|
الروح
محمد شرينة
الحوار المتمدن-العدد: 3756 - 2012 / 6 / 12 - 17:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قال لي أحدهم ما يلي: اجتمعنا في مكان ما ونحن مجموعة من الناس الحائرين حول وجود الله وبعد تداول مطول كان رأي عدد كبير منا – الغالبية – أن بعضنا ربما يعتقدون بوجود الله. فما المانع من ذلك إذا وجدنا طريقة لذلك لا تتعارض مع ما سبق واتفقنا عليه؟ أنا: ما هو الذي سبق واتفقتم عليه؟ هو: أن لا يتعارض ذلك مع الغاية من اجتماعنا ومبدئنا الأول أو مرتكز انطلاقنا الذي هو أن أي فكرة يجب أن تكون نافعة للإنسان وان لا تتعارض مع مصلحته بأي شكل من الأشكال. أنا: بالكاد فتحت فمي، عندما أكمل حديثه: في الواقع كان لا بد من توصيف هذا الإله وببساطة اتفقنا على أن الله كما نعرفه من أدياننا كمسلمين ومسيحيين سابقين يجب أن يكون قوي وحكيم بالمطلق. أن يكون الله هكذا يعني أنه من الجنون أن نجهد عقولنا وربما أجسادنا بأي جهد. فالحكيم مطلقا لن يدع شيء في ملكه يقع إلا بأتم حال وهو حتما سيفعل ذلك لأنه قوي بشكل مطلق. أنا: آه ، تنفست بعمق وأنا أصغي. هو: تبادلنا خيارات كثيرة لم يكن أيها مرضي فالإله ذو القوة المطلقة عديم الحكمة لا ينفع بشيء. حتى طرح أحدنا فكرة غريبة، قال: الإله يجب أن يكون حكيم بشكل مطلق وليس من المهم أن يمتلك القدرة أو على الأقل حتى لو هو امتلك بعض القوة فمن غير المعقول أن يمتلك القدرة المطلقة. أنا: غريب عجيب! هو: القضية أعجبت البعض منا، لكن المشكلة التي أثارها البقية هي: ما قيمة هكذا اله عاجز؟ صاحب الفكرة هز رأسه وسكت. أنا: استسلم وانسحب. هو: لا، احتار وهو كان مثلنا جميعا حائرا من قبل أن يزداد حيرة. لكن جاء رد أكثر غرابة من آخر: الإله الحكيم غير مطلق القدرة يمكن أن يكون نافعا شريطة أن يمتلك شيئا من القدرة حتى لو كانت محدودة. أنا: وكيف ذلك؟ هو: قال الآخر: بالقدرة غير المطلقة التي يمتلكها هكذا اله يمكنه أن يوصل حكمته إلى الفاعلين في الكون، إلى البشر وأمثالهم وهم بدورهم يستعملون قدرتهم لتحقيق الحكمة و جعل العالم أفضل. أنا: وهل اقتنعتم بما قال؟ هو: بعد نقاش طويل بدا أنه أمر غريب أن يوافق معظمنا على فكرة أحدنا المعدلة من قبل الآخر، لكن هذا ما حصل. في الواقع بعضنا ظل غير موافق لكننا اتفقنا أنه إذا كان البعض يريد إلاها فهذا أفضل الممكن. أفضل تصور ممكن لإله لا يتعارض مع إرادة وعقول ومصلحة البشر. أنا: هذا يعني أن الإنسان غير حكيم، كما يعني أن الإنسان مجبر على إتباع الحكمة السماوية. فأي فضل أو وزر يبقى للإنسان وعليه؟ لا أظن أنكم غيرتم شيئا. هو : لا، ليس كذلك. هذا الإله لا يملك من القوة إلا القدر الذي يمكنه من إيصال الحكمة إلى البشر. البشر يملكون حكمتهم الخاصة بها والتي نتفق على أنها ليست بالمطلقة، كما إن لديهم دائما خيار أن لا يعملوا بالحكمة التي يوحيها إليهم هذا الرب لأنهم هم الأقوياء. أنا: فكرة محيرة، أهكذا انتهى الأمر؟ هو: لا طبعا. فهذا الإله مطلق الحكمة محدود القدرة يحتاج إلى اسم لأن ما يفهم من اسم اله أو رب أو الله هو كائن مطلق القدرة والحكمة وهو الأمر الذي اتفقنا على استحالة وجوده في عالم مختل غير كامل كالذي نعيش فيه، فكماله يقتضي أن تكون صناعته كاملة وقدرته تمكنه من ذلك! أنا: عجيب فهل وجدتم؟ هو: عدد كبير من الأسماء هي التي تداولناها فيما يخص الإله الجديد لكننا عجزنا عن الاتفاق على أي منها. لأن كل اسم منها كالحكيم أو العليم أو الرحيم إما غير مناسب أو سبق ووصف به الإله القديم. أخيرا استقر رأينا على أن نصوت على أفضل مجموعة ثلاث أسماء وجدناها مع اتفاقنا على أن ليس من بينها أي اسم مناسب تماما، لكننا سرنا في هذا الطريق لأن الاسم ما أن يطلق حتى يتبعه المعنى أو المفهوم. أنا: وبعد هو: كانت نتيجة التصويت هي الروح. أنا: وجدتم اله جديد إذا! هو: ليس تماما. حصل انشقاق البعض قالوا: هذا تحايل على الإنسان وقدراته فبعد أن كان يوصف بأنه ضعيف والقوة تعزى إلى السماء تصفونه الآن بالجهل وتنسبون الحكمة للسماء. وبالتالي حصل انشقاق. أنا: يبدو لي أن ما تقولونه ليس هكذا بالضبط فأنتم لم تنفوا حكمة ابشر الذاتية! هو: أنا ربما سأنضم إلى المنشقين فما تؤدي إليه الأفكار أهم مما تقوله. لنأخذ مثلا فكرة أن قوة وحكمة الله مطلقة، هي لا تقول للناس كونوا انهزاميين ومتهربين من العمل وتحمل المسئولية لكنها تقود إلى ذلك حتما كما أسلفت لك؛ الحكيم المطلق لا يترك شيء يحدث إلا بأحسن وجه والقادر المطلق يستطيع فعل ذلك، فعلاما نتعب أنفسنا وحتى لو حدثت الأمور بصور تبدو فيها سيئة فإنها ليست بسيئة للسبب السابق نفسه. الماء لا يصعد تله بدون قوة تضطره ليفعل ذلك والإنسان لا يبذل جهدا دون وازع وحاجة إلى ذلك. رغم أن ما اتفق علي المجتمعين لا ينفي الحكمة عن الإنسان إلا أنه حتما يؤدي إلى ذلك، فما حاجة إنسان قادر وحكيم ولو جزئيا إلى حكيم سماوي مطلق الحكمة؟! أنا: فعلتم كمسافر عين الرمانة التي قالت عنها عمتي المرحومة، ينطلق في الصباح ليقضي النهار سائرا وما أن يمسي المساء حتى يجد نفسه عند العين التي عليها شجرة رمان!!
#محمد_شرينة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التوحيد بين الايمان والالحاد -سر التثليث-
-
المفقود
-
دين التقدم
-
الإعجاز بين الفهم واللافهم
-
الإله كصديق
-
تحول أسلوب السلطة في الإسلام بعد فتح مكة وتأثيره على الإسلام
-
سأغفر لله
-
قيمة الدين بشكله القديم
-
السقوط
-
هل هناك عقلانية زائدة؟
-
الأشراف والتهجين
-
الايمان الأصيل والإلحاد وجهان لحالة واحدة
-
رب شرير أم إسلام قديم؟
-
الرغبة والفكر
-
حلم مزعج وحذاء
-
لماذا يغيب الابداع والاختراع في العالم العربي؟ ( الإلحاد كحا
...
-
أسأل نفسي، متى مت؟
-
القاعدة السمائية الثالثة
-
سماء وصدر
-
الزواج والاحتشام عند البشر والحيوانات
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|