|
بين الفتاوى ... وواقع الحال
حميد غني جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 3755 - 2012 / 6 / 11 - 18:36
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بين الفتاوى ... وواقع الحال لم يعد خافيا على الشعب والرأي العام العالمي ما تعانيه البلاد وكل العراقيين من محنة قاسية تتلخص في سوء وتدهور مجمل أوضاع البلاد – عموما – أمنيا وخدميا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ، إضافة إلى البطالة المستشرية بين صفوف الشباب والخريجين منهم بصفة خاصة والفساد المالي والإداري الرهيب في كل مفاصل الدولة والاختلاسات والسرقات المهولة والمشاريع الوهمية ، ناهيك عن أزمة السكن الخانقة وليس من ضرورة للإطالة والإسهاب في تفاصيل هذه المأساة لأنها وكما قلنا باتت معروفة وواضحة للجميع ، وكل هذا بفعل الصراعات اللاوطنية واللامسؤولة لكننا نتساءل أليس من حقنا كمواطنين عراقيين التعبير عن رأينا بما يجري ؟ أليس من حقنا أن نتظاهر ونحتج للمطالبة بأبسط حقوقنا في العيش الكريم كبشر ، فالعمل هو من أبسط حقوق المواطنة ، فلماذا يحرم علينا التظاهر للمطالبة بحقوقنا المشروعة ؟ وهل نحن نعيش في القرون الوسطى ؟ يوم كانت الكنيسة هي مصدر السلطات في دول أوربا – قبل قرون – عندما يتظاهر الفقراء الجياع الحفاة مطالبين بالخبز والعمل ... فيخرج عليهم رهابنة الكنيسة ليقولوا للحفاة الجياع ... إن هذا قدركم من الله أن تكونوا فقراء ... وإن الله يحبكم فالفقراء أحباب الله ... وستكون لكم الجنة التي وعدكم بها ... ولم يكن ذالك إلا تخديرا ليقظة ووعي هؤلاء البسطاء التعساء والأكثر من هذا أنهم يضحكون على الذقون ببيع قصاصات من الورق على أنها – صك الغفران – بمبلغ من المال على أن تكون لهم حصة في الجنة ، فلقد ولى عصر الجهالة والتخلف ... ونحن اليوم في القرن الحادي والعشرين ... عصر العلم والتنوير والثقافة والوعي الوطني عصر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، ومن حقنا أن نتظاهر ونحتج وهذا ما كفله الدستور العراقي حرية التعبير عن الرأي وحرية التظاهر . لكننا فوجئنا في العام الماضي وعند انطلاقة التظاهرة الشبابية العارمة في ساحة التحرير وسط بغداد وعمت كل المحافظات العراقية في الاقضية والنواحي وشاركت فيها كل قطاعات الشعب – شيبا وشبانا – رجالا ونساءا – عمال وفلاحين وكسبة ومثقفين للمطالبة بحقوقهم المشروعة العادلة ابتدءا من تحسين الوضع الأمني وتوفير الخدمات الأساسية وتوفير فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل ومحاربة الفساد والمفسدين وبإصلاح العملية السياسية ونبذ المحاصصة الطائفية المقيتة ، في ذالك الوقت خرج علينا السيد الحائري – دام ظله – بفتوى تحريم التظاهرات ... فلماذا ولمصلحة من مثل هذه الفتوى ؟ وهل كانت لمصلحة المظلومين والمستضعفين الفقراء الجياع ، ألم يقل الإمام علي – ع – لو كان الفقر رجلا لقتلته ... فكم هو مؤلم الفقر ياترى ... عندما يريد قتله الإمام علي – ع - ولقد قتل الإمام علي – ع - الفقر بعدالته وإنسانيته ونشره المساواة بين الناس أجمعين بلا تمييز في الدين أو العرق أوالطائفة ... وفي قول للصحابي الجليل – أبا ذر الغفاري – رض – ( أعجب لجائع كيف لا يشهر سيفه بوجه صاحب القصر ) وهؤلاء الجياع العاطلون عن العمل رفعوا صوتهم عاليا – لم يرفعوا السيف – بالتظاهر والاحتجاج بوجه الظالمين ... احتجاجات سلمية وحضارية ولهم كل الحق وهم يرون خيرات وثروات بلادهم تتبدد وتسرق وتهدر من مافيات المختلسين واللصوص ومزوري الشهادات بلا حساب ولا عقاب ... فكيف لا يتظاهروا ويحتجوا ؟ . واليوم وفي هذا الظرف العصيب حيث بلغت الأزمة ذروتها بين المتصارعين على المصالح والمغانم ووصلت إلى طريق مسدود ، وبلغ التذمر والاستياء والقلق مداه في الشارع العراقي من سوء وتردي عموم الأوضاع في البلاد والمخاطر التي يمكن أن تنزلق إليها البلاد بفعل صراعاتهم ومهاتراتهم ذات الارتباطات بأجندة خارجية – إقليمية وأجنبية - ، والشعب البائس هو الخاسر الوحيد ، نقول في هذا الوقت بالذات تصدر فتوى أخرى بتحريم التصويت للعلمانيين ، مع أن السيد – صاحب الفتوى – دام ظله – يعلم تماما بأن غالبية أعضاء الحكومة والبرلمان هم من العلمانيين ومن بينهم الكثير من رجال الدين أو المتدينين أنفسهم متنورين علمانيين يرفضون الطائفية المقيتة ، ونرى أن مثل هذه الفتاوى هي في غير صالح الشعب البائس والمغلوب على أمره الذي سرقت أصواته أيضا – كما سرقت خيراته وثرواته وأمواله – وتحويلها إلى القوائم الكبيرة – بغير وجه حق – وفق قانون ظالم رفضه مجلس القضاء الأعلى وألزم مجلس النواب بالغائه وتعديله ، فهل أن سرقة أصوات الناخبين ... أو تزوير الشهادات وتبوء المناصب الحساسة في الدولة – بغير وجه حق – أو الاختلاسات والسرقات أو قمع المتظاهرين المحتجين بالرصاص ... ثم هل أن توزيع قطع أراض سكنية على أعضاء مجلس النواب بمساحة 600 متر – مربع - على نهر دجلة والشعب المسكين لا يمتلك مترا واحدا ويسكن بيوت الصفيح أو الطين ، هل كل هذا أمور شرعية ... ألا تستوجب الفتوى بتحريمها ؟ أم أنهم يسيرون على قاعدة – أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ، لمجرد أن الحكومة من طائفتهم ، والمفترض – شرعا – نصرة المظلوم على الظالم بتأييد الاحتجاجات ... هذا من جهة – ومن جهة أخرى ، فإن السيد صاحب الفتوى – دام ظله – يدرك تماما تأريخ العراق السياسي ودور القوى الوطنية المناضلة التي قادت نضال الشعب العراقي في مختلف العهود من – الملكية – إلى الجمهورية – وإلى يومنا هذا وقدمت أغلى التضحيات الجسيمة وبدمائها الزكية تعمد نضال الشعب العراقي بالدم عبر تأريخه الطويل المشرق ، ويعلم أيضا من هي القوى التي تصدرت وقادت النضالات البطولية ، وهل كان من بينها أي من القوى والأحزاب – السياسية أو الدينية - التي تعج بها اليوم الساحة العراقية – بعد عام 2003 – يقينا أنه على علم تام بأن القوى العلمانية الوطنية والتقدمية الديمقراطية قوى التيار الديمقراطي التي ذكرناها في – المقالة السابقة هي صانعة ذالك التأريخ المشرف وأثبتت عبر مسيرتها المعمدة بالدم أنها الأكثر وطنية وتضحية وإخلاصا وثباتا من أجل قضية الشعب والوطن وهذا ما يدركه الشعب العراقي بتجربته الملموسة - وليس لهذه القوى التي ظهرت اليوم – من دور أو ظهور في ساحة النضال الوطني - . وأخيرا فإن مثل هذه الفتاوى لا تصب في المصلحة العامة التي ينشدها السيد صاحب الفتوى – دام ظله – كما أنها لا تنسجم ولا تتفق مع واقع الحال المأساوي المزري الذي يعيشه الشعب خصوصا الطبقات الفقيرة الكادحة ، ونرى فيها انتصارا للظالم في إطالة أمد حكمه وظلمه ، وهذا ما لا يرضاه الله ولا رسوله .
#حميد_غني_جعفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوى وشخصيات التيار الديمقراطي
-
مؤشرات ودلالات(5)
-
مؤشرات ودلالات(4)
-
مؤشرات ودلالات(3)
-
مؤشرات ودلالات (2)
-
مؤشرات ودلالات(1)
-
ديمقراطيون بلا حدود (1)
-
ديمقراطيون بلا حدود(2)
-
أين حقوق الشعب من الدستور / 2
-
أين حقوق الشعب ... من الدستور ؟
-
طريق ... ربيعكم يا عرب
-
نفحات من انتفاضة آذار المجيدة - 1991 -
-
عجيب أمور ... غريب قضية
-
ديمقراطية ... آم ضحك على الذقون ..؟؟
-
كلام في سوق الصفافير
-
الثورات الوطنية التحررية ... وقواها المحركة في التأري
...
-
الثورات الوطنية التحررية .. وقواها المحركة . في التاريخ المع
...
-
الثورات الوطنية التحررية ... وقواها المحركة في التأريخ المعا
...
-
في ذكرى مجزرة شباط الرهيبة عام 1963
-
الثورات الوطنية التحررية... وقواها المحركة في التاريخ المعاص
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|