|
السكوت المطبق لمثقفي العراق!!
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3756 - 2012 / 6 / 12 - 17:16
المحور:
المجتمع المدني
ان سلمنا جدلا بوجود نسبة لا باس بها من المثقفين المتاثرين بالتوجهات و الثقافات العالمية المختلفة و مؤثرين بشكل و اخر على مسيرة الثقافة العامة و الوعي و عقلية الفرد و المجتمع حسب ظروف و سمات و خصائص المراحل المختلفة لتاريخ العراق، و على غير عادة اي مجتمع اخر كان هناك نوابغ و مبدعين خارجين من المجتمع المتخلف هنا و هم يتجاوزن العقلية و الفكر و الثقافة لنظرائهم في المجتمعات الاخرى وهي في حال ميسورة ايضا . و كان لهم الدور الهام في التقدم الحاصل لهذا الشعب الى ان انغمس في مطبات و حفر السلطات السياسية الجاهلة طوال المراحل الماضية. لسنا بصدد المثقفين الصوفيين المنعزلين عن الواقع الاجتماعي و المبتعدين عما تتطلبه الحياة، وهم غارقون في فكر و عقلية من صنع ما تفرزه نتاجات المتدخلين الشواذ و من افراز ما لا يمكن وصفه بالمبادي العامة للثقافة باي شكل كان، و انما يمكن اعتبارها كما يفضل البعض تسميته بخليط من الخيال والعيش في عالم الاسطورة و المثاليات البعيدة اصلا عن الثقافة بما تعنيه. و هؤلاء متاثرون بما هو خارج الخارطة الاجتماعية و ساحاتها التي تفرض الثقافة الاصيلة على المثقف الاصيل، و يعتبرها الاخرون منتجين للزهد المعرفي و الانفصال عن الواقع او العيش المستند على السباحة في بحر الخيال و الرومانسية كما كانت عليه الثقافة العراقية في مراحل شتى، و هذا ما يفرض عدم انسجام ما يمكن ان يُعرٌف بالثقافة مع الذات قبل الدنيا و ما فيها، و هم يعيشون في وهم اليقين الذي يعتقدون بانهم الحق و لا حقيقة لغير ما يؤمنون ابدا. اي اصحاب النظرات الفردية او التكتلات الصغيرة المستقلة و المنطوية ، سواء انشغلوا في تدبير حياتهم الاجتماعية و الاقتصادية ام غرقوا في عبثيتهم المستميتة الى النهاية . و هم ما يُنظر اليهم ككائن غريب في كيان هذا البلد و مجتمعه و روح مرئي و منظور في عالمالخيال المختلط بعالم الماديات المعقدة . اما النوع الاخر من المثقف الذي يعيش منسجما مع ما يمر به في يومه و واقعه مقيما على الارض و يدخل بين حين و اخر في عالم الخيال و يبتعد عن الواقع لاجل غير مسمى او لفترة تتطلبه توجهاته و ما يعتقد ما يفرضها عليه عقليته من المدد المطلوبة لوصول ثمرة فكره حول حالة و موضوع ما، و منتقدا لكافة جوانب الحياة في اكثر الاحيان و هو ما يعتبره وظيفته الاساسية لاستقامة الطريق الثقافي و الضروري لتقدم المجتمع ، و يؤمن بانه من واجباته الخاصة نفي الكل دون استثناء في السياق الثقافي العام . و نقصد هنا المثقف بمعنى الكلمة شكلا و مضمونا و ليس الاكاديمي او الكاتب او الاديب او الشاعر او الفنان بشكل عام و الذي يمكن ان يعتبروا من المهنيين في اكثر الاحيان و بعيدون عن الثقافة احيانا كثيرة . لدينا من المثقفين الحقيقيين قليلين جدا ، اي المثقف وفق تعريفه و تسميته كمفهوم شامل و حقيقي لوجوده و تناغمه مع الموجود في الحياة و تاثيره عليه و تاثره به بشكله المباشر و تفاعله و تعامله مع مسيرة الحياة اليومية من كافة جوانبها بشكل فعال . لدينا من المهن التي تحتاج الى الثقافات العالية و لكن ليس بشرط ان يكون من يزاولها مثقفا حقيقيا، اننا لم نلمس وجود المثقف الحقيقي مكشوف و حقيقي و معلوم الجوهر ، لما عاناه الشعب العراقي خلال العقود المنصرمة و ازيل ما يمكن ان نسميه بالمثقف على الساحة الاجتماعية و السياسية و الثقافية ، و استبدلت الثقافة جراء تلك الممارسات المهنية الى وظائف و فرضت عليهم افكار و عقائد وعقليات و ليس لهم يد فيها و ربما لم يؤمنوا بها اصلا، و هذا ما جعلهم قشورا فارغة ، يبانوا و يظهروا كمثقفين من الخارج او الظاهر و اصحاب المهن و ما تفرضه المعيشة و المصالح من الداخل و الحقيقة او الجوهر. بعد سقوط الدكتاتورية العراقية، لم يتنفس الشعب العراقي الصعداء من الناحية الثقافية بالاخص و بالذات عملية تطوير الثقافة العامة و دعم المثقفين كما هو المطلوب عند اي تغيير ايجابي للاجواء المطلوبة لذلك، فلازال الشعب و ما يحويه ينفض عن نفسه غبار الجهل و ما فرضته الدكتاتورية من عقائد و توجهات و افكار سطحية و التي مسحت بها ما كان التاريخ العراقي يفتخر و يتمتع به من الثقافة الحقيقية التقدمية ، و لحد هذا اليوم لم نحس يما يمكن ان يبرز من بين تلك الحطام من ما يمكن ان نسميه الثقافة و المثقف و ما له من واجبات و ما يتميز به من المباديء و السمات و الدور الفعال الخطير و الحساس الذي يجب ان يلعبه في مسيرة اية امة او شعب او مكون ما . الفوضى العارمة في الوضع السياسي العام و انعدام الاستقرار و الامن و في ظل الاستمرار في القلق المفروض على الشعب او الفرد او المجموعات او المكونات و هو دليل على مدى انحلال الوضع الثقافي العام و التحول الحاصل في فكر المثقف و انقلابه على ذاته و عقليته و انتماءه و تحويله الى سياسي او مهني قح دون ان يشعر بنفسه بتلك التحولات . اليوم نرى ان السياسي يتحكم بعقلية و تحرك و توجهات و حتى نوايا المثقف على غير عادته في جميع انحاء العالم، او السياسي الغارق في العقيدة الخيالية المؤمنة يقينا و بشكل مطلق بتوجهاته الخاصة و افكاره و نافيا للاخر مهما كان و من كان سواء كان سياسيا او مثقفا، نراه يلعب بعقل المثقف الذي يرى نفسه مثقفا باي شكل كان و يوجهه بكافة الاتجاهات . هذا ما يجعلنا ان نعتقد و نجهر بالقول بان العراق اُُفرغ من مثقفيه الحقيقيين بشكل كامل و حلت السياسة و السياسيين محلهم و يؤدون مهامهم السياسي بدلا منهم، و هذا ما يدلنا على مدى انقراض الجهابذة و الفطاحل من المثقفين البارزين المضيفين للثقافة العالمية العامة الكثير و الذي افتخر بهم الشعب طوال تاريخه . اي القول الصحيح هو انعدام البلد من ما يمكن ان نسميه المثقف الحقيقي افضل و اصح من قولنا بسكوتهم او اعترافنا بوجودهم و انعزالهم او سكوتهم المطبق حيال ما يجري من خراب و دمار للعلم و الثقافة و المجتمع باكمله، و نكثهم بعهودهم و عدم اداء واجباتهم المفروضة والتي من المفترض التضحية من اجلها في اية مرحلة كانت وهو المهام الحقيقي لهم. اليوم الحاجة اليهم اكثر من اي وقت مضى. نحن بحاجة الى الفعل و التطبيق و الدخول في غمار العمل الخاص و الواجب الذي هو على عاتق المثقف الحقيقي و الذي يقع على راس قائمة المتطلبات الضرورية لتقدم الحياة لاي شعب كان في اية بقعة في العالم، فما بالك لحال كما هي في العراق اليوم .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يخرج الكورد من الازمة العراقية معافيا بسلام
-
الجوانب الايجابية و السلبية لسحب الثقة عن المالكي
-
هل اهدر المالكي فرصة تجسيد الديموقراطية في العراق ؟
-
الى متى تستمر الازمات العراقية المتلاحقة ؟
-
حتى الحمار فرض احترامه على الكورد و غيره لم يتمكن !!
-
التخوف من مصير ثورات العصر له مبرراته
-
الوضع العراقي بحاجة الى الحلول الجذرية
-
طبيعة و تركيب الطبقة الكادحة في منطقتنا
-
المطالبة بحق تقرير المصير على ارضية الخلافات !!
-
الزاهد العلماني هو المنقذ
-
هل الوقت ملائم لأعلان دولة كوردستان المستقلة ؟
-
هل مجتمعاتنا تصنع الذئاب لتحكمها دائما؟
-
مايؤخذ على تعميم ارتداء الثياب الكوردية في عيد المراة العالم
...
-
حتمية مرور ثورات الشرق الاوسط بالفصول الاربعة
-
ما هي رهانات الشباب في العراق اليوم ؟
-
بسالة الشعب السوري وصلت الى القمة
-
من كان جزءا من المشكلة لا يستطيع حلها
-
اقليم كوردستان بحاجة الى دستور ديموقراطي
-
ثورات العصر بين تعامل الشرق و الغرب
-
هل يستحق الشعب الكوردي دولته المستقلة ؟
المزيد.....
-
منظمة حقوقية تشيد بمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائي
...
-
بايدن يعلق على إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتني
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|