|
ضرورة نقد الدين
داود روفائيل خشبة
الحوار المتمدن-العدد: 3750 - 2012 / 6 / 6 - 14:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مع تصاعد تيار الإسلام السياسى لنا أن نتوقع تزايد الضغط على حرية الفكر والإبداع باستخدام قانون ازدراء الدين. وليس هذا قولا مرسلا، بل إن هناك دلائل وهناك وقائع محددة نعرفها جميعا. وبداية يمكننا القول بأن هناك تعارضا فى الأساس بين مبدأ حرية الفكر والتعبير وقانون يحظر أو يجرّم إعمال الفكر فى مجال من مجالات الحياة. الدين، أىّ دين وأيا كان مضمونه، لا بد أن يقوم فى أساسه على فكرة أو مجموعة من الأفكار، فإذا لم يكن متاحا أن تخضع هذه الأفكار للتمحيص والمراجعة العقلانية، فهذا قيد على العقل وانتقاص من حرية الفكر. يدّعى أصحاب الدين، أو بعضهم على الأقل، أنهم لا يعارضون إعمال العقل فى الدين، بل يتشدّقون بأنهم يحثون على ذلك ويشجعون عليه، لكنهم يتمسّكون بأن هناك "ثوابت" فى الدين، وهناك ما هو فى قولهم "معروف بالضرورة"، وهذه مغالطة خبيثة، وأستخدم كلمة ‘خبيثة’ لا بقصد الإساءة بل لأن هذا الادعاء له نتائج خطيرة. فبينما يروّجون لوهم الدعوة لإعمال العقل، يعملون فى الواقع على إفشاء آفة عقلية فتاكة. فمن اليسير أن نتبيّن أننا إذا ما بدأنا من مسلـّمات لا تخضع للمراجعة، يمكننا أن نتوصّل إلى نتائج بادية الاتساق لكنها فى حقيقتها مغالطات خاوية مضللة. هكذا نجد دعاة الأديان يخرجون علينا بكتبهم وأبحاثهم التى توهم البسطاء بأن وراءها تبحّرا فى العلم ويدعمها تفكير عميق رصين. ولا يلحظ هؤلاء البسطاء، أو لا يتاح لهم أن يلحظوا، أن ‘علماء’ الأديان المعارضة لدينهم يصدرون بدورهم أسفارهم وأبحاثهم التى تثبت بأقوى حجة صحة معتقدات أولئك وبطلان معتقدات هؤلاء. نعود إلى قانون ازدراء الأديان. نلاحظ أن الأديان فى مفهوم القائمين على أمرنا هى ‘الأديان السماوية الثلاثة’. فهل يعنى هذا أن لى أن ‘أزدرى’ معتقدات الهندوكية أو البوذية بلا حرج، مع ما قد يؤدى إليه ذلك من الإضرار بعلاقة بلادنا ببلد كبير صديق مثل الهند أو ببلد يتقدم حثيثا نحو احتلال مكان القوة العظمى مثل الصين؟ ولعل هذا ينبّهنا إلى أن ما نحتاجه حقا ليس قانونا خاصا يمنع ازدراء الأديان، بل نحتاج أمرين يكفلهما القانون العام دون تقييد لحرية الفكر. نحتاج، خارجيا، أن نحترس من إحداث الوقيعة بين بلادنا والبلاد الأخرى، ونحتاج، داخليا، أن نحتاط من إثارة الفتنة بين الطوائف فى البلد الواحد. هذان اعتباران عمليان لا بد من مراعاتهما فى أى مجتمع متحضّر يريد الاستقرار، فما علاقة هذا بموضوع ازدراء الأديان؟ إننى إذا ما كتبت بحثا أو كتابا يناقش موضوعيا وعقلانيا الديانة الهندوكية أو البوذية أو الديانات القديمة فى مصر أو ما بين النهرين أو فارس أو اليونان، فقد يلاقى بحثى نقدا، وقد يثير جدلا فكريا، لكنه لن يكون مدعاة لأزمة فى العلاقات الدولية. وهكذا ينبغى أن يكون الحال إذا ما ناقشت العقيدة اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية. نعلم جميعا أن هذه الأديان الثلاثة، التى نقول إنها ذات قربى، يرفض كل منها الآخران رفضا جذريا. فبرغم ما يقال فى المنتديات والمحافل الرسمية، وكل المؤتمرات والاجتماعات التى تعقد ‘للتقريب بين الأديان’، فإن كلا من هذه الأديان يرى أنه وحده على حق. اليهودية ترى المسيحية هرطقة والإسلام زيفا. المسيحية ترى أن مجىء المسيح أبطل اليهودية ولا تعترف بالإسلام دينا. الإسلام مع اعترافه الشكلى بأنه مواصل لليهودية ولرسالة المسيح إلا أنه يقول بأن كتب اليهودية والمسيحية قد حُرِّفت، وعداء القرآن لليهودية صريح وإنكاره واستنكاره للعقيدة الركن فى المسيحية صارم صارخ. ألا يكون اغتيالا للعقل أن نقبل الاستكانة لهذا الوضع ونحظر التفكير الجادّ الرصين فيه؟ ونحن غير متسقين فى تعاملنا مع القضية، فبينما نضيَق الخناق على الفكر العقلانى والإبداع الجادّ، تمتلئ أرصفة الشوارع وتعجّ الفضائيات بمطبوعات وبرامج وأحاديث مسمومة مزدوجة الضرر، إذ هى مميتة للعقل بقدر ما هى مثيرة للفتن والأحقاد. إنها لوصمة ينبغى أن يبرأ منها أى مجتمع متحضر أن يُقدَّم مفكر للمحاكمة لأنه أخضع عقيدة دينية للتمحيص العقلانى أو أن يجرَّم مبدع لأن عمله أسقط شعاعا من ضوء على عقيدة أو ممارسة دينية ليستحث التفكير فيهما. إن نقد الدين ضرورة حيوية تقتضيها النزاهة الفكرية ويوجبها احترام الإنسان لعقله واعتداده بكرامته.
#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المفهوم الفلسفى للدين
-
مسيرة الفكر الإنسانانى
-
دعوة للعقلانية
-
ظاهرة زغلول النجار
-
همس الحيّة
-
مصر فى التوراة
-
رسالة إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى
-
دعوة للعقلانية
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|