|
تحالف المشروع الأخواني-السلفي، نعمة أم نقمة؟
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3754 - 2012 / 6 / 10 - 03:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبيل الانتخابات البرلمانية المصرية، كنت ممن يعلقون آمالاً عريضة على التحالف الديمقراطي بقيادة حزب الحرية والعدالة وحزب الوفد ورعاية المفكر والسياسي الفذ د. وحيد عبد المجيد؛ كنت أرى أن هذا التحالف، المكون من 9 أحزاب أخرى موزعة ما بين يمين ووسط ويسار الطيف السياسي المصري، كفيل بأن يضمن أمرين اثنين يصبان في المصلحة الوطنية المصرية: (1) توحد النخب السياسية المدنية في وجه العسكرية ومزاحمتها الند للند للمرة الأولى منذ الانقلاب العسكري على الحكم الملكي في 23 يوليو 1952؛ و(2) انصهار الخلافات والتناقضات الفكرية والأيديولوجية، لاسيما بين التيارات الدينية والعلمانية، وذوبانها في شرايين هذا التحالف المدني، تحت حرارة المواجهة الشرسة مع العسكر. كنت آمل أن هذا الاصطفاف المدني، ثمرة ثورة 25 يناير، سوف يفضي إلى انتقال الحكم في مصر من العسكريين إلى المدنيين، وإرساء نظام سياسي مدني ديمقراطي متسع للجميع. لكن، للأسف، الأخوان وقعوا في خطأ إستراتيجي قاتل: تكبروا على هذا التحالف وأهملوه وتركوه ينهار في هدوء. الأكثر من ذلك خطئاً، تحولوا برباط التحالف جهة حزب النور السلفي وآخرين على شاكلته مثل الوسط والأصالة والجماعة الإسلامية. بدل من أن يمسك الأخوان حبل السياسة المصري بأيد وعزيمة قوية من وسطه ويلملمون إليهم كل القوى المدنية الأخرى من أقصى طرفيه، فضلوا، للمفارقة، إمساك الحبل من طرفه الأيمن فقط، ليحولوا اللعبة السياسية إلى شد حبل بين كل الإسلاميين من طرف، وكل العلمانيين، ومعهم العسكريين، من الطرف الآخر.
أعتقد أن الأخوان، بتفريطهم في التحالف الديمقراطي، أضاعوا فرصة سوف يندمون عليها عقوداً طويلة قادمة. تلك القاطرة الوسطية كانت ستوفر لهم مقعد الصدارة والقيادة وسط كافة القوى الأخرى، العلمانية والإسلامية وحتى العسكرية. لكن مما لا شك فيه أن ذلك كان سيأتي بثمن، لأن هذا التحالف ما كان سيسمح لأي من أعضائه بأن ينفرد وحده بالعملية السياسية، يشكلها ويسيرها كيفما شاء. بل كان سيفضي إلى نتيجة جماعية، من صنع ومشاركة كل الأحزاب والتيارات مكوناته، إلى ديمقراطية يشارك الجميع في تخطيطها وتنفيذها وتطويرها، ولو تحت قيادة الإخوان وفي مواجهة العسكر. ذلك لم يحدث، ببساطة لأن الأخوان كان لديهم مشروعهم الجاهز مسبقاً وغير متحمسين أبداً للبدء من الصفر في عملية تفاوضية جماعية طويلة وشاقة لرسم مستقبل البلد. إذا كان الأخوان عندهم مشروعهم الجاهز، ويرفضون التفاوض أو المساومة أو التنازل أو التسوية فيه، إذن لا جدوى ولا قيمة تذكر للتحالف والعمل السياسي المشترك، باستثناء اللف والدوران والمناورة الفارغة وإضاعة الوقت. كل ما يبقى متاح وممكن حينئذ هو الالتقاء بين المشاريع المتطابقة أو على الأقل المتقاربة الأهداف.
هذا ما كان بالفعل بين الأخوان والسلفيين. ما جمع بين الاثنين لم يكن التفاوض والمساومة والتوافق والعمل السياسي الصحي بقدر ما هو التقاء المشروعين الإسلاميين. تحت ضغط واقع معادي وذكرى لا تزال حية عن دروس وتجارب ماضية قاسية، تلاقى المشروع الإسلامي الأخواني في منتصف الطريق مع المشروع الإسلامي السلفي، لتكون النتيجة مشروع أخواني/سلفي إسلامي مرضي للطرفين كحد أدنى وخطوة أولى على الطريق نحو المشروع الإسلامي الكامل والصحيح من وجهة نظر كل طرف على حدة. في قول آخر، هذا التحالف الأخواني/السلفي ليس تحالفاً سياسياً طبيعياً، بقدر ما هو موائمة تكتيكية ظرفية مؤقتة بحكم تشابه المشروعين في مواجهة طرف آخر معادي للمشروع الإسلامي برمته. هكذا، حسب ما أرجح، مع أول زوال لهذا الظرف المؤقت، أي عندما يخلو المسرح السياسي المصري من كل اللاعبين عدا الأخوان والسلفيين ومن تعاطف معهم من عامة التيار الإسلامي ويزول الطرف المعادي، سينكشف الخلاف والصراع الحقيقي بين المشروعين الإسلاميين الرئيسيين، أو ربما بين عدة مشاريع مختلفة. أسوق هنا، مع مراعاة فارق التشبيه، مثال التحالف بين فرق المجاهدين الأفغان طوال مواجهتهم ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، وما آل إليه هذا التحالف التكتيكي الظرفي المؤقت بعد خروج السوفيت من هذا البلد.
حتى أظهر فكرتي أكثر، أزعم أن قبيل الانتخابات البرلمانية، كان أمام الأخوان فرصة عظيمة للملمة وتنظيم صفوف وقيادة أغلب القوى والتيارات السياسية المدنية الفاعلة في مصر ضمن جبهة قوية يعمل لها حساب أمام الجبهة العسكرية المتراصة منذ 1952. لكن الأخوان، بسبب أنانيتهم السياسية ولهفتهم الطفولية على تطبيق مشروعهم المعد سلفاً، ضيعوا الفرصة. الأسوأ لا يزال، ارتموا في أحضان الأحزاب والتيارات من شاكلتهم والأكثر منهم تطرفاً جهة اليمين، ليتركوا الطرف الآخر كله من الحبل للقوى والتيارات، ومن بينها العسكريين أنفسهم، المتمسكة بدولة لادينية، حتى وإن بلغت التضحية بهم إلى حد أن تظل الدولة عسكرية كسابق عهدها، لأن الدولة العسكرية اللادينية هي، في ظنهم، أفضل وأرحم بمواطنيها وأكثر حداثة وعصرية وتقدماً من الدولة الدينية الرجعية. الدولة، حتى لو كانت عسكرية، أفضل من عدم الدولة، حتى لو كنت تعد الناس مكانها بجنة لم تقنعهم بها مسبقاً، مثل خلافة أو منظومة إسلامية أياً كانت ليس لها وجود فعلي ملموس ومختبر تستريح له أغلبية الناس، وبالأخص النخب السياسية الفاعلة والمؤثرة.
في صورة أخرى، قبيل بدء اللعبة السياسية المصرية وأثنائها وحتى هذه اللحظة، الأخوان اختاروا اللعب ضمن الفريق الإسلامي ضد كل الآخرين، رافضين أن يكونوا ضمن الفريق الثوري المدني الجامع لكل القوى المدنية، إسلامية وغير إسلامية، كما تشكل تحت ثورة 25 يناير 2011 في مواجهة النظام القديم، العسكري. بعد الثورة، خسر الأخوان كل القوى والتيارات غير الإسلامية- بل حتى بعض التيارات الإسلامية المغايرة مثل الصوفية- التي لم تجد لها ملاذاً من الأخوان أنفسهم إلا لدى العسكر، الذين قامت الثورة بالأساس لإزاحتهم عن الحكم.
بسبب شدة لهفتهم على مشروعهم الإسلامي، ضيع الأخوان منهم كل القوى التي تحالفت معهم أثناء الثورة، ودفعوها مكرهة إلى التحالف مع ذات القوى القديمة التي اندلعت الثورة لإزاحتها من الحكم. الأخوان، بغبائهم السياسي الواضح، حولوا مشروع تحالف سياسي طموح وواعد إلى مواجهة شرسة ودامية احتمالاً بين معسكرين كان للإخوان الدور الأعظم في شحذهما وتسليحهما: الدولة الدينية والدولة اللادينية، بينما توارى أي حديث جاد عن الدولة الديمقراطية.
بعد أكثر من عام ونصف من الإنفراد الأخواني بالنصيب الأوفر في الحراك السياسي المصري عقب ثورة عظيمة، الأخوان الآن أمام خيارين كلاهما مرعب: (1) أن يخسروا كل شيء، بما في ذلك مشروعهم الذي باعوا من أجله الكثير؛ أو (2) أن يكسبوا كل شيء، ثم يدخلوا في مواجهة مفتوحة ضد جميع القوى والتيارات الأخرى اللادينية، ومن ضمنها العسكر، متحدة ضدهم. مبروك للإخوان.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسطورة القوانين الوضعية والشرائع السماوية
-
السيادة أين، للدستور، أم الشريعة؟
-
رحمة الله عليك يا مبارك، كيف تعدمون ميتاً؟!
-
في مصر، صراع وجودي بين الله والإنسان
-
شفيق ومرسي، بالكرسي...إلى الجحيم
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|