|
الماركسيه في الاستخدام
سامي العباس
الحوار المتمدن-العدد: 1099 - 2005 / 2 / 4 - 11:33
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بين تغيير اسم الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي و بين تغيير الحزب: لجهة منهجية التفكير و المناخ التنظيمي الذي تستولد تحت شروطه السياسات يميل الاتجاه إلى الخيار الأسهل و هو تغيير اسم الحزب و يشبه هذا تغيير الطربوش و إبقاء ما تحته سالما .. و رغم أن المبررات التي تصطف وراء الخيار الأسهل لا تشكو من قلة ملامستها الشروط الموضوعية الراهنة التي تخلقت إثر انهيار الماركسية في نسختها اللينينة و تفريعاتها إلا أن أهمية المبررات التي تقف وراء الخيار الثاني ترتقي إلى مستوى الضرورة و بادئ ذي بدء لا يعني كلامي هذا انحياز إلى أحد الخيارين بل محاولة لإعادة وضعهما في خندق واحد.. بمعنى سحب الخيارين من وضعية التضاد إلى وضعية التناغم بين وسيلتين يجمعهما هدف مشترك هو باختصار إعادة تأهيل الحزب كإطار لممارسة السياسة في ظل الشروط الموضوعية الراهنة بمستوياتها المتراكبة المحلية و الإقليمية و الدولية. و في هذا السياق إن سحب النقاش إلى منطقة المياه الهادئة يوسع أمام سفينة الحزب فرص النجاة من الغرق جراء تضافر الحمولة الزائدة ، و صخب المياه الضحلة و تعطل البوصلةو وعورة المرسى . و لا شك أن من يبتغي الخير ليس فقط للحزب بل و أيضا لمستقبل الوطن سيكون له أهدافا أخرى تحيد عن هذا الهدف : إعادة ترتيب البيت الداخلي لحزب يساري، يرفع من ربعية عمله السياسي بما يساهم في تجنيب الوطن مآلات خطرة سيفضي إليها حتما انفراد العصبيات التقليدية : الدينية و الطائفية و الإثنية بساحة العمل السياسي في مستقبل الأيام . من هذه الزاوية فإن على التغيير أن بطال كل ما يعيق تحول الحزب إلى أداة فاعلة . و في هذا الإطار يمكن للحديث أن يذهب إلى المطارح التالية: المرجعية النظرية : لا أظن أن أحدا يجادل أن الماركسية قد تحولت مع الوقت في الاستعمال إلى كاسمالوجيا تتراكم خارج تخومها الأسئلة .. وأن اللينينية و تفريعاتها قد قلصت مساحة المسموح التفكير فيه ماركسيا بدلا من العكس .. ذلك أن انتصار وجهة النظر اللينينية في شروط روسيا مطلع القرن العشرين قد أعمى بريقه البصيرة، و نزل بمستوى النقد إلى الصفر بعد تحول ديكتاتورية البروليتاريا إلى ديكتاتورية البيروقراطية ، وتخلقت شروط التحجر العقلي بحيث تحولت الماركسية السوفيتية إلى كابوس يصعب الاستيقاظ منه و لو بقرع الطبول . و لا شك أن الماركسية بجهازها المفهومي الذي تلاقح حيثما سمحت المناخات الفكرية - السياسية في أوروبا الغربية بأجهزة مفاهيم أخرى.. لا تعاني مما تعانيه مستنبتاتها لأخرى في روسيا و العالم الثالث عموما . ذلك أن قراءة المجتمعات المتقدمة للماركسية كانت إثراء لها وتوسيعا لتخومها المعرفية فيما لم تكن القراءات الأخرى بذات الريعية.. فالماركسية مثلها مثل غيرها من النظريات الكبرى ,عندما تغادر تخوم بيئتها العقليةـ أقصد فضاءها الثقافي الذي نمت في كنفه ,إلى فضاء ثقافي آخر ,ستكتسب ملامح أخرى ,وتخضع لشروط عقلية تغنيها أو تفقرها تبعا للمستوى من التحضر الذي وصلت إليه المجتمعات المتلقية والمثال الروسي فاقع الألوان بهذا المعنى .. فمن بليخانوف إلى لينين إلى ستالين انحدرت الماركسية إلى ديانة لازال يجترها زوغانوف مطلع الألفية الثالثة. ولم تنفع هرطقات كاوتسكي وتروتسكي وصولا إلى غورباتشوف في حرف الماركسية في روسيا عن مآلها البائس . الا ان روسيا نصف الراسما.لية في مطلع القرن العشرين التي تصرفت بالماركسية هذا التصرف لم تكن إلا أول الغيث . ففي المناخ المداري لجنوب شرق آسيا تحولت الماركسية إلى فانتازيا عند الرفاق كيم ايل سونغ وولده المظفر كيم سونغ ايل ,والمأسوف على شبابه بول بوت .أما عندنا في سورية فإن من يستسهل نزع البكداشية,سيكتشف أن علية ربح هذه المعركة كل صباح مع عقله أولا ومع محيطه العقلي ثانيا.. فالبكداشية جزء من العطالة ا لذهنية الميمزة للفضاء ا لثقافي العربي - الإسلامي ..وهي تعشق مسنناتها مع تروس هذه الآلة الجبارة ,التي تعيد إنتاج التخلف بواسطة التعمية على وعي شرطه الموضوعي. الا ان البكداشية وهي تعيد زرع الماركسية في شروط التأخر السوري قد اقتطعت فسيلتها من شجرة الماركسية السوفيتية. وهذا يفسر توصيف ياسين الحافظ للبكداشية بانها انحطاط مركب * * * إلا أن الميول الكاسمولوجية للماركسية لا يحد من تأثيرها إلا فتح تخوم الماركسية بما يوسع دائرة المسموح التفكير فيه ماركسيا . وعلى هذاالأمر قد يتوقف العمر المفترض للماركسية كمنظومة فكرية صالحة للاستخدام. لقد تحولت البروليتاريا وحزبها الشيوعي على سبيل المثال إلى ما يشبه الفئة الناجية في الأدبيات الرعوية الأسلامية. ولا يفصل هذا اللاهوت البروليتاري عن اللاهوت الإسلامي لكي يصبح كوقع الحافر على الحافر: إلا استكتاب ماركس نصا شريفا موازيا للحديث الشريف المنسوب للنبي محمد " تنقسم أمتي إلى ثلاث و سبعين فرقة واحدة في الجنة و الباقي في النار " إن مفهوم لينين للحزب الثوري هو الابن الشرعي لجدلية عقلية رفعت البروليتاريا إلى مرتبة الفئة الناجية و أسبغت على حزبها الشيوعي رداء العصمة تمهيدا لمركزة العصمة لاحقا في الأمين العام . و إذا كانت تقاليد الاستبداد الشرقي هي البطانة التي خنقت الجذر الديموقراطي للماركسية. فإن بدعة المهام المركبة للبروليتاريا هي الوعاء النظري - اللينيني بامتياز - للتلاعب بسيرورات الانتقال المتأخر إلى الرأسمالية .. إن تجريد البرجوازية من دورها و الحاقه بالمهام المركبة للبروليتاريا هي غطاء أيديولوجي وا هي الصلة بالماركسية. يخفي الرغبة بالسلطة تحت أوهام حرق المراحل التاريخية . و إلا ما معنى تحول الدولة- بجهازها البيروقراطي و تحت يافطة الملكية العامة لوسائل الإنتاج- إلى الرأسمالي الوحيد الذي يحتكر الاقتصاد والأيديولوجية و السياسة و يتصرف بجميعها تصرف المنبّت الذي لا ظهرا أبقى و لا طريقا قطع !! إن رأسمالية الدولة لن يستطيع المكياج الاشتراكي مهما كان ثقيلا أن يخفي كونها التراكم البدئي - بطبيعته الوحشية - للرأسمالية في ظروف الانتقال المتأخر . يبرهن على ذلك سلسلة من التحولات نحو الرأسمالية بدأت بألمانيا بسمارك ولن تنتهي بسورية البعث. فالحبل على الجرار مازال للماركسية قراء عظام من طراز الخالدين : خالد بكداش و خالد نديم خديجة(( شويعر من سلميه مكتشف الأيديولوجيه الثاقبه..كان كاريكاتير الوسط الجامعي في دمشق السبعينات )) في هذا الإطار فإن العودة إلى ما قبل الماركسية - اللينينية قد يفتح الطريق للخروج من المخانق العملية التي أفضى إليها وضع الانتقال إلى الاشتراكية في أمر يوم البروليتاريا و حزبها الشيوعي.. إذ أن دفاع البروليتاريا عن مصالحها في إطار نمط الإنتاج البرجوازي شيء و استيلاءها على السلطة السياسية بهدف تحطيم نمط الإنتاج البرجوازي شيء آخر . فما بينهما مسافة هائلة يملؤها بالتدريج نمو الشروط الموضوعية للانتقال إلى نمط إنتاج أرقى " إن تشكيلا اجتماعيا معينا لا يزول قط قبل أن تنمو كل القوى الإنتاجية التي يتسع لاحتوائها ولا تحل قط محل هذا التشكيل علاقات إنتاج جديدة و متفوقة مالم تنفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم نفسه و من أجل ذلك لا تطرح الإنسانية على نفسها قط سوى مسائل قادرة على حلها" * * * * لا تطرح الإنسانية على نفسها قط سوى مسائل قادرة على حلها ومع ذلك فإن اللينينية و متفرعاتها قد جربت و على مدار القرن العشرين بأكمله أن تطرح هذه المسائل . إن انهيار التجربة السوفيتية لم تكن بسبب التطبيق السيئ للماركسية - اللينينية. فمحاولة وضع كامل المسؤولية على الستالينية ليس إلا هربا من مواجهة لينين إلى مواجهة ظلاله " ستالين - ماو- كاسترو ...الخ "و بهذا المعنى فان الاستيقاظ اللينيني المتأخر على الإستعصاءات التي خلفتها سياسة الشيوعية الحربية و محاولته استبدالها بما سمي سياسة النيب لم تكن سوىوعي متاخر بالمنزلق لم تعطه الحياة الفرصة الكافية لتفاديه علىنحو حاسم.. لتتابع الستالينية إيصال اللينينية إلى نهاياتها المنطقية . ماذا تعني العودة إلى ماركس و هل هي أصولية تنضاف إلى موجة الأصوليات المنتشرة في أربع رياح الأرض .؟لا أعتقد أن هذا ما يستحق التفكير فيه. بل هي الماركسية قبل أن تتحول إلى أيديولوجية في الاستعمال اللينيني و الماوي و الستاليني .. الخ هذه القراءات للماركسية و الموضوعة في سياق تنفيذي كبرامج لسياسات اقتصادية و ثقافية لمجتمعات يتجاوز تعدادها الملياري نسمة و التي أفضت إلى مخانق و استعصاءات أدت إلى سحب الثقة من الماركسية كمنهجية تفكير حديثة, مزودة بجهاز من المفاهيم أهميته تفوق بما لا يقارن الصيغ الاستعمالية الخارجة من معطفه هنا أو هناك كيف لحزب يساري سوري أ ن ينفض الركام الايديولوجي عن للماركسية ليمارس حقه في القراءة ويقول كما قال " لا كان" بثقة "أنا قارئ فرويد " إن ماركس عندما يكتشف جدل المادة و تاريخيتها ليس مسؤولا عن الاستعمال الخاطئ لها في حل المسائل هنا أو هناك .. كما إن ماركس وهو يتفحص التاريخ البشري ليس هو بالضبط ماركس المناضل السياسي فهنا حتى ماركس أخطأ و أصاب و قد عبر عن ذلك عندما أفصح عن مخاوفه في أن يصبح ماركسيا .. كان المآل الأيديولوجي في صلب هذه المخاوف من أن يختنق المنهج داخل الصيغ الأستعمالية له. إلا أن للمنهج تاريخ بمعنى إن صلاحيته في الاستعمال قد يمدد لها غشا و تلاعبا بسنة الصنع كما يحدث لكثير من المناهج على أيدي تجار " الروبابيكا " تلك هي مجموعة صوى على الدرب إلى ماركس تعيد لمنهجيته في الواقع المحلي و الدولي حيويتها و قدرتها على التقاط خطوط الجدليات ذات الطابع الاستراتيجي, التي تحرك المشهد الكوني من داخل بنى الاقتصاد و الأيديولوجية و السياسة لنمط الإنتاج الرأسمالي في حركة توسعه و ابتلاعه لأنماط الإنتاج الأقدم . كيف لحزب يساري سوري أن يقرأ المشهد المحلي في إطار الكوني بواسطة المنهج الماركسي تلك هي المعضلة و على حلها في المستوى النظري يتوقف مستقبل البرامج و السياسات لجهة إحاطتها بالشرط الموضوعي المحلي - الكوني . في المشهد المحلي : تخلط الخطابات الماركسية و القومية و الإسلامية بين الغرب- كطموحات للهيمنة هيأ له فرصها انتقاله المبكر إلى نمط إنتاج أرقى هو نمط الإنتاج الرأسمالي-.و بين هذا الأخير," أقصد نمط الإنتاج" إن جردا للشعارات المرفوعة كرايات للنضال الوطني و القومي منذ منتصف القرن الماضي على الأقل, تكشف هذا الخلط العجيب بين عدو و عوامل تفوقه !! و لا يشذ عن هذا الميل إلى الخلط إلا الخطاب الليبرالي .. تقف وراء هذه المعضلة حاجة هذه الخطابات إلى التبسيط لكي تصبح جماهيريةفي شروط الأمية السائدة. و لقد كان المآل واضحا: التحول إلى أيديولوجية نضالية تغطي فقرها المعرفي بجلبة الشعارات الرنانة . لقد أصبحت المنبرية سمة مشتركة في الأدب و الفن و الفكر السياسي . و في داخل الأحزاب الراديكالية بتلا وينها أطفئت الأنوار حول من يفكر أو قذف به خارجا إلى العراء بلا حماية من إكراهات المجتمع و ثقافته الراكدة و مؤسسات حماية الإستنقاع فيه . سمح هذا الخلط بتشكل رأي عام معادي للرأسمالية كنمط إنتاج , مهد لاحقا لإعادة إنتاج هذه المشاعر الجماعية في الحقل النظري على شكل ماركسية أيديولوجيه تفرعت إلى ماركسية مسفتية و قومية - اشتراكية . وكان ضحية هذا المزاج العام ليبرالية عرجاء بفعل إن حاملها الاجتماعي حتى منتصف القرن الماضي كان البرجوازية- أرستقراطية الأرض و الملفت للنظر إن الليبرالية قد ترنحت أولا تحت ضربات الأيديولوجية القومية- الاشتراكية قبل أن تحسم الماركسية المسفتية أمرها و تعيد النبش في التراث اللينيني معيدة إلى الاستعمال : وجهات نظره حول البرجوازية كطبقة " مسحوب خيرها " بفعل الانتقال المتأخر في شروط الإمبريالية .. تلك هي الخلفية الفكرية و الاجتماعية التي صاغت المآلات لكل من الخطابات الماركسية المسفتية و القومية - الاشتراكية و الإسلامية و الليبرالية في هذا الفضاء من التحولات نحو رأسمالية الدولة في شروط الانتقال المتأخر إلى الرأسمالية . كانت الألاعيب الأيديولوجية هي المتنفس الفكري لحالة احتقان عاشته الماركسية الوافدة إلى العالم العربي عبر الفلتر السوفيتي . و ما بدأه ياسين الحافظ المنظر اللامع للأيديولوجية القومية - الاشتراكية أوصله إلى مدى أبعد المنظر اللامع أيضا للأيديولوجية الماركسية اللينينية الراحل مهدي عامل , و ما بين الرجلين - فقط - مسافة السبق التي احتفظت بها الأجنحة اليسارية للبعث و القوميين العرب على الأحزاب الشيوعية الممثلة الشرعية للماركسية المسفيتة , فالماركسية التي وجدت لها موطئ قدم إضافي داخل الأحزاب القومية, كانت مهماز التحولات والانشقاقات التي تعرضت لها الأحزاب الشيوعية الرسمية . وهي" التحولات و الانشقاقات" التي يروج لها كقفزات في مستوى امتلاك أتباعها للمنهجية الماركسية, ليست في واقع الأمر أكثر من طيران في الفضاء اللينيني الأكثر بحبوحة من الستالينية بنماذجها المحلية الأكثر انحطاطا و يباسا .و ذلك فإن على الحزب اليساري الذي سيأخذ من الماركسية منهجها أن يصفي حسابه مع ماضيه الأيديولوجي من خلال نقده بعقل مفتوح وبارد . و بأقل ما يمكن من الخسائر على الصعيدين العاطفي و التنظيمي. إذ إن المعركة مع عقابيل الماضي النفسية الفكرية لا يمكن حسمها بضربة سيف بل بإشاعة مناخ ديموقراطي - داخل الوعاء التنظيمي - يحمي التفكير المستقل من اضطهاد الأكثرية في نفس الوقت الذي يعطي للأكثرية حقها في رسم السياسات والبرامج . إن نزع الانتقال إلى الاشتراكية من أمر اليوم يفتح الطريق على إعادة النظر في جوهر السياسات وبرامج العمل , ويفك عرى التحالف الأيديولوجي مع بورجوازيات الدولة هناأ وهناك بدعوى الحفاظ على القطاع العام والمكاسب الأخرى تحت وهم أن بقاء هذه المكاسب مرهون ببقاء هذا التحالف غير المقدس . إن إعادة السياسة إلى التداول مشروط بإسقاط نموذج رأسمالية الدولة الاحتكارية . وهي ( الدولة الإحتكارية ) إذ تحافظ على بعض الإنجازات فلكي تؤبد سيطرتها على مفاصل السياسة والاقتصاد بالرغم من تحولها إلى عائق حقيقي في درب تطور قوى الإنتاج. إن الديماغوجيا التي تمارسها بعض الفصائل اليسارية على وعي الفئات الشعبية لجهة أن هناك مصالح مشتركة تجمعها مع بورجوازية الدولة, هي بقايا رثة لماركسية مسفيتة سينبت العشب على دمنتها مع الوقت . ذلك أن المخانق الاقتصادية التي أفضت إليها رأسمالية الدولة بوجوهها السياسية : المزيد من تسلط أجهزة العنف على المجتمع . و الاجتماعية : المزيد من التذرر الوطني على وقع الصعود المتزايد لعصبيات ما قبل الرأسمالية ( الدينية و الطائفية والعشائرية .. الخ ) إن كل ذلك يعيد الاعتبار لماركسية أنسيه ترى في الليبرالية حليفا في ظروف الانتقال المتأخر إلى الرأسمالية لا عدوا ينبغي إزاحته من وجه البروليتاريا المقدسة, المزودة بكل أنواع التمائم و التعاويذ الأيديولوجية وأحلام حرق المراحل التاريخية . يجمع بين الماركسية و الليبرالية جدل صاعد نحو التمدن و الأنسنة , لا هابط نحو مزيد من البربريةو ابتلاع حقوق الإنسان . إن المهام التاريخية للبرجوازية في توحيد السوق الوطنية و القومية و في إشاعة الثقافة الليبرالية على حساب ثقافة القرون الوسطى الدينية و في إعادة بناء الدولة على أساس العقد الاجتماعي لا العقد الإلهي وابن عمه الثوري المعقود اللواء على ما أسماه الراحل بعدخراب مالطة ميشيل عفلق جيل القدر . و في التحول من مفهوم الرعية إلى مفهوم المواطنة و في إعادة الاعتبار للإنسان كذات حرة فاعلة لا برغي في آلة جبارة يملك حق تشغيلها ممثلون لشرعية ثورية أو إلهية تستبطن شرعية الغلبة و تعيد إنتاج التسلط و الاستبداد. إن انتزاع السياسة من يدي العصبيات ما قبل الرأسمالية المنتجة لسلطة التغلب و القهر و المموهة بمكياجات ثورية , هي نقطة تلاقي الماركسية الأنسية و الليبرالية و إلا ما معنى هذا الإجماع السياسي على نقد الاستبداد و نموذجه الراهن : الدولة الشمولية ؟أفلا ينبغي غرس هذا الموقف المشترك في القاع النظري لكل من الليبرالية و الماركسية الأنسية ؟ تلك هي أماكن يجب أن يذهب إليها النقد من قبل الأحزاب الماركسية لكي تقف و يستقيم ظهرها المحني بفعل الأحمال الإضافية لماركسية أيديولوجية وضعت لبناتها الأولى القراءة اللينينة للماركسية في المشهد الكوني : حول الإمبرياليةأعلىمراحل الرأسمالية يقول لينين مقتبسا مقطعا من كاوتسكي) من وجهة النظر الاقتصادية الصرف ليس من المستحيل أن تجتاز الرأسمالية مرحلة جديدة أخرى تشمل فيها سياسة الكارتيلات السياسة الخارجية , مرحلة الإمبريالية العليا ) و يعقب لينين ساخرا من كاو تسكي **: تبعا للبرنامج العام الذي نتمشى عليه في هذا المؤلف ينبغي علينا أن نلقي الآن نظرة على المعلومات الاقتصادية الدقيقة المتصلة بهذه المسألة .. هل يمكن .. ما فوق الإمبريالية " أم إننا أمام ما فوق الهذر ?!"اضطرني إلى هذا الاقتباس سجال دار مع صديق حول العولمة و كنت أنحاز فيه إلى اعتبار العولمة مرحلة عليا من الإمبريالية وصلت إليها الرأسمالية . رد الصديق بأن لينين قد تنبأ بذلك و الواضح من هذا الاقتباس أعلاه إن النبوءة لكاو تسكي و إن لينين قد سفهها في مؤلف شهير برهن فيه إن الإمبريالية آخر مراحل الرأسمالية . إلا أن سجال لينين مع كاو تسكي و مع غيره من ماركسيي تلك الأيام لا يمكن فهمه بدون العودة إلى مناخ الحرب الكونية الأولى و جملة الأسئلة السياسية و الأيديولوجية التي أنتجها هذا المناخ داخل أحزاب الأممية الثانية . فهذه الحرب أشعلها التنافس على اقتسام العالم بين نخب اقتصادية سياسية منح لها انتقال مجتمعاتها على نحو مبكر إلى الرأسمالية تفوقا على باقي مجتمعات العالم . فمالت إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية ... و هذه الظاهرة ليست جديدة و لا ترتبط حصرا بنمط الإنتاج الرأسمالي . و إلا كيف نفسر مثلا الحروب التي قادت إلى إنشاء إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس قبل الإمبراطورية الإنكليزية بقرون ? إلا أن الأسئلة التي طرحها مناخ الحرب في أوساط الأممية الثانية تدرجت من ضرورة وقوف الطبقة العاملة داخل البلدان المتحاربة موقفا موحدا ضد الحرب , إلى استثمار المزاج الثوري السائد لإسقاط علاقات الإنتاج الرأسمالية ومباشرة بناء الاشتراكية و على هذه الطريق المتدرجة تحولت الماركسية إلى أيديولوجية تصلح للصراع السياسي أكثر مما تصلح للتحليل العلمي . و في هذا السياق هبطت الماركسية لتلامس الطموحات و الأحلام , مانحة نفسها كراية لكل من يتقن استخدامها في العراك السياسي ... بين الموقف ضد الحرب و بين إسقاط النظام الرأسمال و بناء الاشتراكية مسافة اختصرها لينين باستخدام اللحظة الثورية التي صنعتها الحرب. كانت المناظرات مع بليخانوف و كاو تسكي و روزا لوكسمبورغ ... الخ مع المناشفة و الاشتراكيين الثوريين و باقي الطيف السياسي الممثل لمختلف شرائح المجتمع الروسي , كانت هذه المناظرات يجري حسمها على الأرض بواسطة موازين القوى المختلة لمصلحة ماركسية أيديولوجية متناغمة مع لحظة ثورية و مهارات تنظيمية و سياسية استثنائية تمتع بها البلاشفة بقيادة لينين . و لقد ساهم حسم الأمور على الأرض في التعمية على هذا الخروج الفاقع على المنطق الماركسي الذي يرى أن علاقات الإنتاج لا تسقط قبل أن تصبح عاجزة تماما عن استيعاب تطور القوى المنتجة . كانت محاولة كاو تسكي للقول بأن طورا أعلى من الإمبريالية ستعبر إليه الرأسمالية : هي في سياق استخدام غير إرادوي للمنهج الماركسي . حيث يحافظ فيه العقل أثناء استخدامه لأدواته المعرفية على مسافة كافية من رغباته و أمانيه في تقصير عمر الرأسمالية و الوصول السريع إلى جنة الاشتراكية . و لم يكن حسم الحرب الأهلية الروسية لمصلحة القراءة اللينينية للماركسية حسما للإشكالية " إشكالية بناء الاشتراكية " في مستوياتها الأعمق حيث الجدليات تمتلك قسطا أوفر من الحرية حيال الإرادة . و يملك منطقها عنادا كافيا لينتصر لنفسه و لو بعد حين . كانت العودة إلى الرأسمالية في روسيا و الصين و أوروبا الشرقية , المشهد الأخير من حلم تم الاستيقاظ منه لتتابع الحياة البشرية إيقاعها ... على المقلب الآخر تابعت الرأسمالية تخطي أزماتها منتقلة من الإمبريالية إلى العولمة كما ألمح إلى إمكانية ذلك كاو تسكي . و حيث سمحت الشروط الموضوعية في أي بقعة من بقاع الأرض لنمط الإنتاج الرأسمالي أن ينتقل في حركة توسعه من دائرة التبادل إلى دائرة الإنتاج شهدنا تحولا في البنية الطبقية لبرجوازية البلد إياه من الطابع الكومبرا دوري إلى الصناعي . و انتقال في حقل السياسة من الديكتاتورية إلى الديموقراطية . و خروجا من فضاءالثقافة المحليةالمغلقة إلى الفضاء الأرحب للثقافة الحديثة التي تنتقي عناصرها مما راكمته البشرية في مسيرة ترقيها العقلي و الخلقي . على هذه الدرب سارت مجتمعات أوروبا و أمريكا الشمالية و القوس البوذي - الإسلامي لأسيا الجنوبية الشرقية . كان دينامو هذة التطورات تناغم جدليات محلية - دولية وسَعت فرصها ممانعة أقل أبدتها ثقافة محلية في وجه الليبرالية الوافدة من الغرب الرأسمالي . وميل هذا الأخير تحت ضغط المزيد من الربح لممارسة ضخ المال و التكنولوجية بدلا من السلع. أي انتقال من التوسع في دائرة التبادل إلى التوسع في دائرة الإنتاج . إن التمعن في المشهد الاقتصادي للعالم المعاصر يكشف لمن يضع جانبا مشاعره الشخصية إن استطاع : إن الرأسمالية كنمط إنتاج مازالت المستقبل المنظور للاجتماع البشري . و إن أصقاع أخرى مترامية الأطراف لا تزل تعيش إرهاصات هذا التحول وأن الدروب الجانبية هنا أو هناك التي تضطر إليها الجدليات الاجتماعية - الاقتصادية ينبغي ألا تفقدنا الخيط الذي أعطتنا إياه الماركسية لكي لا نضيع في متاهة الميناتور . * * * في العالم الإسلامي - و العرب جزءا منه - بلور الفضاء الثقافي الإسلامي ممانعة متنامية مع الوقت و مع اشتداد الضغط الذي مورس عليه من الغرب المتقدم . كان التحول إلى الرأسمالية الذي سبقت إليه مجتمعات أوربا الغربية و الشمالية قد منحها فائضا من القوة بمعناها الشامل " العسكري - الاقتصادي - الثقافي " و كون خلفية لعملية توسع نمط الإنتاج أعطته صبغته المميزة .." التحول إلى الرأسمالية في الشروط الإمبريالية " و لقد كانت هذه الصيغة مركز تجاذب أيديولوجي و سياسي للماركسية بعد أن تعددت قراءاتها . و كان أبرز هذه القراءات و أكثرها رواجا هي تلك التي استخدمت شروط الانتقال المتأخر إلى الرأسمالية , قاعدة انطلاق للقفز فوق نمط الإنتاج الرأسمالي بالكامل . و التحول إلى الاشتراكية . و لقد داعبت هذه القراءة للماركسية أحلام و تطلعات النخب الثقافية و السياسية لمجتمعات العالم الثالث وجذبتها بالتالي للتخندق في مواجهة الليبرالية و حاملها الاجتماعي المحلي : البرجوازية ذات الطابع الكومبرا دوري .. ( في البلدان التي لم توفر بنيتها التحتية شروط امتصاص المال و التكنولوجيا , فاكتفت بامتصاص السلع المصنعة ) في الهامش الذي سمح بنشوئه انتشار اللينينية في روسيا و الصين و أوروبا الشرقية , تسربت إلى وعي النخب العالم ثالثية " الثقافية - السياسية " جرعات من هذه القراءة للماركسية اصطلح على تسميتها " بالماركسية - اللينينية " , وفرت الفرص لقطع الطريق على الليبرالية الوافدة و حصانها الضعيف البرجوازية الكومبرا دورية . فانشقت طريق جانبيه لتعميق التحولات الرأسمالية أخذت مكياجا اشتراكيا و لقد كان لمؤسسة العنف " الجيش " الدور الرئيسي في شق هذه الطريق الجانبية برهانا.على غلبة الإرادوية داخل وعي النخب المتأثرة بالماركسية اللينينية. فكما حسمت هذه الأخيرة المعركة بواسطة العنف, و بمعزل عن الشروط الموضوعية المرتبطة بالبنية الاقتصادية - الاجتماعية لروسيا نصف الرأسمالية في مطلع القرن العشرين, حسمت النسخ التي استلهمتها- في كثير من بلدان العالم الثالث و منها العالم العربي :مصر سورية العراق الخ - المعركة بلاستيلاء على مؤسسة العنف و استخدامها لشق طريق جانبية مفروش على قارعتها رايات الاشتراكية. و كالعادة دائما عندما يستبعد العنف السياسة, فإن عودتها تستغرق وقتا طويلا تستهلكه للااخلال بالتوازنات الاجتماعية و السياسية و الأيديولوجية التي تتكئ إليها مؤسسة العنف و الممسكين بإدارتها. في إطار هذا الهامش نبتت قراءات أيديولوجية متنوعة للماركسية مطعمة بهذه النكهة أو تلك وإلى هذا المستوى أو ذاك بالثقافات المحلية العالمثالثية.و كانت الأيديولوجية القومية - الاشتراكية إحدى هذه التلفيقات الأكثر حظا في الهيمنة عل الفضاء السياسي- الفكري للشطر الشرقي من العالم العربي. و بمقدار ماكانت اللينينية في صلب هذا الكوكتيل ذي المذاق القومي ذات حظ سعيد بمقدار ما ظلت اللينينية بدون هذا المذاق عاطلة الحظ حتى أدركتها العنوسة. إلا إن هذا ليس مثار دهشة فالوافد يظل غريبا إن لم يرتد زيا محليا. أما ما يثير الدهشة فهو المآلات التي أفضت إليها هذه الأيديولوجية القومية الاشتراكية. لقد قادها إخفاق مشروعها للتحديث إلى الانضواء في ذيل الخطاب الإسلامي, الذي شب عن الطوق برعاية الاستبداد و فشل التنمية القومية- الاشتراكية. و مثلما تماهى الغرب و نمط إنتاجه داخل الوعي القومي- الاشتراكي, تماهى أيضا داخل الوعي الإسلامي الأصولي. و ما أن سقطت راية مقارعة الغرب الإمبريالي من يد الأيديولوجية القومية- الاشتراكية, حتى تلقفتها يد الأصولية الإسلامية المزودة بخطاب أيديولوجي شديد المنبرية و قليل الحظ من المعرفة حتى في أنسا قها المنتجة في مرحلة الإسلام الوسيط. فمن الفضاء الثقافي الإسلامي تلتقط هذه الأصولية الإسلامية العناصر الأكثر فواتا- بتعبير الراحل ياسين الحافظ- التي تنتمي إلى القاع البدوي الذي انطلقت منه التجربة الإسلامية في بداياتها قبل أن تتطعم و تزداد ثراء في الحوض الثقافي الفارسي - اليوناني. وهي إذ تتخندق في مواجهة الليبرالية تمارس جذبا شديدا على ما تبقى من نخب لينينيه وقومية -اشتراكية .محولة المعركة من نمط الإنتاج الرأسمالي مع معوقاته إلى معركة لأيديولوجيات وضعية تارة و دينية تارة أخرى. في إطار هذه القراءة للمشهد الكوني تدعي إتكاءها على المنهج الماركسي,, كيف لحزب يساري سوري أن يبلور تجربة في ممارسة السياسة: لا يقوده تثبيت البصر على الحلم إلى الوقوع بمطبات الشرط الموضوعي ,ولا يحرمها التمعن في الشرط الموضوعي من رؤية البوصلة التي تؤشر دائما إلى جهة التقدم التاريخي. كيف لهذا الحزب أن يعيد ترتيب بيته الداخلي فكرا و تنظيما" و شروطا صحية لإنتاج السياسة " بما يؤهله لاحتلال موقعة المناسب داخل موازين القوى الاجتماعية- السياسية للمجتمع السوري ? و على أي جبهة سيحشد إمكانياته : على جبهة إعادة إنتاج الاستبداد بتغيير يافطاته؟ أم على جبهة شق الطريق للسياسة كي تعود إلى المجتمع بعد أن فقدها و فقد ملكة التعبير بها طيلة نصف قرن من الغيبوبة الاشتراكية ? ... و... كيف لهذا أن يحصل بدون نقد للتجربة يصل إلى الجذور العقائدية التي يمتح منها سياساته و برامج عمله و قراءاته للمشهد المحلي و الكوني ? ...إن نزع البكداشية لا يكفي بدون نزع جذرها الستاليني.. كما إن نزع الستالينية لا يكفي بدون نزع جذرها اللينيني ..و إن هذا لن يتم بدون الانفتاح على القراءات الأخرى للماركسية, التي نشأت في كنف التقدم المذهل لباقة من العلوم الإنسانية : الاجتماعية و الألسنية و الانتريولوجية في الغرب ... إن ما يفصل و عينا الراهن عن شروط امتلاكه لادواته المعرفيه هي الفلاتر الموضوعة على قنوات التثاقف مع العالم .. .وهي فلاتر بعضها مكتسب من تجربة نصف القرن المنصرم للتثاقف مع المعسكر الاشتراكي.. و بعضها فطري تشكل من رسوبيات الثقافة الإسلامية الراكدة منذ عشرة قرون .. ان مايقلل من ريعية ثورة الاتصالات و ما تبعها من هدٍّ للحدود الجمركيةبين الثقافات حالة الاستنفار العقلي- النفسي الذ ي تضخه الأيديولوجية الأصولية بواسطة دمجها لما أتاحته ثورة الاتصالات من إمكانيات جديدة للدعاية"فضائيات و كاسيتات " مع المنظومات التقليدية " مساجد .. حسينيات ..حلقات ذكر .. الخ " للاستيلاء على كامل الفضاء العقلي بالترويج لإحياء الميت من عناصر الثقافة الإسلامية و تجييش مشاعر الكراهية حيال الآخر المختلف و مراكمة العقبات السكيولوجية و الفكرية في وجه الحداثة و أنساقها الفكرية و السلوكية و القيمية ... الخ 1ن إعادة تقسيم العالم إلى فسطاطين مقدمة لإعادة أسلمة المجتمعات الإسلامية بإسلام رعوي : اقتصاديا و أيديولوجيا يفتح الطريق للعودة إلى نمط الإنتاج الخراجي البائد.. و تداعب الملكية العامة لوسائل الإنتاج في هذا النمط "الخراجي" مخيلة الوعي الماركسي- اللينيني جارة إياه إلى خندق مواجهة الليبرالية كعدو مشترك .. إن وعيا يّدعي الحداثة يجره من إذنه وعي تقليدي ,هو أعمى يجر أعمى وإن اختلفت أغطية الرأس و المرجعية الفقهية .. ذلك إن المشترك بينهما غياب الحرية . حيث لا مقاربة نقدية لنص بمعزل عنها و لا تفتحا لإبداع عقلي من وراء ظهرها.. إن توسيع الفضاء المعرفي لا يتم بواسطة الاجترار.. مثلما أن اجترار النصوص فوق رأس الإشكالية لا يحّلها .. ما يحّلها هو التفكير الحر الذي يربطه بالمنهجيات التي راكمتها الإنسانية توتر إبداعي .. ذلك هو ألف باء المغامره المعرفيه للاجتماع البشري 0 نضطر إلى التذكير به في حمى اليباس العقلي التي تجتاح الشارع العربي الإسلامي * * * اليباس العقلي هو المهيمن على الوعي العربي- الإسلامي الراهن بعنوانيه الرئيسيين : الحديث و التقليدي .. و لا أظن ان فارقا في درجة الأهمية بين الوعيين يرتب أولوية للمعالجة .. فكما أن الوعي الحديث قد هجره الإبداع في غياب الحرية فإن الوعي التقليدي قد أخرج التنوير من بين ظهرا نية لنفس الأسباب .. و لقد ساهمت نزعات الهيمنة لدى الغرب التي أمنتها له قفزته النوعية على صعيد المعنى - على حد تعبير محمد أركون - في إشاعة مناخ نفسي- فكري ممانع لنشوء علاقة تثاقف صحية و مناسب لانتاج أيديولوجية نضالية بلونين أصولي و حديث ..و إلا ما معنى إننا نتزحلق على الخطين الحديث و الأصولي : فمن لطفي السيد و طه حسين إلى ميشيل عفلق و خالد بكداش و من الأفغاني و ابن باديس إلى سيد قطب و ابن لادن .. إن المآلين الذين افضى إليهما الوعي الراهن بشقيه هما خندق الانطلاق للمعالجة ..ولا أظن العلاج إلا واحدا. فكما إن الإصلاح الديني يحتاج إلى مناخ من الحرية لتفكر التراث و مقاربته نقديا فكذالك سحب الأيديولوجيا من منهجيات التفكير الحديثة يحتاج إلى مناخ من الحرية في مقاربة الإنساق المعرفية الوافدة من الغرب .ولا أظن أن كبير جهد سنحتاجه لنتأكد من أن تنسيقا يجمع بين قوى التسلط على ضفتي الوعي الحديث و الأصولي .وإنهما يتبادلان الدعم عند المنعطفات الحرجة .. إلا إن الفئات و الشرائح التي تشكل الحامل الاجتماعي لما يمكن أن نسميه مشروعا حديثا للتحديث هي التي تحتاج إلى تحديد.. .كما إن المهام المشتركة التي يمكن أن تقوطب حولها ما يسميه غرامشي بالكتلة التاريخية تحتاج أيضا إلى نقاش .وفي هذا الإطار يمكن ان نطرح للنقاش الاستنتاجات التالية : أولا: إن ما جرى على مدار القرن العشرين يحسم النقاش لمصلحة الدور القيادي للبرجوازية في إنجاز مهام التحول الرأسمالي رغم شروط التأخر.. ثانيا : إن انتقال توسع نمط الإنتاج الرأسمالي من دائرة التبادل إلى دائرة الإنتاج يفتح الطريق نحو تبدل في بنية البرجوازيات الطرفية لغير مصلحة الكومبرا دور... ثالثا : إن العولمة التي تمثل مرحلة جديدة عبر إليها نمط الإنتاج الرأسمالي تبلور شروط إيجابية لمصلحة التحول المتأخر إلى الرأسمالية في الأطراف لم تكن متوفرة في المرحلة الإمبريالية .. رابعا : إن انهيار الأيديولوجية الماركسية - اللينينية على المستويين النظري و العملي يفتح الطريق و على وجه الخصوص في العالم الثالث امام الليبراليه للهيمنه الايديولوجيه . و يعطيها حظوظا أوسع لاستكمال و ظائفها التاريخية خامسا: إن الطابع العام لعصرنا هو استكمال التحول إلى الرأسمالية .. سادسا : إن هذا يرتب على الأحزاب الماركسية التي تعبر عن مصالح الطبقة العاملة سلسلة من إعادات النظر في البرامج و السياسات, تأخذ بعين الاعتبار المهام المشتركة التي يمكن أن تتقاطع عندها مع البرجوازية و أحزابها .. سابعا : تعود الديموقراطية إلى واجهة المهمات العاجلة لطيف واسع من الشرائح داخل البنية الاقتصادية- الاجتماعية للبلدان الطرفية ..و لكونها " الديموقراطية " الباب الذي تنحبس وراءه الجدليات السياسية و الاقتصادية و الحقوقية ..الخ ثامنا : يعاد رسم الاصطفاف على المستوى الكوني لا على ضفاف الأيديولوجيات الدينية أو الوضعية بل على ضفتي التحول إلى الرأسمالية و معوقاتها ... تاسعا: مارست الأنتلجنيسيا العالم ثالثية دورا ديماغوجيا على الجدليات الاقتصادية و الاجتماعية, و أغلقت الأفق بركام الخيارات التي يستولدها وعي لم يترك لأدواته المعرفية فرصة النضج على نار هادئة.. عاشرا : إن أرستقراطية الأرض التي شكلت كعب اخيل الليبرالية, بدءا من روسيا أوائل القرن العشرين الى العالم العربي في منتصفه, كانت وراء الطريق الجانبية التي اضطرت لسلوكها علاقات الإنتاج الرأسمالية كي تصل إلى الريف و.. كانت في خلفية الجدلية الإجتماعية التي أفضت إلى تغليب اللينينية بتلاوينها في العالم الثالث كماركسية ايديولوجيه, على كل من ليبرالية لم ينضج حاملها الاجتماعي و ماركسية أنسية لم تتخلق شروطها العقلية خارج الغرب الرأسمالي.. حادي عشر : إن تصفية الأرستقراطية الزراعية خلق شروطا اجتماعية- اقتصادية أيسر لإعادة ترتيب الاصطفافات الاجتماعية - السياسية بما يفضي الى تشكل كتلة تاريخية بالمفهوم الغرامشي .. ثاني عشر : تشكل برجوازية الدولة- عبر تموضعها كعلقة على بنية الاقتصاد الرأسمالي في أنظمة رأسمالية الدولة, مصيبة اياه بفقر دم مديد- الطبقة التي يجب أن تتشكل في مواجهتها الكتلة التاريخية.. ثالث عشر : تشكل الماركسية الأيديولوجية بتلاوينها و الأصولية الإسلامية الخزان الأيديولوجي الذي تمتح منه برجوازية الدولة شغبها الأيديولوجي و شرعيتها السياسية. وهي باحتكارها للسياسة و بفرملتها لتطور القوى المنتجة ,تصبح نقطة تلاقي كل من الليبرالية و الماركسية الإنسية في جهودهما لإطلاق الجدلية الاجتماعية- الاقتصادية من عقالها . و إطلاق مشروع حديث للتحديث يستكمل في العالم العربي مشروع بناء الدولة - الأمة .. تلك هي في نظري مفاصل عامة لرؤية تدعي انتسابها معرفيا إلى الماركسية..و تود أن تسهم بقسط متواضع في إنضاج هذا الوعي الجديد هوامش : *- ماركس - إسهام في نقد الإقتصاد السياسي - وزارة الثقافة - دمشق - 1970 - ص 65 **- لينين - حركة شعوب الشرق ... دار التقدم - 1969 -ص214 سامي العباس
#سامي_العباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة الرأسمالية ثانية
-
ملاحظات حول مسودة الورقة السياسية للجنة الوطنية لوحدة الشيوع
...
-
أزمة اليسار السوري – محاولة للرؤية
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|