ما بين الدوله المدنيه و العلمانيه

محمد عبدالحكيم

الحوار المتمدن-العدد: 3758 - 2012 / 6 / 14 - 09:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

بمناسبة اختيار اعضاء الجمعيه التأسيسيه لوضع الدستور الدائم في مصر ، لاحظنا ان الشهور الماضيه كثرة استخدام جملة الدوله المدنيه و الاحزاب المدنيه ، واصبحت كلمة مدنيه مرادفه للعلمانيه ، وهنا الخطأ ... ولكي نوضح فلنبدأ بتعريف كلاً من المدنيه و العلمانيه.
المدنيه هي حياة المدينه ، فالشخص المدني هو الشخص الذي يعيش في المدينه ، وماذا تتميز المدينه ؟ تتميز بالصناعه و التجاره ، وكلاً من الصناعه و التجاره هي من أُسس الحضاره الحديثه ، و عكس المدني هو العسكري ، لأن حياة العسكري تختلف تماما عن حياة ساكن المدينه ، فظروف القاعده العسكريه تختلف كثيرا عن ظروف المدينه لدرجه التضاد فيما بينهم .
العلمانيه هي الفصل بين المطلق و النسبي أي التفكير في النسبي بما هو نسبي و ليس بماهو مطلق ، والعلمانيه من الضرورات لقيام اي حضاره حديثه وهنا التشابه بين العلمانيه و المدنيه ، فالمدنيه من مرادفات الحياه الحضاريه لأنها تشمل الصناعه و التجاره ، والعلمانيه ضروره حضاريه ، اي ان نقطة الالتقاء الوحيده بين المدنيه و العلمانيه هي الحضاره، بمعنى اننا يمكننا ان نقول دوله عصريه او دوله مدنيه او دوله حديثه كعناوين عامه لكنها ليست قانونيه ولا رابط بينها و بين العلمانيه من حيث المعنى .
ما الذي سبب الخلط بين المدنيه و العلمانيه ؟
قبل الاجابه على هذا السؤال علينا ان نعرف بعض المصطلحات الهامه
الدوله هي كيان اعتباري يضم مجموعه سلطات من سلطه تنفيذيه لسلطه تشريعيه لسلطه قضائيه ، بالإضافه لسلطات غير رسميه مثل النقابات و الاحزاب و الاعلام المسموع و المقروء و المرئي ، والمجتمع المدني اهم مكون في الدوله ، لأنه من المجتمع المدني تنبثق كل السلطات التي ذكرتها وهناك مجتمع موازي اسمه المجتمع العسكري "الجيش" ، من مصلحة المجتمع المدني ان يتم الفصل بينهما بسبب عدم وجود تكافئ في القوه.
السلطه التنفيذيه : هي الحكومه المدنيه التي تحكم المجتمع المدني و تمثل قيادة الدوله في الجانب التنفيذي ، وبما ان الاغلبيه من المجتمع المدني فبالضروره ان يخضع المجتمع العسكري "الجيش" للسلطه المدنيه.
في العلاقات الدوليه بين الدول رأس السلطه التنفيذيه هو ممثل الدوله ، فتنحصر الدوله بكل سلطاتها و مؤسساتها في سلطه واحده هي الحكومه المدنيه ، فمثلا امريكا دوله بها برلمان من مجلسين و 50 ولايه كل ولايه لها مجلس تشريعي و قضاء فيدرالي و اخر محلي "خاص بالولايه " وغيرها من السلطات ، لكن كل دول العالم تتعامل مع الرئيس الامريكي كممثل للدوله الامريكيه غير مكترثين بالامور داخل الدوله الامريكيه ، فأصبحت الحكومه المدنيه هي الدوله ، والحكومه المدنيه هي الحكومه التي وصلت للحكم عن طريق رضا المجتمع المدني سواء بانتخابات او بالصمت خوفاً من العصا الامنيه ، فاصبحت الحكومه المدنيه هي الدوله المدنيه و عكسها هي الحكومه العسكريه اي الدوله العسكريه مثل ميانمار ، فالمجلس العسكري يحكم في ميانمار ومثل مصر الان المجلس العسكري يحكم ، والعالم لديه اشكاليه مع الحكومات العسكريه حلها ان يخلع الرئيس بدلته العسكريه و يضع دستوراً ويجري انتخابات ولو شكليه لتصير حكومته مدنيه وبالتالي تكون الدوله مدنيه ، وهذا على مستوى العلاقات الدوليه.
الدستور هو وثيقه عقد اجتماعي تحدد العلاقه بين السلطات فيما بينها و علاقتها بالشعب ، وأي دستور اما ان يكون دستوراً لدوله دينيه او لدوله علمانيه .
في كثير من الدول لا تنص بشكل صريح على العلمانيه لكن مضمون الدستور علماني ، وهناك دول يكون دستورها علماني ولكن توجد ماده داخل الدستور تنص على ان للدوله دين مثل مصر و دول كثيره تضع هذه الماده المتعلقه بدين الدوله.
ماذا نسمي هذا الدستور ؟؟؟
لا هو دستور دوله دينيه و لا هو دستور دوله علمانيه ... انه دستور دوله علمانيه بمرجعيه دينيه !!
فمضمون الدستور علماني باستثناء ماده واحده تنص على وجود دين للدوله ، ولغويا جملة دوله علمانيه بمرجعيه دينيه غير صحيحه ، فقام الباحثون بطرح صيغه بديله و هي دوله مدنيه بمرجعيه دينيه ، قانونيا هذا غير صحيح ولكنه سياسيا يعتبر امر مقبول ، وهو امر ناتج عن اشكاليه وضع دين لدوله في دستور مضمونه علماني.
اي نستنتج ان الدول تنقسم إلى ثلاث انواع :
دول علمانيه - دول دينيه – دول شبه علمانيه او مدنيه بمرجعيه دينيه
اذاً استخدام لفظ دوله مدنيه فقط فهو يقصد به الدوله الغير عسكريه اي ذات سلطه مدنيه وهذا في مجال العلاقات الدوليه ، اما الدوله المدنيه ذات مرجعيه دينيه " في حاله مصر ستكون المرجعيه اسلاميه" فهي الدوله شبه علمانيه واستخدام هذا المصطلح لحل اشكالية دستور بها ماده تنص على وجود دين للدوله ، ومن الخطأ ان تستخدم الدوله المدنيه كمرادف للدوله العلمانيه سواء من الجانب القانوني او من الجانب السياسي او حتى لغويا ، ولو وضعت جملة مصر دوله مدنيه في الدستور ستكون إشكاليه كبيره سيكون الخاسر فيها الطرف العلماني بكل تأكيد ، لأن تعريف المدنيه تعريف فضفاض يحتمل معاني كثيره.
الاحزاب المدنيه استخدامها كمرادف للاحزاب العلمانيه خطأ كما اوضحت ان مسار العلمانيه مختلف تماما عن المدنيه وان نقطة التلاقي الوحيده فيما بينهم هي الحضاره ، وهناك اشكاليه اخرى المجتمع المدني بالنسبه للمجتمع العسكري هو ضعيف من حيث القوه ، وعلى الرغم من ذلك الحكومه التي تحكم المجتمع العسكري"الجيش" هي تحكم بأختيار المجتمع المدني ، والحكومات المتتاليه في مصر قامت باخراج الشرطه من المجتمع المدني و كذلك القضاء واصبحت الاجهزه الامنيه و القضائيه تعامل مثل الجيش وهذا تسبب في اضعاف المجتمع المدني المصري ، فهل يعقل ان نُخرج السلطه الدينيه من المجتمع المدني سواء كانت اسلاميه او مسيحيه ؟
هذا يعتبر ضرباً من الجنون ، لأن النتيجه الحتميه هي مجتمع مدني ضعيف مهلهل عندما يختار حكومه ستكون معبره عن الضعف و بالتالي ندخل في مشاكل تؤدي بنا في النهايه إلى الدخول لعصر الانقلابات العسكريه ، اذا من مصلحتنا ان نتوقف عن استخدام لفظ قوى مدنيه كعكس للتيارات الدينيه ، وان نقول احزاب و قوى علمانيه واحزاب و قوى دينيه وجميعهم يمثل المجتمع المدني ، وان نعمل في المستقبل على ضم الشرطه و القضاء للمجتمع المدني وعدم جعلهم خصوم او اعطاء امتيازات لهم.
ما هو سبب الاصرار على استخدام مصطلح مدنيه بديلاً عن العلمانيه ؟
بعض السياسيين في اطار بحثهم عن حل لتعثر العلمانيه في مصر توصلوا الى استنتاج ان لفظ العلمانيه سئ السمعه في مصر ، فتحايلوا على الشعب بلفظ مدنيه ، وهذا الفعل يُسمّى خيانة الأمه من جانب المثقفين ، لأن المثقف هو ضمير الأمه غير منشغل بالسلطه فكل همه هو المجتمع و الناس ، فكيف لشخص من المفترض انه يمثل الضمير يخدع الناس و يتلاعب بالالفاظ ، والنتيجه لأي فعل خاطئ خطأ اكبر ، فقد تلقف التيار الديني هذا المصطلح وقال نريدها مدنيه بمرجعيه اسلاميه ، فهل سترد عليهم و تقول مدنيه بمرجعيه علمانيه عزيزي المثقف ؟ فلو قلت ذلك فكان الافضل لك ان تستخدم علمانيه بشكل صريح في البدايه بدلاً من أن تتلاعب بالالفاظ وفي النهايه اضطررت لأستخدامها.
نستنتج في النهايه ان استخدام مدنيه كمعنى بديل للعلمانيه خطأ فادح ، وان التاريخ يعلمنا ان كل خطأ لا يتم تصحيحه سينتج عنه خطأ اكبريصعب تصحيحه ، لذلك وجب علينا ان نصحح اللفظ و نقول قوه علمانيه ، وان نتجنب اشكاليه دستور مضمونه علماني وفي نفس الوقت ينص على وجود دين للدوله حتى لا نعود لمربع رقم واحد ، وعلينا ان نعلن بشكل صريح اننا نريد مصر ان تكون دوله علمانيه ، فالمواجهه مع التيارات الدينيه هي افضل الحلول ومادمنا متأكدين من صحة ما نؤمن به فالنصر سيكون حليفنا في النهايه ، وانا عن نفسي متأكد بأن العلمانيه هي ضروره حضاريه لابد منها ، وأثق ان مصر مهما طال الأمر ستكون علمانيه في نهاية المطاف.

#محمد_عبدالحكيم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات