|
سوريا... لبنان الكبير!
رائد شما
الحوار المتمدن-العدد: 3754 - 2012 / 6 / 10 - 02:46
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
سوريا... لبنان الكبير!- نوار قسومة
هل انتقلت الثورة الإسلامية السورية إلى طرابلس الشام أم أن لبنان كله انتقل إلى سوريا؟! سوريا أصبحت اليوم أقرب إلى "لبنان الكبير"، دويلات صغيرة مقسمة بحسب الولاء العشائري والطائفي، ومناطق أصبحت بشكل جزئي أو كلي خارج سلطة دمشق. ما يحدث في مدينة طرابلس اللبنانية، من مواجهات بين السنة والعلويين، التي تحولت بفضل التهميش والمال الخليجي والسعودي إلى إمارة إسلامية شبه مستقلة، هو نموذج مصغر عما يجري في سوريا. أشخاص من طبقات اجتماعية مهمشة ومتخلفة، وجدوا في الإسلام الوهابي والإسلام السياسي بشكل عام ملاذاً لهم وطريقة للتعبيرعن وجودهم. ومن الواضح أن جماعة الحريري تلعب أيضاً دوراً قذراً في هذه الأحداث الجارية في سوريا، وبشكل خاص فيما يتعلق باستفزاز حزب الله، فهي تعتقد أن الفرصة مواتية للدخول في صراع معه بغية قصم ظهره وتغيير معادلة الوضع الراهن في لبنان. حاول قسم من "الثوار" تنفيذاً لأجندات مموليهم في الخليج والسعودية إدخال حزب الله في الصراع، منذ الأيام الأولى للأحداث في سوريا، ودون تقديم أي دليل ملموس. والآن وصلت الوقاحة بهم إلى استهداف وخطف حجاج شيعة في رسالة تحدي إلى السيد حسن نصر الله. ومن غير المستبعد، أن يرد حزب الله على هذا العمل باستهداف قيادات الإخوان المسلمين وغيرهم من عملاء دول الخليج والمملكة العربية الوهابية في المعارضة السورية أو ربما استهداف جماعة الحريري "وأعوانه". هذا هو منطق "لبنان" ومنطق حربه الأهلية التي لا تنتهي. منطق النزاعات والخلافات في سوريا هو نسخة مكبرة عن لبنان، لم يخرج عن مبدأ الثأر والعين بالعين، تماماً كما حدث مؤخراً بين درعا والسويداء، أو لنقلها بشكل أوضح بين "أهل حوران السنة وأهل السويداء الدروز". حيث قام أهل السويداء بالرد على خطف عدد من عناصر الشرطة الدروز من قبل أهل حوران بخطف عدد من أهل درعا كرد على هذا الفعل، قبل أن تتم "التسوية" واتفاق الطرفين على إطلاق المخطوفين. في هذه الأجواء البدائية على أي طرف أن يثبت للطرف الثاني أنه قادر على إيلامه إذا ما فكر بالاعتداء عليه.
دور الشيخ سارية الرفاعي التركيز سيكون على دمشق بالتفجيرات والاغتيالات، والنظام السوري انتقل من مرحلة الهجوم إلى مرحلة الدفاع عن المناطق التي مازالت تخضع لسيطرته. وتكثيف الهجمات والاشتباكات في أطراف العاصمة كما جرى مؤخراً في كفرسوسة والمزة والقابون هو دليل على رغبة الإسلاميين في الحسم في العاصمة وبأي طريقة. إضراب التجار الذي نجح ولو بشكل محدود في دمشق هو مؤشر على الدور الذي يلعبه الشيخ سارية عبد الكريم الرفاعي والذي يدير جمعية "زيد" وهي أكبر جمعية خيرية في دمشق و تتولى رعاية أكثر من 6000 أسرة فقيرة وتقدر ميزانيتها السنوية قبل الأحداث بحوالي 21 مليون دولار تجمع أغلبها من تجار دمشق. منذ سماح النظام بعودة الشيخين سارية وأخوه الأكبر أسامة من المنفى في "السعودية"، سيطرت حركة زيد على النشاط الخيري في دمشق مستغلة عدم وجود نظام رعاية اجتماعية في سوريا ورغبة بشار الأسد بتوسيع شعبيته في الأوساط السنية في العاصمة. الشيخ أسامة أصدر قبل فترة بياناً مصوراً دعا فيه تجار دمشق للإضراب. وللتذكير فإن جامع عبد الكريم الرفاعي شهد أقوى التحركات في بداية الأحداث في سوريا. خطاب "أمير الحرب" مازال أنصار النظام يؤمنون بقدرة الأسد على الحسم العسكري "بيومين لو أراد ذلك" أو يرون أن ماهر الأسد إذا ما قرر أن يرتدي بدلته العسكرية عوضاً عن بدلة الرياضة سيقضي على "المتمردين"... أويعتقدون بأسطورة أن النظام يتبع سياسة "النفس الطويل" وسيخرج بالنهاية من هذه المشكلة كما خرج من غيرها وستعود الأمور كما كانت بل " أفضل" من قبل. الحقيقة هي أن الجيش السوري فقد هيبته والعديد من أفراده قتلوا أو جرحوا وقسم كبير من آلياته دمرت. ولولا أن ولاء أفراده مرتكز على الانتماء المناطقي والطائفي لكان انهار في غضون عدة أشهر. دخول بعض أعضاء المجلس الوطني من المحسوبين على الإخوان المسلمين إلى سوريا وتجولهم بحرية "نسبية" في المثلث المحرر والذي يقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة (ريف حماه وإدلب وحلب ومناطق كبيرة من حمص)، يثبت أن المعارضة الإسلامية المسلحة أصبحت في موقع أفضل يسمح لها بالتصرف بأريحية أكبر. في هذه الأثناء، نرى أن هناك تركيز من قبل الإسلاميين على تدمير الآليات المدرعة للجيش وهو ما يحصل بشكل مكثف في الفترة الأخيرة. الجيش السوري، وهذه الحقيقة المؤلمة عندما سيفقد قدرته الميكانيكية على الأرض سيتحول إلى مليشيات طائفية ربما أكثر تنظيماً وعدة لكنها ستلجأ حتماً كغيرها إلى حرب العصابات. كما أن هذا الواقع سيشجع القوى الغربية في المستقبل على اتخاذ خطوات أكبر وإقامة مناطق عازلة. النظام يقتل أيضاً وعنده دَين كبيرهو وأنصاره، وعند أعدائه رغبة كبيرة للانتقام منه ومن أتباعه. وحجة أن الإسلاميين هم وحدهم من يقومون بأعمال القتل والذبح فقط لن تفيد النظام كما يعتقد أنصاره بل ستفقده هيبته وكرامته. وحتى إذا افترضنا أن النظام بريء من دم أطفال الحولة ومزرعة القبير، هذا لا يعفيه من المسؤولية عنها وسيدفع الكثير من السوريين إلى الاعتقاد أن النظام انتهى وأنهم يقفون مع الطرف الخاسرأو إلى التفكير بإيجاد طرق أخرى للدفاع عن أنفسهم طالما أن سوريا لم تعد تحكم من بشار الأسد. الأسد والذي ظهر متوتراً في خطابه الأخير واصتدمت يده يالمايكروفون أكثر من مرة، يدرك أنه الآن في وضع حرج وأن خططه واستراتيجيته التي اتبعها وأملاها عليه المقربين منه لم تجدِ نفعاً، بل زادت الوضع سوءاً وخطورة، ويدرك أيضاً أنه غير قادر على الحسم. الأسد يواجه إرهابيين، العبارة بسيطة جداً، لكن الإرهابيين الذين عناهم الأسد هم أهل حوران وإدلب وحمص ودير الزور وريف حلب وأجزاء كبيرة من ريف دمشق، وهم على أقل تقدير بضعة ملايين من أبناء السنة، لا يخلو بيت من بيوتهم من قتيل أو جريح أو معتقل! أكبر خطأ ارتكبه الأسد في خطابه هو وصفه للمتظاهرين بأنهم عاطلون عن العمل يخرجون من أجل المال!!! وهو أمر معروف... لكن من تسبب بفقرهم وعطالتهم عن العمل ومن دفعهم إلى حمل السلاح ..... لنذّكر هنا الأسد أن 90 % من وظائف الدولة تمنح ل10% من الشعب السوري وأقصد هنا "العلويين" . هذا الأمر ضمن ولاء الطائفة العلوية للنظام، لكن في نفس الوقت جعلها محل حقد من البقية، وبالأخص "فقراء السنة". أي أن هذه الطائفية والتمييز والاضطهاد هي ما دفع بعض من هؤلاء إلى التحول إلى وحوش حاقدة وراغبة بالانتقام أو الموت، وهي ما دفعهم أيضاً إلى أن يكونوا مرتزقة تحت الطلب لكل من هب ودب! أنا لا أبرر للإسلاميين ممارساتهم أو طائفيتهم لكن يجب فهم العوامل التي دفعتهم للتحول إلى الدين والسلاح. النظام طائفي وهناك تهميش للأغلبية "السنية" وحقد وممارسات خاطئة ضدها على مدى أربعة عقود وهذا السبب الرئيسي للمشكلة وليس "أبو متعب وحمد وموزة" وهو السبب الذي لم ولن يذكره الأسد . مشكلة سوريا ليست في المادة الثامنة من الدستور أو قانون الطوارئ أو تغيير رئيس مجلس الشعب بعد انتخابات "هزلية" وتشكيل حكومة جديدة! مشكلتها في عدم وجود توازن داخلي... من يريد السلطة والجيش عليه أن يترك للبقية الاقتصاد والوظائف... لا يمكن أن تأخذ كل شيء معتقداً أن السلاح بيدك وأن بإمكانك إخراس الآخر به إلى الأبد، وهذا ما حصل في سوريا على مدى أربعة عقود ووصل إلى إلى درجة "الوقاحة" في العقد الأخير. من غير الطبيعي أن تسيطر أقلية على كل شيء "السلطة، الجيش، الأمن، الاقتصاد، الوظائف، الإعلام..." وتبقى الأغلبية تتفرج. الأسد لا يرى كل هذه المشاكل ولن يراها! وبرأي الأسد "العدو أصبح في الداخل والجيش السوري يتصدى له" هذا الكلام صحيح، الجيش دائماً كان موجهاً ضد العدو الداخلي ولحماية النظام. "العدو إرهابي يجب إيقافه" لكن كيف سيوقف الأسد المريض ملايين "الإرهابيين" هو أمر غير واضح ومشكوك به. يا جيش "الأحرار" تقدم أو بالأصح "انزل يا جميل في الساحة"!!!! ظاهرة الأناشيد الدينية هي من أكثر الظواهر تلويثاً للأذن والذوق العام، وكون "الثورة" في سوريا إسلامية لا بد من التطرق لهذا الموضوع. نشيد الجيش الحر الذي يرافق عمليات القتل التي تقوم بها مليشياته "يا جيش الأحرار تقدم بعقيدة وإصرار تحزم"، وهو من أداء "فريق الوعد للفن الإسلامي"،مثال عن هذه الظاهرة. لحن هذا النشيد بالأصل مسروق ومشوه من مقطع لأغنية معروفة للفنان وليد توفيق "انزل يا جميل في الساحة واتمختر كده بالراحه". وبعد التشويه المقرف لهذه الأغنية، نستطيع القول أنها ليست نشيداً يمكن أن يُربط بثورة بل بغزوة وعمليات استشهادية، وهو دليل على الانحطاط الفكري للرعاع ومثال على انعدام الذوق والحس الفني والإبداعي لدى الإسلاميين. يذكرني هذا النشيد بالأناشيد الدينية التي كنت أسمعها عند مروري قرب القصر العدلي "القديم" في دمشق من محل متخصص ببيع تسجيلاتها..... طبعاً أغلب هذه الأناشيد هي بالأصل أغاني قاموا بإدخال الله ورسوله عليها بالإكراه...فمن غير المستبعد مثلاً أن تسمع نشيداً دينياً هو بالأصل أغنية لهيفا وهبي أو نانسي عجرم! لا بل أن الانحطاط وصل مؤخراً في البعض إلى تشويه أناشيد وطنية مرتبطة في وجداننا "كموطني" و"بلاد العرب" وتحويلها إلى أناشيد دينية مخصصة للذبح الحلال! كلمة مدماة كل حثالات العالم الإسلامي دخلت على خط "الثورة" الإسلامية السورية ،الثورة التي يقودها شيخ الإجرام ابن تيمية من قبره!!!! لم يتبقى سوى بعض الجماعات التي لن تجد "تبريراً شرعياً" لتقاعسها عن نصرة أهل "السنة" في سوريا.... سوريا الآن هي أرض الرباط والجهاد!! أين أنتم يا جماعة أبو سياف الفليبنية أين أنتم يا بوكو حرام النيجيرية!!!!!!! ألا هل بلغت... اللهم فاشهد! ............ عندما يرتكب النظام جريمة يجب أن ندينها ونلعن مرتكبيها، ولكن عندما يرتكب الطرف الآخر"الملائكي" جريمة يجب أن نصفق لها ونستمتع بمنظر الدم. من يقتل غدراً ويدمر ويذبح ويخطف ويحكّم القصاص على الشريعة الوهابية الإجرامية، ويجلب مرتزقة من الخارج، ويخدم أجندة خليجية متخلفة، لا يحق له أن يتحدث عن الحرية...... ويجب أن يتوقع أن الطرف الآخر لن يقابله بالورود بل براجمات الصواريخ. .......... لا مجال للعواطف عند مشاهدة ثورين هائجين يتناطحان من أجل مصالحهما لا من أجل الوطن... الطرفان فاقدان للشرعية وكوني لا أجد نفسي مع أي منهما، فإن تعاطفي معهما لا يختلف عن تعاطفي مع "دساس" عندما قتل "هزاع" وسرق أغنامه في أحد المسلسلات البدوية القديمة!
#رائد_شما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حفّار القبور
-
شبح تقسيم سوريا
-
القتل باسم -الله-
-
نعم... الإسلام السياسي هو الحل!
-
في سنوية الثورة الإسلامية في سوريا
-
لماذا لم يسقط الأسد؟
-
بائع هوى سياسي
-
سوريا والطاعون الديني
-
الراعي والقطيع
-
البدوي والمرأة
-
عندما يتحول الثوار إلى مجاهدين
-
معركة الجمل -الثانية-
-
أزمة العلمانية واليسار في ربيع العرب
-
في كل مكانٍ دمُنا
-
سقوط النظام ..... ما الثمن؟
-
التصحر الفكري والصبغة الدينية -للثورة-
-
شيخُ قبيلتنا أهبل
-
ضبابية الثورة
-
من غيركِ
-
الثورة السورية والوصاية التركية
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|