علي عبد الكريم حسون
الحوار المتمدن-العدد: 3757 - 2012 / 6 / 13 - 01:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أيام التلمذة .... وبدايات الأنتماء
كتابات عن الناصرية ...
علي عبد الكريم حسون
في ثانوية الجمهورية , وبتحديد السنين التي أعقبت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ولغاية إنقلاب 8شباط الفاشي الدموي , كانت رحلة التعرف على الفكر التقدمي , وإلتهام كل ماتصل إليه اليد من كتب ومجلات وصحف ودوريات . مصدر قراءتها الوحيد هو المكتبة العامة لمدينة الناصرية , والتي تطل واجهتها الأمامية على الشارع الفاصل بينها وبين مبنى المتصرفية والذي يشغل فيه والدي المرحوم عبد الكريم حسون مكتبا متواضعا كمأمور للمال . ولا أزال أتذكر وجه مدير المكتبة الأستاذ عبد الجليل , المدور والمشرب بحمرة لاتمت بصلة لسمرة وجوهنا . لا أدري من الذي أطلق عليه لقب ( حجي موسكو ) , ولكن الذي أعرفه أن سفرة رسمية , كان هو ضمنها سافرت الى موسكو , فإمتزج لقب الحاج الذي حصل عليه من زيارة قبر الرسول بمكة , مع إسم عاصمة الروس الشيوعية آنذاك , فجاء محملا بحقد دفين على الشيوعية والشيوعيين ....
كان هناك أيضا ( مناولان ) للكتب هما الأستاذ جواد العجمي بنظارته الطبية السميكة ووجهه الحيادي تجاهنا . وكنا نفضله عند تقديم إستمارة الأستعارة الداخلية , على زميله الآخر سمير عبد الوهاب ذو الجسم الممتليء صحة وعافية , وشعره الأسود الملمع بالزيت على الدوام .. والأخير أي ( سمير ) له موقف تجاهي , لابل تجاه الثقافة عموما . ففي يوم عندما إضطررت لتقديم إستمارة الأستعارة له , وكانت لكتاب عن الفيلسوف البريطاني برتراند رسل , إنتفض بوجهي صارخا : ( أليس اليوم هو الأخير في إمتحانات البكالوريا للثالث المتوسط , أليس الأفضل أن تذهب للأستراحة في البيت من تعب الأمتحانات الوزارية , بدلا من المجيء للقراءة أيضا .. ) ثم أقسم بأنني لاأعرف شيئا عن رسل وكتابه . لم أجد أمامي مفرا من الأسترسال لدقائق عن حياة وفكر وأعمال هذا الفيلسوف . أسقط في يديه , وقام الأستاذ جواد العجمي بمناولتي الكتاب .
في الثانوية , كان لنا أساتذة يحملون فكرا تقدميا ماركسيا , منهم : الأستا ذ علي أحمد النجار في الرياضيات , وفريد قاسم أفندي في الكيمياء , وإسماعيل قاسم العضاض في الجغرافية , وناجي السعيدي في الأقتصاد , وحسين الدجيلي المهندس المحاضر علينا في الجبر والهندسة , وعبد الرحمن مجيد الربيعي في الرسم وصاحب جمعة في الكيمياء وعبد الله الثامر في التأريخ , وكريم العافص في اللغة العربية . وجميعهم عدا الأستاذ كريم , قبعوا في أقبية الحرس القومي وسجن الخيالة في الناصرية ... كانوا أساتذة بحق , بمادتهم العلمية وتعاملهم الأنساني الرائع مع طلبتهم .
يقابلهم من الجانب الآخر , وجوه قليلة , لمدرسين بعثيين ممتلئين حقدا ولؤما . أبرزهم ريسان مطر مدرس الرياضيات الذي أصبح مذيعا في إذاعة بغداد ,ومهدي الياسري مدير الثانوية , وسليم مطر مدرس الرياضيات أيضا , والذي تزوج آنذاك أخت الشهيد خالد محمود الأمين . ربما البعض يفسر سبب حقدهم , بأنهم كانوا ضحية إنفعال الجماهير بعد مؤامرة الشواف ومحاولة إغتيال الزعيم ... أنا أميل الى أن وعيهم وتربيتهم لم يكونا بالمستوى الذي تتطلبه مهنة التعليم , وأن لفكر تنظيمهم الفاشي أثر كبير في قولبة أمثالهم على مثل هذا السلوك .
ربما يفوتني تذكر أشياء كثيرة , ومحطات مهمة , الا إنني لاأنسى يوم تسلمت في ظرف عادي , بطاقة العضوية في الحزب الشيوعي العراقي . كنت يومها في بداية المرحلة النهائية ( الخامس الأعدادي ) , سلمها لي مسؤولي الحزبي في بيتهم بمنطقة الأسكان , بعدها سلمني لمسؤول حزبي آخر ... إجتماعاتنا نادرا ماكانت تعقد في البيوت , كان المكان المفضل لعقدها هو أماكن قراءتنا ومطالعتنا المدرسية للمنهج : على ضفة الشط وما وراء الروف ( السدة الترابية ) شمال المدينة , وبين نخيل بستان زامل . حتى المشرف الذي يأتينا من قيادة منظمة المدينة , كان يلتقينا في هذه الأماكن .
عند الحديث عن أيام الثانوية , لابد لي أن أعرج على ذكر البلطجي الطالب عباس حمادي . شاهدته نهاية الخمسينات , يسكن قسما داخليا للطلبة القادمين من الريف الى سوق الشيوخ . من الجبايش أتى , ويبدو أنه وجد في دائرة حكومية تقع أسفل مبنى مبيت الطلاب , يشغل والدي فيها وظيفة مأمور المال , مأوى يلتجأ إليه عندما تحاصره مظاهرات اليساريين آنذاك . بعدها عندما إرتحلنا للناصرية , شاهدته طالبا عدوانيا شرسا , محبا للخصام والخصومات , كانت سكينه ( أم الياي ) لاتفارقه , يشهرها بوجوه الآخرين , لامهددا فقط , بل ضاربا بها . يوما ما وفي ثانوية الجمهورية حضر إلى صفنا (الرابع الثانوي ) سائلا عن : علي عبد الكريم وهو أنا , لم أجبه فسأل عن مكان ( رحلته ) , عندما إهتدى إليها , أخذ يبعثر كتبي ودفاتري .. يبدو أن ( رحيم ناصر ) وهو طالب بعثي أخبره إنني أوزع مناشير الحزب الشيوعي .
بعد 8 شباط الأسود , كنت أراه وهو في سيارة الشرطة , يجوب معهم المدينة لأعتقال أبنائها . فكان وغازي سيف ( أبطال ) التعذيب في سجن الخيالة وموقع الحامية معاونين لفهمي روفا ونعيم حداد .
ظهيرة يوم 18 تشرين 1963 , كنا جميعا طلبة في كليات جامعة بغداد , البلطجي عباس حمادي في قسم العلوم السياسية . فندق الناصرية لصاحبه معروف الحمداني آوانا في سنتنا الجامعية الأولى , جاء القوميون للفندق , باحثين عن البعثيين الذين سقطوا بفعل حركة تشرين معتقلين إياهم . كدسوا قسما منهم في بناية المتحف العر اقي الذي كانت بنايته آنذاك قرب ساحة الرصافي الحالية . شاهدت عباس حمادي , محروسا من شرطة المتحف , يزعق ويشتم . لاحظت أثناء ذلك أن واحدا من بعثيي الناصرية , واقفا قرب جدار المتحف , ليتسقط أخباره وليساعده وهو طالب الفيزياء ومدرسها بعد ذلك ( عذاب طاهر نغيمش ) . نجح عباس حمادي بعدها بالهرب ليس فقط من حراسه وإنما من العراق , ذاهبا لسوريا . بعدها بسنوات طويلة , أصبح تاجر سلاح في السوق السوداء العالمية ومرتبطا بشبكات دولية للتهريب .
لآخر مسؤول حزبي , حادثة تستحق أن تروى .... فعندما أفلتّ من قبضة الحرس القومي في الناصرية , مرتحلا لبغداد , وبعد سقوط التسعة شهور من حكم البعث , جاء المجلس العرفي العسكري إلى الناصرية برئاسة سيد هاشم السامرائي بعد أن عقد محاكماته في مدن أخرى . إلتقى بي هذا المسؤول الحزبي , فإذا هو يبادرني بالقول : غدا ستكون جلسة المجلس لمحاكمتي مع آخرين , ماذا ستقول إن ذكرت إسمك ؟؟ لم أجبه , فلقد عقدت المفاجأة لساني , فالرجل محبط ومنهار نفسيا , وهو يتوقع حكم سنوات , سوف تبعده عن المعهد الصحي الذي قبل فيه ببغداد ... سارعت مبتعدا عنه . يبدو أنه لم يذكر إسمي بعد ذلك , لخوفه من مضاعفة مدة محكوميته , لأخفائه معلومات لم يذكرها في إفادته الأولى , ولكونه قد حصل على تطمينات بأن حجم معلوماته السابقة التي أدلى بها سوف تضعه في خانة الحكم مع وقف التنفيذ .
الطريف أن الحادثة أعلاه , كانت في أواخر العام 1963 . بعدها بأكثر من ثلاثين سنة , وقف على باب المحل الذي أعمل فيه في الشورجة , نفس الشخص , بملابس بيضاء , دشداشة بيضاء , غترة بيضاء , لحية بيضاء , سبحة سوداء ... ألقى التحية ببطء شديد : السلام عليك ورحمة الله وبركاته , عندها أجبته بالمختصر أهلا وسهلا , وبعد أن تبينته وعرفت من هو , بادرني ( بطن ) من النصائح والتبليغات , وبلهجة الموكول ببلغوا عني ولو آية .
لي عودة للحديث عن أيام الجامعة في عهد الأخوين عارف
#علي_عبد_الكريم_حسون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟