|
الرئيس السوري يخاطب الحاوي
عادل أسعد
الحوار المتمدن-العدد: 3749 - 2012 / 6 / 5 - 14:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في حادثة و قعت منذ أيام في احدى بلدات ريف دمشق المعروفة بمعارضتها للنظام قام مسلحو المعارضة بحرق متجرين مملوكين لاثنين من أهل البلدة لانهم كسروا الاضراب الذي فرضه عليهم الجيش الحر فما كان من السكان إلا أن تكتلوا بهجوم مضاد على المسلحين رداً على استهداف لقمة عيشهم . بالرغم مما تبدو عليه هذه الواقعة كحدث بسيط وسط الغليان الذي يعاني منه البلد إلا أنها تحمل الكثير من الدلالات الهامة على وقائع تتفاعل و تكبر فيما وراء الضجيج السوري . يكمن السر في نجاح الخدع التي يقوم بها لاعب الخفة على المسرح بقدرته على الهاء الجمهور بمتابعة يده الممدودة التي يستعرض بها فنه في الخداع ، فيخضع شخصه في البداية لبقعة ضوء مركزة تستقطب النظر إليه ثم يكثر من التأشير باحدى يديه على أفراد من الحضور، و التلويح ، و مد الأصابع و ضمها أمام الجمهور بينما تعمل يده الأخرى على اتمام الخدعة بهدوء بعيداً عن الأعين المأخوذة بالبهرجات و الأضواء و الموسيقى . لا يوجد فيما يخص سوريا بأزمتها التي تعيشها ما يشابه لعب الساحرعلى المسرح بقدر لعبة السياسة التي طبقت على أرواح السوريين ، للدرجة التي أصبحت فيها لازمة على المراقب أن ينكش جاهداً وراء الحقائق المتوارية تحت أكوام الجثث و خلف أطنان التصريحات و بهلوانيات التحليلات السياسية . منذ أن أطلقت كلينتون لأول مرة من عدة شهور مضت جملتها السحرية "الحرب الأهلية في سوريا" بصيغة الخشية من وقوعها ، تهافت الجميع على تلقفها و اجترارها و بصقها في وجوهنا بين الفينة والأخرى . فمن مضارب العربان إلى ساسة الغرب ، و من مفخخات المعارضة المسلحة و اخراجات أصحاب الكاميرات ، إلى الكتاب السياسيين "النص كم" و فضائيات "حظر الفضائيات" أصبحت جملة الحرب الأهلية السورية هي اليد التي تتحرك أمام الأعين لتأخذها إلى خدعة سياسية تقود إلى حالة عسكرية "مفترضة" و لتطمس واقع ميداني هو ما زال بعيداً بمراحل عن الحرب الأهلية المزعومة . قد فات على الأعلام المعارض للنظام السوري و على البعض من كتاب السياسة ممن لا يعرفون عن الشأن السوري أكثر من معرفتهم للفرق بين "الغزو الجهادي" و الثورة الشعبية ، فاتهم أن للحرب الأهلية في سوريا اشارات واضحة تسبقها بمراحل مثل اطلاق النفير العام من قبل السلطات و فرض حظر التجول و اعلان التعبئة العامة ، كما أن لها شروطاً ممهدة يجب أن تتوفر بحدها الأدنى قبل اشتعال البلد ، من أهمها هو استعداد الشريحة الأكبر من الشعب للقتال و للتضحية باستقرارها الأمني و المعيشي ، و عدم التفكير في النتائج التالية للحرب بل التركيز فقط على الهدف الآني من القتال الذي هو في الحالة السورية اسقاط النظام دون الالتفات للطوفان الذي ينذر منه الأعلام الموالي في حالة تفاقم الأمور. لكن الأرقام في سوريا تقول بأن غالبية الشعب تنتمي لما يعرف "بالفئة الصامتة" تلك التي لم تنخرط بعد في الحدث السياسي بصرف النظر عما تضمره في داخلها ، كما أن المسلحين هم في غالبيتهم من أبناء الأرياف الفقراء و من العاطلين عن العمل و ذوي التحصيل العلمي المحدود ، مما يعني أن السلاح المعارض هو في النهاية بيد أقلية غير منتظمة في كتلة متجانسة على مستوى البلد ، فهي تبقى بعد كل ألاعيب الحاوي لضمها تحت اسم موحد عبارة عن عصابات أو ميلشيات في أحسن أحوالها ، و هذا ما يظهره العدد الكبير لأسماء الكتائب المعارضة التي تعمل مستقلة عن بعضها البعض كل في منطقته و على هواه و حسب غرائزه و الجهة الممولة . فهناك من يقاتل قوات الأمن و الجيش السوري فقط ، لكن هناك أيضاً من يركز على خطف الأفراد بقصد الفدية و هناك من يقوم بخطف مجموعة من الحجاج خدمة لأجندة سياسية ، و أخر يعمل على تهجير جاره تحت طائلة القتل و ينوح بنفس الوقت على استهدافه طائفياً !! قد عملت المجوعات المسلحة و منظري الثورة السورية الكثير لتعزيز كتلتهم بالتركيزعلى الفئة الصامتة لاستجرارها للانخراط بشكل جدي في المعركة المقدسة ضد النظام السوري ، لكن محاولاتهم قد باءت بالفشل على مدى أكثر من عام دون أن تتوقف المعارضة لوهلة لدراسة الفروقات التي أحجمت الكثيرين عن المشاركة الفعلية معها و توقفهم في أحسن الأحوال عند حدود التعاطف الوجداني أو الاقتصادي من باب الواجب لا أكثر ، الأمر الذي ضيق من أفق الجماعات المسلحة في معركتها مع السلطة و حصرها في زاوية العمل في مساحات صغيرة و متعددة و باسلوب العصابات والغزو . فعلى سبيل المثال قد أفضت المراهنة على عامل الزمن لجر الطبقة المتوسطة و طبقة أصحاب المال من الصامتين إلى حضن المعارضة إلى نتائج مغايرة للتوقعات ، فجمود البلد اقتصادياً و انفجاره أمنياً قد أدى مع اطالة أمد الأزمة إلى تململ عاطفي عند من كان قلبه مع الحراك و انتابه حنين للعودة إلى الوضع السابق الذي كانت فيه دورة المال و الأمن بوضع أفضل من الأن بما لا يقارن بدلاً من أن يتجه خياره نحو التصعيد و المطالبة برحيل النظام كوسيلة لتجاوز الأزمة . العامل الثاني المؤسس للحرب الأهلية و الذي لا يقل أهمية عن الأول هو انفراط عقد الجيش الوطني و انحلاله الشيء الذي لم و لن يتحقق في سوريا حسبما قالت الوقائع على مدى أكثر من عام . فالجيش السوري مازال متمسكاً بنفس الولاء أكثر من ذي قبل و الكتلة المركزية الفعالة فيه لم تفقد شيئاً من قوتها بالرغم من عديد حالات الفرار و التي حولتها يد الحاوي إلى انشقاقات لم نشاهد فيها منذ بداية الأحداث و لا كتيبة واحدة قد انشقت مع سلاحها و عتادها . و عقيدة الجيش القتالية لم تتأثر أيضاً بدليل طاعته لتنفيذ الأوامر العسكرية الصادرة عن قيادته مهماً كانت خطرة و مهما تكررت ، و بالرغم من الضحايا التي تسقط منه تباعاً إلا أن المعارك لم تسجل حتى اللحظة ولا حالة عصيان واحدة في صفوفه . كل ما يخص الجيش السوري هو معروف للحاوي و خاضع للدراسة و التدقيق من قبل المنظمين للعرض لكن هذا لا يعني بأن التسليم هو الحل بالنسبة لهم ، ففي الحالات التي بقي فيها الجيش متماسك في أنظمة كان يجب أن تسقط لتنجح الخدعة السحرية تم اللجوء إلى تدخل خارجي لانهاء العرض و لاجبار المشاهدين على التصفيق مثلما حدث في يوغوسلافيا و العراق و ليبيا . و لضمان القيام بهذا الاجراء الموازي في سوريا قامت حرب شرسة في أروقة الأمم المتحدة لتأمين غطاء شرعي شكلي احتياطي ينقذ العرض عند الضرورة و ينقذ معه عائدات شباك التذاكر. لكن للنظام السوري طاقم دبلوماسي لا يقل التزاماً عن جيشه عمل على فتح جبهة دبلوماسية مضادة بمساعدة حلفاؤه جعلت من بشار الجعفري شخصية لامعة و اسماً عالمياً استطاع حتى الأن أن يحد من حركة اليد الاستعراضية للحاوي العالمي و ينكش في قوانين اللعبة الكلاسيكية التي تمارس في أروقة هيئة الأمم و التي قال عنها الرئيس السوري في لحظة صفا بعيدةََ عن تكلفات السياسية "أنها لعبة و نحن مجبرين على الخوض فيها" و ختمها بتصريح صفا في خطابه الأخير الذي ضمنه نقطتين جوهريتين هما كل ما أراد الافصاح عنهم للجميع ، المنتظرين و المترقبين و الدارسين و هما : أولاً التنويه بقدرة الجيش السوري على الحسم عند تلقيه الأوامر بذلك ( خلافاً للصورة السلبية التي ركزت يد الحاوي مؤخراً على رسمها عن انضباطه و عن قدراته ) و المواجهة بأننا في حالة حرب حقيقية و بأن من حمل السلاح لم يعد ينتمي إلى توصيفات سياسية رومانسية من قبيل انه مغرر به و ان الأبواب مشرعة لاستقباله بالأحضان عندما يحلو له أن يعود عن غيه ، فالعنف الشديد و حجم الدماء المسالة و كمية الخراب العام قد سحبت عن المسلحين صفة أبناء البلد المخالفين بالرأي و حولتهم إلى أعداء غرباء يعيثون فساداً في الأرض و الوقت لم يعد يسمح بمهادنتهم . ثانياً التنويه إلى يد الحاوي الساكنة التي نفذت خدعتها بهدوء و استدرجت النظام في سوريا إلى الخوض في لعبة خاسرة منذ البداية ، فأتى الخطاب الأخيرليعلن فيه الرئيس السوري بأن هذه اللعبة قد انتهت بالنسبة له و لم تعد تلزمه أو تلزم البلد بشيء بعدما حُرقت لأجلها طوال عام كامل كروت الحسم العسكري و سقطت بين فصولها الضحايا تباعاً . فالساحرالألعبان قد استطاع طوال هذا العام من على مسرحه الدولي على جر النظام السوري إلى معركة سياسية يكون هو اللاعب الأكبر فيها و هو الحَكم الأول عليها بنفس الوقت ، و هي معركة الاثبات بأن المعارضة السورية تحوي مسلحين يقتلون المدنيين و رجال الأمن و الجيش ، و بأن النظام يمارس دوره الطبيعي في الحفاظ على الأمن و في القصاص من الجناة . لكن الحَكم الذي رفض بكل فجور الحواة أن يدين مقتل الألاف من رجال الجيش و الأمن و لم تحركه أشلاء المئات من المدنيين من ضحايا التفجيرات ، و لم ترف عينه من مشاهد سحل الجثث و قطع الرؤوس هو نفسه الحَكم الذي اختار توقيته فأقام الدنيا و لم يقعدها على مجزرة الحولة و أرغى و أزبد قبل أن يُفتح تحقيق فيها حتى . كما أنه هو ذات الحاوي الذي سرب تقريراً في نفس يوم خطاب الرئيس السوري يورد فيه بأن له قوات من المخابرات تعمل على الأرض السورية لدعم المسلحين في محاولة منه لخلط الأوراق و لفتح نافذة وقائية في مرحلة الحسم التي سينفذها الجيش السوري . و هو نفسه الساحر الذي فُضحَت مكنوناته بتقرير سياسي وحيد نشره أكبر المواقع المعارضة للنظام السوري جاء فيه أن اجراء طرد السفراء السوريين قد تم " فقط " بعد حريق مجمع فيلاجو في قطر كنتيجة للشك بأن الحادث هوعملية مقصودة قامت بها المخابرات السورية مما يعني ضمنياً بأن ضحايا ذاك الحريق التسعة عشرهم بالنسبة للغرب و " للعربان" يفوقون بقيمتهم آلاف الضحايا السوريين ، و يعني أيضاً أن من توهم للحظة بأن أبناء الصحراء يملكون من الماء ما قد يروي ظمئه قد أثبت أنه متفرج ساذج لم يبارح مكانه في عرض الدم و مازال مبهوراً بالأضواء الملونة والموسيقى الصاخبة بينما اليد الساكنة للحاوي تقلم الوتد بهدوء .
#عادل_أسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تستخفوا بالنظام السوري
-
بل أهل الشام من أدرى بشعابها 2-2
-
بل أهل الشام من أدرى بشعابها (1)
-
و لا عزاء للمتسائلين
-
تلفن جوبيه...هيدا جوبيه هيدا
-
حتى أنت يا ميسي
-
سوريا الوسيلة .. سوريا الغاية
-
سوريا الصامتة بين الشبيحة و الموتورجية
-
وجهة نظر سورية
-
تساؤلات سورية غير مشروعة (2)
-
تساؤلات سورية غير مشروعة (1)
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|