|
نحو رؤية جديدة للمسألة اليهودية - الجزء الاول
سمير إسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 1099 - 2005 / 2 / 4 - 09:42
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
قد يكون من الصعب بلوغ الحالة التي يستطيع المبدع أن يقول بان ما ينجزه في هذا الميدان أو ذاك هو الصيغة النهائية التي كان يسعى إليها مهما كان نتاجه قريبا إلى قلبه و مثيرا لاعتزازه و هي حالة لا تقلل من شأن المعاناة التي تعترضه و هو يذلل عقبات المهمات التي يضعها أمامه كما أنها لا تضعف لذة الاعتزاز بما يقول و يفعل و هو ينجز ما يبدو للوهلة الأولى غاية نهائية لكنه سرعان ما يكتشف بأن الغاية النهائية هي مجرد مهمة كبرى و من ثم فإنها عرضة للزوال بزوال ما يصبو إليه و هو إدراك تترسخ قيمته مع كل استظهار بليغ للحقيقة القائلة بان المساعي النبيلة تفترض كحد أدنى الانصياع لقول الحقيقة و بالتالي ليست المهمات الكبرى سوى مهمات جزئية في مساعي البحث عن الحقيقة و الأخيرة هي منطق التاريخ في بحثه و تجسيده للعدل و الاعتدال في العلم و العمل و هو موقف يميز في الأغلب منهجية ميثم الجنابي في تناوله مختلف القضايا المثيرة للعقل و الوجدان بما في ذلك تلك التي وضعها في كتابه الأخير ( اليهودية الصهيونية في روسيا و أفاق الصراع العربي اليهودي ) الصادر عن دار العم ، دمشق 2003 و تجدر الإشارة إلى أن هناك الكثير من الكتب و الدراسات و الأبحاث التي تناولت بأقدار و مستويات متباينة المسألة اليهودية بشكل عام و خصوصيتها في هذا البلد أو ذاك بل و تزخر المكتب العربية بأبحاث عديدة و مستويات متنوعة من حيث عمقها و مداها تشكل في الإطار العام إضافة متميزة للعلم التاريخي و التقدي العلمي بل يمكن اعتبار المكتبة العربية إحدى أهم المكتبات العالمية الرصينة فيما يتعلق بتناول تاريخ اليهود و اليهودية و الصهيونية و قضايا الصراع العربي الإسرائيلي إلا أن ما يميز كتاب الجنابي عن غيره بهذا الصدد هو احتوائه على أبعاد تاريخية و سياسية و ثقافية متنوعة في تناول المسألة اليهودية و كذلك استناد البحث في مواقفه و نتائجه و استشراف أفاق الصراع العربي اليهودي إلى رؤية فلسفية متميزة فهو يشير في مقدمته إلى أن " المهمة المطروحة أمامه لا تقوم في تخيل صورة اليهودي بل في رسم صورة سياسية ثقافية لليهودية بحدودها التاريخية ضمن المواجهة المعاصرة بننا و بينهم و المطلق في هذه الصورة هو نقد الواقع و ضرورة تذليله بما يخدم الحق و الحقيقة و إذا كانت روسيا و تاريخها المعاصر و المنظور هو ميدان التحليل المباشر فلأنه أحد العينات النموذجية لا غير " بعبارة أخرى انه يسعى إلى رسم صورة المطلق فيها هو نقد الواقع و لا يعني ذلك سوى نقد مكوناته و عناصره و قواه و من ثم ليست الصورة الشديدة و القاسية أحيانا في مظهرها سوى النتاج المترتب على الموقف الوجداني في حدوده العقلانية التي تفترض في كل نقد صريح و مستتر البحث عن الحقيقة و تجسدها في موقف حق و هي علاقة تعيد بالضرورة معادلة الوجود العربي – اليهودي بطريقة تجعل منها مهمة كبرى و لكنها زائلة بفعل يقين المؤلف من أن المسألة اليهودية في العالم العربي المعاصر هي مسألة مؤقتة و هو يقين يستند إلى رؤية فلسفية يستمدها مما يدهوه بتاريخ و منطق المرجعيات الثقافية الذي يحكم مسار التطور الاجتماعي مع انه ليس أمرا محتوما بالضرورة حيث يكتب بهذا الصدد قائلا " بأن اليهودية – الصهيونية بوصفها قوة فاعلة و مؤثرة هي عرضة للزوال و الانقراض في روسيا بينما ستدوم فترة من الزمن في الولايات المتحدة الأميركية و بعد ذلك ستتخذ المسار إياه بدفع خارجي أو من دونه و الزوال مفروض بحكم المنطق على الشتات (التشرذم) و الغيتو (الانعزال) باعتبارهما بقايا المتحجرات العرقية و هي متحجرات سوف نعيد دراستها في فلسطين تحت مجهر الرؤية الثقافية قبل أن تؤول إلى متحف التاريخ العربي و العبري مرة واحدة و إلى الأبد و كأنها مومياء محنطة لا داعي لفك أربطتها " بعبارة أخرى أنه لا يضع أمام الفكر التاريخي و السياسي مهمة التخريب و التدمير و الإزالة و ما شابه ذلك من مفاهيم و معايير الدعاية العرقية اليهودية – الصهيونية بل ينقلها إلى رحاب البحث عن بديل اشمل و أوسع و أكثر جذرية و إنسانية في الوقت نفسه أي إلى ميدان الرؤية الثقافية التي ينبغي أن يذلل فيها الخلاف التاريخي بين العرب و اليهود من خلال رجوع اليهود إلى العبرانية الثقافية أي من خلال رجوع اليهود إلى مصادر وعيهم الثقافي و بالتالي السعي الفعال و الإنساني صوب الانفتاح الحقيقي على العرب و الاندماج معهم في وحدة ثقافية لا تلغي التمايز بل تجعل منه رافدا إضافيا لتذليل اليهودية الصهيونية نفسها و هي فكرة وضعها الجنابي في كلماته القائلة بأن : رجوع اليهود إلى عبرانيتهم الأصلية و اندماج من هو مستعد و قادر على الاندماج في العالم العربي و ثقافاته العريقة سوف يؤدي بهم إلى إدراك الحقيقة القائلة بأن اليهود في غضون الألفي سنة الأخيرة هي جزء من تاريخ التيه الإسرائيلي و أن الصهيونية هي سراب سيناء و ما وراءها فلسطين فهي بداية و نهاية العهدين القديم و الجديد و بوابة الانتماء الحقيقي لأصول المنطقة الثقافية التي شكل العرب قاعدتها و أساسها إذ ليس العبري التائه بالمعنى التاريخي و الثقافي سوى العربي المقلوب و المهمة تقوم في أن يقف على قدميه كانسان طبيعي " و هي المهمة الأكثر تعقيدا فهي تستلزم في آن واحد الجهاد الحقيق من جانب العرب و اليهود للرجوع إلى المصادر الأصلية و هو مضمون ما يدعوه الجنابي بضرورة التأسيس العقلاني لمنظومة المرجعيات الثقافية و توظيفها الفعلي و لم يقصد الجنابي بذلك تجاوز أو تجاهل الخلاف الفعلي و الاحتراب الدامي و التضاد الحاد بين الطرفين على العكس أن يعيد بناءه من خلال بيان آلية إنتاجه عند العرب و اليهود في العالم المعاصر و إذا كان تركيزه على رسم صورة اليهود و اليهودية الصهيونية فلان الرؤية السياسية العربية المعاصرة من وجهة نظره بحاجة إلى رؤية فلسفية لها أبعادها الثقافية و السياسية قادرة على إثارة الرغبة الصادقة و الواقعية في العقل و الضمير العربي لتجاوز ضعفه الذاتي المعاصر فالقوة اليهودية الصهيونية هي نتاج الضعف العربي المعاصر و هو ضعف ناتج عن عدم تكامل الوجود العربي الذاتي في ميدان الدولة و المجتمع و الحقوق و الثقافة و هي فكرة وضعها في قوله بان ما نسعى إليه بهذا الصدد يصعب تنفيذه " دون إدراك حقيقة الشخصية اليهودية و مكوناتها الجوهرية أيضا إذ يفترض إدراك صورة الخصم و معرفة مكوناتها التاريخية و الثقافية و بدون ذلك يكون من الصعب مواجهتها و تحديها و تذليلها ، فهو إدراك يساهم أيضا في تقويم الأنا من خلال كشف معالم القوة و الضعف الفعلية في الصورة الذاتية و هنا تكمن القيمة النظرية و العملية لإدراك صورة اليهودي و اليهودية في الصراع العربي – اليهودي المعاصر "
#سمير_إسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في كتاب ميثم الجنابي - العراق ومعاصرة المستقبل
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|