|
الاسم والفعل/ كانوا دائماَ يطعنون بشرعية الانتخابات التي صوتت للرئيس صدام
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 1099 - 2005 / 2 / 4 - 09:37
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يقال خُلِقَ من الشبه أربعون ، ولكن يمكن للأسماء أيضاً أن تتشابه ، وإذا لم يكن هناك أكثر من د. نوري المرادي فإن مفاجأتي مشروعة ، فمن يكتب " المراجعة " وهو كتاب جدير بالقراءة والمناقشة ، والخضرمة وهي "رواية" أيضاً تستحق المطالعة وكذلك مقالات وأعمالاً أخرى ، ربما لا تقل أهمية ، ولكن لا بد لمن يقرأ ما كتبه المرادي البارحة ، على صفحات مرآة سوريا من أن يقع في مفارقة مذهلة ، هي عين المفارقة بين النور والظلمة ، بين القرون الوسطى وعصر الأنوار . من يكتب تلك الأعمال ،كيف يكتب في كوميديته اللا إلهية صكاً ً بإدخال السيستاني النار ، و يحيّي المقاومة /طيور الأبابيل ، وربما كل هذا يمكن مناقشته ، بل يمكن مناقشته ، لكن ما لا يمكن تصديقه أن أقرأ للكاتب نفسه عبارة : " الرئيس صدام " . لو أن د.نوري المرادي يلتزم بشكل صارم [دعك من المضمون] التعامل التقني والحرفي للألقاب والتسميات حتى الخاطئة في نظره، كما يفعل اليبلوماسيون والكتاب المحترفون في الصحافة المخملية أو العالية التقنية، حيث لها تقاليدها ، لما استغربت عبارة الرئيس خاصته ، بل حتى في هذه الحالة ، عليه توخي الدقة ، بأن يقول الرئيس المخلوع ، لكنه ليس من أولئك سالفي الذكر ، وهذا واضح ومعروف من معظم كتاباته وآخرها المقالة نفسها التي ورد فيها ذكر رئيسه ، وأنا أعني هذه الكلمة لأنه هو الذي كتبها بدون أي تعليق بينما أسفّ ، وأيضاً أعني هذه الكلمة ، بحق السيد السيستاني وغيره ، كما أسفّ بحق المشاركين في الانتخابات والقائمين عليها والناجحين وغير الناجحين ، والأكثر إثارة للاستهجان والاستنكار هو الإسفاف بحق المواطن العراقي الذي وضع روحه على كفه في مواجهة خفافيش الظلام وقطاع الرؤوس ومضى لأول محاولة حضارية في تاريخ العراق الحديث ، لقد تحدى السيارات المفخخة وعصابات الملثمين ، القتلة المحترفين ، وانتخب ، ومهما كان عدد هؤلاء الأبطال الذين مضوا إلى صناديق الاقتراع التي هي حلم المنطقة كلها ، مهما كان ضئيلا ، لا يستطيع المرادي الكاتب المتنور ، ولا المرادي الذي يضع نفسه في مقالته هذه بين إيديولوجيي المقاومة ، ولا كل طوابير المعارضين للانتخابات، و مهما بالغوا في تشويه ومسخ هذه الانتخابات ، أن يدعوا أنه لم يشارك بها مواطنون عراقيون لا يمكن الشك بوطنيتهم وحبهم للحرية والديمقراطية والاستقلال ، وتاليا كان على من يقول الرئيس خاصته أن يدعوهم بألقابهم أي كمواطنين وأيضاً أن يدعو الوزير والنائب وكل مسمى بتسميته حتى لو كان لا يمحضه التأييد أو الشرعية ، يعني أن يساويه بسيئ الذكر والسيرة ، الرئيس المجرم المخلوع، وهذا أقل حدود الأمانة وأدنى مراتب اللياقة والأدب واحترام الكلمة التي تعني للكاتب أسمى مراتب الشرف ، ناهيك بالاحترام للإنسان مهما كان موقفه السياسي . والموقف السياسي الذي أقصده هو الموقف الفكري السلمي ضمن المنظومة الحضارية للمفاهيم ، وليس ضمن مصطلحات المسالخ والجزارين . إن المقاومة التي توجهها رغد صدام حسين ، وبقايا فلول والدها ، ومخابراته بالمليارات المنهوبة ، من شعب العراق وعرقه ودمه، إضافة إلى استخبارات إيرانية وغير إيرانية ، وعصابات القاعدة ومجاهدها الأكبر ، الزرقاوي الذي يعلن أنه سيقتل حتى الأطفال الذين يصطحبهم ذووهم معهم إلى صناديق الاقتراع ، وقد نفذ ما استطاع من هذه الجرائم ، هو وأشباحه وعصاباته ، بل أبدعوا ، حتى أنهم أرسلوا طفلا مختلا عقليا مفخخا إلى أحد مراكز الاقتراع ، وفجروه بجهاز تحكم عن بعد . هذه المقاومة التي تقطع الرؤوس وتنسف البنية التحتية من ماء وكهرباء وتفجر المنشآت النفطية وتضرب الاقتصاد المنهار أساسا من النهب الصدامي والبعثي وتقتل العراقيين مدنيين وشرطة وحرسا وأطفالا ، وتغتال الكوادر الفنية والثقافية والسياسية ، لا أرى فيها إلا مجموعات إرهابية معادية للديمقراطية والحرية والتقدم والنور وتريد العودة بالعراق والمنطقة والعالم لو استطاعت إلى ما يغدو أمامه ابن تيمية فولتير وهتلر غاندي وهولاكو ابن رشد . -2- في هذا العراق الخارج من قبضة أبشع نظام بجميع المقاييس بعد خراب ليس البصرة وحسب بل المنطقة بأسرها ليلاقي أبشع مقاومة بكل المقاييس ، لا يمكن أن تكون هذه الانتخابات أو غيرها بأفضل مما كانته ، بغض النظر عن التشويه الذي ألحقه بها رافضوها على اختلاف مآربهم ، وبصرف النظر عن التجميل الذي كللها به مؤيدوها ، وأيضاً على اختلاف مآربهم وغاياتهم . إن الحديث عن الديمقراطية في أعرق بلدانها ، ذو شجون ، ولكن الذهنية العدمية ذات الوجهين : إما الاشتراكية أو الوحشية /أو الله أو الشيطان /أو إلخ من الثنائيات القصوية نتاج العقل الاستبدادي المتخلف والقديم ، والتي سقطت سقوطا مدويا في ساحات الفكر والعلم ولم يبق لها أي معنى في التأريخ والواقع ، وها هي تلفظ أنفاسها الأخيرة في منطقتنا و لاسيما في الوضع العراقي الراهن . إنه من المبكر جداً الحديث عن الديمقراطية في العراق ، الأولى الحديث عن نزع الألغام من التربة التي سيتم لاحقا حرثها وبذرها وسقايتها ورعايتها من الانتاش حتى الإثمار. إن الديمقراطية تحتاج ضمن ما تحتاجه إلى أسس مادية اجتماعية وتنموية وهذه هي تلك الأسس التي تقوم المقاومة بنسف أجنتها وأولها الأمن والاستقرار ، وتأسيس دولة وطنية ، ذات مؤسسات حديثة ، مكان دولة العائلة / العصابة المخلوعة والتي تحاول العودة بشتى السبل ، وأهم هذه السبل ، رحيل القوات الأميركية وغيرها ، لتخلو الساحة للبننة العراق حيث المناخ الخصب والملائم لأمراء الإرهاب ودولتهم. إن هذه الانتخابات ما هي إلا بروفة أو محاولة للبدء بالسير على الطريق الطويل ، بل هي الخطوة الأولى عليه نحو بداية إنشاء دولة حديثة تتمثل فيها إرادة الشعب العراقي المنهك بكل تكويناته واتجاهاته ، ولأنها كذلك فلن تكون أفضل مما هي عليه ، ضمن واقع الحال المزري والذي يريده الزرقاويون والصداميون والإيرانيون ومن لف لفهم ، أكثر تفتتاً وبؤساً . -3- إن الثقافة الديمقراطية التي تقوم أساسا على الحوار السلمي المتحضر ، والتنافس الشريف أمام وبين جميع الأطراف التي ينظمها جميعاً ، مبدأ تكافؤ الفرص تحت مظلة قانون مدني ودستور متحضر وفي رحاب العلمانية ، بعيداً عن العنف هي رسالة المثقفين والفئات الوطنية الواعية ، وليس العكس ، و دعوة المرادي وغيره " أينما ثقفتموهم ..." هي دعوة باتت من مخلفات عصور بائدة، إنها ليست جديرة بكاتب يحمل رسالة السلام والتنوير والمحبة. يخطئ من يظن أن الطريق يختلف عن الغاية ، وقد حملت معها العقود الأخيرة، على الأقل، وعلى المستوى العالمي البراهين لمن يرى ويفكر ويستوعب الدروس . إن ثمة في العراق اليوم ما هو أكثر إلحاحا من خروج القوات الأجنبية ، إنه بناء الدولة الوطنية، وبكل أسف ، هذه الضرورة والرغبة في الوقت نفسه غير ممكنة التحقيق بدون وجود هذه القوات ، لأن خروجها يعني اشتعال حرب أهلية إقليمية مركبة وقودها العراقيون ، وعلى النمط اللبناني أيام زمان ، وهذا ليس تنظيراً ، بل هو اليوم واقع الحال على الأرض بالقدر الذي تستطيعه تلك الأطراف ، وبالقدر الذي تستطيع منعه تلك القوات الأجنبية . حين تقوم دولة وطنية حقا وعلمانية حقا وترسي أسس الاستقرار والتطور الديمقراطي ، سترحل تلك القوات الأجنبية أميركية وغير أميركية وبالتفاوض والحوار والاتفاقات الدولية التي ومهما كانت مجحفة ، فلن تكون نتائجها السلبية أسوأ مما يجري حالياً ، وكلما أسرع العراقيون بذلك كانت الخسائر أقل والأهداف أقرب . إن استئصال شأفة الإرهاب من المنطقة ومن العالم ، ضرورة مزدوجة وفيه مصلحة مشتركة ، فكما هو من ضرورات الأمن للغرب الأوروبي والأميركي ، هو أيضا من ضرورات الديمقراطية والتنمية والحداثة لنا . هذه الأثمان الباهظة هي نتائج مباشرة لحكم الطغمة الصدامية وأمثالها، ولن يكون الخروج منها بعودتهم ، والحال أن هذه المقاومة لا تفعل شيئاً غير ما يؤدي إلى عودتهم أو مجيء من هم أشد كارثية وجشعا وإرهابا وحماقة . إن الطريق سيكون طويلا أكثر مما يظن المتفائلون ، وأقصر مما يخطط له الإرهابيون الذين يلفظون أنفاسهم في كل مكان ، وهذه الانتخابات أهم عملية أجريت حتى الآن لمكافحة الإرهاب ، و رغم كل سلبياتها المشروعة والطبيعية جداً هي أنجع وسيلة للتقدم نحو بداية بناء الدولة الحديثة ، وكما تعلمت الشعوب من عرقها ودمها ، يتعلم وسيتعلم العراق من دمه وعرقه ، وسنتعلم منه وتتعلم المنطقة ، شاء من شاء وأبى من أبى ، فلا العراق و لا سواه سيبقى خارج العصر ، ولن يبقى في ثقافته مكان لأفكار منقرضة ترطن مومياءاتها بعبارات وشعارات يهووية ، لا يرويها سوى دماء القرابين البشرية ، تحت أسماء الدين أو الوطن أو شعائر باتت مفضوحة كمقاومة الاحتلال أو ما شابه . كان العراق رائداً للحضارة في القديم ،و يعود اليوم طليعياً في الحداثة والتقدم.
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رغم أنف الارهاب
-
حصان الغفلة
-
الدائرة المكتنزة
-
نبضات الخليوي
-
أغنية نورس جريح
-
كؤوس الغربة
-
رؤى الرغبات
-
وأخيراً... تمخضوا وولدوا
-
الطريق الشاق والخطر
-
الحرية تأنيث للعالم
-
مسرحية صامتة جداً
-
رعشات مشروطة
-
ليس مسيحاً
-
خوابي الضحك والدهشة
-
رماد الوصية
-
المشجب
-
العائلة المقدسة
-
عضة ورشفة
-
أنين الأسئلة
-
عود على بدء: في الانتماء لاجديد سوى الاسم
المزيد.....
-
الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس
...
-
الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو
...
-
غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني
...
-
انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
-
خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
-
عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ
...
-
روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا
...
-
عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
-
مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات
...
-
السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية!
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|