على عناية هذا الحامل الفكري بظروف ومشكلات هذه الفئة، ثم سنناقش هذه الخطوات محاولين اقتراح الحلول الممكنة والقابلة للتطبيق.
يَستدل البعض، على سبيل المثال، بنصوص تدعو لتقديم المعونة الماديّة لكل محتاج – فقيراً كان أو محتاجاً بسبب عوزهِ أو بسبب إعاقتهِ - من خلال فرض الزكاة مثل: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" الذاريات 19. من يُورد ركن الزكاة، للبرهنة على مساهمة الإسلام في إيجاد حلول لمشكلات المعاقين، يحاول الإشارة إلى أن هذا الركن يُجسد طريقاً يقود إلى التخفيف من معاناة المعاق، ويعمل على مساعدته في محنته، ويعوضه عن النقصان الذي يعيشه، ويحدُّ، بطريقة أو بأخرى، من عجزه الجسدي أو العقلي. لكن لدينا ملاحظة مهمة في هذا الإطار: إنّ الزكاة في التعريف العام هي الجزء المخصص للفقير وللمحتاج من أموال الأغنياء، لا بل إحدى أهم خصائصها أنها عبادةٌ ماليةٌ تهدف لتطهير مال المُتصدق ولتضاعف، بعد فعل الزكاة، من ثروته. وإذا كان مضمون ركن الزكاة عاماً لدرجة شموله الفقراء والمساكين والمحتاجين وعابري السبيل، فإن أهم جانب من جوانب أداء الزكاة يتمثل في مبدأ "الأقربون أولى بالمعروف". وهنا نقع في فخٍ مضاعفٍ وهو: عمومية الإطار النظري-الغائي للزكاة وخصوصية المستفيدين منها عملياً. بالنتيجة، قد لا تجسد الزكاة حلاً مباشراً للتخفيف من آلام المعاقين داخل المجتمعات العربية، وإن كانت تجسد حلاً من ضمن حلولٍ عدة ممكنة فإن تطبيقها يقتصرُ على مجتمع بعينه دون غيره، بمعنى أكثر وضوحاً، الزكاة ستقصر على المعاقين المسلمين دون غيرهم من معتنقي الأديان الأخرى.
بالإضافة إلى ركن الزكاة، يبرز نمطاً أخراً من العلاج المُفترض والمُستنتج من بعض النصوص، إنه عبارة عن مجموعةِ من النصائحٍ الداعية للصبر على المرض وعلى تحملِ الإعاقةِ والألم. هنا يستحضرنا ما جاء في الآية 186 من سورة آل عمران "وإن تصبروا وتتقوا فإنَّ ذلك من عزم الأمور". ولعل هذه الآية لا تنسجم، ضمن هذا السياق، مع قول أكثر عمقاً مفاده أن "تعلموا الصبر وعلموه فإنه نصف الإيمان". فيبدو أن للصبر خاصيّة نفسيّة يتم اكتسابها عبر خطوات عمليّة، وهو ليس هبةً أو منحةً يستطيع التحلي بها كل إنسان سليم كان أو معاق. فإذا ما طلبت من أخصائي في التربية النفسيّة شرح بعضاً من الطرق الممكنة لتعليم - وليس لمنح- الأطفال الصبر، فإنه لا يتوانى عن اقتراح مجموعة من الخطوات الواجب إتباعها. فيجب تعليم الطفل، على سبيل المثال، التمييز بين الحاجات الضرورية والرغبات، فذلك يساعده على اكتساب الصبر فيما يخص المتطلبات غير الضرورية. يجب أن يتعلم أيضاً أن رغبته في أمر ما لا يعني الاستجابة الفوريّة لها. بالنتيجة، إن الصبرَ سلوكُ مكتسبٌ، وقد يعجز المعاق عن القيام بالخطوات الضرورية لجعله صفة تساعده على تحمل آلامه وأوجاعه واختلافه عن بعض أقرانه.
ولعلنا نتفهم الغاية التي يسعى إليها بعض الكتّاب في تقديم نصيحة الصبر لكل صاحب إعاقة، إنها تتمثل في الثقة بقدرة الخالق على شفاء المعاق من المشكلات التي يعانيها. إذ يدعو البعض إلى وجوب زراعة الأمل لدى كل معاق مؤمن، وضرورة تربية الثقة بقدرة الله على الشفاء من خلال قوله " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" يوسف 87. في الواقع، نحن هنا لا نضع مسألة صوابيّة الثقة بالله أو عدمها موضع نقاش، فالثقة بقدرته على شفاء إعاقة ما يجب أن تبقى تجربة شخصية، وأن لا تتعدى المعتقد الفرداني للمعاق. ما نحاول قوله هو أنه لا يجب أن تتحول هذه الثقة الروحانية إلى أطروحة مؤسساتية تشمل كل قواعد المجتمع العربي. فلكل إعاقة أسبابها وظروفها وشروطها، والطب المعاصر في طريقه لتحديد أسباب عدد من الإعاقات، ويأمل الباحثون في إيجاد حلول جذرية لها عن طريق العمل والبحث العلمي وليس عبر تناقل وتوارث حلول عابرة للقرون الميلاديّة والهجريّة.
يمكن إضافة ما يلي: لعل ما يبعد النصوص القرآنية عن الواقع ويجعل بعضها غير منسجمٍ مع تطورات العصر ومتطلباته هو فهم بعض النصوص بطريقة تجعل من قضية قضاء الله وقدره سبب العلة وشافيها لدرجة الاعتقاد بأن الأمراض والعاهات هي حالات مذكورة مسبقاً في كتاب مُبين ولن يمحي آثارها إلا كاتبها. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى حرص بعض الكتّاب على اقتباس نصٍ قرآني يختصر كل معاناة المعاقين بمُسلَّمة لا ينبغي الاعتراض عليها، تتمثل في قوله تعالى " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير كي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختالٍ فخور" الحديد 22. بالعودة إلى أحد تفاسير هذا النص نجد الفكرة التالية: ما أصاب الإنسان من مصيبة في الأرض، من جدب أو قحط وذهاب الورع وفساده ولا في نفوس العباد من أوجاع وأمراض، إلا وذُكر في أم الكتاب، وكان ذلك قبل أن يخلق الله العالم. لا نعترض هنا على ما ورد في أم الكتاب، ولكن اعتراضنا على ربط العاهات والأمراض المستعصية بقضية القضاء والقدر. حقيقةً، إن الطلب من معاق بوجوب التحلي بالصبر لأن إعاقته مذكورة في كتاب مبين يشكل عائقاً أمام علاجه ويُّحد من عملية بناء مؤسسات تدعم البحث العلمي وتنشر الثقة والأمل بمحاولات الباحثين، أولئك الذين يجتهدون لإيجاد حلول ملموسة للكثير من الإعاقات، حلول تشرح أسباباً وتقترح علاجات ممكنة، والأهم من ذلك إنها تضع بين أيدينا طرق تجنب هذه الإعاقات في المستقبل..
في موازاة هذا الاستعراض الموجز لبعض النصوص الدينية ولكيفية توظيفها يبرز السؤالين التاليين : هل يعود استمرار معاناة المعاق في المجتمعات العربية إلى التمسك بهذه النصوص، رغم قلة عددها وضيق مضمونها، والتوقف عند مفرداتها دون التحقق من أبعادها الإنسانية، أم أن العلة تعود إلى التقاعس عن الاجتهاد ووضع قوانين وضعيّة تلائم حاضر المجتمع العربي وتمهد لمستقبل أفضل لكل مواطن لديه إعاقة؟ ما هي الطريقة الممكنة التي تهيئ لربيع ثوري يُغير من الواقع المؤلم للمعاق؟
نجد بدايةً أنه ضمن هذا الإطار المُغلق والمُفتقر لحامل نظري غني ينسجم مع روح العصر ويستجيب لمتطلبات المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة فإن تجاوزاً لهذا النموذج من النصوص يبدو ممكناً وإحداث قطيعة مع الفهم السائد في التعامل مع المعاقين تبدو ضرورية. لدينا عنصرين في هذا السياق لمتابعة نقاشنا هذا، الأول هو ورود كلمة "اجتهاد" في إحدى أسئلتنا السابقة، والعنصر الآخر هو ما أفرزه ربيع العرب من انتصار مرحلي لبعض الأحزاب الإسلامية بوصفها طرفاً مرشحاً لإدارة الشأن السياسي داخلياً ودولياً. لكن كيف يمكن توظيف ركن الاجتهاد بعيداً عن النصوص الدينيّة؟ تبدو الفكرة متناقضة مع التعريف العام للاجتهاد ولكنها مُمكنة من خلال تحقيق قطيعةٍ جزئيةٍ مع الفهم السائد لهذا المفهوم. فمن الممكن، من جهة أولى، الحفاظ على النص بوصفه نصاً مقدساً له مساحته الروحانية لدى التجربة الشخصية لكل فرد، ومن ناحية أخرى توظيف الاجتهاد بوصف منهجاً من خلاله يتم وضع قوانين أكثر شمولاً تمس المواطن بوصفه عضواً في المجتمع وليس بوصفه عضواً في دين ما أو منتمياُ لأقلية معينة. لماذا هذه الفكرة ممكنة، ولا تمثل قطيعة جذرية مع العقلية الجمعية السائدة في معظم البلدان العربية؟ وما هي الطرق المناسبة لتطبيقها؟
نعلم أن الاجتهاد في الإسلام يقوم، بشكل عام، على المواءمة بين النصوص الشرعيّة وتطور العصر وما ينتجه هذا الأخير من ظروف وشروط مختلفة. وهناك ناحية هامة في مفهوم الاجتهاد وهي أنه ذا مغزى وظائفي يسعى لتحقيق المصلحة العامة. يقول ابن القيم، على سبيل المثال، "إن الوظيفة الأساس للاجتهاد هي تيسير وحفظ مصالح العباد في كل الأحوال، وهذا ما يتفق مع جوهر الشريعة الإسلامية". إذاً، إن كل اجتهاد يُفضي إلى العدل وإلى تحقيق المصلحة العامة ويقضي على النقصان الموجود لدى فئة ما، هو اجتهاد يتوازى مع رسالة الأديان السماوية والأرضية في تحقيق سعادة الإنسان وخلاصه الدنيوي والأخروي. لا بل إن توظيف مفهوم الاجتهاد في قضية المعاقين تكمن في كونه منهجاً يسمح بالتحرر من القيود اللفظية للنصوص الدينية، ومن جمود فهمها العام، وفي قدرته على الاحتفاظ بالغاية الضمنيّة للقصد الشرعي. للتوضيح أكثر يمكننا القول: عبر منهج الاجتهاد يتم الاحتفاظ بقدسيّة النصوص الدينية في الميدان الشخصي لكل فرد، ولكن يجب السعي لتجاوزها فيما يخص الشأن العام. إذاً هناك فرصة للتأسيس - انطلاقاً من الغاية المرجوة من الاجتهاد وعبر التحرر من الفهم المغلق لبعض النصوص، ووصولاً لمناقشة قضايا تتعلق بقيمة الإنسان بوصفه إنساناً - لمرحلة جديدة تتركز على تغيير إستراتيجية رعاية المعاقين والتحول من مرحلة الاهتمام بهم لغايات إيمانيّة تهدف لزيادة حسنات المُتبرع، إلى الاهتمام بالمعاق بوصفه مواطناً له حقوق وواجبات مثل الآخرين. وهذا التغيير سيتيح إعادة بناء الوعي الجمعي الذي سيدعم بدوره فكرة المؤسسات التي تهتم بالبحث العلمي وبوضع خطط كفيلة لإيجاد حلول وقائية وأخرى علاجية لهذه الفئة من المواطنين.
في الواقع، إن هذه المحاولة تسعى لتأسيس الفرضية التالية: إنّ قدسيّة النصوص الدينيّة لا تتعارض مع إمكانية تجاوز بعض مما تتضمنه، فالإيمان بأن الإعاقة وعالجها مسّطرتان في كتاب محفوظ يمثل فكرة ارتبطت بظروف وشروط مختلفة عن تلك الراهنة، ذاك الإيمان كان مفيداً في مرحلة سابقة على انجازات الطب الحديث والمعاصر، مرحلة التعلق بمشيئة السماء للافتقاد لعلاج أرضيّ، مرحلة انسجمت مع مُمكنات وأدوات وعقلية معاصريها. بالتالي لا يجب أن تمتد هذه المرحلة إلى القرن الواحد والعشرين إذ تحققت الكثير من الإنجازات الطبية وما تزال هناك الكثير من الأبحاث قيد الإنجاز تسعى لتحديد مسببات وشروط ونتائج الأمراض والإعاقات. انطلاقاً من فكرة التجاوز هذه ومن إمكانية تحقق هذه القطيعة، سنحاول اختصار الخطوات التي يمكن القيام بها لتعويض النقص الذي عاناه المعاق في ظل أنظمة سياسية زالت أو في طور الانهيار وغداة وصول عدة أحزاب سياسية إلى سدرة الحكم عبر انتخابات ديمقراطية:
أولاً: التأسيس لمرحلة فصل الفهم العام للنصوص الدينية عن واقع المعاق وعن آلامه ومعاناته وإمكانية علاجه. أي محاولة التأسيس لثقافة القطع بين الاعتقاد الفردي وبين مشكلة عامة تمس فئة من فئات الشعب. لا بل محاولة التأسيس لوعي لا ينفي القداسة عن النصوص الدينية في ميدانها الشخصي ولكنه لا يحجب أيضاً الثقة عن ممكنات البحث العلمي في إيجاد حلول للمعاقين وفي تحسين أوضاعهم الراهنة. هو وعيٌ يقدر مكانة هذه النصوص لدي كل فرد، لكنه يسعى لإقرار قوانين وضعيّة تنطبق على كل المواطنين بوصفهم أخوة تحت راية الوطن وليس تحت راية دين أو طائفة أو عشيرة أو عرق ما.
ثانياً: جعل رعاية المعاقين رعاية مؤسساتية ذات برامج وخطط مستقبلية، برامج لا تقتصر فقط على منح المعاق راتباً لكي يبقى على قيد الحياة، وإنما يجب الانتقال إلى مشاريع ترسم المستقبل قبل القطع مع الماضي والاهتمام بالحاضر. ولعل من أهم هذه المشاريع، على سبيل المثال، دعم مختبرات الأطباء وأبحاثهم. ويمكن التشديد على فكرة غنية في آفاقها ومضمونها الإنساني وهي أن الأبحاث الطبية تخدم كل معاق بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي. لا بل إن الحلول المُكتشفة في ميدان الطب تتجاوز حدود الوطن وحدود الأديان ليشمل تطبيقها كل معاق يعيش على الكرة الأرضية.
ثالثاً: المعاق هو مواطن له حقوق، ولكنه لا يستطيع، عملياً، التمتع بها إذا لم توجد بنية متكاملة تسمح له بالاستفادة من صفة المواطنة. وعليه يجب التأسيس لبنى تسمح للمعاق جسدياً بتطوير الجانب العقلي والثقافي لشخصيته. فالإضافة لتخديم الشوارع وتخصيص طرقات وممرات ومركبات خاصة بالمعاقين، يجب أيضاً الاهتمام بالمعاقين في المدارس والجامعات من خلال توفير مختصين يسّهلون من عملية متابعة الدروس والمحاضرات وشرح ما يصعب عليه فهمه. ويجب متابعة التطورات التقنية في هذا المجال وتوفير آلات قارئة للكفيف، وكراسي متحركة للعاجز، وشاشات عارضة لصفحات الكتب من أجل أولئك المصابين بعجز يمنعهم من الإمساك بالكتاب، وهناك برامج تكتب ما يقوله المعاق. كل هذه الوسائل تمثل بنية تعمل على تطوير الجانب العقلي والثقافي للمعاق وتدفعه للاندماج بالمجتمع بوصفه مواطناً له مشاريع مثل الآخرين.
رابعاً: لعل من إيجابيات إجراء مقارنة بين المجتمعات في ميدان ما هو أنها تدفعنا للتأمل محاولين تجاوز نقاط ضعفنا والمحافظة على نقاط قوتنا، ولكي ندرك مدى الفارق الذي يَفصل وضع المعاق في الدول العربية عن وضع قرينه في بعض دول أوربا، فإن الإطلاع على بعض التجارب - التي قد تُعتبر من قبل البعض من قبيل الترف الاجتماعي - تبرهن لنا على المسافة الشاسعة التي تفصلنا في هذا الميدان. فعلى سبيل المثال، هناك برنامج يتم تنظيمه على مستوى فرنسا كل عام، غايته جمع التبرعات من أجل البحث العلمي المرتبط بإيجاد حلول علاجية ووقائية لذوي الإعاقات وبشكل خاص أولئك الذين يعانون من عاهات في العضلات ومشكلات في نموها. يتم خلال هذا البرنامج إشراك كل الفعاليات الأهليّة والرسميّة، من عائلات مع أطفالهم، وشركات تجارية وصناعية، ووسائل إعلام على اختلافها، ونقابات، ومطربون وفنانون وكتّاب إلى درجة استغلال بعض الساحات العامة للترويج لهذا البرنامج السنوي. ومن المُلاحظ أن الغاية ليست فقط جمع تبرعات مالية - التي بلغت وسطياً إلى مائة مليون يورو في هذا العام - وإنما الأهم هو الحدث بحد ذاته متمثلاً في نشر ثقافة الاهتمام بالمعاقين بين جميع أفراد المجتمع، وتوعية الناس بضرورة البحث عن حلول جذرية تساعد المعاقين على اندماجهم في المجتمع وتعمل على التخفيف من معاناتهم النفسية والجسدية. إنه حدث يكتسب من خلاله صغار السن قبل الكبار ضرورة تغيير نظرتهم تجاه كل فرد يعاني، وضرورة استثمار إمكانيات المجتمع المتنوعة – الثقافية منها قبل المادية- من أجل التخفيف من آلامهم وأمراضهم والتأسيس لمرحلة مستقبلية تتجاوز العلاج نحو الشفاء. وأخيراً يكفى أن نعرف أنه يوجد قسماً خاصاً للكفيف في متحف اللوفر، وان هناك أرقاماً هاتفية مجانية لمن يريد التحدث طويلاً مع متخصص في التحليل النفسي، سواء كان معاق منعزلاً أو مواطناً يعاني من مشكلات نفسية. وهناك دول الأوربية تخصص فعلياً مؤسسات خاصة للاهتمام بالحياة الجنسية للمعاق، إذ توفر له تجارب جنسيّة هو بحاجة لها بوصفه إنساناً له رغباته وميوله الانفعاليّة.
بطبيعة الحال، إن ما نأمله من ربيع الثورات العربية هو التفكير جدياً بتغيير وضع هذا الفئة المُهمشة والتي بقيت في الظل لعقود طويلة؛ ما نآمله هو محاولة تجاوز مرحلة التعلق الأعمى ببعض النصوص وتجاهل إنجازات العلم والأبحاث في مجال الطب؛ ما نأمله هو مساعدة المعاق لهدف إنساني بعيداً عن الخلفية الدينية لمانح المساعدة أو للمستفيد منها؛ ما نأمله هو أن نساعد هذه الفئة للخروج من صمتها المضاعف، صمتٌ سببه الخوف من أنظمة الاستبداد وأخر ناتجٌ من ضبابية حقوقهم التي تكفلها الإنسانية جمعاء. ولمعرفة مدى قسوة هذا الصمت نختم سطورنا هذه بما ورد في شهادة لصحفيّة سورية زارت مرة بيتاً يوجد فيه عدداً من الأخوة المعاقين، مهملين من قبل الدولة قبل الأهل والأقارب، فعندما سألت أحدهم ماذا تريد؟ ماذا تتمنى؟ ما هي مطالبك لكي أنقلها للمسؤولين؟ فأجابها بأنه يحلم ببساطة أن يّرحل الذباب ويتوقف عن مضايقته، فهو عاجز عملياً عن إبعاده والتخلص من الظروف التي تجذب هذا الذباب لجسده.



#ماهر_اختيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعاقون وذوو الاحتياجات الخاصة، هل من ربيع ثوري ينتظرهم؟ 1- ...
- هل بالضرورة وراء كل فعل ثوري مؤامرة؟
- يوميات جندي فرنسي في أفغانستان وإشكالية حضور الآخر
- التوازن البيئي ومفهوم حدود الممكن
- آلية استبداد الأنظمة العربية لشعوبها مُستمرة، فهل من حلٍ؟
- ربيع الثورات العربية... عوائق تأخره وآفاق نجاحه
- التوازن البيئي من الضرورة الجغرافيّة إلى مسؤوليّة الإنسان ال ...
- أهمية ودور الشعب من أدبيات التصوف الاجتماعي إلى مناهج الحولي ...
- الإنسان أمام كوارث الطبيعة، من الوجود إلى السلب
- أنسنة الحاكم العربي وفعل المواطنة، المبالغة في مدحه خيانة لل ...
- يبحثون عن طاقة لا تقتل وسطهم البيئي، ونبحث عن حاكم لا يقتل ش ...
- ضرورة التأسيس لأنظمة حكم قابلة للخطأ في البلدان العربية
- التصوف الاجتماعي... وجه من وجوه انتقاد الاستبداد السياسي
- علاقة الحاكم العربي بشعبه...استمرار لماضٍ قاتم!
- الثورات العربية وضرورة التأسيس لدولة القانون...إسقاط الطبقة ...
- غياب القانون بوصفه أزمة في بنية البلدان العربية


المزيد.....




- ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ ...
- أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال ...
- الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق ...
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال ...
- البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن ...
- اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
- البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا ...
- جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا ...
- عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س ...
- حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة


المزيد.....

- الإعاقة والاتحاد السوفياتي: التقدم والتراجع / كيث روزينثال
- اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة / الأمم المتحدة
- المعوقون في العراق -1- / لطيف الحبيب
- التوافق النفسي الاجتماعي لدى التلاميذ الماعقين جسمياً / مصطفى ساهي
- ثمتلات الجسد عند الفتاة المعاقة جسديا:دراسة استطلاعية للمنتم ... / شكري عبدالديم
- كتاب - تاملاتي الفكرية كانسان معاق / المهدي مالك
- فرص العمل وطاقات التوحدي اليافع / لطيف الحبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة - ماهر اختيار - المعاقون وذوو الاحتياجات الخاصة، هل من ربيع ثوري ينتظرهم؟ 2-2