أحمد الناجي
الحوار المتمدن-العدد: 1101 - 2005 / 2 / 6 - 12:23
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كانت العيون مترقبة، والقلوب وجله في انتظار رحلة التحدي المحفوفة بالمخاطر، لاشراقة عهد جديد يطل بنا بعد غياب طويل على مشارف عصر الديمقراطية، تصاعدت إيقاعات البداية الوئيدة، متناغمة مع الفال الحسن المرتسم في أفق العراق ذلك اليوم الكانوني المعروف ببرده القارص، حين استعاض دفئاً من ربيع آت، مانحاً فيضاً من الحيوية والطمأنينة، معاضداً إجراءات التأهب والاستنفار الأمني، معلناً عن مشاركة واسعة لغالبية الشعب العراقي في تحدي مصيري لتهديدات القوى الإرهابية الساعية بكل ما تملك من قوة وإمكانيات لإفشال العملية الانتخابية وتعويق ذهاب الناس الى مواقع المراكز الانتخابية، فجاء الرد الشعبي مدوياً فاق على كل تصورات المتفائلين، مسيرات في كل أرجاء العراق، حولت الشوارع الهادئة، الخالية من الضجيج، المظللة بوافر من الدفء والأمان، الى عروق تسري فيها الحياة، نبضاتها خطى العراقيين المليئة بالعزيمة والحماس، على الرغم من ثقل ما تنوء به من هموم ومواجع، ساعية كانت تريد معانقة آمال مستقبل واعد، واثقة من وجهتها الخطوات الى حيث اللقاء جنب صناديق الاقتراع، فكانت بحق لحظات وجدانية، أسرت المشاعر، وفاضت فيها العبرات، وانهمرت دموع الفرح رغم كل عناء المكابدات، بعد أن توشحت مواضع التعبير عن الإرادة الحرة، نياشين بلون وردة البنفسج.
في أجواء ديمقراطية بعيدة عما ألفناها سابقاً، كانت السمة العامة فيها النزاهة والشفافية والصدقية، مقرونة بالأداء الحيادي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، ذهب العراقيون هذه المرة طواعية، ولم يبصموا بالعشرة كالعادة في سابقات مهازل الاستفتاء، بل دافوا السبابة اليمنى بالحبر الفسفوري، عناداً لجرم اللثام الأهوج، ولاءاً للعراق الجديد، وتصويتاً حراً، تنوعت فيه اختيارات الناخبين على اختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم الفكرية، وكانت بجملتها جداولاً تصب في نهر الوطنية الحقة، وإرادة جماهيرية واعية تتبلور في بوتقة المواطنة الصادقة، مانحة الشرعية لممثلي الشعب الذين تم اختيارهم الى الجمعية الوطنية ومجالس المحافظات والمجلس الوطني الكردستاني، لإنجاز مهمات المرحلة الانتقالية الثانية.
بغض النظر عما ستتمخض عنه صناديق الاقتراع من نتائج، فتلك مسألة ثانوية أمام الإنجاز النوعي الذي أسفر عن انتصار العراق الجديد بتوكيد مسيرته في بناء النهج الديمقراطي لعراق موحد، وما تحقق في أولى بذرات الممارسة الديمقراطية التي جاءت في ظرف ابعد من أن يكون مثالياً، هو خير دليل على انهزام قوى العنف والإرهاب الغامضة، وخسارة لرهان الخائبين والظلاميين والمزايدين، بعد ما سعوا قرابة السنتين الى إشاعة حياة اللااستقرار، وتعطيل كل الحاجات والمتطلبات المعيشية الضرورية التي تمس تفاصيل وشؤون الناس، فلقد تخطى شعب الحضارات كل الصعاب، متفوقاً على ذاته، وصابراً تحت وطأة ظروف نفسية رهيبة، لا يمكن احتمالها، لم يوهن لأهوال التقتييل والاغتيالات والمفخخات، ولا حتى لتفاقم تداعيات الظروف الأمنية، راكناً كل الحقوق والمطالب جانباً الى حين يقف العراق على قدميه، متجلياً أولوياته الضرورية بمناهضة الاحتلال سلمياً في راهن متشابك من الحيثيات والمعطيات، موجهاً ضربة قاصمة الى القوى الإرهابية والظلامية التي أرادت تعطيل الانتخابات، والى منطق الاحتراب والترهيب والخراب.
#أحمد_الناجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟