كريم الزكي
الحوار المتمدن-العدد: 3752 - 2012 / 6 / 8 - 01:20
المحور:
المجتمع المدني
منظمات المجتمع المدني ( حصان طروادة جديد لعصر الامبريالية )
نحاول من خلال كتابة هذا المقال اعطاء القارئ صورة واضحة وملموسة عن هذه المنظمات ودورها المشبوه . من الناحية النظرية والعملية .
(( منظمات المجتمع المدني ودورها في طـــــــــــــــــــــــمس الصراع الطبقي ))
يعتبر مصطلح المجتمع المدني من اكثر المفاهيم جدلا في وقتنا الراهن يختلف في تقييمه المفكرون وتتباين آراء التيارات السياسية والأحزاب في تحديد ماهيته , ولاغرابة في ذلك فالامر الذي يحدد هذا التباين هو طبيعي مرده الى تباين الخلفية الطبقية والحامل الفكري والسياسي لكل اتجاه من الاتجاهات . ان التيارات الراديكالية الداعية للمجتمع المدني نمت في مواجهة قوى ماركسية اخرى ترى منظمات المجتمع المدني انه ليس الا المجتمع البرجوازي الذي يحكمه اقتصاد السوق . بل ان عملية *البيرستروكيا* ( العملية الهدامة التي أستعملها غرباتشوف لتفكيك الاتحاد السوفييتي ) ومانتج عنها من انهيار لتلك الدولة العظيمة . جعلت من الماركسيين اكثر تصلبا في مواقفهم الطبقية , حيث ترى الماركسية ان مفهوم المجتمع المدني مفهوما برجوازيا يطمس الصراع الطبقي ويلغي دور الاحزاب الشيوعية في تحقيق الاشتراكية والشيوعية ولم تكن الماركسية مخطئة ابدا وما المجتمع المدني الا المجتمع البرجوازي الذي يحكمه اقتصاد السوق . فالعراق اليوم وبعد الاحتلال نرى ونسمع ونلمس ان ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني ما هي الا واجهه للرأسمالية وتغطية لاستغلالها وجشعها الطبقي , وإيهام المجتمع بمشاريعها الانسانية الوهمية فهناك الكثير جرى ويجري في العراق حاليا و كردستنان خلال اكثر من عقد من السنين فعاليات كبيرة وهائلة لمنظمات المجتمع المدني ولكن على ارض الواقع لم يكن الا الشيء اليسير جدا . نعم فهناك تمويل للمنظمات ولكن الذي يصرف يكاد لا يصدق لحجم التمويل فالسرقة تتم بين الجمعية والممول الرئيسي . ( الهدف الاساسي منها هو خلق تمويل للأحزاب التي تقبل السير وراءٍ السياسة الامبريالية وجر هذه الاحزاب وراء طريق طويل من عمليات السرقة المكشوفة وتعليمهم كيفية السرقة وبالأسلوب المدني السهل وليس السطو المسلح !!) . لقد كان التناقض بين الهيغلية والماركسية شديدا , فهيغل سمى المجتمع المدني بالطبقات الاساسية , ووصف ماركس بأن المجتمع المدني وهم من اوهام الرأسمالية , فالماركسية ترى من الواضح ان تصفية الحرفة والمهنة ونشوء الاقتصاد الصناعي وتحلل الملكيات الاقطاعية وتراجع الارستقراطية ادى الى انخلاع الافراد من رحم علاقاتهم القديمة وهنا بالذات بهذه المرحلة التاريخية طرحت بقوة فكرة ومشكلة اعادة بناء العلاقات بين المجتمع والدولة , فيرى ماركس ان مشروع التحرر السياسي الذي قامت به البرجوازية الناشئة الصاعدة مع افول العلاقات الاقطاعية ( اي الانتقال من النظام القديم الى الجديد ) لم يكن سوى مشروع استلاب ( أن العامل يصنع الأشياء / السلع ولكن هذه الأشياء تصبح هي ذاتها أداة التحكم فيه واستعباده واستغلاله ) . جديد , فمقابل الاقطاعي ومفهوم الاجير والمالك طرح البرجوازي مشروعه السياسي ( المواطنة ) اي الدولة والمواطن .
وهنا فهذه الحالة الأستلابية الجديدة التي ميزت بتصدع الفرد وانشقاقه بين ذاته وهويته اي تصدعه , ماهيته كمواطن وماهيته كمنتج . فالمواطنية بالمشروع السياسي للبرجوازية يفترض المساواتية , في حين انه يعيش في حالة من الاستغلال والتفاوت الشديد كمنتج يتعرض لنهب قوة عمله ( فائض القيمة *الربح*) وبالتالي فأن هذه المواطنة شكلية وهي جوهر انتقادنا لمفهوم المجتمع المدني . فالمواطنة اذا هنا شكلية تماما لأن المساواتية شكلية في المجتمع المدني ,وهي لن تتحقق الا بتحرر الفرد من ازدواجية النقيضين , اي فلسفيا عند اقتراب الخاص من العام . اي توافق الحرية
السياسية مع شروط الحرية التي يصل اليها المجتمع الشيوعي . اي ان التصدع بين العام والخاص الذي احدثته البرجوازية في كل فرد هو الهدف الذي يوجه ماركس اليه ضرباته الانتقادية القوية باعتبارها اكبر تجسيد لظلم البرجوازي (استغلاله وجشعه) . وكان ماركس قد استعمل في بداياته عبارة المجتمع المدني اي عندما كان هيغليا لكنه ما لبث ان عدل عنه مستبدلا اياه بمفهوم المجتمع البرجوازي . لأنه كما تعرفون فأن الماركسية ترعرعت في موروث الفلسفة اللبرالية الكلاسيكية الأوربية , وبالتالي فقد وصل ماركس الى تلك الحقائق عن مفهوم المجتمع المدني (هذا المجتمع الذي تترسخ فيه سلطة البرجوازية كطبقة مسيطرة بديكور اسمه الدولة الديمقراطية البرجوازية) والتي تكرس كما اسلفنا الانفصال في حياة الانسان ككائن اجتماعي , اي ان هذا الانسان يتحول في المجتمع الرأسمالي الى ( عضو موهوم في سيادة موهومة ) أي يتحول الانسان الى مجرد اداة ويصبح لعبة في يد قوى متسلطة مالكة لوسائط الانتاج , فيتحول الانسان الى اسير العزلة الانانية في مجاهل الاقتصاد البضايعي وحبيس القوى الغريبة التي تهدده وتطحنه , وبالتالي تبعد الانسان عن الحياة الانسانية الحقة التي هي وفق تعبير ماركس حياة كائن نوعي .
ان دعاة المجتمع المدني في وسط اللعبة السياسية وهم ساقطون فيها وبالتالي فهم بدون ايديولوجية مناقضة للسلطة البرجوازية فأنهم سيقعون في مطب خدمة مصلحة الدولة السياسية البرجوازية مهما موهو او اعتبروا انفسهم بحسن نية بعيدين عن السلطة القمعية سلطة رأس المال ..
ان الهدف الاساسي وراء تشجيع المجتمع المدني هو كبح العمل الثوري المناهض للدولة البرجوازية (لسلطة رأس المال) . يقول رئيس مركز ابن خلدون وهو من غلاة مشجعي المجتمع المدني المتأمركين بلا خجل عن تنظيمات المجتمع المدني الممولة من الغرب ان اهدافها وهو تحصين الدولة من الاضطرابات الاجتماعية وان هذه المنظمات تحصن الفرد ضد سطوة الدولة من ناحية اخرى , وان هذه التنظيمات تقنن السلوك الاحتجاجي لأعضائها في مواجهة الدولة وتسقط اي فعل ثوري من خلال ملئ جيوب انصارها اثناء قيامهم بأي عمل احتجاجي لصالح هذه المنظمة او تلك ( فكل المظاهرات والفعاليات تتم بتمويل من المنظمة المعنية على ان تصب هذه الفعاليات لمصلحة المنظمة والدولة الممولة لهذه المنظمة وخاصة الدول الكبرى الرأسمالية ونهجها الديمقراطي المزيف , والعراق أصبح مختبر و برهان على فعاليات هذه المنظمات المشبوهة ) .
تشرف وكالة المخابرات الامريكية على جميع التمويل لهذه المنظمات في العالم . حتى لو كان التمويل من دول رأسمالية اخرى ( منظمة اولبراليت, السفارة الامريكية وكذلك سفارات جميع الدول الاوربية والمنظمات المشبوهة لهذه الدول وهي معروفة ) المهم في كل ذلك هو سيطرة قوى الامبريالية العالمية ونهجها وطغيانها وقمعها للشعوب . ان اللبرالية الغربية الرجعية بقيادة البرجوازية تمثل الاقلية , اما سلطة الطبقة العاملة بقيادة احزابها الشيوعية الحقيقية والتي تؤمن بسلطة الاكثرية ,( سلطة جميع شغيلة اليد والفكر ) ..
ان القوى الامبريالية التي تروج للمجتمع المدني تستخدم ما يسمى المنظمات الغير الحكومية التي من المهم ان نسجل مجموعة من الملاحظات الخطيرة على انشطتها في عالمنا العربي . وذلك بعد دراسة مطولة قامنا بها حيث وجدنا ان المنظمات غير الحكومية منظمات يساروية (بالاسم فقط), ويساروية كون القائمين عليها شخصيات يسارية بل الكثير منهم شيوعيين سابقون او احزاب تسمي نفسها شيوعية ولكنها غير شيوعية و تحريفية وهي اكثر خطرا من العدو الحقيقي المتمثل بطغيان رأس المال وسلطته , و اسماء ثقافية اخذت شهرتها من قوة اليسار التاريخية , ولهذه الجمعيات عادة مقرات ومكاتب تقام في ارقى الاحياء في مراكز المدن , وتمويل هذه الجمعيات بمعظمه امريكي او بأحسن الاحوال اوربي كما اسلفنا , ونسجل عليها هذه الملاحظات 1- تسعى لتجميع اكبر عدد ممكن من النخب اليسارية والشيوعية السابقة ومن المتميزين في الادب والسياسة والفن وذلك لتسخير رصيدهم الجماهيري والدولي في اوساط الفقراء والكادحين لمصلحتها والمنشأة من اجلها , وهي تغرق الكثير من هولاء المثقفين في *وهم* الفعل دون فاعلية تذكر وبالتالي تحويلهم الى شخصيات اصلاحية خيرية لابل مروجة للثقافات المتأمركة الرأسمالية وخلق الشك والتشكيك في اسس التميز الوطني الثقافي والسياسي وزعزعة الاستقرار الوطني 2- تمنح عادة هذه المنظمات من الممولين اجورا مرتفعة لتلك الشخصيات الدائرة في فلكها ويزداد الثمن بزيادة اهمية الشخصية اجتماعيا وسياسيا ( كاتب , فنان , قائد في حزب يساري , مفكر , صحفي .. ) وقد يتم منح هذه الاموال ليس بشكل مباشر فقط بل لقاء خدمات واهية لتبرير شراء الذمم او للاستدراج , وبالتالي تتم عملية الافساد الحقيقي لهذه الشخصيات عبر المال السياسي ..
و نستطيع القول أن هذه الجمعيات تعتبر حصان طروادة لاختراق الاحزاب الثورية وتدميرها , ومن ناحية اخرى سوى محاولة تجميلية لقبح الامبريالية المجرمة التي طالما كانت جزارا حقيقيا عبر تاريخها , بغية كسر الحاجز النفسي ونسيان التراث الطويل من النهب والطغيان , ولتمرير مشاريع اقتصادية واجتماعية لصالح الاحتكارات الامبريالية , وخلق شعبية مؤيدة لوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية وتأييد فكرة الخصخصة والعولمة الرأسمالية ,
والعراقيين يعرفون جيدا ان هذه المنظمات ونشاطاتها الضبابية هي الضحك على الذقون وإيهام الشعب العراقي الذي ابتلى بهم وذاق الويلات والدمار منهم ومن المحتلين الذين جاء بهم صدام وهلل لهم المستفيدين منهم حاليا على اشلاء وضحايا شعبنا المغدور والمبتلى بهذه القوى الكريهة والمجرمة . الكل يعلم ان انتفاضة شعبنا في اذار 1991 قام بها شعبنا الابي وبدون مساعدة لا من ايران ولا من سوريا وهذه الدول كانت تأوي قوى سياسية بارزة ولكنها لم تقم بواجبها الوطني لدعم الانتفاضة والمساهمة بها وعلى العكس من ذلك هم والإدارة الامريكية داعية الديمقراطية تركوا صدام يذبح العراقيين والكل يتفرج على ما جرى في وطن الدم والشهادة ( فهل ستلحق بهم لعنة الجزائريين الفرنسيين ... والذين غادروا مع المحتلين الفرنسيين عندما غادروا الجزائر تحت ضربات الشعب الجزائري البطل .
وهنا لابد من ذكر مسرحية من الاف مسرحيات منظمات المجتمع المدني . في جو غائض من أيام شهر آب أغسطس 2003 وجهت لنا دعوة للمشاركة في احتفال افتتاح مشروع عيادة طبية (مستوصف طبي) في منطقة البتاوين في بغداد وبدوري قمت بدعوة مجموعة من الرفاق والأصدقاء والعائلة جميعاً لحضور ذلك الاحتفال البهيج والذي لأول مرة تفتتح فيه عيادة طبية من مشروع تموله منظمة مجتمع مدني فرنسية ( النجدة الشعبية الفرنسية) وقف ممثل المنظمة والقى كلمة موضحاً أن منظمته هي من مول هذا المشروع( العيادة الطبية) وعرفنا عن منظمته وعن مشاريعها الخيرية للشعوب المحتاجة والفقيرة والى ما ذالك .. وكذلك ممثل المنظمة المستفيدة من التمويل . شاهدنا في العيادة طبيبة وممرضة من لباسهم فقط وبعض الطاولات بعض الكراسي للمراجعين الخ ! وكانت لافتة تزين واجهة المبنى عنوانها العيادة الطبية ولكنها من القماش ! . أنتها الأحتفال وصفق الحاضرين لافتتاح هذا المشروع الإنساني وغادرنا المكان ونحن نتصبب عرقاً من شدة الحر . وفي اليوم الثاني قلت في نفسي علي زيارة العيادة للاطمئنان على القائمين عليها وعلى الأقل تشجيعهم ومباركاً مشروعهم الإنساني العظيم . وإذا بي أرى أن لافتة العيادة قد رفعت وأن كل ديكورات العيادة من الداخل تلاشت وأصبح مجرد مكتب أداري لأي شركة أو مكتب آخر .. لقد لمست وبشكل لا لبس فيه أنها عملية سرقة وعلى المكشوف .. إضافة لذلك هناك قصص مع كل تمويل تحصل عليه المنظمات وأن الشعب لا يحصل إلا على اليسر القليل منها وتغطية لسرقاتهم فقط . .
7/6/2012
المصادر .. ماركس .. باروت .. غرامشي .. صحافة ماركسية ويسارية
#كريم_الزكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟