|
سلطة القانون في المجتمع
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1102 - 2005 / 2 / 7 - 11:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إحدى مقومات الدولة الحديثة سيادة سلطة القانون، وبدونها لايمكن أن تتحقق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع. والقانون ليس دائماً الحاكم العادل بين الظالم والمظلوم، فقد يُستخدم القانون لصالح الظالم ضد المظلوم عندما تكون سلطة الفرد أكبر من سلطة القانون. وحتى في أعتلى الدول الديمقراطية، يمكن أن يجيير القانون لصالح الظالم ضد المظلوم، ويُستخدم كمظلة لحماية المختلسين والمرتشين من السياسيين. ولاتوجد دولة مثالية كـ (جمهورية أفلاطون) في العالم، فالسلوك الطبيعي للإنسان، سلوك أناني يسعى لتحقيق مصالحه وعلى حساب الآخرين. وتحقق تلك المصالح تارة بالقوة وتارة أخرى بالتحايل على القانون، وفي كلا الأمرين هناك استخدام لفعل القوة المباشر وغير المباشر. وعليه فالقانون يمكن يشكل مظلة شرعية لحماية المجتمع ومظلة (شرعية أيضاً) في الحالات الاستثنائية لحماية المتنفذين والمرتشين من السياسيين. يعتقد ((أفلاطون))" أن القانون سًّنة الضعفاء والسواد الأعظم من الناس من أجل ردع الأقوياء الذين يحولون فرض سطوتهم على المجتمع". وبالرغم من الآلية المرنة للقانون والتجاوزات الاستثنائية، فليس هناك بديلاً أفضل منه لتحقيق العدالة والاستقرار والأمان. لذلك فالتمسك بسيادة القانون في الدولة، الخيار الأنجع لتحقيق السلام الاجتماعي والحد من تجاوزات أصحاب النفوذ السياسي والمالي على المجتمع. يعتبر القانون المنظم لحياة البشر بصورة صحيحة، ويضمن تحقيق شروط العقد السياسي والاجتماعي بين الحاكم والمحكوم من جهة، وبين أفراد المجتمع من جهة أخرى وإلا فأن الخارجين على حدود المجتمع يسعون جاهدين لفرض سطوتهم وأطماعهم وعلى حساب الآخرين. وحينئذ تفرض شريعة الغاب على المجتمع، وينحدر سلوك الإنسان وتصرفاته لتقترب أكثر من سلوك الحيوان. ويصور ((أفلاطون)) الحالة المنحطة لغياب القانون في المجتمع قائلاً:" القانون هو المعيار، لأنه القوة الرادعة وبدونه ينحط الإنسان إلى مرتبة الحيوان. لذلك من الواجب أن يتقيد به الحاكم والمحكوم على السواء". إن التجاوزات على القانون، تبرز أكثر في المجتمعات المتخلفة التي لاتستند أنظمتها السياسية إلى الشرعية، وتفتقد للآلية فصل السلطات في الدولة. فالسلطة هي المشرعة للقانون والمنفذة له والمتجاوزة عليه!. وبالضد من ذلك فأن آلية فصل السلطات، معتمدة في الدول المتحضرة والتجاوزات على القانون تكون محدودة ( ومختصرة على السياسيين) وبصورة غير معلنة. فإن تعدت صورتها الخفية، تعرضت للمساءلة القانونية لأن الشعب في نهاية المطاف هو صاحب الكلمة الفصل. لذا يتحاشى المتنفذون من السياسيين كثيراً الصحافة، لأنها تقتفي آثر تجاوزاتهم على القانون خاصة ما يتعلق منها بالتهرب من دفع الضرائب والاختلاسات والرشوى والصفقات المشبوهة...ومهما عظمة القوة (المالية أو السياسية) للمتنفذين فأن تجاوزاتهم على القانون تعرضهم للمساءلة القانونية عند الكشف عنها في العلن حفاظاً على سيادة سلطة القانون في الدولة والمجتمع. ويرى ((هاني خليل))" بأن القانون..هو الابن غير الشرعي للقوة ومع ذلك سنتحصن وراء القانون". إن سلطة القانون تستمد قوتها وشرعيتها من سلطة الشعب، فكلما التزم الشعب بشروط العقد الاجتماعي، كلما عمل على الحد من تجاوزات المتنفذين من السياسيين عليه. ويعتبر المثقفون وسلطتهم الرابعة (الصحافة والأعلام)، هي الرقيب الأساس على النهج السياسي والحارس الأمين على صيانة مبادئ الدستور وسيادة القانون. وعلى العموم التجاوزات الكبيرة على سلطة القانون، لا تأتي من عامة الشعب بل من المتنفذين والقائمين على شؤون السلطة السياسية. وعليه فأن عملية فصل السلطات الأساسية في الدولة، تعد الضمان الأكبر لحماية القانون، فما لم يكون هناك حرص حقيقي من قبل الجميع على الانصياع لسلطة القانون، لايمكن تحقيق العدالة والمساواة في المجتمع. إن التعويل على السياسيين لحماية دولة القانون دون رقابة صارمة من القوى الفعالة في المجتمع، وفي مقدمتهم المثقفين لاتحققق المسعى المنشود لصيانة مبادئ الدستور وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويتوجب على الفئات الاجتماعية المقهورة، ايلإء احتراماً وتمسكاً بسلطة القانون لحماية مصالحهم، لأن القانون السبيل الوحيد للحد من التجاوزات والانتهاكات ضد المجتمع. وهذا الأمر يتطلب القيام بحملة توعية شاملة في المجتمع، لتعريف المواطن بحقوقه وواجباته تجاه الدولة والمجتمع، مما يؤدي إلى إعادة ثقته بالدولة وإحساسه العميق بجدوى الاحتكام للقانون لفض النزاعات بين أفراده أو المطالبة بحقوقه من الدولة. إن مبدأ سيادة سلطة القانون في المجتمع، يعني في صياغته النهائية إخضاع كافة أفراد المجتمع ودون استثناء للمساءلة القانونية عند التجاوز على حقوق الآخرين أو الإخلال بالواجبات تجاه الدولة. وتلك المساءلة القانونية يجب أن لاتستثني أصحاب النفوذ السياسي أو المالي وحتى رجال القانون ذاتهم عند حدوث تجاوزات تخل بشروط العقد السياسي والاجتماعي. ويحتكم ((أبن خلدون)) للسلطة القانون لتمييز الحق عن الباطل قائلاً:" يميز القانون الحق من الباطل في الأخبار، بالإمكان والاستمالة، أن ننظر في الاجتماع البشري الذي هو العمران ونميز ما يلحقه من الأحوال لذاته. وبمقتضى طبعه، وما يكون عارضاً لايعتد به، وما لايمكن أن يعرض له. وإذا فعلنا ذلك لنا قانوناً في تمييز الحق من الباطل في الأخبار، والصدق من الكذب بوجه برهاني لامدخل للشك فيه.....كأن هذا العلم مستقل بنفسه، فإنه ذو موضوع وهو العمران البشري، والاجتماع الإنساني. وذو مسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته". وبالرغم من أن الأعراف الاجتماعية والقيم الدينية لها فعل القانون في أحايين كثيرة في المجتمع، لكنها لاترتقي لمستوى سلطة القانون. لأن السلطة الأولى ليس لها فعل آني رادع، وبالضد من الثانية التي تفرض إجراءات عقابية آنية وصارمة ضد الخارجين على تشريعاتها. وتلك الإجراءات العقابية، تبث الخوف والرعب في نفوس الخارجين على حدود المجتمع، وبنفس الوقت تحقق الآمان والاستقرار لأفراده.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مواصفات الرئيس وشروط الرئاسة
-
شروط وآليات العقد السياسي والاجتماعي في كتابة الدستور
-
المرأة والحب في عالم الفلاسفة والأدباء
-
انعدام سُبل الحوار والنقاش مع الإنسان المقهور
-
النزاعات العرقية والمذهبية في المجتمعات المقهورة نتاج سلطة ا
...
-
تنامي ظاهرة الحقد والعدوانية في المجتمعات المتخلفة
-
شرعنة العنف والقتل في الدولة الإرهابية
-
العنف والإرهاب نتاج طبيعي للتخلف والاستبداد
-
سلطة القانون وآليات الضبط الاجتماعي في المجتمعات المتخلفة
-
الطاغية المستبد والشعب المقهور
-
الاستبداد والعنف وانعكاسه على المجتمع
-
الشعوب المقهورة والزعيم المنقذ
-
العسكرة والأدلجة في الثقافة والإبداع
-
نتائج العنف والاستبداد على الشعوب المقهورة
-
الحثالات والرعاع في المجتمع المادة الخام للإرهاب
-
موقف الفلسفة من الشعر والشعراء
-
سلطة الطغاة والشعوب المضطهدة
-
السياسيون وراء قضبان العدالة
-
أنماط الوعي والإدراك في الصراع الاجتماعي
-
إعدام شيخ الفلاسفة بكأس القانون وسَّم السياسة
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|